الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنورة، استطاع حييّ بن أخطب التأثير على يهود بني قريظة، فنكثوا عهدهم مع المسلمين وانضموا الى الأحزاب.
ج- كانت مواضع قتال الأحزاب في ضواحي المدينة كما يلي: (راجع المخطط) .
أولا- قريش في موضع (مجمع الأسيال) من دومة بين الجرف وزغابة.
ثانيا- غطفان وقبائل نجد في موضع (ذنب نقمى) الى جانب (أحد) .
ثالثا- بنو قريظة في حصونهم في ضواحي المدينة المنورة.
سير القتال
1-
تحرّج موقف المسلمين كثيرا، خاصة بعد انضمام بني قريظة للأحزاب، فقد كان بإمكان هؤلاء يهود التسلل الى داخل المدينة والتعرض بالنساء والأطفال، خاصة وأنهم يعرفون تفاصيل مسالك المدينة لأنهم من أهلها، مما يؤثّر في معنويات المسلمين الذين يقاتلون في ساحة المعركة، لأنهم أصبحوا غير مطمئنين على مصير عوائلهم وذراريهم وأموالهم.
كما كان بامكان يهود القيام بحركة جريئة لقطع خط رجعة المسلمين الى داخل المدينة، وبذلك يفسحون المجال للأحزاب لاقتحام (الخندق) دون مقاومة تذكر
…
لذلك كان وقع نكث بني قريظة لعهدهم شديدا على نفوس المسلمين.
2-
بعث يهود رجلا منهم الى داخل المدينة، فاستطاع التسلل الى الدور التي تجمّع فيها النساء والأطفال، ولكنّ هذا اليهودي لم يعد الى قومه ليخبرهم عن مواضع النساء والأطفال، وعن درجة مناعتها وحمايتها، لأن امرأة
مسلمة «1» رأته يحوم حول تلك الدور ليستطلع ما فيها ومن فيها ودرجة قوتها ومقدار حماتها من المسلمين، فاستطاعت قتله مستفيدة من عمود خشبي.
إنّ هذا اليهودي كان دورية استطلاع للحصول على المعلومات عن مواضع النساء والأطفال، حتى يمهد بما يحصل عليه من معلومات لقيام يهود بهجوم مباغت عليهم بعد التأكد من عدم تيسر الحماية الكافية لهم، ليضطر المسلمون الى الانسحاب من مواضعهم الأصلية لنجدة أهليهم وإنقاذ أموالهم.
إنّ قتل هذا اليهودي أنفذ المسلمين من خطر داهم، إذ جعل يهود يفكرون أن في داخل المدينة حرّاسا أشداء من المسلمين، وليس من السهل التغلب على هذه الحراسة الشديدة، لذلك قبع يهود في حصونهم لا يفكرون في الخروج «2» .
2-
تحرّكت مفرزة من فرسان قريش فيهم عمرو بن عبدودّ وعكرمة ابن أبي جهل، ومرّوا ببني كنانة واستثاروا حميتهم للقتال، فلما وصلت هذه المفرزة الى الخندق استطلعوا منطقة ضيقة فيه، وعبروها بخيولهم، فخرج علي ابن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين للقائهم، واتجهوا فورا الى الثغرة التي عبر المشركون منها لقطع خط رجعة المشركين أولا ولمنع الأمدادات من الأحزاب إليهم ثانيا؛ ثم نازل علي بن أبي طالب عمرو بن عبدودّ فقتله، كما قتل المسلمون رجلين من المشركين، وعادت بقية فرسان قريش هاربة الى قواعدها.
3-
قامت مفرزة من المشركين بالهجوم على المسلمين باتجاه دار النبي صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم المسلمون النهار كله حتى الليل، فلما حانت صلاة العصر تحرّج موقف
(1) - هي صفية بنت عبد المطلب عمة النبي (ص) . انظر سيرة ابن هشام 3/ 246.
(2)
- كان الرسول (ص) يبعث سلمة بن أسلم في مائة رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير، وذلك أنه كان يخاف على الذراري من بني قريظة. انظر طبقات ابن سعد 2/ 67.
المسلمين لاقتراب المشركين من منزل النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لم يستطع المسلمون أن يصلوا، ولكنهم استطاعوا مع الليل صدّ مفرزة المشركين خائبة على أعقابها.
4-
حاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرد قسما من الأحزاب عن المدينة لقاء ثلث الثمار، وكاد أن يصل في مفاوضاته مع قادة غطفان الى هذا الاتفاق، ولكن سادات الأوس والخزرج اقترحوا ألا يعطوا المشركين شيئا من ثمارهم، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على اقتراحهم هذا.
5-
أثّر بقاء الأعراب مدة طويلة حول المدينة في معنوياتهم خاصة وأن الموسم كان شتاء، وأن الأعراب لا يطيقون الصبر طويلا على الحصار المديد ولا على قتال لمدة طويلة بصورة عامة، لذلك أخذوا يبدون تذمرهم من بقائهم مدة طويلة دون جدوى.
6-
جاء نعيم بن مسعود الغطفاني الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه أسلم ولا يعلم قومه بإسلامه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما أنت رجل واحد، فخذّل عنا ما استطعت، فان الحرب خدعة)«1» .
خرج نعيم حتى أتى بني قريظة وكان نديما لهم في الجاهلية، فقال لهم:
(عرفتم ودي إياكم، وقد ظاهرتم قريشا وغطفان على حرب محمد، وليسوا كأنتم: البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون أن تتحوّلوا منه،
(1) - خدع الحرب: راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي. يجوز للدولة المحاربة ان تلجأ في حربها الى الخدع بشرط ألا تصل فيها الى حد الغدر والخيانة. ومن أمثلة خدع الحرب القيام بمناورات كاذبة، وإيقاع العدو في كمين وتضليله (بالمعلومات الكاذبة) إخفاء لما تنوي القيام به من حركات عسكرية، كما يعتبر من الخدع المشروعة العمل بواسطة الأعوان والمأجورين على إثارة الشغب في دولة العدو او نشر الأخبار الكاذبة لغرض إضعاف القوة المعنوية.
وإنّ قريشا وغطفان إن رأوا نهزة «1» وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين محمد، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم حتى تناجزوا محمدا) .
قالت بنو قريظة (أشرت بالنصح ولست عندنا بمنّهم) .
ثم خرج نعيم الى قريش، فقال لهم: (بلغني أن قريظة ندموا، وقد أرسلوا الى محمد: هل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم؟
فأجابهم: أن نعم. فإن طلبت قريظة منكم رهنا من رجالكم، فلا تدفعوا لهم رجلا واحدا)
…
وجاء نعيم غطفان فقال لهم: (أنتم أهلي وعشيرتي) ، وقال لهم مثل ما قال لقريش
…
وحذّرهم!!.
أرسل أبو سفيان وسادة غطفان الى قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان في ليلة سبت، وطلبوا منهم الاستعداد للهجوم نهار السبت، ولكنّ قريظة اعتذروا بأنهم لا يقاتلون يوم السبت، ثم طلبت قريظة رهائن من قريش وغطفان قبل أن تشرع بأي هجوم!
قالت قريش وغطفان: لقد صدق نعيم!!
ولما رفض طلب قريظة بإعطائها رهائن من قريش وغطفان قالت: لقد صدق نعيم!
وتفرّقت قلوب الأحزاب وزالت الثقة بينهم.
7-
أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان ليلا ليستطلع أخبار الأحزاب،
(1) - نهزة، بضم النون وسكون الهاء: الفرصة.