المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدّمة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة الطبعة الرابعة إرادة القتال في الجهاد الإسلامي

- ‌الحرب العادلة

- ‌القتال في الاسلام

- ‌معنى القتال في الإسلام

- ‌متى شرع القتال في الإسلام

- ‌أهداف القتال في الإسلام

- ‌1- حماية حرية نشر الدعوة:

- ‌2- توطيد أركان السلام:

- ‌أنواع القتال في الإسلام

- ‌1- قتال المسلمين للمسلمين:

- ‌2- قتال المسلمين لغير المسلمين:

- ‌تنظيم القتال في الإسلام

- ‌1- تقوية المعنويات:

- ‌2- إعداد القوة المادية:

- ‌3- التنظيم العملي للقتال:

- ‌شروط القبول للجندية

- ‌النفير

- ‌1- النفير العام:

- ‌2- النفير الخاص:

- ‌ الخلاصة

- ‌الموقف العسكري العام

- ‌المسلمون

- ‌1- في مكة المكرمة (الوحدة والتوحيد من أجل الجهاد) :

- ‌أ- الدعوة سرا:

- ‌ب- الدعوة علنا:

- ‌ج- بيعة العقبة الأولى:

- ‌د- بيعة العقبة الثانية:

- ‌هـ- الحشد في المدينة المنورة:

- ‌2- في المدينة المنورة: (الجهاد من أجل الوحدة والتوحيد)

- ‌أ- بناء المسجد:

- ‌ب- الاخوّة:

- ‌ج- المعاهدات

- ‌3- النتائج:

- ‌العرب والروم والفرس

- ‌1- العرب:

- ‌2- الروم:

- ‌3- الفرس

- ‌4- النتائج:

- ‌مناقشة الموقف العسكري للطرفين

- ‌دوريات القتال والاستطلاع الاولى

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون ويهود:

- ‌أ- المشركون:

- ‌ب- يهود:

- ‌الهدف الحيوي للدوريات

- ‌سير الحوادث (راجع الملحق أ)

- ‌سرية حمزة

- ‌سرية عبيدة بن الحارث

- ‌سرية سعد بن أبي وقاص

- ‌غزوة بواط

- ‌غزوة ذي العشيرة

- ‌غزوة بدر الأولى

- ‌سرية عبد الله بن جحش الأسدي

- ‌دروس من الدوريات

- ‌1- الاستطلاع:

- ‌2- القتال:

- ‌3- الكتمان:

- ‌4- الحصار الاقتصادي:

- ‌غزوة بدر الكبرى المعركة الحاسمة الأولى للإسلام

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون ويهود:

- ‌قوات الطرفين

- ‌‌‌1- المسلمون:

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌أهداف الطرفين

- ‌2- المشركون:

- ‌قبل المعركة

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌سير القتال

- ‌خسائر الطرفين

- ‌أسباب انتصار المسلمين

- ‌1- قيادة موحدة:

- ‌2- تعبئة جديدة:

- ‌3- عقيدة راسخة:

- ‌4- معنويات عالية:

- ‌دروس من بدر

- ‌1- الاستطلاع:

- ‌2- القيادة:

- ‌3- الضبط والمعنويات والعقيدة:

- ‌4- القضايا التعبوية:

- ‌5- القضايا الادارية:

- ‌الملحق (ب) : شهداء المسلمين في بدر رضي الله عنهم

- ‌الملحق (ج) : البدريون رضي الله عنهم

- ‌المدينة قاعدة الإسلام الأمينة تطهير المدينة المنورة وفرض الحصار الاقتصادي على قريش

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون ويهود:

- ‌الهدف الحيوي

- ‌حصار بني قينقاع

- ‌1- أسباب الحصار:

- ‌2- قوات الطرفين:

- ‌3- الهدف:

- ‌4- الحوادث:

- ‌فرض الحصار الاقتصادي على قريش

- ‌1- غزوة بني سليم:

- ‌2- غزوة السّويق:

- ‌3- غزوة ذي أمرّ:

- ‌4- غزوة بحران

- ‌5- سرية زيد بن حارثة:

- ‌دروس من حركات التطهير

- ‌1- القاعدة الامينة:

- ‌2- الحصار الاقتصادي:

- ‌غزوة أحد

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون ويهود

- ‌قوات الطرفين

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌أهداف الطرفين

- ‌‌‌1- المشركون:

- ‌1- المشركون:

- ‌2- المسلمون:

- ‌قبل المعركة

- ‌2- المسلمون:

- ‌سير القتال

- ‌1- بدء المناوشات:

- ‌2- إشتداد القتال (الصفحة الاولى) :

- ‌3- هجوم المشركين المقابل (الصفحة الثانية) :

- ‌عودة المتحاربين

- ‌1- المشركون:

- ‌2- المسلمون:

- ‌خسائر الطرفين

- ‌أسباب النكبة

- ‌1- أنصر أم اندحار:

- ‌2- أسباب خسائر المسلمين:

- ‌دروس من أحد

- ‌1- الحصول على المعلومات:

- ‌2- القيادة:

- ‌3- القضايا التعبوية:

- ‌4- القضايا الادارية:

- ‌أحد في التاريخ

- ‌الملحق (هـ) : شهداء المسلمين في أحد رضي الله عنهم

- ‌التطهير بعد أحد

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌3- يهود:

- ‌أهداف الطرفين

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون ويهود:

- ‌سير الحوادث

- ‌1- سرية أبي سلمة:

- ‌2- دورية عبد الله بن أنيس:

- ‌3- غزوة بني النضير

- ‌4- غزوات ذات الرقاع

- ‌5- غزوة بدر الآخرة:

- ‌6- غزوة دومة الجندل

- ‌7- غزوة بني المصطلق:

- ‌دروس من غزوات التطهير

- ‌1- المسير الليلي:

- ‌2- الهجوم فجرا:

- ‌3- قتال المدن والشوارع:

- ‌4- الابداع

- ‌5- المعنويات:

- ‌غزوة الخندق

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون ويهود:

- ‌قوات الطرفين

- ‌‌‌1- المسلمون:

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌أهداف الطرفين

- ‌2- المشركون واليهود:

- ‌التوقيت

- ‌قبل المعركة

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون ويهود:

- ‌سير القتال

- ‌خسائر الطرفين

- ‌أسباب فشل الأحزاب

- ‌1- قيادة غير موحدة:

- ‌2- المباغتة بالخندق:

- ‌3- الطقس:

- ‌4- انعدام الثقة:

- ‌5- الصبر على الحصار:

- ‌دروس من غزوة الخندق

- ‌1- القيادة:

- ‌2- تعبئة جديدة:

- ‌3- الحرب خدعة:

- ‌4- المبادأة

- ‌محاسبة الغادرين

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌3- يهود:

- ‌الهدف الحيوي

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌1- أسباب الغزوة:

- ‌2- قوات الطرفين:

- ‌3- الهدف:

- ‌4- الحوادث:

- ‌سرية عبد الله بن عتيك

- ‌1- الهدف:

- ‌2- الحوادث:

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌1- الهدف:

- ‌2- الحوادث:

- ‌غزوة ذي قرد

- ‌1- الهدف:

- ‌2- الحوادث:

- ‌سرايا توطيد الأمن وتشديد الحصار الاقتصادي

- ‌1- الهدف:

- ‌2- الحوادث:

- ‌دروس من غزوات محاسبة الغادرين والسرايا

- ‌1- الوقت:

- ‌2- المباغتة:

- ‌3- القصاص:

- ‌4- العقيدة:

- ‌5- القضايا الادارية:

- ‌غزوة الحديبية

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون ويهود:

- ‌قوات الطرفين

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌أهداف الطرفين

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- قريش:

- ‌الأعمال التمهيدية

- ‌1- الحصول على المعلومات:

- ‌2- المناوشات:

- ‌3- المفاوضات الابتدائية:

- ‌4- المفاوضات النهائية:

- ‌الهدنة

- ‌1- نص وثيقة الهدنة:

- ‌2- أهم بنود الهدنة:

- ‌دروس من الحديبية

- ‌1- توخّي الهدف:

- ‌2- الضبط

- ‌3- الحياد المسلح

- ‌4- حرب الدعاية:

- ‌نتائج الحديبية

- ‌ثمرات الحديبية

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌3- يهود:

- ‌الهدف الحيوي للمسلمين

- ‌غزوة خيبر

- ‌1- أسباب الغزوة:

