الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوات الطرفين
1- المسلمون:
عشرة آلاف رجل بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
2- المشركون:
قريش وبنو بكر، كل قبيلة لها قائد خاص بها.
في الطريق الى مكة
1-
ترك المسلمون المدينة في رمضان من السنة الثامنة الهجرية قاصدين فتح مكة، وكان جيش المسلمين مؤلفا من الأنصار والمهاجرين وسليم ومزينة وغطفان وغفار وأسلم «1» وطوائف من قيس وأسد وتميم وغيرهم من القبائل الأخرى، في عدد وعدد لم تعرفه شبه الجزيرة العربية من قبل، وكلما تقدّم الجيش نحو هدفه ازداد عدده بانضمام مسلمي القبائل التي تسكن على جانبي الطريق إليه. ومع كثافة هذا الجيش وقوّته وأهميته، فقد بقي سر حركته مكتوما لا تعرف قريش عنه شيئا، إذ مع اعتقاد قريش بأن محمدا صلى الله عليه وسلم في حل من مهاجمتها، ولكنها لم تكن تعرف متى وأين وكيف سيجري الهجوم المتوقّع. ولشعور قريش بالخطر المحدق بها أسرع كثير من رجالها بالخروج الى المسلمين لإعلان إسلامهم، فصادف قسم من هؤلاء ومنهم العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم جيش المسلمين في طريقه الى مكة.
وصل الجيش مساء موضع (مرّ الظّهران) على مسافة أربعة فراسخ من مكة، فعسكر هناك.
(1) - من بني سليم ألف رجل، ومن بني مزينة ألف رجل وثلاثة رجال، ومن غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة. انظر جوامع السيرة لابن حزم ص 227.
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوقد كل مسلم نارا، حتى ترى قريش ضخامة الجيش دون أن تعرف هويته، فيؤثّر ذلك في معنوياتها وتستسلم للمسلمين دون قتال، وبذلك يؤمّن الرسول صلى الله عليه وسلم هدفه في دخول مكة دون إراقة الدماء.
وأوقد عشرة آلاف مسلم نيرانهم، ورأت قريش تلك النيران تملأ الأفق البعيد، فأسرع أبو سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام بالخروج باتجاه النيران حتى يعرفوا مصدرها ونيات أصحابها وأهدافهم، فلما اقتربوا من موضع معسكر المسلمين، قال أبو سفيان لصاحبه بديل:(ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا) . فردّ عليه بديل بن ورقاء: (هذه والله خزاعة حمشتها الحرب) ، فلم يقتنع أبو سفيان بهذا الجواب، فقال:(خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها) .
وكان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من معسكر المسلمين راكبا بغلة الرسول صلى الله عليه وسلم ليخبر قريشا بالجيش الضخم الذي جاء لقتالها والذي لا قبل لها به، حتى يؤثّر في معنوياتها ويضطرها للاستسلام دون قتال، فيحقن بذلك دماءها ويؤمّن لها صلحا شريفا ويخلّصها من معركة فاشلة معروفة النتائج سلفا لا يمكن أن تثيرها غير العصبية الجاهلية؛ فسمع وهو في طريقه حديث أبي سفيان وبديل بن ورقاء، فعرف العباس صوت أبي سفيان، فناداه وأخبره بوصول جيش المسلمين، ونصحه بأن يلجأ الى الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ينظر في أمره قبل أن يدخل الجيش مكة صباح غد فيحيق به وبقومه العقاب الذي يستحقونه.
وأردف العباس رضي الله عنه أبا سفيان على بغلة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوجّها نحو معسكر المسلمين. فلما وصل العباس المعسكر ودخله وأخذ يمر بنيران الجيش في طريقه الى خيمة الرسول صلى الله عليه وسلم، رآه المسلمون فلم ينكروا شيئا لأنهم عرفوا العباس، فلما مرّ العباس بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرف أبا سفيان وأدرك أن العباس يريد أن يجيره، فأسرع عمر الى خيمة النبي صلّى الله عليه وسلم
وطلب منه أن يأمره بضرب عنق أبي سفيان، ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من عمه أن يأخذ أبا سفيان الى خيمته ويحضره إليه صباح غد؛ فلما كان الصباح وجيء بأبي سفيان الى النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم ليحقن دمه، فقال العباس رضي الله عنه:(يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا) .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن) .
وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستوثق من سير الأمور كما يحب بعيدا عن وقوع الحرب، فأوصى العباس باحتجاز أبي سفيان في مضيق الوادي، حتى يستعرض الجيش الزاحف كله فلا تبقى في نفسه أية فكرة للمقاومة.
قال العباس: (خرجت بأبي سفيان حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله، ومرت القبائل على راياتها، كلما مرّت قبيلة قال: يا عباس! من هؤلاء؟ فأقول: سليم! فيقول: ما لي ولسليم؟ ثم تمرّ به القبيلة، فيقول:
يا عباس! من هؤلاء؟ فأقول: مزينة. فيقول: ما لي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل، ما تمرّ به قبيلة إلا سألني عنها، فاذا أخبرته قال: ما لي ولبني فلان!!
(حتى مرّ الرسول صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، وفيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد فقال: سبحان الله! يا عباس! من هؤلاء؟
قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة! والله يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما)
…
قال العباس: (يا أبا سفيان! إنها النبوّة. قال: نعم إذن)
…
عند ذاك قال العباس لأبي سفيان: (النجاء الى قومك) ! فأسرع أبو سفيان الى مكة.