الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهِ (بَأْسٌ) شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) «1» .
إن الجهاد في الاسلام إنما يتوخى الاستعداد الدائم للمنافحة عن الحق وحمايته، ولتكون لدى المسلمين قوة ضاربة يحسب لها ألف حساب قبل أن يقدم على الاضرار بمصالح المسلمين العليا.
3- التنظيم العملي للقتال:
أ- الإعفاء من الجندية:
أسباب الإعفاء من الجندية في الاسلام محصورة في الضعف، ويشمل الضعف:
المرض والعجز والشيخوخة وعدم القدرة على الإنفاق: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ «2» ) .
لم يجعل الاسلام من أسباب الإعفاء من الجندية حمل الشهادات العلمية، ولا الانتساب الى الجامعات، ولا حفظ القرآن الكريم، ولا دفع البدل النقدي، ولا النبوّة لحاكم كبير مما عهدناه في عصور الانحلال، بل كان العمل في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والعصور التالية له على عكس ذلك؛ وما كان التفكير في جمع القرآن الكريم، إلا خوفا من أن يذهب بذهاب القرّاء الذين كانوا أكثر القوم إقداما وبسالة في حرب (اليمامة) ، وكان إقدامهم وجرأتهم على اقتحام صفوف الأعداء سببا في أن يستحرّ «3» القتل فيهم.
ب- إعلان الحرب:
حذر القرآن الكريم من انتهاز غفلة العدو وأخذه على غرّة غدرا: (وَإِمَّا
(1) - الآية الكريمة من سورة الحديد 57: 25.
(2)
- الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 91.
(3)
- استحرّ القتل: صار حارا أو شديدا، أي كثر القتل.
تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) «1» .
فتطلب الآية الكريمة طرح العهد عند توجّس الشر منهم، وتطلب أن يكون هذا النبذ صريحا.
إن المسلمين لا يخونون أحدا ولا يغدرون بأحد، ويعلنون الحرب صراحة على أعدائهم، ثم يشرعون بعد هذا الإعلان في القتال.
ج- الدعوة للجهاد:
حذر الاسلام من التباطؤ في تلبية داعي الجهاد والتثاقل عنه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ؟
أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ، فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ.
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) «2» .
د- عقاب المتخلفين:
عاقب الاسلام المتخلّف عن الجهاد عقابا نفسيا، إذ يهجر المتخلف أهله حتى زوجه، كما يهجره المسلمون جميعا ويقاطعونه، وينظر إليه المجتمع نظرة احتقار وازدراء:(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا)«3» .
فقد تاب الله عليهم بعد كل هذا العقاب النفسي ليتوبوا ولا يعودوا الى التخلّف مرة أخرى.
(1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 58.
(2)
- الآيتان الكريمتان من سورة التوبة 9: 38- 39.
(3)
- الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 118.
إن عقاب المتخلّف يقتصر عليه فقط ولا يشمل أهله وعشيرته ولا سكان قريته، كما حدث في القرن العشرين عند قسم من الدول الكبرى، إذ نزل العقاب الصارم بأهل المتخلّف وعشيرته، وحتى بأهل قريته في بعض الأحيان، بحجّة أن هؤلاء يجب أن يسلموا المتخلّف أو ينالهم العقاب.
هـ- تطهير الجيش:
يأمر الاسلام بتطهير الجيش من عناصر الفتنة والخذلان ومن الذين يختلفون عن أفراده بالعقيدة، حتى يكون الجيش كله مؤمنا بعقيدة واحدة يعمل لتحقيقها ويبذل كل ما يملكه في سبيلها، وبذلك يستطيع الفوز في الحرب:
(وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا)«1»
…
وأساليب القتال:
ينظم الاسلام مواضعه الدفاعية، ويوزع وحداته على تلك المواضع:(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ)«2» .
ويبتكر القتال بأسلوب الصف الذي لم تكن العرب تعرفه حينذاك، بل كانت تقاتل بأسلوب الكرّ والفر:(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ)«3» .
