الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سرية خالد بن الوليد الى جذيمة من كنانة
لما رجع خالد من هدم (العزى) ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة، بعثه في شوال سنة ثمان الهجرية الى بني جذيمة وكانوا بأسفل مكة ناحية (يلملم)«1» ، وقد بعثه (داعيا) الى الإسلام ولم يبعثه (غازيا)«2» ، فدعاهم الى الاسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا:(أسلمنا) ! فجعلوا يقولون: (صبأنا! صبأنا) ! فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ثم دفع الى كل رجل أسيره، حتى إذا كان يوم من الأيام، أمر خالد أن يقتل كل رجل أسيره، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال:
(اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)«3» .
وفي رواية أخرى، أن خالدا خرج في ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فلما انتهى الى بني جذيمة قال:(ما أنتم) ؟ قالوا:
(مسلمون، قد صلّينا وصدّقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذّنا فيها) ! فقال: (فما بال السلاح عليكم) ؟! فقالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة، فخفنا أن تكونوا هم، فأخذنا السلاح) ! قال:(فضعوا السلاح)، فلما وضعوه قال لهم:(استأسروا) ! فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتّف بعضا وفرّقهم في أصحابه، فلما كان في السحر نادى خالد:(من كان معه أسير فليدافّه) ! والمدافة: الإجهاز عليه بالسيف. فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم، وأما المهاجرون والأنصار، فأرسلوا أساراهم، فلما بلغ النبي
(1) - يلملم: موضع على ليلتين من مكة، وهو ميقات أهل اليمن. أنظر معجم البلدان 7/ 514.
(2)
- أنظر فتح الباري بشرح البخاري 8/ 45، وسيرة ابن هشام 4/ 53. وطبقات ابن سعد 2/ 147.
(3)
- فتح الباري بشرح البخاري 8/ 45- 46. وصبأنا يعنون بها: دخلنا دين محمد (ص) . يقال صبأ الرجل إذا خرج من دين الى دين، ومنه (الصابئون) لأنهم قد اتخذوا دينا بين اليهودية والنصرانية.
صلّى الله عليه وسلم ذلك قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ؛ وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم «1» . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا علي! أخرج الى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك) ، فخرج علي حتى جاءهم، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه ليدي لهم ميلغة الكلب «2» ، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم حين فرغ منهم:
(إني أعطيكم هذه البقية من المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم وتعلمون) ، فلما رجع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل، قال له:(أصبت وأحسنت)«3» .
ومن الواضح أن الرواية الأولى، وهي الرواية التي رواها الإمام البخاري في صحيحه هي الصحيحة، لأن صحيح البخاري هو أوثق المصادر في روايته، ولأنها أقرب للعقل والمنطقق، ولأن خالدا لو اقتنع بإسلامهم لما تجرأ مطلقا على قتلهم.
لقد قال بنو جذيمة: (صبأنا
…
صبأنا) ، فحمل خالد هذه اللفظة على ظاهرها، أي أنهم خرجوا من دين الى دين، فلم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالاسلام «4» ، والدليل على ذلك أنه قال لهم:(ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا)«5» ، وهذا دليل قاطع على أنه لم يقتنع بأن كلمة:(صبأنا)، هي بمعنى: أسلمنا «6» .
(1) - أنظر طبقات ابن سعد 2/ 147- 148، وسيرة ابن هشام 4/ 54.
(2)
- ميلغة الكلب: خشبة تحفر ثم تتخذ ليلغ فيها الكلب.
(3)
- سيرة ابن هشام 4/ 55، والطبري 2/ 242، وجوامع السيرة ص 235، وعيون الأثر 2/ 186.
(4)
- فتح الباري بشرح البخاري 8/ 46.
(5)
- سيرة ابن هشام 4/ 53 والطبري 2/ 341 وابن الأثير 2/ 97 وتاريخ أبي الفدا 1/ 145.
(6)
- انظر تفاصيل ذلك في سيرة خالد ابن الوليد المخزومي في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة 72- 74.