المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النظر الأول: أنه منع من جواز الترجيح للمقلد في كل مسألة - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٣

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الدعوى الأُولى: ادَّعَى أنَّ أحاديثَ الفقهاءِ متعارضَة في وضع اليَدِ على اليد

- ‌الدعوى الثانية: ادَّعى أنَّ العُمُومَ يعارِضُ الخصوصَ إذا جُهِلَ التاريخُ

- ‌الوجه الرابع: سلَّمنا أنا لَمْ نقلْ بجوازِ الجَهْرِ والإخفات معاً

- ‌الوجه السابع: أنَّ الخبَرَ إذا وَرَدَ في شَيْءٍ، ظهر في الأصل ظُهوراً عامَّاً

- ‌الوجه التاسع: سلَّمنا سلامَةَ هذا الحديثِ منْ جميعِ هذِهِ المَطَاعِنِ، فإنَّه حديث مُرْسَل

- ‌الوجه الحادي عشر: أنَّ هذا كُلهُ بناءٌ على أنَّا ما تَمَسَّكْنَا في المسأَلَةِ إلأَ بحديثِ فاسِقِ التَّأْويلِ

- ‌الوجه الثَّاني عشر: أنَّ السيدَ نَصَّ على أنَّا نُرَجِّحُ فُسَّاق التَّأويلِ

- ‌الإِشكال الأول: أنَّ المحدِّثينَ قد نصُّوا على عَكْسِ ما ذَكَرَهُ السيد

- ‌الإشكال الثالث: سلَّمنا للسيدِ أنَّ ذلكَ مَذْهَبُ الأوزريِّ

- ‌الإشكال السَّادسُ: سلَّمنا أنه يلزمُهُم

- ‌ الجواب عَنِ السيِّدِ في هذا مِنْ وُجُوهٍ

- ‌الوجه الثاني: أنَّ السيدَ غَلِطَ على ابنِ الصَّلاحِ، ولم يَنْقُلْ عنه مَذْهَبَه

- ‌ في كلامِ السيدِ هذا مباحثُ

- ‌البحثُ الرَّابعُ: أنَّ السيد ادَّعى على الرجُلِ في أَوَّلِ كلامِهِ أنَّه ادَّعى إجماعَ الفقهاءِ، ثُم ألزَمَهُ هُنا أنْ يَجْمَع لَهُ الأمَّةَ في صَعِيدٍ واحِدٍ

- ‌البحثُ السَّادِسُ: أنَّه ادَّعى إجماع العُلمَاءِ

- ‌البحث السابع: أنَّك إمَّا أنْ تُنْكِر الإجماعَ السُّكُوتيَّ أم لا

- ‌البحث التاسع: يتفضَّلُ السَّيِّدُ ويخبرُنا مَنِ الذي يقولُ مِنْ أهلِ البَيْتِ بطلاقِ زوجة هذا الحَالفِ

- ‌البحث العاشر: أنَّ الظَّاهِرَ إجماعُهم عليهم السلام على ذلِكَ

- ‌البحث الثالث عشر: أنَّه لا طريقَ إلى العِلْمِ بِأنَّ الحديثَ المُتَلَقَّى بالقَبُول هوَ بِنَفْسِهِ لفظُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ المضعَّف عليهما نوعان

- ‌النوع الأول: المعلولُ

- ‌ الجواب على هذا مِنْ وجوهٍ

- ‌الوجه الأول: أن كلامَ السيد في المسألة الأولى دالٌّ دِلَالَة واضِحَة على أنَّه يَدَّعِي أنَّه غير مجتهِدٍ، بل يدعي أنَّه لا مجتهدَ في الزَّمان

- ‌الوجه الثاني: أن نَقول: ما مُرَادك بهذا الإنتاج

- ‌الوجه الثالث: أنْ نقولَ: ما قصدُك " ويُستفتى مَنْ ليْس بعَلِيم

- ‌ في كلام السيدِ هذا أنظار

- ‌النظر الأول: أنه تعرَّض لتفسير كلامِ المؤيَّد باللهِ مِنْ غيرِ غَرَابَةٍ في ألفاظِهِ

- ‌النظر الثاني: أنَّ السيدَ في كلامه هذا قد أجاز التَّرجيح بالأخبار لبعضِ المُقَلِّدين

- ‌النَّظر الثالث: أنِّي لَمْ أُوجِبِ الترجيح بالأخبار على جميع المكلَّفين مِنَ العامَة

- ‌النظر الخامس: أنَّه وعد بضربِ مَثَلٍ، ولم يأتِ بما يَصْلُحُ أن يُسَمَّى مثلاً مضروباً عِنْدَ البُلغاءِ

- ‌ ضَعْفُ كلامِ السيِّدِ في هذا يتبيَّنُ بأنظار

- ‌النظر الأول: أنَّه مَنَعَ مِنْ جوازِ التَّرجيح للمقلِّدِ في كُلِّ مسألة

- ‌الوهم الأول: أنَّه عَوَّلَ على إجماعِ العامَّة المقلِّدين

- ‌الوهم الثاني: أنا لو سلَّمنا أنَّ إجماعُهم صحيحٌ، لما دلَّ على مذهبه

- ‌الوهم الثالث: وَهم أنَّ المقَلِّدِينَ مُجمعون على الالتزام

- ‌النظر السادس: قول السَّيِّد: إنَّ هذا لو وقع في زماننا، لأنكره النَّاس، عجيب أيضاً

- ‌النظر السابع: أنَّ السيِّدَ جاوزَ حدَّ العادة في الغُلُوِّ

- ‌النَّظر الأول: أنَّ السيدَ استدلَّ، ثم استثنى

- ‌النظر الثاني: أنَّ ما جاز في ذلك على المقلِّدِ جاز على المجتهد

- ‌النَّظر الرابع: أنَّ كلامَه في هذا الفصل يستلزِمُ اشتراطَ السَّفرِ والخطرِ في صِحَّة الاجتهاد

- ‌ الجواب على ما ذكره من وجوه:

- ‌الوجه الرابع: أنَّ اعتراضَ كتبِ الحديث الصَّحاح بأنَّ فيها ما ليس بصحيح عندَ غيرهم، عمَلُ منْ لم يعْرِفْ ما معنى الصحيح عند أهله

- ‌القسمُ الأول: ما يتعلَّقُ بأحكامِ التَّحليل والتَّحريم المشهورة مِنْ روايةِ الثِّقات

- ‌الحديث الأول: تحريمُ الوَصْلِ في شعور النِّساء

- ‌الحديث الثاني: "لا تَزَالُ طائفَةٌ منْ أُمَّتِي ظَاهِرينَ عَلى الحَقِّ

- ‌الحديثُ الثالث: النَّهي عن الركعتين بَعْدَ العصر

- ‌الحديثُ الخامس: "إنَّ هذا الأمْرَ لا يزالُ في قُرَيْشٍ

- ‌الحديثُ السادس: حدُّ شارب الخمر

- ‌الحديث السابع: النَّهي عن لباس الحرير، والذَّهب، وجلودِ السِّباع

- ‌الحديثُ الثامن: حديثُ افتراق الأمَّةِ إلى نَيِّفٍ وسبعين فِرقة

- ‌الحديث التَّاسع: النَّهي عن سبق الإمام بالرُّكوع والسُّجود

- ‌الحديث العاشر: النَّهي عن نِكَاح الشِّغارِ

- ‌الحديث الثاني عشر: حُكْمُ مَنْ سَهَا في الصلاة

- ‌الحديث الثالثَ عشر. النَّهيُ عَنِ النِّيَاحة

- ‌الحديث الرابعَ عشر: النَّهي عَنِ التَّمادح

- ‌الحديث الخامسَ عشر: النَّهي عن كُلِّ مسكر

- ‌الحديثُ السادسَ عشر: كراهةُ رضى الدَّاخِل على القوم بقيامهم له

- ‌الحديث السابعَ عشر: النهي عن تتبع عوراتِ الناس

- ‌الحديث الثامنَ عشر: النَّهي عَنِ القِران بَيْنَ الحجِّ والعُمرة

- ‌الحديث الموفي عشرين: روى عن أخته أمِّ حبيبةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي في الثَّوب الذي يُجَامِعُها فيه ما لم يَرَ فيه أذىً

