الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وظهر التردد في نفوس القبائل المحتشدة للقتال، فاضطر مالك أن يهدد قواته بأن ينفذوا أوامره ويطيعوه أو يلجأ الى الانتحار.
ب- أما معنويات المسلمين، فقد كانت عالية الى درجة الغرور، حتى قالوا يوم حركتهم الى حنين:(لن نغلب اليوم من قلة) ، لكنهم غلبوا من (كثرة) مغرورة في الصفحة الأولى من يوم حنين، ولولا ثبات النبي صلى الله عليه وسلم لقضي على معظم المسلمين يوم ذاك إن لم يقض عليهم جميعا.
وصدق الله العظيم: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً، وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)«1» .
6- العقيدة:
أ- العقيدة القوية لها أكبر الأثر في النصر؛ فهي توحّد شعور الناس، وتجعلهم يتعاطفون ويقاتلون لهدف معيّن معروف، وقد انتصر المسلمون بعقيدتهم في كل معركة خاضوها، تلك العقيدة التي جعلتهم يبذلون أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله.
بعد فتح مكة أسلم كثير من رجال قريش، فلما تحرك جيش المسلمين باتجاه حنين، رافقه حوالي ألفين من هؤلاء المسلمين الحديثي الإيمان الذين لم يعرفوا من الاسلام إلا اسمه، إذ لم يمض على إسلامهم وقت كاف لتفهّم تعاليم الاسلام.
رأى حديثو الاسلام في طريقهم مع جيش المسلمين نحو حنين شجرة عظيمة خضراء، فتنادوا من جنبات الطريق:(يا رسول الله! اجعل لنا (ذات أنواط) كما لهم ذات أنواط) «2» .
(1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 25.
(2)
- ذات أنواط: شجرة بعينها كان المشركون ينوطون بها سلاحهم، أي يعلقونه بها ويعكفون حولها.
وذات أنواط شجرة ضخمة يأتونها في الجاهلية كل سنة للتبرك بها، فيعلّقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها ويعكفون عليها يوما، ولم يفقه هؤلاء الذين اسلموا حديثا ولم يدخل الايمان في قلوبهم هؤلاء أن جهاد النبي صلى الله عليه وسلم كله كان لغرض واحد: هو القضاء على الشرك وإعداء كلمة التوحيد.
بل كان قسم من هؤلاء يحملون أزلامهم معهم.
لذلك فقد سرّهم انهزام المسلمين، بل أظهروا شماتتهم وشجعوا عليه.
ب- إن من أسباب هزيمة المسلمين في الصفحة الأولى من يوم حنين، هو وجود هؤلاء المسلمين من قريش الذين لم تطمئن قلوبهم للإسلام بعد، فانهزموا أول المنهزمين وأشاعوا الذعر في النفوس وأثروا في المعنويات.
وليس هناك في الحرب أصعب من السيطرة على الانسحاب، فعندما تنسحب قطعة من القطعات وتراها القوات الأخرى، فإن القوات كلها تنسحب معقبة تلك القطعة المنسحبة بدون تفكير ولا شعور، وهذا ما حصل أول يوم حنين، إذ سيطر على المسلمين المنهزمين تفكير القطيع من الغنم، إذا فعل أحدها شيئا اقتفت بقية القطيع أثره وفعلت فعله.
ج- إن انتصار المسلمين لم يكن لكثرتهم في أي معركة خاضوها، بل كان انتصارهم لعقيدتهم الراسخة، وأكبر درس يمكننا استنتاجه من معركة حنين، هو إخفاق المسلمين على كثرتهم في مستهل المعركة لوجود بعض ذوي العقائد الواهنة بين صفوفهم، بالإضافة الى الأسباب الأخرى.
أما انتصار المسلمين في حنين بعد ذلك فكان بثبات ذوي العقائد الراسخة وقيامهم بالهجوم المضاد، فانتصروا على الرغم من قلّتهم، فقد كانوا مائة رجل كما ذكرت بعض المصادر ولا يتجاوزون المئات كما نصّت عليه بعض المصادر الأخرى
…