الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- تعبئة جديدة:
طبّق الرسول صلى الله عليه وسلم في (مسير الاقتراب)«1» من المدينة المنورة الى (بدر) تشكيلا لا يختلف بتاتا عن التعبثة الحديثة في حرب الصحراء.
كانت له مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة، واستفاد من دوريات الاستطلاع للحصول على المعلومات، وتلك هي الأساليب الصحيحة لتشكيلات مسير الاقتراب في حرب الصحراء حتى في العصر الحاضر.
أما في المعركة، فقد قاتل المسلمون بأسلوب:(الصفوف)، بينما قاتل المشركون بأسلوب:(الكرّ والفر) .
ولا بد لنا من بيان الفرق بين الأسلوبين، لمعرفة عامل من أهم عوامل انتصار المسلمين.
القتال بأسلوب: (الكرّ والفر)، هو أن يهجم المقاتلون بكل قوّتهم على العدو: النشابة منهم والذين يقاتلون بالسيوف ويطعنون بالرماح، مشاة وفرسانا، فإن صمد لهم العدو أو أحسّوا بالضعف نكصوا، ثم أعادوا تنظيمهم وكرّوا، وهكذا يكرّون ويفرّون حتى يكتب لهم النصر أو الفشل.
والقتال بأسلوب: (الصفوف) ، يكون بترتيب المقاتلين صفين أو ثلاثة صفوف أو أكثر على حسب عددهم، وتكون الصفوف الأمامية من المسلحين بالرماح لصد هجمات الفرسان، وتكون الصفوف المتعاقبة الأخرى من المسلحين بالنبال لتسديدها على المهاجمين من الأعداء.
(1) - مسير الاقتراب: الحركة من القاعدة الى الهدف. كانت قاعدة المسلمين المدينة المنورة، وكان هدفهم موقع (بدر) ، فالحركة من المدينة المنورة بالمراحل الى (بدر)، يطلق عليه: مسير الأقراب.
وتبقى الصفوف في مواضعها بسيطرة قائدها، الى أن يفقد زخم المهاجمين بالكرّ والفر شدّته
…
عند ذاك تتقدم الصفوف متعاقبة للزحف على العدو.
يظهر من ذلك أن أسلوب (الصفوف) يتميز على أسلوب (الكرّ والفر) بأنه يؤمّن ترتيب القوات بالعمق، فتبقى دائما بيد القائد قوة احتياطية يعالج بها المواقف التي ليست بالحسبان، كأن يصد هجوما مضادا للعدو، أو يضرب كمينا لم يتوقعه، أو أن يحمي الأجنحة التي يهددها العدو بفرسانه أو بمشاته، ثم يستثمر الفوز بالاحتياط من الصفوف الخلفية عند الحاجة.
إن أسلوب (الصفوف) يؤمّن السيطرة عنى القوة بكاملها، ويؤمّن احتياطا للطوارىء، ويصلح للدفاع والهجوم في وقت واحد؛ أما أسلوب (الكر والفر) فيجعل القائد يفقد السيطرة على قواته ولا يؤمّن له أي احتياط للطوارىء.
إن تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم لأسلوب (الصفوف) في معركة (بدر) ، عامل مهم من عوامل انتصاره على المشركين؛ والتاريخ العسكري يحدثيا بأن سر انتصار القادة العظام كالإسكندر وهنيبال قديما ونابليون ومولتكه ورومل ورونشتد حديثا، هو أنهم طبقوا أسلوبا جديدا في القتال غير معروف أو قاتلوا بأسلحة جديدة غير معروفة.
استعرض الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل القتال، فعندما رآهم يتزاحمون ويدنو بعضهم من بعض جعلهم صفوفا وأخذ يعدل صفوفه.
وبعد ذلك خطبهم حاثا لهم على الجهاد، وأمرهم أن يصدوا هجوم العدو وهم مرابطون في مواقعهم، وذلك بتسديد النبال الى صدور العدو، كما أمرهم ألّا يحملوا إلا بأمر منه.