الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- تفصيل معنى الحرب العادلة:
أ- حرب دفاعية:
ارتكبت قريش كل الظلم والعدوان ضد المسلمين عندما كانوا في مكة، فلم يبق هناك مجال للمسلمين غير ترك أموالهم وأهليهم والهجرة من مكة الى الحبشة أولا وإلى المدينة أخيرا تخلصا من هذا الظلم والعدوان.
هاجر أكثر المسلمين من مكة فرارا بعقيدتهم فقط، تاركين فيها كل ما يملكونه من أهل ومال، وكان أكثر هؤلاء المهاجرين من الذين حمتهم عصبتهم من أن يصيبهم ما أصاب المستضعفين في الأرض من المسلمين الذين عذبتهم قريش ولقوا مصارعهم من جراء هذا التعذيب.
حتى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، لاقى التكذيب والإهانة، واستمع بصبر عجيب الى دعايات قريش الكاذبة ضده ومكافحتها العنيفة للدين الجديد.
وقد نجا الرسول صلى الله عليه وسلم من مؤامرة قريش المحكمة التي دبرتها لاغتياله، كما نجا من مطاردة قريش له في هجرته من مكة الى المدينة متحملا المشاق والأهوال.
فأي ظلم وعدوان أكبر من هذا الظلم والعدوان الذي أصاب المسلمين؟
ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة قال لقريش: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) !!
لم يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم عدوا إلا مضطرا لقتاله، وكل غزواته كانت لرد اعتداء خارجي أو داخلي أو لإحباط نية اعتداء، ولم يجد من عدو ميلا للسلام إلا بادر الى تشجيع هذا الميل، والارتباط بهذا العدو بالمحالفات.
إن دراسة أسباب غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم بروح محايدة بعيدة عن الهوى، تثبت أن المسلمين لم يعتدوا على أحد، لأن الله لا يحب المعتدين.
كما أن تلك الدراسة تثبت أن المسلمين لم يريدوا بقتالهم إكراه الناس على الدخول في الإسلام، فقد بقي كثير من رجالات قريش على الشرك بعد الفتح
وشهدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة (حنين) ، وكان المسلمون يعرفون أن هؤلاء لا يزالون على عقيدتهم الأولى، ومع ذلك لم يجبرهم أحد على تبديل دينهم:
(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)«1»
…
(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)«2» ؟!
من هؤلاء صفوان بن أميّة وأبو سفيان بن حرب وكلدة بن الجنيد.
ألم يكن بإمكان المسلمين أن يجبروا هؤلاء على اعتناق الإسلام، بعد أن استسلمت قريش وفتحت مكة أبوابها للمسلمين؟؟
إن القول بأن هدف القتال في الإسلام هو نشر الدعوة هراء لا يستند الى الواقع، ولكنّ هدف القتال هو حماية حرية نشر الدعوة، وحماية الدعوة، وإقرار السلام، وشتان بين الهدفين!
ومع أن الحرب الإسلامية دفاعية لأنها بعيدة عن الظلم والعدوان، إلا أن هذا الدفاع غير مستكن «3» ، بل هو دفاع تعرّضي كما يسمى في المصطلحات العسكرية الحديثة، ومعناه أن المسلمين لا يبدأون بالاعتداء، ولكنهم يدافعون عن أنفسهم ضد كل اعتداء بالهجوم المضاد لسحق قوات المعتدين.
ب- حرب لتوطيد السلام:
أظهر مشركو المدينة ويهودها بعيد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة ميلا الى السلم، فشجّع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الميل السلمي وعقد معهم معاهدة أمّنت لجميع سكان المدينة حرية الرأى والأمن.
وقد حالف الرسول صلى الله عليه وسلم كل قبيلة أظهرت رغبتها في السلام كما فعل مع بني ضمرة في غزوة (ودّان) ومع بني مدلج في غزوة (العشيرة) ومع قريش في غزوة (الحديبية) .
