الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخذ المسلمون يطاردون المشركين حتى أبعدوهم عن معسكرهم، ثم عادوا يجمعون الغنائم.
ورأى الرماة الذين أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ألّا يبرحوا أماكنهم ولو رأوه وأصحابه يقتلون، فقال بعضهم لبعض:(لم تقيمون هاهنا في غير شيء وقد هزم الله عدوكم، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم) ؟
واختلفوا فيما بينهم، أيتركون مواضعهم أم يبقون فيها؟ فأصرّ قائدهم عبد الله بن جبير على البقاء وعصاه أكثرهم وانطلقوا، ولم يبق معه غير نفر دون العشرة!
واشترك المنطلقون من الرماة في جمع الغنائم.
3- هجوم المشركين المقابل (الصفحة الثانية) :
أ- انتهز خالد بن الوليد «1» فرصة ترك رماة المسلمين لمواضعهم، وكان على ميمنة خيل المشركين، فهاجم مواضع الرماة التي تركوها، واستطاع إجلاء الباقين منهم عن مواضعهم، لقلة عددهم، وعدم إمكانهم الصمود في موضعهم الواسع بالنسبة لعددهم الذي أصبح قليلا.
ولم يفطن المسلمون لهذه المباغتة، وصاح خالد يعلن لقريش بأنه التفّ وراء المسلمين، فعادت قوات قريش المنهزمة للقيام بهجوم مضاد جبهي على المسلمين، ونادوا بشعارهم:(يا للعزّى! يا لهبل) ! بينما قام خالد بالالتفاف من الخلف، فأصبح المسلمون مطوقين من جوانبهم كافة.
وتحرّج موقف المسلمين، وأصبح خطيرا جدا، خاصة وأن صفوفهم لم تكن رصينة في مواضعها لتستطيع الصمود، إذ تبعثر أفرادها لجمع الغنائم.
(1) - أنظر سيرة حياته في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة 47- 211.
ب- كانت حركة خالد مباغتة تامة للمسلمين لم يكونوا يتوقعونها، فتبعثر أكثرهم وبقي القليل منهم الى جانب النبي صلى الله عليه وسلم «1» يقاتلون ليشقوا لهم طريقا من بين قوات قريش التي أطبقت عليهم من كل جانب.
واستشهد كثير من المسلمين وهم يحاولون شقّ طريقهم، واستطاع المشركون أن يصلوا قريبا جدا من موضع النبي صلى الله عليه وسلم، فرماه أحدهم بحجر أصاب أنفه وكسر رباعيّته. وتمالك النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وسار مع أصحابه الباقين، فإذا به يقع في حفرة حفرها أبو عامر ليقع فيها المسلمون، فأسرع إليه علي بن أبي طالب وأخذ بيده
…
ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى.
ج- أخذ المشركون يديمون زخم هجومهم للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ونادى أحدهم: بأنه قتل محمدا؛ ولكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استماتوا في الدفاع عنه.
كانت أم عمارة نسيبة الخزرجية قد خرجت أول النهار ومعها سقاء لها فيه ماء، تدور على المسلمين لتسقي منهم من استسقى؛ فلما أحاط المشركون بالمسلمين وأصبح الخطر الداهم محدقا بالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ألقت نسيبة سقاءها واستلّت سيفا وأخذت تذود عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف وترمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إليها.
وصدّ أبو دجانة بجسمه النبال المنهالة صوب النبي صلى الله عليه وسلم، فحنى ظهره عليه والنبل يقع فيه.
ووقف سعد بن أبي وقاص الى جانب النبي صلى الله عليه وسلم يرمي بالنبل دونه، والنبي صلى الله عليه وسلم يناوله النبل ويترصّد له إصاباته.
ورمى النبي صلى الله عليه وسلم عن قوسه، حتى تحطمت القوس. وتساقط المسلمون
(1) - ثبت مع الرسول (ص) أربعة عشر رجلا في أصحابه: سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصديق وسبعة من الأنصار. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 42.
حوله صرعى واحدا بعد الآخر مستقتلين في الدفاع عنه
…
حتى استطاعوا شقّ طريقهم عبر صفوف قريش الى رابية مشرفة من روابي جبل (أحد) .
وتركت هذه الاستماتة أثرها في قريش، فتوقف زخم هجومهم قليلا، واستفاد المسلمون من هذه الفرصة السانحة، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم بهم الى جبل (أحد) .
وفي طريق صعوده رآه كعب بن مالك الذي كان مع المسلمين الذين تفرقوا عنه، لهول صدمة مباغتة قريش لهم، ولانتشار إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فنادى كعب بأعلى صوته: (يا معشر المسلمين
…
أبشروا
…
هذا رسول الله) ، فلما سمعت قريش صيحة كعب لم يصدقها أكثرهم وحسبها صيحة أريد بها شدّ عزائم المسلمين، إلا أن بعضهم اندفع وراء النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته.
وتقدم أبيّ بن خلف وهو يقول: (أين محمد؟ لا نجوت إن نجا) . فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم بحربة الحارث بن الصمة طعنة جعلته يتقلب على فرسه ويعود أدراجه ليموت في الطريق، وهو أول قتيل قتل بيد النبي صلى الله عليه وسلم.
د- وصل المسلمون الى هضبة مرتفعة من جبل (أحد) ، ولكنّ خالد بن الوليد وصل بفرسانه قريبا منهم، فقام المسلمون عليه بهجوم مضاد، واستطاعوا صدّ قواته.
هـ- ذهبت كل محاولات قريش للقضاء على المسلمين أدراج الرياح، إذ تجمّع المسلمون حول النبي صلى الله عليه وسلم وأصبحوا تحت قيادته، بعد أن كانوا متفرقين لجمع الغنائم أولا، ونتيجة لصدمة المباغتة التي أجراها خالد بن الوليد بالالتفاف حول قواتهم وضربها من الخلف ثانيا.
وبلغ الإعياء برجال قريش حدا بالغا، وفشلت محاولاتهم الهجومية المتكررة للقضاء على المسلمين نهائيا، فقررت قريش إنهاء القتال
…
وقبل العودة أشرف أبو سفيان على الجبل، فنادى:(أفيكم محمد) ؟ فلم يجيبوه. فقال: (أفيكم ابن أبي قحافة) ؟ فلم يجيبوه. فقال: (أفيكم عمر بن