- ‌2- قوات الطرفين:

- ‌3- الهدف:

- ‌4- سير الحوادث:

- ‌5- خسائر الطرفين:

- ‌نهاية يهود في شبه الجزيرة العربية

- ‌1- يهود فدك

- ‌2- يهود وادي القرى

- ‌3- يهود تيماء

- ‌4- النتائج:

- ‌سرايا تأديب الأعراب

- ‌1- الهدف:

- ‌2- الحوادث:

- ‌أ- سرية عمر بن الخطاب الى تربة

- ‌ب- سرية أبي بكر الصديق الى بني كلاب بنجد:

- ‌ج- سرية بشير بن سعد الأنصاري الى فدك:

- ‌د- سرية غالب بن عبد الله الليثي الى الميفعة

- ‌ز- سرية غالب بن عبد الله الليثي الى بني الملوّح بالكديد

- ‌ح- سرية غالب بن عبد الله الليثي الى فدك:

- ‌ط- سرية شجاع بن وهب الأسدي الى بني عامر بالسّيّ

- ‌ي- سرية كعب بن عمير الغفاري الى ذات أطلاح

- ‌3- النتائج:

- ‌غزوة مؤتة

- ‌1- أسباب الغزوة:

- ‌2- قوات الطرفين:

- ‌3- الهدف:

- ‌4- سير الحوادث:

- ‌5- خسائر الطرفين:

- ‌6- النتيجة:

- ‌غزوة ذات السلاسل

- ‌1- أسباب الغزوة:

- ‌2- سير الحوادث:

- ‌سرية الخبط

- ‌سرية أبي قتادة الأنصاري إلى خضرة

- ‌سرية أبي قتادة الأنصاري إلى بطن إضم

- ‌دروس من ثمرات الهدنة

- ‌1- القضايا التعبوية:

- ‌2- المعنويات:

- ‌3- الامانة:

- ‌4- إكمال الحشد:

- ‌5- نشر الاسلام:

- ‌6- القضايا الادارية:

- ‌7- النتائج:

- ‌الملحق (ح) : شهداء المسلمين في غزوة خيبر

- ‌الملحق (ي) : شهداء المسلمين في غزوة مؤتة

- ‌فتح مكة

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌إعلان الحرب

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- قريش:

- ‌الاستعدادات

- ‌قوات الطرفين

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌في الطريق الى مكة

- ‌قبل دخول مكة

- ‌خطة‌‌ الفتح

- ‌ الفتح

- ‌في مكة المكرمة

- ‌خسائر الطرفين

- ‌سرايا الدعوة الى التوحيد

- ‌سرية خالد بن الوليد الى العزّى

- ‌سرية عمرو بن العاص الى سواع

- ‌سرية سعد بن زيد الأشهلي الى مناة

- ‌سرية خالد بن الوليد الى جذيمة من كنانة

- ‌دروس من الفتح

- ‌1- المباغتة:

- ‌2- المعلومات:

- ‌3- بعد النظر:

- ‌4- التنظيم:

- ‌5- المعنويات:

- ‌6- السلم:

- ‌7- الوفاء:

- ‌8- التواضع:

- ‌9- العقيدة:

- ‌10- تحطيم الاصنام:

- ‌11- القضايا الادارية:

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌قوات الطرفين

- ‌‌‌‌‌1- المسلمون:

- ‌‌‌1- المسلمون:

- ‌1- المسلمون:

- ‌‌‌2- المشركون:

- ‌2- المشركون:

- ‌أهداف الطرفين

- ‌قبل المعركة

- ‌2- المشركون:

- ‌القتال

- ‌1- هجوم المشركين:

- ‌2- هجوم المسلمين المضاد:

- ‌3- المطاردة:

- ‌حصار الطائف

- ‌خسائر الطرفين

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المشركون:

- ‌أسباب التخلي عن محاصرة الطائف

- ‌الغنائم

- ‌1- التكديس:

- ‌2- التوزيع:

- ‌3- إعادة السبي:

- ‌سرايا الدعوة

- ‌سرية الطفيل بن عمرو الدّوسي الى ذي الكفّين

- ‌سرية عيينة بن حصن الفزاري الى بني تميم

- ‌سرية خالد الى بني المصطلق

- ‌سرية قطبة بن عامر بن حديدة الى خثعم

- ‌سرية الضّحّاك بن سفيان الكلابي الى بني كلاب

- ‌سرية علقمة بن محرّز المدلجي الى الحبشة

- ‌دروس من حنين والطائف وسرايا الدعوة

- ‌1- المباغتة:

- ‌2- القيادة:

- ‌3- المطاردة:

- ‌4- المعلومات:

- ‌5- المعنويات:

- ‌6- العقيدة:

- ‌7- حرب الفروسية:

- ‌8- القضايا الادارية:

- ‌أ- توزيع الغنائم:

- ‌ب- الخسائر:

- ‌ج- الإعاشة:

- ‌د- النقلية:

- ‌هـ- التسليح:

- ‌الملحق (م)‌‌ شهداء حنينوالطائف

- ‌ شهداء حنين

- ‌شهداء غزوة الطائف

- ‌غزوة تبوك

- ‌الموقف العام

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- المنافقون:

- ‌3- المشركون:

- ‌4- الروم:

- ‌اسباب غزوة تبوك

- ‌1- اسباب مباشرة:

- ‌2- اسباب غير مباشرة:

- ‌أهداف الطرفين

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- الروم:

- ‌قوات الطرفين

- ‌‌‌1- المسلمون:

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- الروم:

- ‌الاستعدادات

- ‌2- الروم:

- ‌الحركة

- ‌1- المسلمون:

- ‌2- الروم:

- ‌السيطرة على المنطقة

- ‌1- مصالحة صاحب أيلة

- ‌3- مصالحة أهل دومة الجندل:

- ‌عودة المسلمين

- ‌سرايا الدعوة وبعث أسامة

- ‌سرية خالد بن الوليد الى نجران

- ‌سرية خالد بن الوليد الى اليمن

- ‌سرية علي بن أبي طالب الى اليمن

- ‌سرية أسامة بن زيد بن حارثة

- ‌دروس من تبوك وسرايا الدعوة

- ‌1- الحرب الاجماعية:

- ‌2- عقاب المتخلفين:

- ‌3- التدريب العنيف:

- ‌4- المسير الليلي (السرى) :

- ‌5- المعنويات:

- ‌6- المعلومات:

- ‌7- الضبط:

- ‌النتائج

- ‌الخاتمة

- ‌بحث مقارن

- ‌مجمل أسباب النصر

- ‌السبب الأول قيادة عبقرية هي قيادة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌1- مجمل صفات القائد:

- ‌2- تفصيل الصفات:

- ‌3- مزايا اخرى اضافية:

- ‌4- قيادة مثالية:

- ‌السبب الثاني جنود متميزون

- ‌1- مزايا الجند المتميّز:

- ‌2- تفصيل المزايا:

- ‌السبب الثالث حرب عادلة

- ‌1- معنى الحرب العادلة:

- ‌2- تفصيل معنى الحرب العادلة:

- ‌3- حرب عقيدة:

- ‌4- حرب مثالية:

- ‌السبب الرابع ضعف الاعداء

- ‌الأرض للصالحين

- ‌فهرس الاعلام

- ‌فهرس الاماكن

الفصل: ‌2- تفصيل الصفات:

‌2- تفصيل الصفات:

أ- قرار سريع صحيح:

لا بدّ للقائد أن يصدر قرارا سريعا صحيحا، ليبني خطته العسكرية استنادا الى قراره هذا، ويعمل بموجب تلك الخطة في إدارة رحى القتال.

فكيف يكون القرار سريعا صحيحا؟

يستند إصدار القرار الصحيح السريع الى عاملين: القابلية العقلية للقائد، والحصول على المعلومات عن العدو وعن الأرض التي ستدور عليها المعركة.

وليس هناك من ينكر القابلية العقلية التي كان يتميّز بها الرسول صلى الله عليه وسلم، تلك القابلية التي لا يختلف فيها المسلمون وغير المسلمين، فهو الذي بشّر وأنذر وخاطب وناقش عقليات كبيرة ووحّد أمة، فهل يمكن أن يتم ذلك إلا لعقلية راجحة ومنطق سليم؟

أما الحصول على المعلومات عن العدو وعن الأرض، فيكون بوساطة دوريات القتال والاستطلاع وبالعيون والارصاد واستنطاق الأسرى والاستطلاع الشخصي وباستشارة ذوي الرأي.