(1) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 256.
(2)
- الآية الكريمة من سورة يونس 10: 99.
(3)
- الدفاع المستكن: الدفاع الثابت المحروم من قابلية الحركة للقيام بالهجوم المضاد.
بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبذل كل جهده لتحقيق أهدافه السلمية، حتى لو أدّى ذلك الى تذمر قسم من أصحابه، كما حدث في غزوة (الحديبية) .
إن السلام يضمن الاستقرار، وقد انتشر الإسلام في فترة صلح (الحديبية) - وهي فترة سلام- انتشارا عظيما بين الناس لم ينتشره في أيام الحرب، بل إن انتشاره في أيام السلام كان أضعافا مضاعفة لانتشاره في أيام القتال.
إن الجنوح الى السلم دين: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها)«1» ، فلا عجب إذا رأينا الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل بل يشجّع كل العروض السلمية التي تقدّم بها أعداؤه في كل مكان وزمان.
إن السلم في الإسلام هي القاعدة الثابتة، والحرب هي الاستثناء.
ولكنّ الإسلام يدعو للسلام لا للاستسلام: يسالم من يسالمه ويعادي من يعاديه، ولكنه لا يعتدي على أحد ولا يظلم أحدا، ولا يرتضي للمسلمين الظلم والعدوان.
ج- حرب إنسانية:
أولا- احترام الأبرياء:
لم يتعرّض الرسول صلى الله عليه وسلم بغير المقاتلين في غزواته، وحرص على صيانة واحترام أرواح وأموال الأبرياء.
لما استسلم بنو قريظة، قتل المسلمون الرجال الذين قاتلوهم (فعلا) ، لأنهم خانوا عهودهم وعرّضوا المسلمين للفناء. أما الأطفال والنساء من بني قريظة فلم يصابوا بأذى، كما أن الذين ثبتوا على عهودهم من يهود لم يصابوا بسوء أيضا.
والمرأة الوحيدة التي قتلت من بني قريظة، هي التي قتلت مسلما بقذفه
(1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 61.
بالرحى من فوق سطها، وإنما كان قتلها عقابا لها على جنايتها هذه، كما هو واضح ومعروف.
ولما خرج المسلمون لغزوة (مؤتة) أوصاهم النبي صلى الله عليه وسلم بألّا يقتلوا النساء والأطفال والمكفوفين ولا يهدّموا المنازل ولا يقطعوا الأشجار.
إن البريء لا يؤخذ بجريرة المذنب: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)«1» ، هذا هو مبدأ الإسلام الذي لن يحيد عنه.
ثانيا- الأسرى والرهائن:
أسر المسلمون سبعين أسيرا من قريش في غزوة (بدر)، فقسّم ثمانية وستين أسيرا من هؤلاء على أصحابه قائلا:(استوصوا بالأسارى خيرا) .
ثم فادى أغنياء الأسرى بالمال، أما الفقراء فأطلق سراح قسم منهم دون مقابل، وكلّف المتعلمين منهم بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة، ثم أطلق سراحهم بعد تعليمهم هؤلاء الأطفال.
ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتل أسيرين من السبعين أسيرا، لأنهما أجرما في حق المسلمين وعذّبا المستضعفين منهم وشنّعا على الإسلام، فكان قتلهما لجرائمهما لا لأنهما أسيران.
إن هذين الأسيرين كانا (مجرمي حرب) كما يطلق عليهما في التعابير العسكرية الحديثة وعقابهما كان جزاء لما جنت أيديهما من ذنوب وآثام.
كما فادى الرسول صلى الله عليه وسلم الأسيرين اللذين وقعا بأيدي سرية عبد الله بن جحش، فأسلم أحدهما وعاد الثاني أدراجه الى مكة آمنا.
(1) - الآية الكريمة في سورة من سورة الأنعام 6: 164، والإسراء 17: 15، وسورة فاطر 35: 18، والزمر 39:7.