الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقائد العبقري هو الذي يحاول أن يباغت خصمه حتى يقضي عليه ماديا ومعنويا، لأن المباغتة الناجحة تشلّ حركة العدو وتقضي عليه كليا.
لقد طبّق الرسول صلى الله عليه وسلم كل أساليب المباغتة؛ فقد رأينا كيف باغت الأحزاب بأسلوب جديد في القتال هو حفر الخندق، كما رأينا كيف أنه باغت قريشا بالقتال بأسلوب الصفوف في غزوة (بدر) الحاسمة.
وفي غزوة بني قريظة باغت يهودا بالزمان في حركته بسرعة ما كانوا ليتوقعوها، فشلّ معنوياتهم واحتفظ بالمبادأة بيده حتى نهاية المعركة.
وفي غزوة بني لحيان تحرك شمالا باتجاه الشام حتى لا يعرف بنو لحيان وقريش اتجاه حركته الحقيقية، وبذلك باغتهم بالمكان.
إنّ المباغتة أهم مبادىء الحرب قديما وحديثا، وقد حرص المسلمون على تطبيق هذا المبدأ في أكثر غزواتهم، مما ساعدهم على النصر.
3- القصاص:
القصاص العادل الذي أصاب بني قريظة بعد استسلامهم، يقرّه كلّ إنسان واقعي سليم التفكير منصفا.
لقد طعن يهود المسلمين في أحرج وقت من أوقات محنتهم، ولو لم يكن هناك عهد بينهم وبين المسلمين لهان الخطب ولوجدنا بعض العذر لهم، ولكنّ أي عذر لهم وقد خانوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين في مثل تلك الظروف العصيبة؟ وأحب أن أتساءل: لو نجح الأحزاب في غزوة الخندق، فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟ ألم تكن عاقبة المسلمين الإبادة والتمثيل؟ فلماذا لا يبيدون الذين حاولوا معاونة أعدائهم على إبادتهم؟ لقد أفسح المسلمون المجال أمام بني قينقاع وبني النضير من يهود للجلاء الى (خيبر) والى ضواحي الشام، فماذا كانت النتيجة؟ أثار يهود الذي عفا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم الأحزاب وحشدوهم أمام خندق المدينة للقضاء على المسلمين.
ومع ذلك فالموقف جدّ مختلف بين موقف يهود الذين خانوا عهودهم في غزوة الخندق وبين يهود بني قريظة، إذ أن خيانة هؤلاء ونكثهم عهودهم كان في أحرج الأوقات وأشدها خطورة على مستقبل الاسلام والمسلمين
…
فهل يبقي المسلمون سلما على بني قريظة أيضا ليقوموا بدور أسلافهم بني قينقاع وبني النضير؟
لقد كان بإمكان يهود بني قريظة ان يتخلصوا من القتل لو أعلنوا إسلامهم كما فعل ثلاثة رجال منهم، فنجوا بحياتهم وأموالهم.
ولم يقض المسلمون بالقتل إلا على الرجال الذين قاتلوهم (فعلا) بعد أن خانوا عهودهم وعرّضوا المسلمين للإبادة، أما الأطفال والنساء فلم يصابوا بأذى، كما أن الذين ثبتوا على عهودهم من يهود لم يصابوا بسوء.
والمرأة الوحيدة التي قتلت من بني قريظة هي التي قتلت مسلما بقذفه بالرحى من فوق سطحها، وإنما كان قتلها على جريمتها هذه لا بسبب آخر.
أما قتل أبي رافع بن أبي الحقيق، فلأنه أحد رؤوس يهود الذين حرّضوا الأحزاب، وقتله كان عبرة لغيره من الذين يحاولون محاولته في المستقبل؛ وحتى قوانين الحرب الدولية الحديثة تجيز القتل في مثل هذا الموقف، فهذا اليهودي كان من بني النضير الذين أرادوا اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم، فحاصرهم وتغلّب عليهم واضطرهم على الاستسلام، ثم سمح لهم بالرحيل بعيدا عن المدينة على ألا يعودوا الى قتاله أو التحريض عليه، فإذا نكث هذا بالعهد وحرّض الأحزاب على تطويق المدينة، وحرّض بني قريظة على نكث عهدهم مع المسلمين. إذا كانت هذه أعماله بعد أن أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه بعد استسلامهم، فمن حق المسلمين أن يقتلوه كمجرم حرب لا كمحارب شريف «1» .
(1) - راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي. يطلق الأسير إذا اعطى كلمة (الشرف) بألا يقاتل الدولة التي اطلقت سراحه ولا يحرض على قتالها، فاذا اخل بكلمة الشرف التي اعطاها والتحق بالجيش ثم اسرته الدولة التي اطلقت سراحه، جاز محاكمته على إخلاله، والعقوبة في العادة هي الإعدام.