لقد كان هدف الرسول صلى الله عليه وسلم من غزواته وسراياه التي أرسلها قبل غزوة (بدر) الكبرى، هو الحصول على المعلومات عن المنطقة المحيطة بالمدينة والطرق المؤدية الى مكة والتعرّف على سكانها، وعقد الأحلاف معهم.

وفي معركة (بدر) الكبرى، أرسل دورية استطلاعية لمراقبة عودة قافلة أبي سفيان بن حرب، وأرسل دوريات استطلاعية أمام قواته المتقدمة باتجاه (بدر) ، وأرسل دوريتي استطلاع قبيل وصول قواته الى (بدر) ، بل قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستطلاع الشخصي ليتأكد من قوة قريش والمواضع التي وصلت اليها.

ص: 435

كما استفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من استنطاق الأسرى الذين اسرتهم إحدى دوريات استطلاعه قبيل معركة (بدر)، فعلم منهم بأسلوبه الرائع في الاستنطاق:

الموضع الذي وصلته قريش، وعدد قواتها من الرجال.

واستفاد من خبرة أحد أصحابه بخواص مياه آبار (بدر) وأسلوب السيطرة على مياهها، فبدّل معسكره الأول ليلا الى معسكر مناسب يهيىء له السيطرة الكاملة على مياه الآبار.

هذه أمثلة تشبث النبي صلى الله عليه وسلم بالحصول على المعلومات من غزوة (بدر) وحدها، وكل غزواته أمثلة على تشبثه بالحصول على المعلومات.

لقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم كل نيات أعدائه قبل وقت مبكر، واستطاع أن يقضي على تلك النيات العدوانية قبل أن يستفحل أمرها، فلم يبرم يهود ولا القبائل أمرا إلا وعرف ما أبرموا فورا، واتخذ التدابير الحاسمة للقضاء على نياتهم العدوانية في عقر دارهم، واستطاع في كل مرة أن يفرق شمل أعدائه قبل أن ينجزوا حشد قواتهم للتعرض بالمسلمين.

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم منتبها كل الانتباه لكل حركة داخلية وخارجية، ولم يتهاون لحظة عن جمع المعلومات، فلا عجب إذا كانت قراراته سريعة صحيحة، ولا عجب إذا كانت خططه التي يرسمها استنادا الى تلك القرارات ناجحة الى أبعد حدود النجاح.

ب- شجاعة شخصية:

شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الشخصية بارزة للعيان في كل معاركه التي خاضها، وهي بارزة في كل أعماله العسكرية وغير العسكرية على حد سواء.

قراره قبول معركة (بدر) الكبرى، وهي أول معركة حاسمة خاضها المسلمون، شجاعة نادرة؛ لأن موجود قواته ثلث موجود قوات قريش، ولأن إخفاق المسلمين في هذه المعركة قد يقضي على مستقبل الاسلام.

ص: 436

وثباته تجاه عشرة آلاف من قوات الأحزاب في غزوة (الخندق) شجاعة نادرة أيضا، خاصة بعد أن نكث يهود عهوهم، فأصبح الخطر يهدد قوات المسلمين من خارج المدينة ومن داخلها.

وقد نزل في غزوة (بدر) الكبرى ليباشر القتال بنفسه، وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(إنا كنا إذا اشتد الخطب واحمرّت الحدق، إتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب الى العدو منه؛ ولقد رأيتني يوم (بدر) ونحن نلوذ برسول الله، وهو أقربنا الى العدو) .

وفزع أهل المدينة ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا على فرس لأبي طلحة عرى والسيف في عنقه وهو يقول:(لم تراعوا) !

وفي (أحد) كافح مع جماعة قليلة من أصحابه للخروج من الطوق الذي طوّقهم به المشركون، فاستطاع أن ينقذ المسلمين من فناء أكيد، ولم يكتف بذلك بل قام بمطاردة قريش الى موضع (حمراء الأسد) .

ولو لم يثبت الرسول صلى الله عليه وسلم مع عشرة فقط من أصحابه يوم (حنين) ، لاستطاعت هوازن وثقيف أن تبيد المسلمين.

تلك مواقف يتصدع منها قلب أشجع الشجعان، ومع ذلك فقد ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم فيها غير مكترث بما يحدق به من أخطار.

ولولا شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الشخصية التي أظهرها في هذه المواقف وفي غيرها لما انتصر المسلمون أبدا «1» .

(1) - من أمثلة شجاعته النادرة في غير ساحات القتال، حادثة ذهاب رجالات المشركين الى عمه أبي طالب مهددين متوعدين، فقال له عمه:(يا ابن أخي! إن قومك قد جاءوني فقالوا: كذا وكذا، فابق عليّ وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق) . فأجابه الرسول (ص) : (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك) فيا لها من شجاعة نادرة لا تتيسر عند اشجع الشجعان!

ص: 437

ج- إرادة قوية ثابتة:

إن صمود النبي صلى الله عليه وسلم وحده تجاه التيار الجارف من المشركين منذ نزول الوحي عليه حتى التحاقه بالرفيق الأعلى، دليل على إرادته القوية الثابتة التي لا تتزعزع.

لقد تحمّل الإعراض والتكذيب والأذى والأخطار صابرا محتسبا، وهاجر من بلده الى بلد آخر، واستمر يكافح حتى كوّن له قوة تسانده وتؤمن بالاسلام.

ثم جاهد بهذه القوة أعداءه في الداخل والخارج: في داخل المدينة ضد يهود والمنافقين، وفي خارج المدينة ضد المشركين وعلى رأسهم قريش.

ولكنه صمد لكل هذا العناء مصرّا على مكافحة من حوله من الناس جميعا، حتى يظهر الله دينه، غير مكترث بتفوّق أعدائه على قواته فواقا ساحقا.

إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم كلها مثال رائع للارادة القوية الثابتة.

د- تحمّل المسئولية:

لم يكن هناك من يشارك الرسول صلى الله عليه وسلم في تحمّل المسئولية الضخمة في كل أعماله العسكرية، وغير العسكرية، وما أعظمها من أعمال غيّرت وجه التاريخ.

وأية مسئولية أخطر وأعظم من المسئولية التي كان يتحملها الرسول صلى الله عليه وسلم منذ بعثه حتى التحاقه بالرفيق الأعلى!

إن أصحابه كانوا يعاونونه في كل شيء، ولكنه كان يتحمل وحده مسئولية كل شيء.

هـ- نفسيّة لا تتبدل:

لم تتبدل نفسية رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالتي النصر والإخفاق. لقد كان

ص: 438

مسيطرا على أعصابه سيطرة أقرب الى الخيال منها الى الحقيقة في أشد المواقف حرجا وفي أحلك الظروف.

لم يكن سهلا السيطرة على الأعصاب عند تطويق المشركين له ولقسم من أصحابه في (أحد) من كل جانب، ومع ذلك سيطر على أعصابه وقاد سفينة المسلمين الى ساحل الأمان.

ولم يكن سهلا السيطرة على الأعصاب يوم (الأحزاب) خاصة بعد غدر يهود؛ ومع ذلك سيطر على أعصابه فصدّ (الأحزاب) وقضى على يهود.

ولم يكن سهلا السيطرة على الأعصاب يوم (حنين) ، عند انهزام المسلمين، ولكنه ثبت مع عشرة فقط من أصحابه تجاه التيار الجارف من مطاردة المشركين، وسيطر على أعصابه حتى هزم أعداءه، فعاد أصحابه ليروا أسرى المشركين مكبلين بالأصفاد.

تلك أمثلة من سيطرته على أعصابه في وقت الشدة، أما في وقت الرخاء، فقد كانت سيطرته أروع بكثير مما هي عليه في وقت الشدة.

ومن أمثلة ذلك يوم فتح مكة، فقد رآه المسلمون يومذاك وقد أحنى رأسه على رحله وبدا عليه التواضع الجم، حتى كادت لحيته تمسّ واسطة راحلته؛ وكلما استشعر بأهمية نصره ازداد تواضعا وازداد على راحلته خشوعا.

إن قيمة سيطرة الرسول صلى الله عليه وسلم على أعصابه في مثل هذا الموقف الذي يعدّ أكبر نصر للمسلمين، تتضاعف إذا قارناها بمواقف العظمة والجبروت التي أظهرها غيره من القادة عند انتصارهم، فذهب بهم الطيش مذاهب أدت الى كوارث من نتائجها هلاك ودمار كثير من الناس والأموال

لقد بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وصوله الى أعلى مراتب السيطرة والسلطان بسيطا في مأكله ومشربه وملبسه وفي حياته كلها كما كان في أول أيامه يوم كان

ص: 439

يتيما معدما: استمر يأكل نفس النوع البسيط من الطعام ويلبس نفس الرداء الساذج ويسلك في كل تفاصيل حياته نفس البساطة التي اعتادها في أيامه الأولى.

حقا إنه كان يمتلك نفسية لا تتبدل!

وسبق النظر:

المخيلة التي تحسب حساب كل شيء أو سبق النظر أو بعد النظر كلها تعني ضرورة تفكير القائد في كل الاحتمالات القريبة والبعيدة، وإدخال أسوأ الاحتمالات في حسابه، وإعداد الخطط لكل موقف محتمل، حتى يمكن تطبيق تلك الخطط عند الحاجة دون تردد ولا ارتباك.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحلى بمزية سبق النظر في كل أعماله العسكرية وغير العسكرية، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

أصرّ الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول شروط هدنة (الحديبية) ، لأنه فكّر وسبق النظر، فعرف بفكره الثاقب أن قبول هذه الشروط نصر للمسلمين؛ فهي تهيىء لهم الاستقرار، وقد رأينا أنّ هذا الاستقرار جعل جيش المسلمين يصبح عشرة آلاف مقاتل في فتح مكة، وكان ألفا وأربعمائة في غزوة (الحديبية) قبل سنتين.

وكانت كل الدلائل تبشّر باستسلام قريش يوم الفتح، ومع ذلك اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كل التدابير الممكنة لمعالجة أسوأ الاحتمالات، فقسّم قواته الى أربعة أرتال، ودخل مكة من جهاتها الأربع بتشكيلات «1» القتال، حتى تستطيع قواته القضاء على كل مقاومة بكل سهولة دون أن تباغت من جهة غير متوقعة، فتكون العاقبة شرا على المسلمين وإحباطا لمحاولات النبي صلى الله عليه وسلم السلمية.

(1) - تشكيلات القتال: التدابير التعبوية للقتال.

ص: 440

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر في كل كبيرة وصغيرة، ويعدّ لكل أمر عدّته، ويتخذ كل متطلبات الحذر والحيطة واليقظة؛ لذلك لم يستطع أعداؤه مباغتته في أي موقف في المواقف في غزواته كلها، واستطاع هو أن يباغت أعداءه في أكثر غزواته

ز- معرفة النفسيات والقابليات:

عرف الرسول صلى الله عليه وسلم نفسيات وقابليات أصحابه، لأنه ولد بينهم وعاش وترعرع بينهم وكان يعيش بينهم فردا منهم يشاركهم في السراء والضراء.

عرف مزايا الجميع، وكلّف كل واحد منهم بواجب يتفق مع قابليته البدنية والعقلية، لذلك استطاع أكثر أصحابه إنجاز مهمتهم بكفاية وإتقان.

استمال قلوب المؤلّفة قلوبهم بالمال بعد (حنين) ، لأن المادة كانت تطغي على جوانب تفكيرهم، إذ لم يستشعروا بعد حلاوة الإيمان. قال صفوان بن أمية:(ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني من غنائم (حنين) وهو أبغض الخلق إليّ، حتى ما خلق الله شيئا أحب إليّ منه) !

ولكنه حرم الأنصار من غنائم يوم (حنين) لأنهم كانوا أغنياء بإيمانهم العظيم، وقد بكوا حتى أخضلوا لحاهم بالدموع حين قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم:

(أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس الى رحالهم بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله الى رحالكم) ؟

قال الأنصار: (رضينا بالله وبرسوله قسما)

وأمسك الرسول صلى الله عليه وسلم يوم (أحد) بسيف، وقال:(من يأخذ هذا السيف بحقه) ؟ فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام أبو دجانة، فقال:(وما حقه يا رسول الله) ؟

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن تضرب به العدو حتى ينحني) .

ص: 441

قاتل أبو دجانة بهذا السيف قتالا شديدا، فلما دارت الدائرة على المسلمين ترّس «1» بنفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحنى ظهره عليه والنبل يقع فيه.

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أن بين أصحابه شجعانا مغاوير فكلفهم بواجبات تحتاج الى الشجاعة كأبي دجانة، وكان يعرف أن بين أصحابه من لا يقوى قلبه على الحرب كحسان بن ثابت، فتركه مع النساء يوم (أحد) والخندق واستفاد من شعره البليغ؛ وكان يعرف أن من بينهم صاحب الرأي والمشورة، ومن بينهم من يستطيع قيادة غيره، ومن بينهم من لا يستطيع أن يكون أكثر من جندي بسيط، فكلّف كل واحد من هؤلاء بواجب يستطيع إنجازه.

إنه لم يحمّل شخصا فوق ما يطيق، وهذا دليل على معرفته نفسيات وخواص وقابليات أصحابه جميعا.

ولعلّ أهم ميزة يمتاز بها الرسول صلى الله عليه وسلم على غيره من القادة والرسل، هي أنه كان قديرا على اختيار الرجل المناسب للعمل المناسب. إنه كان يعرف النفسية البشرية ويقدّرها حق قدرها، ويعرف كيف يوجهها الى ما يناسبها.

والمهم في الأمر أنه صلوات الله وتسليمه عليه، كان يذكر أصحابه بأفضل ما فيهم من صفات، ويغض النظر عما يعانونه من نواقص بشرية، ويأمر أصحابه بذكر أصحابه بأفضل ما فيهم.

وبذلك كان عليه الصلاة والسلام يبني الرجال ولا يحطم الرجال.

ح- الثقة المتبادلة:

كانت ثقة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم به عظيمة جدا، كما كانت ثقته بأصحابه

(1) - كان له بنفسه ترسا، أي وقاه بنفسه.

ص: 442

عظيمة أيضا؛ يكفي أن نذكر موقف المسلمين من صلح (الحديبية) ، إذ لولا ثقتهم العظيمة به، لرفضوا هذا الصلح.

أما ثقته بأصحابه فيكفي للدلالة عليها أنه قبل زجّ قواته في معركة (بدر) ، بينما كانت قوات المشركين ثلاثة أمثال قوته؛ كما زجّ بهم في معركة (أحد) ، بينما كانت قوات المشركين خمسة أمثال قواته

الخ.

ولا يمكن أن يقبل القائد الاشتباك في معركة لا يعرف مصيرها ضد أعدائه المتفوقين على قواته فواقا ساحقا، إلا إذا كان ذلك القائد يثق بقواته ثقة عظيمة جدا

ط- المحبة المتبادلة:

ظهرت محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ومحبة أصحابه له في كل غزواته، بل في كل موقف له في السلم والحرب.

حسبنا أن نذكر موقف أصحابه منه في معركة (أحد) ، حين أحدق به المشركون من كل جانب وصوبوا عليه نبالهم؛ فأخذ المسلمون يصدون عنه النبال المصوّبة عليه بأجسادهم. ولم يقتصر ذلك على الرجال، بل شمل النساء أيضا، فقد ألقت نسيبة الخزرجية سقاءها، واستلّت سيفا وأخذت تذود به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خلصت الجراح إليها، فأصيبت يومذاك بثلاثة عشر جرحا، وأغمي عليها من النزيف؛ فلما أفاقت لم تسأل عن زوجها الذي شهد (أحدا) ولا عن ولديها اللذين كانا يقاتلان مع الرسول صلى الله عليه وسلم، بل سألت أول ما سألت بعد أن عاد إليها وعيها:(وكيف حال الرسول) ؟

ولما مرض مرضه الذي توفاه الله فيه، اعتكف في بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم الستر المضروب على منزل عائشة وفتح الباب وبرز للناس، فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم ابتهاجا برؤيته.

ولما قبض الرسول صلى الله عليه وسلم وتسرب النبأ الفادح، شعر المسلمون أن آفاق المدينة أظلمت عليهم، فتركتهم لوعة الثكل حيارى لا يدرون ما يفعلون.

ص: 443

لقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يحبونه أكثر من حبهم أنفسهم، لأن حبهم له دين؛ ولو لم يكن دينا لأحبوه أيضا، لأنه يستحق الحب والتقدير.

