الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك ما طبّقه المسلمون بحق الأسرى، وهو ما ينطبق على أحدث قوانين معاملة الأسرى في العصر الحاضر.
أما الرهائن، فلم يرو التاريخ أن المسلمين اعتدوا عليهم لأن الرهائن أمانة والقرآن الكريم يقول:(لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)«1» .
ثالثا- الجرحى والقتلى:
كان قسم من أسرى المشركين في غزوة (بدر) الكبرى جرحى، وقد اعتنى المسلمون بتمريضهم وعنايتهم بجرحاهم سواء بسواء.
ولم يهمل المسلمون أمر الاعتناء بجرحى أعدائهم في كل غزواتهم، لأن هذا الاعتناء قضية إنسانية، والإسلام دين الإنسانية جمعاء.
وقد دفن المسلمون قتلى المشركين في (بدر) كما دفنوا شهداءهم ولم يتركوهم في العراء.
أما المشركون فقد مثّلوا بشهداء المسلمين في (أحد) أفظع تمثيل.
3- حرب عقيدة:
أ- لا أغراض شخصية:
لم تعلن الحرب في الإسلام لأغراض شخصية، لأن الإسلام في حقيقته دعوة للمصلحة العامة وتقديم للصالح العام، ولو أدّى ذلك الى تناسي مصالح الأشخاص.
ولم تعلن هذه الحرب لأطماع شخصية وحب السيطرة والأمجاد، فقد بعثت قريش عتبة بن ربيعة وهو رجل رزين هادىء، فذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: (يا ابن أخي! إنك منّا حيث علمت من المكان والنسب، وقد أتيت
(1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 27.
قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم؛ فاسمع مني أعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها. إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفا سوّدناك علينا فلا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا) . ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكترث بكل هذا الاغراء.
واشتدت عدواة قريش، وعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم له فقال للنبي صلى الله عليه وسلم:(ابق على نفسك وعليّ، ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق) .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا عماه! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته) .
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يردد دائما قوله تعالى: (قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)«1» . ولم يترفع أبدا عن الفقراء والضعفاء والمساكين والخدم، وسيرته في كل ذلك مضرب الأمثال.
إن حماية حرية نشر العقيدة هي التي أثارت الحرب في الإسلام، ولم يكن من أسباب إثارتها الأغراض الشخصية من بعيد أو قريب.
ب- حرب لا عنصرية:
ليس الإسلام دينا لقبيلة دون قبيلة، ولا لأمة دون أمة، ولا للعرب دون العجم. ولكنه للناس جميعا، للعالمين!
…
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)«2» ، فالإسلام يعمل لفكرة جليلة، فكرة وحدة الإنسانية تحت لواء الإسلام.
إنه دين يقاوم العصبية والتعصب، ويكافح العناصر والأجناس، لأنه يريد أن يجمع العالم كله على صعيد واحد: لتوحيد كلمتهم وتوحيد الله.
(1) - الآية الكريمة من سورة الكهف 18: 110، وسورة فصلت 41:6.
(2)
- الآية الكريمة من سورة الأعراف 7: 158.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)«1» ، و (ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى) ، و (سلمان منا آل البيت)، كلها معناها: إن الإسلام قومية ودين تنصهر فيه كل قومية وكل دين، هو دنيا ودين
…
سيف وكتاب
…
مذهب في الحياة «2» .
لقد رأينا أن الحرب الإجماعية التي دعا إليها الألمان ترتكز على العنصرية الجرمانية، ورأينا سيطرة التفريق العنصري البغيض بين البيض والسود في الولايات المتحدة الامريكية وفي جنوب إفريقية وغيرها من البلاد، كل هذا يجري في القرن العشرين عصر النور والمدنية والذرّة والصواريخ عابرة القارة.
أما الاسلام قبل أربعة عشر قرنا، فقد قاوم العنصريات والاجناس، ودعا الى توحيد الأهداف، فمن آمن بالإسلام كان دمه وعرضه وماله حراما على المسلمين:(المسلم أخو المسلم) .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم من قريش، ولكنه قاتل قريشا حين اعتدت على المسلمين؛ وكان عربيا، ولكنه قاتل قومه العرب دفاعا عن الإسلام.
ولما تصدى الروم لعرقلة دعوته، قاتلهم. وعندما التحق بالرفيق الأعلى، قاتل خلفاؤه الفرس والروم وغيرهم من الأقوام والأجناس.
والذين كانوا أعداء المسلمين على اختلاف قومياتهم وأجناسهم قبل إسلامهم، انصهروا بعد إسلامهم بالمسلمين، فأصبح عليهم ما على المسلمين ولهم ما للمسلمين.
إن الاسلام ساوى بين الناس في الدنيا وفي الآخرة
…
أمام الناس وأمام الله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ)«3» .
(1) - الآية الكريمة من سورة الحجرات 49: 10.
.Islam is a (way of life) and not a (religion) only - (2) فهو: مذهب في الحياة يشمل القضايا الروحية والمادية وليس دينا يشمل القضايا الروحية فقط، فلينتبه الى ذلك الذين يترجمون كتب الغرب الى العربية عند ترجمتهم كلمة) religion (التي قد تنطبق على المسيحية كدين ولكنها لا تنطبق على الاسلام كدين ودولة وروح ومادة وسيف وكتاب.
(3)
- الآية الكريمة من سورة الحجرات 49: 13.
ج- حرب لا مادية:
لم يكن من أغراض القتال في الاسلام الاستحواذ على المادة والبحث عن الاسواق والخامات واسترقاق المرافق وفرض الاستعمار.
خرج المسلمون للتصدّي لقافلة أبي سفيان بن حرب العائدة من الشام في غزوة (بدر) الكبرى، لأنهم أرادوا أن يحرموا قريشا من طريق مكة- الشام التجارية فيؤثّرون بذلك على حالتها الاقتصادية حتى يخففوا من غلواء عدوانهم على المسلمين.
ولكنّ تلك القافلة أفلتت من أيديهم، ومع ذلك اصطدمت قواتهم بالمشركين، وكان بإمكانهم العودة الى المدينة بأمن وسلام بكل يسر وسهولة.
ولو كانت القضايا المادية هي التي دعتهم للخروج الى (بدر) ، لعادوا أدراجهم عندما علموا بوصول قافلة قريش سالمة الى مكة.
وبعد غزوة (حنين) ، انتظر الرسول صلى الله عليه وسلم حوالي شهر قدوم وفد هوازن إليه، ليعيد إليهم ما غنمه المسلمون من أموالهم، ولكنهم لم يحضروا، فاضطر الى تقسيم الغنائم، وأعاد السبي الى وفد هوازن الذي وصل بعد تقسيم الغنائم على الناس.
ولكن ما هو نصيب الرسول صلى الله عليه وسلم من الغنائم؟ إنه الخمس، وهذا الخمس مردود عليهم، لأنه يصرف في مصالحهم العسكرية وغير العسكرية، فهل أبقى الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسه شيئا من المال؟
قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (لم يمتلىء جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعا قط، وإنه كان في أهله لا يسألهم طعاما ولا يتشهّاه، إن أطعموه أكل، وما أطعموه قبل، وما سقوه شرب) .
وقالت: (ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم .