الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- قتال المسلمين لغير المسلمين:
شرع قتال المسلمين لغير المسلمين لرد العدوان على بلاد المسلمين وحماية الدعوة، وحماية حرية انتشار الدين، والقرآن الكريم حينما شرع القتال نأى به عن جوانب الطمع والاستئثار وإذلال الضعفاء، وتوخّى به أن يكون طريقا الى السلام والاطمئنان وتركيز الحياة على موازين العدل والإنصاف.
وليست الجزية عوضا ماليا عن دم أو عقيدة، وإنما هي لحماية المغلوبين في أموالهم وعقائدهم وأعراضهم وكرامتهم وتمكينهم من التمتع بحقوق الرعاية مع المسلمين سواء بسواء
…
يدل على ذلك أن جميع المعاهدات التي تمت بين المسلمين وبين المغلوبين من سكان البلاد، كانت تنصّ على هذه الحماية في العقائد والأموال. وقد جاء في عهد خالد بن الوليد لصاحب (قسّ الناطف) :
(إني عاهدتكم على الجزية والمنعة
…
فإن منعناكم فلنا الجزية، وإلا فلا حتى نمنعكم) «1» .
لقد ردّ خالد بن الوليد على أهل (حمص) وأبو عبيدة على أهل (دمشق) ، وبقية القواد المسلمين على أهل المدن الشامية المفتوحة ما أخذوه منهم من الجزية حين اضطر المسلمون الى مغادرتها في ظروف حربية صعبة، وكان مما قال القواد المسلمون لأهل تلك المدن:(إنا كنا قد أخذنا منكم الجزية على المنعة والحماية، ونحن الآن عاجزون عن حمايتكم، فهذه هي أموالكم نردها إليكم) .
لقد كان فرض الجزية في الاسلام أبعد ما يكون عن الاستغلال والطمع في أموال المغلوبين، إذ كانت تفرض بمقادير قليلة على المحاربين والقادرين على العمل فحسب، وكانت على ثلاثة أقسام: أعلاها وهو (48) درهما في السنة على
(1) - أنظر ايضا نص ما جاء عن الجزية في وثيقة خالد بن الوليد التي صالح بموجبها أهل الحيرة في الخراج لأبي يوسف 146، والأم للامام الشافعي 4/ 97- 98. وانظر التفاصيل عن الجزية في خاتمة هذا الكتاب.
الأغنياء (حوالي دينارين ونصف دينار عراقي أو عشرين ليرة سورية أو لبنانية أو 240 قرشا مصريا) .
وأوسطها وهو (24) درهما في السنة على المتوسطين من تجار وزراع.
وأدناها وهو (12) درهما في السنة على العمال المحترفين الذين يجدون عملا.
وهذا مبلغ لا يكاد يذكر بجانب ما يدفعه المسلم نفسه من زكاة ماله وهو بنسبة اثنين ونصف في المائة القدر الشرعي لفريضة الزكاة.
إن إسقاط الجزية عن الفقير والصبي والمرأة والراهب والمنقطع للعبادة والأعمى والمقعد وذوي العاهات أكبر دليل على أن الجزية يراعى فيها قدرة المكلفين على دفعها، كما أن تقسيمها الى ثلاث فئات دليل على مراعاة رفع الحرج والمشقة في تحصيلها، وقد جاء في عهد خالد لصاحب (قس الناطف) :
(إني عاهدتكم على الجزية والمنعة على كل ذي يد: القوي على قدر قوته، والمقل على قدر إقلاله) .
ليس ذلك فحسب، بل أعفى الإسلام دافع الجزية من الخدمة في الجيش.
والذمي الذي يقبل التطوع في الجيش الإسلامي تسقط عنه الجزية، وهذا معناه أن الجزية تشابه البدل النقدي للخدمة العسكرية في عصرنا الحاضر.
كما ضمن الإسلام إعالة البائسين والمحتاجين من الذميين. جاء بعهد خالد بن الوليد لأهل الحيرة: (وأيما شخص ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته وأعيل من بيت مال المسلمين وعياله) .
إن فرض الجزية لا يحمل معنى الامتهان والإذلال، ومعنى (صاغرون) في آية الجزية:(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ)«1» ، هو الخضوع، إذ من معاني الصغار في اللغة الخضوع، ومنه أطلق (الصغير) على الطفل لأنه
(1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 29.
يخضع لأبويه ولمن هو أكبر منه؛ والمراد بالخضوع حينئذ الخضوع لسلطان الدولة، بحيث يكون في دفع الجزية معنى الالتزام من قبل أهل الذمة بالولاء للدولة، كما تلتزم الدولة لقاء ذلك بحمايتهم ورعايتهم واحترام عقائدهم.
ولا توجد آية في القرآن الكريم تدل أو تشير الى أن القتال في الإسلام لحمل الناس على اعتناقه.
وقد نصّ القرآن الكريم بوضوح على طريقة معاملة المسلمين لغير المسلمين:
(لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)«1» .
واقرأ الآية الكريمة، وهي من أواخر القرآن نزولا، فهي تحدّد أيضا علاقة المسلمين بغيرهم:(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)«2» .
من ذلك يفهم أن علاقة المسلمين بغير المسلمين هي: برّ، وقسط «3» ، وتعاون، ومصاهرة.
(1) - الآيتان الكريمتان من سورة الممتحنة 60: 8- 9.
(2)
- الآية الكريمة من سورة المائدة 5.
(3)
- القسط: العدل.