أما حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فيكفي أن نذكر كيف نعى شهداء (مؤتة) وعيناه تذرفان، وكيف أنه رفض ما اقترحه عمر بن الخطاب حول قتل حاطب بن أبي بلتعة، لأنه أرسل كتابا الى قريش يخبرهم فيه بحركة المسلمين لفتح مكة، بل على العكس، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذكر المسلمون حاطبا، بأفضل ما فيه.

لقد كان يحب أصحابه حبا لا مزية عليه، فاذا سلّم عليهم لا يكون البادىء أبدا بسحب يده عن السلام، وكان يلقى الناس بوجه باسم متهلل حقا، وكان يمقت الغيبة وكان البادىء دائما أصحابه بالتحية.

ما أعظم هذا الحب المتبادل بين القائد وجنوده! (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)«1» .

ي- الشخصية:

أرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي لمفاوضة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم (الحديبية)، فعاد الى قريش يقول:(يا معشر قريش! إني جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد: لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، وإنهم لن يسلموه لشيء أبدا) .

بهذا الوصف الرائع يصف مشرك من أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم شخصية النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.

فما هي أسباب هذه الشخصية القوية النافذة التي كان يتحلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم؟

(1) - الآية الكريمة من سورة المائدة 5: 54.

ص: 444

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم متواضعا حليما، رءوفا، رحيما؛ ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يستطيع أحد أن يديم النظر الى وجهه المنير، ولا يستطيع أحد أن يرد له أمرا أو يتردد في تنفيذه.

إن أسباب قوة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، هي محبته للناس جميعا، ورغبته الشديدة في خيرهم وهدايتهم، وخلقه العظيم.

تقول كتب علم النفس الحديث: (إن الذين يعملون على إفادة أكبر جزء ممكن من المجتمع الانساني، يعتبرون أرقى الشخصيات جميعا، وهم في الغالب أقربها الى درجات التكامل.

(إن درجة تكامل الشخصية تتناسب تناسبا (طرديا) مع اتساع دائرة المجتمع الذي يرمي الفرد الى إسعاده، فأقلها تكاملا التي يسعى صاحبها فقط لإسعاد ذاته، إذ لا بدّ من أن تتعارض نزعاته الذاتية مع نزعاته الاجتماعية في تحقيق غايته الذاتية.

(ويليها من يسعى صاحبها لإسعاد أسرته وأولاده، ثم يليها من يعمل صاحبها على إسعاد أقاربه ويليها من يعمل على إسعاد هؤلاء وأصدقائه، ويليها من يعمل لإسعاد أهل بلده أجمعين.

(وهكذا الى أن تصل الى من همّه الأول والأخير إسعاد المجتمع بأوسع معانيه، وهنا قد نصل الى مرحلة ربما تبدو (مجرّدة) كالبحث عن الحقيقة ومناصرة العدل وخدمة المجتمع) .

هذا نص ما تقوله كتب علم النفس الحديث. أرأيت كيف أنها تقرّر استبعاد إمكان أن يكون هناك إنسان همّه الأول والأخير إسعاد البشر؟

إن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، بل فعل أكثر من ذلك، ومن حق هؤلاء العلماء أن يستبعدوا إمكان وجود إنسان مثالي، كان همّه إسعاد الناس بل إسعاد

ص: 445

العالمين لأنهم يجهلون سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) .

فلا عجب أن تكون له كل هذه الشخصية الفذة بكل هذا النور والجلال.

ك- القابلية البدنية:

كانت للرسول صلى الله عليه وسلم قابلية بدنية فائقة، وقد رأيت كيف كان يلجأ إليه أصحابه عند حفر الخندق كلما استعصت عليهم صخرة فيسرع إليها لتحطيمها، حيث تتفتّت تحت وطأة مطرقته التي يهوي بها ساعده القوي.

شارك أصحابه في حراساتهم وفي استطلاعاتهم وفي مسيراتهم الطويلة الشاقة في كل فصول السنة، وأظهر في كل ذلك تحمّلا وجلدا يعجز عنه أقوى أصحابه.

لقد كان أروع مثال شخصي لأصحابه في تحمل الصعاب والمشقات.

ل- الماضي الناصع المجيد:

كانت العرب تعتدّ بالنسب، والرسول صلى الله عليه وسلم من قريش أشرف العرب ومن بني هاشم أشرف قريش؛ وكذلك هو أشرف العرب حسبا وأفضلهم نسبا من قبل أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، ومن قبل أبيه عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف «1» .

أما سيرته الشخصية قبل بعثته صلوات الله عليه، فلأترك سير وليم موير) Sir William Muir (يتحدث عن ذلك، وقد أوردت هذا الحديث عمدا- على اعتبار أن كاتبه ليس مسلما- حتى استبعد اتهام كاتبه بالتعصب والمغالاة

يقول موير: (تجمع كل مراجعنا وأسانيدنا- فيما ينسب الى محمد

(1) - أبوه من بني هاشم وأمه من بني زهرة، وقريش عشرة أبطن انتهى اليها الشرف على رأسها بنو هاشم وبنو زهرة التي كان منها سعد بن أبي وقاص الزهري فاتح العراق وباني الكوفة وأحد العشرة المبشرة بالجنة.

ص: 446

في شبابه من سيرة التواضع والاحتشام وطهارة الخلق- على صورة نادرة الوجود بين المكّيين) . ثم يعود فيقول: (وبما وهب له من عقل راجح وذوق رفيع وحرص دقيق وعمق في التأمل، عاش منطويا على نفسه طويلا، متخذا من تأملاته العقلية- دون ريب- شاغلا لوقت الفراغ الذي كان يقتله غيره- من ذوي الطابع الخسيس- باللهو السمج والفجور الماجن والسلوك الخليع. وقد وقع خلق ذلك الشاب القويم ومسلكه الورع والعفّ موقع الحمد والثناء من قلوب قومه جميعا وبإجماعهم عن طيب خاطر نال لقب: (الصادق الأمين) .

ويقول: (ولم يولع محمد بالثراء أبدا ولم تبد منه هذه الظاهرة في أية فترة من فترات حياته الرتيبة الهادئة الوادعة على جلبة الرحلة وضوضاء التجارة وهموم السفر، ولم يكن محمد ليفكر أبدا من تلقاء نفسه في مثل هذه الرحلة، ولكن ما أن اقترح عليه ذلك حتى استشعر نفسه الكريمة على الفور ضرورة البذل لما في وسعه من جهد مساعدة لعمه) .

ويقول واشنجتون آرفنج «1» عنه: (كانت طباع الرسول هادئة متلائمة، وكان يمرح أحيانا ولكنه كان في معظم الأحوال جادا، وإن كانت له ابتسامة خلابة. كانت جميع تصرفات الرسول تدل على رحمة عظيمة، وكان سريع البديهة، قوي الذاكرة، واسع الأفق، عظيم الذكاء. كان الرسول عادلا، فكان يعامل الأصدقاء والغرباء والأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء على قدم المساواة، وكانت عامة الناس تحب الرسول، إذ كان يحسن استقبالهم ويستمع الى شكواهم، كان حسن الطباع حليما رحيما صبورا) .

كانت حياته لا سيما في فجرها المبكر، تتميز بالحنو والعطف على اليتيم والفقير والأرمل والبائس والضعيف والرقيق، ولم يذق الخمر أبدا ولم يلعب الميسر

(1) - الحق هو انني لا أحب أن أستشهد بأقوال المستشرقين وغيرهم لإثبات عظمة النبي (ص) ، ولكنني اضطررت الى إيراد هذين المثالين، لأن هذين الكاتبين غير مسلمين، والفضل ما شهدت به الأعداء.

ص: 447

يقول موير: (إن أوثق برهان على صدق محمد وإخلاصه، أن كان أسبق الداخلين في الاسلام من ذوي الاستقامة في خاصة أصفيائه وأهل بيته، الذين لا يستطيعون- مع معرفتهم الوثيقة بدقائق حياته الخاصة تفصيلا- أن يفوتهم بحال من الأحوال إدراك ما تنطوي عليه أساليب الأفاكين في نفاقهم، من إسدال السّجف والأستار على ما يأتون من أعمال تتناقض حقائقها في سريرتهم مع ما يدعون إليه جهرا) .