إنّ أسلوب الصف يتفق مع أساليب القتال في العصر الحاضر، فهو يؤمّن العمق والاحتياط، ليستطيع القائد معالجة المواقف التي ليست في الحسبان.
ز- الضبط «4» :
يحثّ الاسلام على السمع والطاعة للقيادة العامة، والثبات في المواقف
(1) - الآية الكريمة من سورة الأحزاب 33: 20.
(2)
- الآية الكريمة من سورة آل عمران 3: 121.
(3)
- سيرد تفصيل ذلك في غزوة بدر الكبرى. والآية الكريمة من سورة الصف 61: 4.
(4)
- الضبط: إطاعة الأوامر وتنفيذها عن طيب خاطر وباخلاص نصا وروحا.
وتجنّب أسباب الفشل، والاعتصام بالله وباليقين:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)«1»
كما حذّر الاسلام من الفرار وبين سوء عاقبته: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ، فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)«2» .
ح- الكتمان:
حذّر الاسلام من إذاعة الأسرار العسكرية، وجعل إذاعتها من شأن المنافقين، وطلب الرجوع بها الى القيادة العامة، كما طلب من المسلمين أن يتثبتوا مما يصلهم من أنباء قبل الركون إليها والعمل بها:(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ، لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا)«3» .
ويقول القرآن الكريم: (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)«4» .
(1) - الآيتان الكريمتان من سورة الأنفال 8: 45- 46.
(2)
- الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 15.
(3)
- الآية الكريمة من سورة الأحزاب 32: 60.
(4)
- الآية الكريمة من سورة النساء 4: 83.
ط- الهدنة «1» والصلح:
أمر الاسلام بتلبية دعوة السلم ووقف الحرب إذا جنح إليها الأعداء، وظهرت منهم علامات الصدق والوفاء:(وَإِنْ جَنَحُوا (لِلسَّلْمِ) فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) «2» .
(1) - راجع قانون الحرب والحياد. الهدنة: اتفاق يبرم بين الفريقين المتحاربين بوقف القتال مدة يتفق عليها فيما بينهما، والهدنة إما هدنة عامة أو محلية أو جزئية. فالهدنة العامة يسري وقف القتال فيها على جميع القوات المتحاربة، ويشمل جميع مناطق القتال؛ والهدنة المحلية أو الجزئية هي التي يقتصر وقف القتال فيها على بعض القوات المتحاربة دون بعضها الآخر. شروط الهدنة وآثارها: تعقد الهدنة في العادة كتابة، ولكن لا يوجد ما يمنع قانونا من عقدها شفهيا، وينص عقد الهدنة على مبدأ قيامها وانتهائها، ويتوقف القتال حال إعلان الهدنة، كما ينص بعبارة واضحة على شروط الهدنة. نقض الهدنة أو انتهاؤها: اختلف الشراح فيما بينهم على الآثار المترتبة على حصول إخلال من أحد الطرفين يبيح للطرف الآخر نقض الهدنة لهذا السبب والعودة الى أعمال القتال مباشرة. وكان من رأي فريق من الشراح: أن أي إخلال يقع من أحد الطرفين يبيح للطرف الآخر العودة الى أعمال القتال مباشرة ودون سابق إنذار. أما الشراح المحدثون فيرون أن حصول إخلال يبيح للطرف الآخر أن يعلن الطرف المخل بنقض الهدنة ولا يبيح له العودة الى أعمال القتال مباشرة. وتنتهي الهدنة بانتهاء المدة المحددة لها، فاذا لم ينص في اتفاقية الهدنة على تاريخ معين لانتهائها، جاز لكل من الطرفين استئناف القتال بعد إعلان الطرف الآخر وفقا لما هو منصوص عليه في الاتفاقية من الشروط.
(2)
- الآيتان الكريمتان من سورة الإنفال 8: 61- 62.