الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دروس من الحديبية
1- توخّي الهدف:
توخي الهدف مبدأ من مبادىء الحرب المهمة، وهو أن نعرف هدفنا تماما ونفكر بأقوم الطرق لتحقيقه، ثم نقرّر خطة مناسبة للحصول عليه وننفذ تلك الخطة جاعلين هدفنا الرئيس وحده نصب أعيننا دون أن تعيقنا أو تغيّر من خطتنا الأهداف الثانوية الأخرى.
وقد برز مبدأ توخي الهدف لدى الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية بأجلى مظاهره حتى يمكن أن تكون دروس هذه الغزوة من أروع الأمثلة المفيدة للذين يريدون أن يفهموا معنى توخي الهدف.
قرّر الرسول صلى الله عليه وسلم منذ مغادرته المدينة ألا يحارب قريشا، بل يبذل كل جهده للتفاهم معها، إلا اذا لم يجد مناصا من القتال
…
ووضع هذا الهدف نصب عينيه دائما.
خرج محرما، واستصحب أسلحة الراكب وهي السيوف في القرب؛ فلما علم من دوريات استطلاعه اعتزام قريش على قتاله، أصرّ على (السلم) ، فخرج عن الطريق العام الى طريق فرعية وعرة شديدة الوعورة، مما جعل أصحابه يكابدون المشقات عند قطعها؛ ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يهدف من الخروج عن الطريق العام إلا التملص من اصطدام أكيد بطلائع قريش، لأن المكوث في موضع (عسفان) الذي وصله المسلمون، يؤدي الى اصطدام الفريقين، لاندفاع خيالة قريش أمام قواتها الأصلية واقترابها من مواضع المسلمين. ولو انسحبت قوات المسلمين إلى الخلف باتجاه المدينة، لطاردتهم قوات قريش أيضا، وفي هاتين الحالتين سيحصل الاصطدام الذي لا يريده الرسول صلوات الله وتسليمه عليه.
ولكن خروجه عن الطريق العام الى طريق فرعية باتجاه مكة، جعل طلائع قريش تضطر الى الاسراع في العودة أدراجها للدفاع عن مكة، لأن المسلمين هدّدوها تهديدا مباشرا وأصبحوا قريبين منها. ولم تكن حركة المسلمين على هذه الطريق خوفا من قوات قريش، لأن الذي يخاف عدوه لا يقترب من قاعدته «1» الأصلية وهي مركز قواته، بل يحاول الابتعاد عن قاعدة العدو الأصلية حتى يطيل خطوط مواصلات «2» العدو، ويذلك يزيد من صعوباته ومشاكله ويجعل فرصة النصر أمامه أقلّ من حالة الاقتراب من قاعدته الأصلية.
وعندما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم (الحديبية) بقي مصرا على هدفه (السلام) الذي لم ينسه قط: أفسح المجال لمفاوضي قريش بالقدوم الى معسكر المسلمين في كل وقت للتأكد من نيات المسلمين السلمية، وأرسل مفاوضين من المسلمين ليؤكدوا للمشركين صدق نياتهم السلمية.
وعندما هاجم قسم من المشركين معسكر المسلمين ورموهم بالنبل، حاول المسلمون حينذاك أن يلقوا القبض على المهاجمين دون أن يوقعوا بهم خسائر بالأرواح أو بالأموال؛ فاستطاعوا فعلا تطويقهم والقبض عليهم، ثم أطلقوا سراحهم وأعادوهم الى قريش دون أن يلحقوا بهم أي أذى.
ألا يدل ذلك على إصرار الرسول صلى الله عليه وسلم على التفاهم مع قريش وإحلال السلم بين الطرفين؟
لقد لاحظنا في هذه الغزوة دون غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم الأخرى، أنه لم يستشر أصحابه في عقد الهدنة واستقلّ هو برأيه، وسبب هذا الإصرار على
(1) - القاعدة: هي المنطقة التي يستند اليها الجيش قبل شروعه في العمليات الحربية، والقاعدة نوعان: قاعدة العمليات وقاعدة التموين، وتتوحدان على الأغلب ويندر ان تكونا منفصلتين.
(2)
- خطوط المواصلات: هي الخطوط التي تربط الجيش بقاعدته.