واسمع الى زوجه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول له مشجعة عندما جاءه الوحي: (ابشر يا ابن العم واثبت! فو الذي نفس خديجة بيده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. والله لا يخزيك الله أبدا. إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق) .

واسمع قول الله تعالى فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)«1» .

لقد كان ماضي الرسول صلى الله عليه وسلم مجيدا مشرفا بإجماع أقوال أصحابه وأعدائه على حد سواء.

م- معرفة وتطبيق مبادىء الحرب «2» :

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف مبادىء الحرب بالفطرة السليمة التي تدل على استعداده الفطري الممتاز للقيادة.

وقد طبّق الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المبادىء في معاركه كلها، مما كان له أثر حاسم في انتصاراته.

لقد تطرقنا عند بحث أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم العسكرية الى أمثلة كثيرة من

(1) - الآية الكريمة من سورة القلم 68: 4.

(2)

- مبادىء الحرب: هي الجوهر الذي ينشىء في القائد (السجية) الصحيحة في تصرفاته في الحرب، وهي العنصر الذي يتكون منه مسلك القائد في أعماله بصورة طبيعية وغير متكلفة. ومبادىء الحرب: هي مبادىء ثابتة لا تتغير أبدا، وهي الأسس القديمة التي ترتكز عليها الحروب في كل زمان ومكان.

ص: 448

تطبيقه العملي لمبادىء الحرب العشرة: اختيار المقصد وإدامته، والتعرض، والمباغتة، وحشد القوة، والاقتصاد بالمجهود، والأمن، والمرونة، وإدامة المعنويات، والأمور الادارية.

وسنذكر بعض هذه الأمثلة، للدلالة على تطبيق هذه المبادىء بكفاية نادرة فذة تدعوان الى الاعجاب والتقدير الشديدين.

أولا- اختيار المقصد وإدامته «1» :

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختار مقصده بالضبط، ويفكر في أقوم طريقة للوصول إليه، ثم يقرّر خطة مناسبة للحصول عليه.

لقد ظهر مبدأ: (اختيار المقصد) في أول معاهدة عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته الى المدينة، تلك المعاهدة المعقودة بين المسلمين من جهة والمشركين ويهود من أهل المدينة من جهة أخرى، فنصّت على أنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن.

إن قريشا أخرجت الرسول صلى الله عليه وسلم وأخرجت أصحابه من مكة ظلما وعدوانا، فمن حقه أن تكون قريش (مقصده) الحيوي الذي يختاره.

ولعل من أبرز أمثلة: (اختيار المقصد) ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية.

لقد كان (مقصده) من تلك الغزوة التأثير في معنويات قريش من غير قتال، فخرج محرما واستصحب أسلحة الراكب، فلما علم باقتراب قوات قريش من قواته، ترك الطريق العام الى طريق فرعية وعرة للتملّص من القتال، حتى

(1) - اختيار المقصد وإدامته: في كل حركة حربية من اللازم اختيار المقصد وتعريفه بوضوح. إن المقصد النهائي هو تحطيم إرادة العدو على القتال. يجب أن توجه كل صفحة من الحرب وكل صفحة منفردة نحو هذا المقصد الأعلى، ولكن لكل منها مقصد محدود يجب أن يعرف بوضوح.

ص: 449

وصل بقواته الى (الحديبية) ، وبقي هناك مصرا على (مقصده) هذا، فأفسح المجال للمفاوضات. وعندما هاجم قسم من المشركين معسكر قواته وألقى المسلمون القبض على المهاجمين، أطلق سراحهم دون أن يلحق بهم أذى.

وبقي مصرا على (مقصده) في عدم محاربة قريش، وفي إظهار نياته السلمية، حتى تمّ له عقد صلح الحديبية، على الرغم من تذمّر قسم من أصحابه من هذا الصلح.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان (يختار مقصده) بدقة تامة ولا ينساه أبدا في كل أعماله العسكرية وغير العسكرية.

ثانيا- التعرّض «1» :

يمكن اعتبار كل غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم تعرضية ما عدا غزوتي (أحد) و (الخندق) ، إذ أن المشركين هم الذين حشدوا قواتهم في منطقة المدينة وتعرضوا بالمسلمين.

لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم بشتى الأساليب الحصول على المعلومات عن نيات أعدائه قبل وقت مناسب، وبذلك استطاع أن يتعرض بأعدائه ويقضي على نياتهم العدوانية.

إن التعرض ليس معناه التحرّش، بل معناه: الروح الهجومية التي يتحلى بها القائد، لأن الدفاع وحده لا يؤدي الى النصر الحقيقي بل الى نصر موضعي فقط في حالة نجاحه، أما التعرض فيؤدي في حالة نجاحه الى النصر.

ومن المهم أن نذكر هنا، أن مبدأ (التعرض) التي طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم، كان دفاعا عن الإسلام، وحماية للدين الحنيف، وحرصا على حرية نشره، ولغرض إقرار السلام، وبذلك طبق المبدأ التعبوي القائل: إن التعرض هو أفضل وسيلة للدفاع.

(1) - التعرض: هو الهجوم على العدو لسحقه، ولا يتم الحصول على النصر إلا بالتعرض وحده.

ص: 450

ثالثا- المباغتة «1» :

المباغتة هي إحداث موقف لا يكون العدو مستعدا له، والكتمان من أهم الوسائل المهمة التي تؤدي للمباغتة.

إن الكتمان يتم إما بإخفاء استعداداتنا أو بإخفاء نياتنا، أو باستعمال أسلحة جديدة أو باستعمال الأسلحة الموجودة بطريقة جديدة.

والمباغتة إما أن تكون في المكان أو في الزمان أو في الأسلوب، ولقد طبّق الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ (المباغتة) بكل هذه الحالات، حتى يمكن اعتبار غزواته نماذج رائعة لتطبيق أساليب المباغتة.

كانت المدينة هي (القاعدة الأمينة) للمسلمين، ولكنها كانت تعج ب (الرتل الخامس)«2» الذين لا يريدون خير المسلمين، ويعملون على إحباط جهودهم بشتى الطرق والأساليب.

من هؤلاء (الرتل الخامس) يهود والمنافقون وعيون قريش من الأعراب وعيون الروم من الأنباط، وكان كل هؤلاء ينقلون أخبار المسلمين الى أعدائهم كلما استطاعوا الى ذلك سبيلا.

(1) - المباغتة: المباغتة أقوى العوامل وأبعدها أثرا في الحرب، وتأثيرها المعنوى عظيم جدا، وتأثيرها من الناحية النفسية يكمن فيما تحدثه من شلل متوقع في تفكير القائد الخصم. وفيما يلي بعض الوسائل التي يمكن الحصول بها على المباغتة: 1) بكتمان الاستعدادات للخطط الحربية وبكتمان جسامة القوات الاحتياطية. 2) بالتنقل السريع للقطعات من نقطة الى أخرى تمهيدا لإنزال الضربة على موضع لا يتوقعه العدو. 3) باستخدام الأرض الوعرة أو الصعبة أو بعبور الموانع التي تعتبر غير قابلة للعبور. 4) باستخدام أسلحة جديدة غير متوقعة أو أساليب تعبوية جديدة.

(2)

- الرتل الخامس: كناية عن الجواسيس والوكلاء والعيون والأرصاد.

ص: 451

ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم حرص على كتمان نياته حرصا شديدا، فكان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، فينقل (الرتل الخامس) تلك المعلومات الخاطئة الى أعدائه، مما يؤدي الى بلبلة أفكار أعداء المسلمين.

ومن أمثلة الكتمان الشديد، تلك (الرسالة المكتومة) التي أرسل بها مع عبد الله بن جحش.

لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش ألّا يفتح تلك الرسالة إلا عند وصوله موضع (نخلة) بعد يومين من مسيره، فإذا فتحها وفهم مضمونها مضى في تنفيذها؛ وبهذه الطريقة لم يستطع أحد من أهل المدينة على اختلاف أهوائهم وميولهم، أن يعرف نيات الرسول صلى الله عليه وسلم ولا واجب سرية عبد الله وهدفها.

وقد أخفى نياته في غزوة الفتح حتى عن أهله الأقربين وصديقه الحميم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد دخل أبو بكر الصديق على ابنته عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي تهيىء جهاز الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال لها:(أي بنيّة! أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهّزوه) ؟ قالت: (نعم، فتجهّز) . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (فأين ترينه يريد) ؟ قالت: (والله لا أدري) .

