الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الثانية
لم تسمح ظروف خاصة بانتشار الطبعة الأولى من هذا الكتاب في البلدان العربية والإسلامية، بل لم تسمح تلك الظروف بانتشاره حتى في معظم المدن العراقية نفسها إلا في نطاق ضيّق جدا للقراء وإلا ما وصل منه هدايا لبعض القادة والمفكرين والصحف في العراق وفي خارجه.
وما كنت أتوقع أن يقابل هذا الجهد المتواضع، بمثل ما قوبل به من تشجيع لا أملك أن أقابله الآن بغير الشكر الجزيل، ذلك لأنني أعلم ما تستحقه مثل هذه الدراسة عن رسول الانسانية صلى الله عليه وسلم من جهد وعلم وإيمان لا تتيسّر في أمثالي؛ ومن أكون حتى أو في حقّ دراسة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم العسكرية، وقد عجز من قبلي عن إيفاء حقها أكابر العلماء والمفكرين؟!
ولكن الله يعلم أنني لم أرد بهذا الكتاب إلا وجهه الكريم، وأن أقضي واجبا كنت ولا أزال أشعر بثقل مسؤوليته الجسمية على كاهلي الضعيف خدمة للرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام باظهار ناحية الجهاد في الاسلام مبسّطة في جهاد النبي العربي العظيم، لهذا وافقت على إعادة طبعه ليتيسّر اقتناؤه في أوسع نطاق من بلاد المسلمين.
وسيجد القراء الكرام، أن الحرب في الاسلام حرب دفاعية بكل ما في الكلمة من معنى، لا يبدأ المسلمون فيها بالإعتداء على أحد، ولا يريدون من ورائها إلا حماية حرية نشر الدعوة وتوطيد أركان السلام في العالم؛ لأنّ الاسلام جاء للناس كافة لا لأمة من الأمم ولا لشعب من الشعوب، ولكنه جاء للعالم كله أملا في تحقيق فكرة سامية، هي فكرة وحدة الانسانية جمعاء؛ لهذا شجّع
الإسلام كل طلب للصلح يعرضه العدو: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها)«1»
…
وقد يكون هذا العدو غير مخلص في طلبه هذا أو يقصد به كسب الوقت استعدادا لحرب أخرى، أو يكون يريد أن يخدع المسلمين مبيتا الغدر بهم أو إلحاق الاضرار بمصالحم العليا، ومع كل ذلك يحتم الاسلام النزول عند رغبات العدو السلمية:(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ)«2»
…
ولست أعلم مبدءا ساميا غير الإسلام يجيز الموافقة على إقرار السلام فورا دون قيد أو شرط بمجرد إقدام العدو على طلب إقراره مهما تكن الظروف والأحوال، ولكن السلام في الإسلام مادة وروح فهو لخير البشر على اختلاف أقطارهم وألوانهم ومللهم ونحلهم، بينما السلام عند أدعياء السلام مادة، لذلك فالسلام في غير الاسلام عرقلة لتسليح غيرهم وزيادة لتسليحهم من جهة، وقتل وسحل وتشريد وتعذيب وفتك بأعدائهم من جهة أخرى.
بل إنّ السلام في الإسلام نور يضيء للناس كافة، والسلام عند أدعياء السلام لا يراد منه إلا نار تحرق وتدمر غيرهم من الناس
…
(يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)«3» .
ومتى انتشرت فكرة السلام الإسلامي في العالم، ساده السلام الحقيقي وانتشرت في ربوعه السعادة والاطمئنان؛ وإلا فسيبقى في حرب باردة تارة وفي حرب دامية تارة أخرى، وستبقى البشرية في هلع دائم من ويلات الفتن والحروب.
لقد كانت خسائر الشعوب في الحرب العالمية الأولى أقل من عشرة ملايين
(1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 61.
(2)
- الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 62.
(3)
- الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 9.
نسمة فضلا عن الخراب والدمار الذي لحق بالممتلكات، ولكن خسائر الشعوب في الحرب العالمية الثانية بلغت أكثر من ستين مليونا من القتلى المدنيين والعسكريين كما قتل سبعة عشر مليون طفل بالغارات الجوية ودمّر ثلاثون مليونا من الأبنية واثنان وعشرون مليونا من المساكن عدا المآسي المروّعة التي صاحبت الحرب. فكم ستكون خسائر الإنسانية في حرب عالمية ثالثة، وقد أصبحت الأسلحة التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية قديمة جدا وكأنها لعب أطفال بالنسبة للأسلحة النووية والصواريخ عابرة القارات
…
ونحوهما مما سيستخدم إذا نشبت حرب جديدة «1» ؟
إن الإسلام وحده هو الذي يستطيع نشر السلام في ربوع العالم ويشيع فيه الثقة والاطمئنان، أما دعاة السلام الذين هم في الحقيقة أعداء السلام، فقد عرف الناس ماذا يعني سلامهم من فتك وتدمير يشمل الأبرياء وغير الأبرياء على حد سواء
…
هؤلاء الأدعياء يجب أن يتواروا الى الأبد خجلا من الكرامة الإنسانية التي عفروها بالتراب ويفتشوا عن أحبولة أخرى لا يعرفها الناس غير الادّعاء بأنهم أنصار السلام «2» !!!
والله أسأل أن يهدي الإنسانية الى طريق الإسلام: طريق المحبة والخير والسلام.
(1) - يقدر خبراء العسكريين المعتمدين، أن خسائر الحرب النووية ستكون ثلثي العالم قتلى ومشوهين وعاجزين. أما الثلث الباقي فسيبقى يعاني من آثار الاشعاع الذري. وسيكون من نتائج الحرب النووية القضاء على الحضارة العالمية والعودة الى حضارات العهود السحيقة في التاريخ.
(2)
- كتبت هذه المقدمة في عهد قاسم العراق، ونشرت في ذلك العهد، يوم كانت أعمال أدعياء السلام المزيفين مائلة للعيان في الموصل وفي كركوك.