الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- المناوشات:
حاول قسم من متعصبي قريش أن يهاجموا معسكر المسلمين، وفعلا هجم ما يقرب من خمسين مشركا على المسلمين، ولكنّ المسلمين استطاعوا أسرهم جميعا، فأطلقهم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يثبت نياته السلمية عمليا ولا يترك حجّة لقريش تتشبث بها لتجميع العرب ضد المسلمين.
3- المفاوضات الابتدائية:
أ- المشركون:
أرسلت قريش مكرز بن حفص ليرى موقف المسلمين، فعاد إليهم ليخبرهم أن محمدا لم يأت مقاتلا، وإنما جاء زائرا لهذا البيت.
وأرسلوا بعده الحليس بن علقمة سيد الأحابيش «1» ، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(إن هذا من قوم يتألهون (أي إنه متدين) فابعثوا الهدي أمامه ليراه) .
رأى الحليس الهدي في الوادي فعاد الى قريش قبل أن يصل الى الرسول صلى الله عليه وسلم إعظاما لما شاهد، وأخبرهم بما رأى، فأجابوه:(اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك) . فاستشاط الحليس غضبا وصاح: (يا معشر قريش! والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له؟ والذي نفس الحليس بيده لتخلّن بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد)
…
فرجته قريش أن يكفّ عنها حتى تفكر في الأمر!
ورأت قريش أن توفد عروة بن مسعود، وهو من سادات ثقيف وهو رجل
(1) - الأحابيش: أحياء من العرب رماة، سموا بذلك لاسودادهم أو نسبة الى حبشي (بضم الحاء وسكون الباء) جبل بأسفل مكة. وهم خلائط من العرب يتبعون كنانة بن خزيمة.
متزن حكيم، فكره عروة أن يعود من مفاوضة النبي صلى الله عليه وسلم، فيسمعه رجال قريش ما يسوءه؛ فاعتذرت له قريش مؤكدة أنه عندهم غير متّهم، وأنها تطمئن الى حكمته وحسن رأيه؛ فخرج الى محمد صلى الله عليه وسلم وذكر له أن مكة المكرمة بلده الحبيب وأن بها قومه وعشيرته، فلا يصح له مهاجمتها بمن جمع من أوشاب «1» الناس الذين سينكشفون عنه منهزمين إذا اشتد الخطب. فأجابه أبو بكر الصديق رضي الله عنه:(أنحن ننكشف عنه) ؟!
وعاد عروة الى حديثه مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل يمسّ لحية النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلّمه، فقرع المغيرة بن شعبة الثقفي «2» يد عروة وهو يقول:(أكفف يدك عن وجه رسول الله قبل ألا تصل إليك)
…
وردّ النبي صلى الله عليه وسلم على عروة بما يقطع لجاجته وينفي كل شبهة: (إنه لا يريد حربا وإنما يريد أن يزور البيت كما يزوره غيره)
…
عاد عروة من اجتماعه بالرسول صلى الله عليه وسلم الى قريش، وقد رأى ما يصنع به أصحابه: لا يتوضّأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه؛ فرجع الى قريش ليقول:(يا معشر قريش! إني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه؛ ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم) .
عادت كل سفراء قريش إليها دون أن يتعرّض بهم أحد من المسلمين، وقد اطمأنوا جميعا الى نيّات المسلمين السلمية، مما جعل حلفاء قريش يقاومون فكرة القتال، بل كادت تنشب حرب أهلية بين متعصبي قريش ومنصفيها.
(1) - الأوشاب: الأخلاط.
(2)
- أنظر سيرته في: قادة فتح العراق والجزيرة 387- 411.
ب- المسلمون:
بعث الرسول صلى الله عليه وسلم خراش بن أمية الخزاعي الى أشراف قريش ليبلغهم عنه بما جاء له، فعقرت قريش ناقته وأرادت قتله، لولا حماية الأحابيش له، فخلّوا سبيله على مضض.
وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه الى قريش، فخرج برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه أول ما دخل مكة إبان بن سعيد فأجار عثمان حتى يفرغ من تبليغ رسالته. وبلّغ عثمان ما جاء به لقريش. قالت قريش:(يا عثمان إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل)
…
قال عثمان: (ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله، إنما جئنا لنزور البيت العتيق ولنعظّم حرمته ولنؤدي فرض العبادة عنده، وقد جئنا بالهدي معنا، فإذا نحرنا رجعنا بسلام)
…
وأجابت قريش: بأنها أقسمت لن يدخل محمد مكة هذا العام عنوة.
وطال الحديث وطال احتباس عثمان بن عفّان رضي الله عنه عن المسلمين، وترامى إليهم أن قريشا قتلته غيلة وغدرا.
وحين بلغت هذه (الإشاعة) مسامع النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نبرح حتى نناجز القوم) .
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس الى مبايعته، فبايعه المسلمون على الموت تحت الشجرة بيعة الرضوان؛ فلما أتمّ المسلمون البيعة ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الأخرى بيعة لعثمان بن عفّان رضي الله عنه كأنه حاضر معهم.
على أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يطل احتباسه، فان قريشا جزعت أن تصيبه بأذى وهو من سراتها بمكان، فعاد وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قريشا لم تبق عندهم ريبة في أنه وأصحابه جاءوا معظمين للبيت، ولكنهم لا يتركون