بهذا الكتمان الشديد، استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحرّك جيشا كبيرا قوامه عشرة آلاف مسلم لفتح مكة دون أن تستطيع قريش معرفة وقت حركته ولا نياته حتى وصل الجيش الى ضواحي مكة، فاضطرت قريش على الاستسلام.

ومن أمثلة المباغتة في المكان غروة بني لحيان، فقد تحرّك الرسول صلى الله عليه وسلم بقواته شمالا باتجاه الشام حتى لا تعرف قريش وبنو لحيان اتجاه حركته الحقيقي، فلما انتشرت أخبار حركة المسلمين الى الشمال، عاد الرسول صلى الله عليه وسلم بقواته فجأة باتجاه بني لحيان، وبذلك باغتهم في المكان.

وفي غزوة (خيبر) تحرّك الرسول صلى الله عليه وسلم إلى (الرجيع) قريبا من ديار غطفان، وبعد أن أرسل مفرزة صغيرة من قواته الى معسكر غطفان، عاد

ص: 452

بقواته الرئيسة الى خيبر، وبهذه الحركة أوهم غطفان بأنه يريدهم وأوهم يهود خيبر بأنه لا يريدهم، فباغت الطرفين ومنع تعاونهما في قتال المسلمين.

ومن أمثلة المباغتة في الزمان غزوة بني قريظة، إذ تحرّك الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم في وقت لا يتوقعونه، فشلّ معنوياتهم واحتفظ هو بالمبادأة حتى نهاية المعركة.

كما أن مسير الاقتراب الذي أجراه الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر بهدوء وسكينة حتى وصل موضع خيبر ليلا وأكمل تطويقها في نفس الليلة دون أن يستطيع يهود معرفة وقت وصوله وتطويقه لقصبتهم، وهذا المسير يعتبر مباغتة في الزمان.

ومن أمثلة المباغتة في الأسلوب، قتال الرسول صلى الله عليه وسلم بأسلوب (الصف) في غزوة (بدر) الكبرى تجاه قريش التي قاتلته بأسلوب (الكرّ والفرّ) ، ومن الطبيعي أنّ أسلوب (الصف) له الأرجحيّة على أسلوب (الكر والفرّ) من الناحية العسكرية.

كما أن حفر الخندق في غزوة الأحزاب كان مباغتة في الأسلوب أيضا، لأنّ العرب لم تكن تعرف إنشاء الخنادق لغرض الحماية في الحصار.

وقد استخدم المنجنيقات والدبابات في غزوة حصار الطائف، وهذا مباغتة في الأسلوب أيضا.

إن القائد العبقري هو الذي يطبّق مبدأ المباغتة في معاركه، والرسول صلى الله عليه وسلم قد طبّق هذا المبدأ في كل معاركه، مما كان له أعظم الأثر على نتائجها الحاسمة.

رابعا- حشد القوة «1» :

منذ نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبح رسول الله، وهو يعمل جاهدا، في سبيل نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وانتشار الدعوة معناه ازدياد قوة المسلمين وإكمال حشدهم لاستخدام قواتهم في المكان والزمان المناسبين.

(1) - حشد القوة: هو حشد أعظم قوة أدبية وبدنية ومادية واستخدامها في الزمان والمكان الجازمين.

ص: 453

وهجرته الى المدينة من الناحية العسكرية، معناها حشد المسلمين في منطقة واحدة ليكونوا تحت قيادة واحدة.

ولم يبدأ الجهاد في الإسلام، إلا بعد إنجاز حشد المسلمين، إذ أصبح المسلمون بدرجة من القوة يستطيعون معها الدفاع عن الاسلام.

لقد رأينا في بيعة (العقبة الثانية) كيف انكشف للمشركين أمر هذه البيعة، وكيف أظهر الأنصار في حينه عدم اكتراثهم بخطر انكشاف بيعتهم.

قال سعد بن عبادة: (يا رسول الله، والله الذي بعثك بالحق إن شئت، لنحملنّ على أهل (منى) غدا بأسيافنا) .

ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان أبعد نظرا وأعمق من أن تؤثر فيه العاطفة، فقال له:(لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا الى رحالكم)

فلما أنجز الرسول صلى الله عليه وسلم كل استعدادات حشد المسلمين في المدينة، وعاهد أهلها من يهود والمشركين، بدأ القتال (فعلا) ، لأن قوات المسلمين حينذاك أصبحت من الناحيتين المادية والمعنوية قادرة على حماية الدعوة وصيانة حرية الرأي.

إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم طبّق مبدأ (الحشد) في كل غزواته، ولم يتردّد أبدا في حشد أكبر قوة مادية ومعنوية في كل معركة خاضها.

خامسا- الاقتصاد بالمجهود «1» :

راعى الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ (الاقتصاد بالمجهود) في كل غزواته، ولم يندب قوة لواجب ما إلّا وهي كافية لذلك الواجب من كل الوجوه.

(1) - الاقتصاد بالمجهود: هو استخدام أصغر القوات للأمن أو لتحويل انتباه العدو الى محل آخر او صد قوة معادية اكبر منها مع بلوغ الغاية المتوخاة. إن الاقتصاد بالمجهود يدل على الاستخدام المتوازن للقوى والتصرف الحكيم بجميع المواد لغرض الحصول على حشد القوى المؤثر في الزمان والمكان الحاسمين.

ص: 454

إنّ نظرة بسيطة إلى الملحق (ن) ومقارنة قوات المسلمين بقوات أعدائهم، تظهر بوضوح مقدار حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تطبيق مبدأ الاقتصاد بالقوة.

سادسا- الأمن «1» :

لقد أمّن الرسول صلى الله عليه وسلم حماية قواته في كل غزواته، وبذل غاية جهده لمنع العدو من الحصول على المعلومات، وبذلك طبق مبدأ الأمن.

إنّ دوريات الإستطلاع والطلائع والساقات التي كان يؤمّنها الرسول صلى الله عليه وسلم في مسير الاقتراب وعند العودة من غزواته، كان لغرض حماية قواته من مباغتة العدو لها.

كما أنّ تأمين الحراسات والعسس هو لحماية قواته أيضا من مباغتة العدو لها.

وكما حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على الحصول على المعلومات من أعدائه بشتى الوسائل كما رأينا سابقا، فقد حرص على منع العدو من الحصول على المعلومات عن المسلمين بشتى الوسائل أيضا

لقد طبّق مبدأ الكتمان في كل أعماله، وحثّ المسلمين على حفظ الأسرار وعدم إباحتها، وأمر أن يسارع المسلمون بإخباره عن كل حادث مهم.

والحق أن المتتبع لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم يعجب أشد الإعجاب بمعرفته فورا بكل المعلومات التي تهمه وتؤثر على المصلحة العامة للمسلمين.

كيف عرف برسالة حاطب بن أبي بلتعة تلك الرسالة التي حاول أن يخبر بها قريشا عن حركة المسلمين لفتح مكة؟

كيف عرف بإزماع أبي سفيان بن حرب القدوم الى المدينة لتمديد فترة الهدنة؟

(1) - الأمن: هو توفير الحماية للقوة ولمواصلاتها لوقايتها من المباغتة ومنع العدو من الحصول على المعلومات.

ص: 455

كيف عرف كل حركات المنافقين وكل مؤامرات يهود وقضى عليها؟

كيف أحبط كل هذه المؤامرات ومنع افتضاح نيات المسلمين؟

كل ذلك يدل على حرصه الشديد على كتمان نيات المسلمين، وحرمان العدو من الحصول على المعلومات عن أهداف ومقاصد حركات المسلمين.

سابعا- المرونة «1» :

كانت قوات المسلمين تتحرك الى أهدافها بكفاية وسرعة.

لقد استطاعت قوات المسلمين أن تصل الى أهدافها في الوقت المناسب، فتقوم بإحباط نيات العدو العدوانية، قبل أن يكمل العدو استعداداته التي تساعده على النجاح.

وصلت قوات المسلمين الى (دومة الجندل) ، وإلى (تبوك) ، وإلى ربوع فلسطين وإلى الطائف، وكل هذه الأماكن بعيدة عن قاعدة المسلمين- المدينة، وقد قطعت أكثر هذه المسافات ليلا، وفي ظروف قاسية من ناحية المشاكل الإدارية والطقس، كما استطاع المسلمون أن يستمروا في الحركة ثلاثين ساعة متتابعة عند عودتهم من غزوة بني المصطلق.

