الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج- نظّم المشركون قوّتهم للقتال بأسلوب (الصف) وأمّنوا حماية ميمنة الصفوف وميسرتها بالفرسان.
د- بذلت نساء قريش- خاصة هند بنت عتبة زوج أبي سفيان- أقصى جهودهن لتشجيع قريش وبعث الحماس في نفوسهم لأخذ ثاراتهم من المسلمين.
2- المسلمون:
أ- بعث العباس عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة مع أحد الرجال، يخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم عن وقت خروج قريش لقتاله وعن عدد قواتها، فأسرع الرجل بالرسالة حتى قطع الطريق بين مكة والمدينة في ثلاثة أيام، فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم ماكثا بمسجد (قباء)«1» ، فدفع إليه بالرسالة.
ب- قرأ أبي بن كعب الرسالة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فطلب ألا يبوح بمضمونها لأحد وعاد الرسول الى المدينة المنورة.
ج- بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه «2» لمعرفة الموضع الذي وصلت اليه قريش، فوجداها قاربت المدينة المنورة، وأطلقت خيلها وإبلها ترعى زروع (يثرب) المحيطة بها.
د- خشي المسلمون عاقبة هذه الغزوة، لأنّ قريشا أكملت استعداداتها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ حروبها، فبات المسلمون من أهل المدينة المنورة وعليهم السلاح بالمسجد كما بات الحراس في مداخل المدينة لحراستها.
هـ- جمع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الرأي من المسلمين صباح يوم الجمعة 15 شوال من السنة الثالثة للهجرة لاستشارتهم في كيفية لقاء العدو.
(1) - قباء: قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد الى مكة بها أثر بنيان كثير. انظر التفاصيل في معجم البلدان 7/ 21.
(2)
- هما: أنس ومؤنس ابنا فضالة الظفريين. انظر طبقات ابن سعد 2/ 37.
كان رأي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحصنوا بالمدينة المنورة وأن يدعوا قريشا خارجها، فإذا دخلتها قاتلهم فيها قتال الشوارع في منطقة يعرفها المسلمون كل المعرفة ولا تعرفها قريش، مما يساعد المسلمين على ضرب قريش وإيقاع الخسائر الفادحة بها، وكان رأي كبار الصحابة مثل هذا الرأي كما كان هذا رأي عبد الله بن أبيّ.
ولكنّ الرجال الذين لم يشهدوا (بدرا) - خاصة الشباب منهم- تحمّسوا للخروج من المدينة وملاقاة قريش خارجها وأيّدهم رجال اشتركوا ببدر، كي لا يرمى المسلمون بالجبن لاضطرارهم الى القتال داخل المدينة، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأكثرية تؤيد الخروج، فقال لهم:(إني أخاف عليكم الهزيمة) ، فأبوا مع ذلك إلا الخروج، فنزل على رأي الأكثرية، لأن الشورى كانت أساس نظامه الذي لا يحيد عنه.
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته أن يتهيئوا للخروج، ودخل داره وتقلّد سيفه وارتدى عدّة القتال، ثم خرج الى الناس.
شعر القوم أنهم استكرهوا الرسول صلى الله عليه وسلم على رأيهم، وأظهروا الرغبة في النزول على رأيه، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد غضاضة في الاضطراب بين شتى الآراء والتردّد في قرارته، فقال:(ما ينبغي لنبي لبس لأمته «1» أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه)
…
ثم طلب إليهم الصبر عند البأس.
ز- تقدّم النبي صلى الله عليه وسلم بألف رجل، حتى نزل (الشيخين)«2» - موضع في ضواحي المدينة- وهناك رأى مع المسلمين مفرزة لا يعرف أهلها، فلما سأل
(1) - اللأمة: الدرع. وقد يسمى السلاح كله لأمة.
(2)
- الشيخان: موضع بالمدينة كان فيه معسكر رسول الله (ص) ليلة خرج لقتال المشركين بأحد. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 5/ 319 وهو في منطقة جبل أحد.
عنها علم أن أفرادها من يهود حلفاء عبد الله بن أبي، فرفض معاونتهم له إلا أن يسلموا أو يعودوا أدراجهم. وقال:(لا تستنصروا بأهل الشرك على أهل الشرك) ، فعادوا الى المدينة.
وانسحب بعدهم عبد الله بن أبي مع ثلاثمائة من أنصاره المنافقين، فبقي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبعمائة من أصحابه يستعد بهم لقتال ثلاثة آلاف مقاتل من المشركين.
ح- عسكر المسلمون بالشّعب من موضع (أحد) في عدوة الوادي، جاعلين ظهرهم الى جبل (أحد)، وكانت مجمل خطة الرسول صلى الله عليه وسلم للقتال ما يلي:
أولا: وضع خمسين من الرماة بإمرة عبد الله بن جبير «1» في موضع على طريق تؤدي من الجبل الى خلف قواته، وكان هدفه من وضع هذه القوة هو حرمان العدو من الالتفات على قواته من الخلف، ولتكون هذه القوة قاعدة أمينة لقواته، تحمي ظهرها وتستند إليها وتستر انسحابها عند الحاجة.
وأصدر لهذه القوة الأمر الجازم التالي: (أحموا لنا ظهورنا، فإننا نخاف أن يجيئوا من ورائنا، وألزموا مكانكم لا تبرحوه. وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدفعوا عنا، وإنما عليكم أن ترشقوا خيلهم بالنبل، فإن الخيل لا تقدم على النبل) .
ثانيا: نظّم أصحابه صفوفا للقتال بهم بأسلوب (الصف) ، وتخيّر الأشداء ليكونوا طليعة الصفوف.
(1) - عبد الله بن جبير الأنصاري: شهد بيعة العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار وشهد بدرا وأحدا، واستعمله رسول الله (ص) على الرماة في أحد لحماية ظهور المسلمين؛ فلما اختلف الرماة وانسحب أكثرهم من مواضعهم لأخذ الغنائم من معسكر المشركين، ثبت عبد الله في مكانه مع نفر لا يبلغون العشرة قاوم بهم هجوم خالد بن الوليد حتى فنيت نبله، فطاعن بالرمح حتى انكسر، فكسر جفن سيفه فقاتل فرسان خالد حتى استشهد بطلا. راجع التفاصيل في طبقات ابن سعد 3/ 475، والإصابة 4/ 45، وأسد الغابة 3/ 130، والاستيعاب 3/ 877.
ثالثا: أصدر أوامره بألّا يقاتل أحد إلّا بأمر منه.
رابعا: أخذ يشجّع أصحابه ويحثّهم على الصبر في القتال.
ط- ولبعث التنافس الشريف بينهم في إظهار البطولة، أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم سيفا بيده، فقال مخاطبا أصحابه:(من يأخذ هذا السيف بحقّه) ؟ فقام اليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام أبو دجانة سماك بن خرشة «1» فقال:
(وما حقّه يا رسول الله) ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن تضرب به العدو حتى ينحني) .
وكان أبو دجانة رجلا شجاعا له عصابة حمراء، إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فأخذ السيف وأخرج عصابته الحمراء التي كانوا يسمونها:(عصابة الموت) وعصب بها رأسه، وجعل يتبختر بين الصفين على عادته إذ يختال عند الحرب، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يتبختر قال:(إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن) .
ي- بهذه الخطة وبهذا الاندفاع كان وضع المسلمين قبل نشوب القتال في (أحد) .
(1) - سماك بن خرشة الخزرجي الساعدي الأنصاري: مشهور بكنيته، أبي دجانة، شهد بدرا وأحدا وجميع المشاهد مع رسول الله (ص) ، وأعطاه رسول الله يوم أحد سيفه، وقال:(من يأخذ هذا السيف بحقه) ؟ فأحجم القوم، فقال أبو دجانة:(أنا آخذه بحقه) ، فدفعه رسول الله (ص) إليه ففلق به هام المشركين. كان من الشجعان المشهورين بالشجاعة، وكانت له عصابة حمراء يعلم بها في الحرب، فلما كان يوم أحد أعلم بها واختال بين الصفين، فقال رسول الله (ص) :(إن هذه مشية يبغضها الله عز وجل إلا في هذا المقام) . وهو من فضلاء الصحابة وأكابرهم له مقامات محمودة في مغازي رسول الله (ص) . استشهد يوم اليمامة بعد ما أبلى فيها بلاء عظيما، وكان لبني حنيفة باليمامة حديقة يقاتلون من ورائها فلم يقدر المسلمون على الدخول إليهم فأمرهم أبو دجانة أن يلقوه إليها ففعلوا فانكسرت رجله فقاتل على باب الحديقة وأزاح المشركين عنه ودخلها المسلمون وقتل يومئذ، وقيل بل عاش حتى شهد صفين مع علي. أنظر التفاصيل في طبقات ابن سعد 3/ 556، والإصابة 7/ 57، التسلسل 371، وأسد الغابة 2/ 352، والاستيعاب 2/ 652، التسلسل 1061.