الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرأي واضح جدا، فقد كان قرار الرسول صلى الله عليه وسلم في التشبث بالتفاهم مع قريش نهائيا وحاسما، ولا يحتاج مثل هذا القرار الى استشارة أحد.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوخى من التفاهم مع قريش أهدافا بعيدة جدا ليس من مصلحة الدعوة ولا من مصلحة المسلمين الإخبار عنها، وقد ظهرت أهدافه فيما بعد.
كانت قوات المسلمين في الحديبية ستمائة وألف رجل، فأصبحت قواتهم يوم فتح مكة بعد عامين عشرة آلاف رجل
…
وشتان بين العددين
…
وهذا بعض ما في صلح الحديبية من فوائد للمسلمين.
فهل كان بامكان الإسلام أن ينتشر بهذه السرعة في مثل تلك الظروف، لو لم تضع الحرب أوزارها بعض الوقت ويتهادن الطرفان؟
2- الضبط
«1» :
لا أكاد أقرأ تفاصيل غزوة (الحديبية كما ترويها كتب السيرة، إلا وأهتف من صميم نفسي: ما أعظم الضبط الذي كان يتحلى به الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حينذاك!
لم يكن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين سهلا أثناء مفاوضات الهدنة وبعدها حتى عودتهم الى المدينة المنورة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف أهدافه القريبة والبعيدة ويعمل لتحقيقها بصبر وأناة وإصرار، ولكنّ كيف السبيل الى إفهام كل تلك الأهداف للمسلمين في مثل تلك الظروف؟
(1) - الضبط: اصطلاح عسكري يقصد به الحالة العقلية التي تساعد الفرد على عمل واجبه باعتبار أنه ملزم بأدائه سواء كان مراقبا أو غير مراقب. أو القدرة على حبس بعض الانفعالات غير الاعتيادية كالخوف والغضب والجوع
…
الخ. وإنجاز العمل المطلوب بحرص وأمانة وإخلاص في الحالات الصعبة.
أما المسلمون، فما أصعب موقفهم!
…
لم يكن أحد منهم يشك في دخول مكة، فانهارت آمالهم أثناء المفاوضات.
ولم يكن أحد يفهم ما يبرّر الهدنة، فشاهدوا هذه الهدنة تصبح أمرا مفروغا منه.
وكانت عقيدتهم تطغى على كل شيء سواها، فوجدوا إخوانهم المستضعفين من المسلمين يردّون الى المشركين ليفتنوهم عن دينهم.
ولو كان المسلمون ضعفاء أو يشعرون بالضعف لهان الخطب، ولكنهم كانوا أقوياء ماديا ومعنويا، فكيف يقتنعون بالهدنة في شكلها وأسلوبها الذي كان؟
بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب عقد الهدنة، جاء الى المسلمين أبو جندل- وهو ابن سهيل بن عمرو ممثل قريش في المفاوضات- يرسف في الحديد، فقد اعتنق الإسلام فلقي العذاب من أهله المشركين. فلما رأى سهيل ابنه ضرب وجهه وجعل يجرّه ليرده الى قريش، وأبو جندل يصيح بأعلى صوته:(يا معشر المسلمين، أأردّ الى المشركين يفتنونني عن ديني) ؟!
ليس من السهل احتمال المسلمين لمثل هذا الموقف حينذاك. ولكنهم احتملوه صابرين، على الرغم من بعض التذمر الخافت الذي كان يخالج بعض نفوس المسلمين، والذي كان يثيره حرصهم الشديد على عزة الإسلام.
إن ضبط الرسول صلى الله عليه وسلم أعصابه أثناء المفاوضات وبعدها على الرغم من تذمر بعض المسلمين. وضبط المسلمين أعصابهم في مثل ذلك الموقف على الرغم من حنق بعضهم على المفاوضات والهدنة، كل ذلك يدل على تحلي المسلمين حينذاك بالضبط المتين بشكل يدعو الى الإعجاب الشديد.