وقد رأيت كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم مرنا في وضع خططه وفي تنفيذها وكيف أنه يعدّل تلك الخطط عند الحاجة حسب الظروف الراهنة.

(1) - المرونة: إن المبدأ الذي كان يسمى قبل الحرب العالمية الثانية بمبدأ: (قابلية الحركة)، أصبح يسمى الآن مبدأ:(المرونة) ، ذلك لأن (قابلية الحركة) تدل على الحركة المادية وهي صنعة نسبية لا يعبر عنها تعبيرا صحيحا إلا بالمقارنة مع قابلية حركة العدو. إن (المرونة) تعني أكثر من ذلك، إنها لا تتضمن قوة الحركة فحسب بل قوة العمل السريع كذلك؛ فعلى القائد أن يكون مرن الفكر وعليه أن يطبق تلك المرونة عند وضع الخطط لحملته وأن تكون خططه يشكل يمكنه من أن يعدل سريعا حركات قواته حين تضطره الظروف غير المنظورة وغير المتوقعة.

ص: 456

كل ذلك يدلّ على تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ (المرونة) وتحريك قواته بسرعة لا تقلّ سرعة وإتقانا عن أقوى جيش حديث في هذا العصر، لأن المسيرات الليلية وقطع المسافات الطويلة والاستمرار في المسير ثلاثين ساعة كاملة دون استراحة يدل على تدريب راق وكفاية متميزة.

ثامنا- التعاون «1» :

لقد رأينا كيف تعاون الرماة مع السيّافة والرمّاحة في غزوة (بدر) الكبرى، فقد نضح الرماة المشركين بنبالهم وأوقعوا فيهم خسائر فادحة سهّلت مهمة هجوم السيافة والرماحة للقضاء نهائيا على مقاومة قريش.

كما رأينا تعاون الفرسان مع المشاة في الغزوات الأخرى.

لقد أمّن الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ: (التعاون) في غزواته كلها، وذلك بإعطاء كل سلاح «2» واجبا يناسبه، كما أن تعاون (الصفوف) فيما بينها تمّ في الوقت والمكان الملائمين، وبذلك أمّن تسهيل مهمة الجميع للوصول الى النجاح المطلوب.

كما أمّن تعاون المسلمين من مختلف القبائل بشكل لم يسبق له مثيل في شبه الجزيرة العربية من قبل: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً

) «3» .

(1) - التعاون: هو توحيد جهود كل الأسلحة والقطعات العسكرية لبلوغ الغرض المنشود، وهو النصر في الحرب.

(2)

- السلاح: هو الصنف الذي كان يستعمل في قسم من الجيوش العربية سابقا، فيقال: صنف المشاة، وصنف المدفعية

الخ. وبعد توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية من لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية الذي بدأت عملها في القاهرة من يوم 30/ 5/ 1968، أصبح يستعمل تعبير: سلاح، بدلا عن: صنف، فيقال: سلاح المشاة، وسلاح المدفعية

الخ.

(3)

- الآية الكريمة من سورة آل عمران 3: 103.

ص: 457

تاسعا- إدامة المعنويات:

يمكن تعريف المعنويات: بأنها الصفات التي تميز الجيش المدرّب عن العصابات: بها تظهر الطاعة القائمة على الحب، وتبرز الشجاعة في القتال والصبر على تحمل المشاق، وتبرز كل المزايا التي تجعل الجندي مطيعا باسلا صبورا.

ولست بحاجة الى التحدث عن طاعة جنود رسول الله صلى الله عليه وسلم له، تلك الطاعة القائمة على الحب المتبادل والثقة المتبادلة، ولا عن شجاعتهم وجلدهم في القتال وصبرهم على تحمّل المشاق بعزم لا يعرف التخاذل والانهزام.

حسبي أن أذكّر فقط بقصة الحدثين الصغيرين اللذين قتلا أبا جهل في معركة (بدر) الكبرى والتي رواها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وحسبي أن أذكّر أيضا بقصة نسيبة الخزرجية (أم عمارة) في معركة (أحد) ، وهاتان القصتان معروفتان ورد ذكرهما في محلهما من هذا الكتاب.

فإذا كانت معنويات الفتيان الأحداث من المسلمين والنساء من المسلمات بهذا المستوى الرفيع، فكيف تكون معنويات الرجال؟

إن مما يديم المعنويات هو وجود أهداف يؤمن بها الجنود بصورة خاصة والشعب بصورة عامة، وقد كانت أهداف المسلمين جميعا حينذاك هي إعلاء كلمة الله والعمل على حرية نشر الدعوة الإسلامية بدون تدخّل أحد ونشر لواء العدل والسلام بين الناس كافة، تلك الأهداف التي آمن بها المسلمون إيمانا عميقا وجاهدوا في سبيلها بكل ما يمتلكونه من غال ورخيص.

كما أن صفات القيادة الحقة هي التي تخلق المعنويات وتديمها، فإذا كانت الأمة محظوظة تهيأ لها قائد عظيم حكيم شجاع يبعث الثقة الحقيقية في الأمة.

ولست أعرف قائدا لأمة قديما أو حديثا امتلك صفات القيادة الحقة كما امتلكها الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان في صفاته ومزاياه رجلا يعادل أمة أو هو أمة تعادل رجلا كما يقولون.

ص: 458

فلا عجب أن يتحلى المسلمون بالمعنويات العالية عندما كانوا ضعفاء يتخطفهم الناس من كل جانب في مكة عقر دارهم، وعندما أصبحوا أقوياء يسيطرون على شبه الجزيرة العربية كلها دون منازع.

عاشرا- الأمور الادارية:

مهما تكن خطة العمليات دقيقة مرنة معقولة، فلا تؤتي ثمراتها المتوقعة إذا تعذر تنفيذها من الوجهة الإدارية، بل يمكن أن نذهب الى أبعد من ذلك بالقول: إن كل خطة مرهونة بإمكاناتها الإدارية.

لقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمور الإدارية كثيرا في معاركه، فتعاون المسلمون على تزويد المجاهدين بالأرزاق والماء والنقلية والسلاح.

قرن الإسلام دائما الجهاد بالأرواح بالجهاد بالمال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)«1»

(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ، فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)«2»

(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)«3»

(تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ)«4»

(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً)«5» .

(1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 20.

(2)

- الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 261.

(3)

- الآية الكريمة من سورة الحديد 57: 10.

(4)

- الآية الكريمة من سورة الصف 61: 11.

(5)

- الآية الكريمة من سورة النساء 4: 95.

ص: 459

بل يلاحظ من تلك الآيات الكريمة، أن المال يقدّم على الأنفس دائما، مما يدلّ على اهتمام الإسلام بالأمور الإدارية.

ويقول القرآن الكريم عن الخيل: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ)«1»

ويقول: (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً)«2»

ويقول القرآن الكريم في الحديد الذي يعمل منه السلاح: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)«3» .

لقد أنفق المسلمون الأولون أموالهم في سبيل الله: مات الرسول صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير، وأنفق أبو بكر الصديق رضي الله عنه جميع ماله في سبيل الله وكان يوم أسلم من أغنياء قريش المعدودين، فمات متخللا بعباءته. وأنفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصف ماله، كما جهز عثمان ابن عفان رضي الله عنه جيش العسرة في غزوة (تبوك) بالإضافة الى الأموال الطائلة التي أنفقها على غيرها من الغزوات. أما آل محمد صلى الله عليه وسلم فقد روى الحسن عنهم قال:(خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (والله ما أمسى في آل محمد صاع من طعام وإنها لتسعة أبيات) . والله ما قالها استقلالا، ولكن أراد أن تتأسى به أمته) !

لقد أتعب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من يريد التأسي بهم من المسلمين بعدهم.

لقد ضحّوا بكل شيء حتى بأبسط ضروريات الحياة في سبيل الله والمصلحة العامة قبل أربعة عشر قرنا، فأين منها تضحيات زعماء الشرق والغرب في القرن العشرين، أولئك الذين يتاجرون بالدفاع عن الفقير والعامل والفلاح بالظاهر

(1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 60.

(2)

- الآيات الكريمات من سورة العاديات 100: 1- 5.

(3)

- الآية الكريمة من سورة الحديد 57: 25.

ص: 460