- ‌الحديثُ الأول: فَضْل إجابة المُؤَذِّنِ

- ‌الحديث الثالث: في فضل حِلَقِ الذِّكر والاجتماعِ عليه

- ‌الحديث الرابع: النَّهي عن الغَلوطات

- ‌الحديث السادس: فضل حُبِّ الأنصار

- ‌الحديث الثامن: " المؤذِّنُونَ أطْولُ النَّاسِ أعنَاقَاً يوْمَ القيامَةِ

- ‌الحديث العاشر: تحريم وصل الشعر على النساء

- ‌الحديث الحادي عشر: " العَيْنَانِ وِكاءُ السَّه

- ‌القسم الثالث: ما يُوَافِقُ مذهبَ المعترِضِ من حديثه

- ‌الحديث الثاني: النَّهْي عن لباسِ الذَّهب إلا مُقَطَّعاً

- ‌القسمُ الرابعُ: ما يتعلَّقُ بالفضائل، مما ليس بمشهور

- ‌الحديث الثالث: حديثُ الفصل بَيْنَ الجُمُعَةِ والنّافلة بعدَها بالكلام

- ‌الحديث الرابع: " كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أنْ يَغْفِرَهُ إلا الشِّرْكَ باللهِ، وَقَتْلَ المُؤْمِنِ

- ‌القسم الخامس: ما لا يتعلَّق به حُكْمٌ

- ‌الحديث الأول: حديث وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وستِّين

- ‌فإن قلت: فما الوجه في روايتهم عنه؟فالجواب من وجهين:

- ‌الجوابُ من وجهين معارضةٌ وتحقيق

- ‌الوجه الثاني: التَّحقيق، وبيانُه أنْ نقولَ: توهم السَّيِّدُ أنَّ الشهادةَ على الزِّنى إذا لم يتمَّ نِصَابُها كانت قذفاً

- ‌الوهم التاسع: قال: ومنهم الوليد بنُ عقبة

- ‌الوهم العاشر: توهَّم السَّيّدُ أنّ الوليد منَ الرُّواة المعتمدين في الصِّحاح في الحديث عند أبي داود

- ‌الوهم الحادي عشر: ذكر السيِّد أنَّ الوليد مذكورٌ في غير " سُننِ أبي داود " من كتب الحديث، وهذا الوهم أفحشُ مِنَ الذي قبلَه

- ‌الوهم الثالث عشر: قال: ومنهم أبو موسى الأشعري نَزَعَ علياً الّذي ولّاه الله ورسوله

- ‌ ونَزيدُ على هذا وجوهاً

- ‌الوجهُ الأولُ: بيانُ القَدْح في أصلِ هذه الروايةِ

- ‌الوجهُ الثاني: المعارضةُ لذلك بثناءِ الإمام المنصورِ بالله على أحمدَ

- ‌الوجهُ الثالثُ: المعارضةُ لذلكَ من روايةِ الحنابلةِ وأهلِ الحديثِ

- ‌ ولنختم هذا الفصل بتنبيهين

- ‌التنبيه الثاني: ينبغي التأمُّلُ لَهُ، وذلك أنَّه قد يقع التَّساهلُ في نقل المذاهبِ مِنْ أهلِ كُتب المِلَلِ والنِّحَلِ

- ‌الفصل الثاني: في تحقيق مذهبِ أحمدَ بنِ حنبل وأمثالِه مِنْ أئِمَّة الحديث، وهُم طائفتان

- ‌أحدهما: القولُ بأنَّ النَّظر فيما أمر اللهُ تعالى بالنظر فيه

- ‌ثانيهما: أنَّهم يُنكرون القولَ بتعيُّنِ طرائقِ المنطقيِّين والمتكلِّمين للمعرفة

- ‌الوظيفة الأولى: التقديس:

- ‌الوظيفة الثانية: الإِيمانُ والتصديق:

- ‌الوظيفة الثالثة: الاعتراف بالعجزِ عن معرفةِ حقيقة هذه المعاني

- ‌ الوظيفة الرابعة: السُّكوت

- ‌ الموضعُ الثالث: تأويلُ العالِمِ مع نفسِه في سِرِّ قلبه

- ‌الوظيفةُ السابعة: التسليمُ لِقولِ الله تعالى، ولحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الأصلُ الرابع: أنَّهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دَعَوا الخَلْقَ إلى البحث

- ‌ فصل: ولعلك تقول: الكف عن السؤال، والإمساك عن الجواب من أين يغني

- ‌ فإن قيل: بم يميز المقلد بين نفسه، وبين اليهودي المقلِّد

- ‌الرابع: من المعلوم أيضاً أن في كل طائفة عظيمة بلهاء بُلداء، وإنّ في الزيدية

- ‌السادس: أنّ الفلاسفة تدَّعي من التَّحذلق مثل ما أنت مُدَّعٍ

الفصل: ‌النظر الأول: أنه منع من جواز الترجيح للمقلد في كل مسألة

قال: فأمَّا (1) أن يكون لَهُ في كُل مسأَلَةٍ أن يُرَجَّحَ ويخْرُجَ عَنْ مَذْهَبِ مَنْ كان قلَّده، فالصَّحيحُ أنَّ عليه التزامَ مذهبِ إمامٍ مُعَيَّنٍ، ذَكرَهُ المنصورُ بالله، والشيخ الحسن، والشيخُ أحمد بن محمد، واحتجَّ لهم بوجوه.

أحدُها: بالإجماع وهو أنَّه لا يُعْلَمُ أحد مِنَ المقلِّدين يَتَردَّدُ بَيْنَ مذاهِبِ عُلمَاءِ الإِسلام المتقدِّمين منهُم والمتأخِّرين، ففي مسألة يقلِّدُ أبا بكرٍ، وفي أُخرى عمر، وفي ثالِثَةٍ ابنَ عبَّاس، وفي رابعة ابنَ مسعودٍ، وهَلُمَّ جَرَّاً، ولا منْ يكون مقلِّداً لطاووس، وعطاء، وللحَسَن، والشّعبي، ولابن المسيِّب، ولغيرهم مِمَّن وراءَهم، فقلَّد في كُلِّ مسألة إماماً في أبوابِ الفقهِ ومسائِلِهِ جميعاً، ولا مَنْ يكون حَنَفِيَّاً في مسألة، شافِعِيَّاً في أخرى، مالكيَّاً حنبليَّاً هادويَّاً ناصرِيَّاً في مسألة مسألة هذا ما وَقعَ ولا عُلِمَ به، ولو وقع في زماننا، لأنكرَهُ النَّاسُ.

أقول:‌

‌ ضَعْفُ كلامِ السيِّدِ في هذا يتبيَّنُ بأنظار

.

‌النظر الأول: أنَّه مَنَعَ مِنْ جوازِ التَّرجيح للمقلِّدِ في كُلِّ مسألة

، وظنَّ أن المنصور، والشَّيخ الحَسَنَ منعا مِنْ ذلك لإيجابِهِمَا التزامَ مذهبِ إمامٍ مُعَيَّنٍ، وليس كما توهَّم السيدُ، فبينَ المسألتيْنِ فرقٌ واضحٌ، لَأنَّ المنصور عليه السلام إنَّما أوجب التزامَ مذهبِ الأعلمِ الأفضلِ، لَأنَّ الظَّنَّ بِصِحَّةِ قولهِ أقوى، قال المنصور (2) عليه السلام ما لفظه: ومتى اتَّفق أهل العلمِ والاجتهادِ في الفتوى، وَجَبَ على المستفتي قَبُولها بلا خلافٍ في ذلِكَ، وَإِن اختلفوا، وجبَ عليه عندَنا الاجتهادُ في أعلمِهِم وأديَنِهِمْ، وطلبُ الأمارَاتِ على ذلِكَ، لأنَّ ذلِكَ يُمْكِنُه وَهُو مُقَوٍّ لظنِّه، وقد تقرَّر وجوبُ

(1) في (ش): وإما.

(2)

في (ب): المنصور بالله.

ص: 128

طَلَبِ الظن الأقوى لِمَنْ يمكنُهُ العلمُ، وأنَّه لا يجوز العدولُ عنه إلى الظن الأضعفِ مع التَّمَكُّنِ منَ الظن الأقوى، إلى آخِرِ كلامِه عليه السلام.

ومَنْ نَظرَ في كلامِهِ هذا، ظهرَ لَه أنَّه أكثرُ مناسبةً لكلامي؛ لَأني تمسَّكْتُ بما نصَّ على وُجوبه من اتِّباع الظَّنُّ الأقوى، وتحريم العمل بالظن الضَّعيفِ، وأنا وافقتُ المنصورَ عليه السلام في المعنى، والسَّيِّدُ وافقه في الصُّورَةِ، وتوهَّم أنَّ الموافقَةَ في الصُّورَةِ أرجحُ مِنَ الموافَقَةِ في المعنى، وهذا غلط واضِحٌ، فإنَّ المُوافَقةَ الصُّوريَّة لم يَردِ التَّعبُّدُ بها إلا مُتابَعَةً للموافقةِ المعنَويَّة، والموافَقةُ المعنويَّةُ هي المقصودَةُ، ومثالُ ذلِك أنَّ الواحِدَ مِنَّا لو تزوَّج تِسْعَ نساءٍ على الجمع، لكانَ مُوافِقَاً للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الصُّورة، ولكنَّه لمَّا كانَ مُخالِفَاً في المعنى، حَرُمَ ذلِكَ، وكذلكَ المرأةُ لو سترت مِنَ السُّرَّةِ إلى الرُّكْبَة، وكَشَفَتْ ما عدا ذلك، لكانت موافقةً للنَّبِي عليه السلام في الصُورَة؛ لكِنها مخالِفَةٌ له في المعنى، وأمثالُ هذا كثيرةٌ (1)، وقد يغترُّ كثيرٌ مِنَ المقلِّدين بالصُّورة.

النَّظر الثاني: أنَّا نُبَيِّنُ أنَّ مذهبَ المنصُورِ بالله عليه السلام هوَ مَا ذكرنا بطريقة التَّخريج (2) الصَّحيحَةِ الواضِحَةِ التي نَصَّ على صِحَّتِها الأئِمَّةُ.

فنقول: قَدْ بَيَنَّا الدَّليلَ فيما تقدَّم، على أنَّ السَّامِعَ للحديثِ الصَّحيح مِنَ الثِّقة المُرْضِيِّ إنْ لم يَحْصُلْ لَهُ به ظَنٌ، لم يجب عليه التَّرجيحُ به، وإنْ حَصَلَ لَهُ مِنْه (3) ظَنٌّ راجِحٌ، وجب عليه العمَلُ به. وقد

(1) في (ش): كثير.

(2)

في (ش): الترجيح.

(3)

" منه " ساقطة من (ش).

ص: 129

نَصَّ المنصورُ بالله عليه السلام على أن العَمَلَ بالظن الرَّاجِحِ واجبٌ، والعمل بالظن الضَّعيفِ حرامٌ، فدلَّ على ما قلناهُ بعُمومِ قوله وظاهرِ لفظِه، والتَّخريج مِن العموم هو أرفَعُ درجاتِ التَّخريج وأصحُّها.

فإن قلتَ: عمومُ كلامِه يقتضىِ وُجوبَ الالتزام (1) أيضاً.

قُلْتُ: هذا لا يَصِحُّ لوجهين.

أحَدُهما: أنه مُعَلَّلٌ بعلَّةٍ تقتضي تخصيصَه في هذه المسألة، وتُوجبُ فسادَ التَّمسُّكِ به في هذه الصُّورة، والتخريجُ على هذه الصورَةِ لا يجوز.

الثاني: أنَّا لو سلَّمنا أنَّه عمومٌ سالِمٌ مِنْ هذه السَّائِبَةِ، لم يصحّ التَّخريج (2) منه مع وُجودِ العُموم الذي تمسكنا به، لأنَّهما تعارضا، وأحدُهما معلَّلٌ بِمَا يقتضي عدمَ التَّخصيص، والثاني غيرُ مُعَلَّلٍ، والمعلَّلُ أرجحُ، ومَع الرُّجحانِ لا يبقى ظَنٌ لمذهب العالِمِ، فلا يَحِلُّ نسبةُ المذهب إليه مِنْ غيرِ عِلْمٍ ولا ظَنٍّ، والله أعلمُ.

النظر الثالث: أنِّي أذهبُ إلى ما ذهب إليه المنصُورُ بالله عليه السلام مِنْ وُجوب التزامِ مذهبِ إمامٍ مُعَيَّنٍ في مسائِلِ الخلافِ متى غَلَبَ على ظَنِّ المقلِّدِ أنَّه أعلمُ وأورَعُ، ولا أرى خلافَ ذلِكَ، وليس قولي يناقِضُ هذِهِ الجُمْلَةَ؛ لَأنَّهَا عمومٌ معلَّلٌ بالرُّجحان، وخصِّصَت منها صورَة حَتَّى يظلَّ ذلِكَ الرُّجْحَان، بل حين انعكس، فصارَ الرَّاجِحُ مِنْ ذلِكَ

مرجوحاً، والقويُّ ضعيفاً، وتخصيصُ العموم ليس بمناقَضَةٍ، فبانَ لكَ بهذا أنِّي قد وافقتُ المنصورَ والجمهورَ أوَّلاً وآخِراً، ودُرْت مع الحق

(1) في (ب): التزام.

(2)

في (ب): " التحريم "، وهو خطأ.

ص: 130