المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإشكال الأول: أن المحدثين قد نصوا على عكس ما ذكره السيد - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٣

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الدعوى الأُولى: ادَّعَى أنَّ أحاديثَ الفقهاءِ متعارضَة في وضع اليَدِ على اليد

- ‌الدعوى الثانية: ادَّعى أنَّ العُمُومَ يعارِضُ الخصوصَ إذا جُهِلَ التاريخُ

- ‌الوجه الرابع: سلَّمنا أنا لَمْ نقلْ بجوازِ الجَهْرِ والإخفات معاً

- ‌الوجه السابع: أنَّ الخبَرَ إذا وَرَدَ في شَيْءٍ، ظهر في الأصل ظُهوراً عامَّاً

- ‌الوجه التاسع: سلَّمنا سلامَةَ هذا الحديثِ منْ جميعِ هذِهِ المَطَاعِنِ، فإنَّه حديث مُرْسَل

- ‌الوجه الحادي عشر: أنَّ هذا كُلهُ بناءٌ على أنَّا ما تَمَسَّكْنَا في المسأَلَةِ إلأَ بحديثِ فاسِقِ التَّأْويلِ

- ‌الوجه الثَّاني عشر: أنَّ السيدَ نَصَّ على أنَّا نُرَجِّحُ فُسَّاق التَّأويلِ

- ‌الإِشكال الأول: أنَّ المحدِّثينَ قد نصُّوا على عَكْسِ ما ذَكَرَهُ السيد

- ‌الإشكال الثالث: سلَّمنا للسيدِ أنَّ ذلكَ مَذْهَبُ الأوزريِّ

- ‌الإشكال السَّادسُ: سلَّمنا أنه يلزمُهُم

- ‌ الجواب عَنِ السيِّدِ في هذا مِنْ وُجُوهٍ

- ‌الوجه الثاني: أنَّ السيدَ غَلِطَ على ابنِ الصَّلاحِ، ولم يَنْقُلْ عنه مَذْهَبَه

- ‌ في كلامِ السيدِ هذا مباحثُ

- ‌البحثُ الرَّابعُ: أنَّ السيد ادَّعى على الرجُلِ في أَوَّلِ كلامِهِ أنَّه ادَّعى إجماعَ الفقهاءِ، ثُم ألزَمَهُ هُنا أنْ يَجْمَع لَهُ الأمَّةَ في صَعِيدٍ واحِدٍ

- ‌البحثُ السَّادِسُ: أنَّه ادَّعى إجماع العُلمَاءِ

- ‌البحث السابع: أنَّك إمَّا أنْ تُنْكِر الإجماعَ السُّكُوتيَّ أم لا

- ‌البحث التاسع: يتفضَّلُ السَّيِّدُ ويخبرُنا مَنِ الذي يقولُ مِنْ أهلِ البَيْتِ بطلاقِ زوجة هذا الحَالفِ

- ‌البحث العاشر: أنَّ الظَّاهِرَ إجماعُهم عليهم السلام على ذلِكَ

- ‌البحث الثالث عشر: أنَّه لا طريقَ إلى العِلْمِ بِأنَّ الحديثَ المُتَلَقَّى بالقَبُول هوَ بِنَفْسِهِ لفظُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ المضعَّف عليهما نوعان

- ‌النوع الأول: المعلولُ

- ‌ الجواب على هذا مِنْ وجوهٍ

- ‌الوجه الأول: أن كلامَ السيد في المسألة الأولى دالٌّ دِلَالَة واضِحَة على أنَّه يَدَّعِي أنَّه غير مجتهِدٍ، بل يدعي أنَّه لا مجتهدَ في الزَّمان

- ‌الوجه الثاني: أن نَقول: ما مُرَادك بهذا الإنتاج

- ‌الوجه الثالث: أنْ نقولَ: ما قصدُك " ويُستفتى مَنْ ليْس بعَلِيم

- ‌ في كلام السيدِ هذا أنظار

- ‌النظر الأول: أنه تعرَّض لتفسير كلامِ المؤيَّد باللهِ مِنْ غيرِ غَرَابَةٍ في ألفاظِهِ

- ‌النظر الثاني: أنَّ السيدَ في كلامه هذا قد أجاز التَّرجيح بالأخبار لبعضِ المُقَلِّدين

- ‌النَّظر الثالث: أنِّي لَمْ أُوجِبِ الترجيح بالأخبار على جميع المكلَّفين مِنَ العامَة

- ‌النظر الخامس: أنَّه وعد بضربِ مَثَلٍ، ولم يأتِ بما يَصْلُحُ أن يُسَمَّى مثلاً مضروباً عِنْدَ البُلغاءِ

- ‌ ضَعْفُ كلامِ السيِّدِ في هذا يتبيَّنُ بأنظار

- ‌النظر الأول: أنَّه مَنَعَ مِنْ جوازِ التَّرجيح للمقلِّدِ في كُلِّ مسألة

- ‌الوهم الأول: أنَّه عَوَّلَ على إجماعِ العامَّة المقلِّدين

- ‌الوهم الثاني: أنا لو سلَّمنا أنَّ إجماعُهم صحيحٌ، لما دلَّ على مذهبه

- ‌الوهم الثالث: وَهم أنَّ المقَلِّدِينَ مُجمعون على الالتزام

- ‌النظر السادس: قول السَّيِّد: إنَّ هذا لو وقع في زماننا، لأنكره النَّاس، عجيب أيضاً

- ‌النظر السابع: أنَّ السيِّدَ جاوزَ حدَّ العادة في الغُلُوِّ

- ‌النَّظر الأول: أنَّ السيدَ استدلَّ، ثم استثنى

- ‌النظر الثاني: أنَّ ما جاز في ذلك على المقلِّدِ جاز على المجتهد

- ‌النَّظر الرابع: أنَّ كلامَه في هذا الفصل يستلزِمُ اشتراطَ السَّفرِ والخطرِ في صِحَّة الاجتهاد

- ‌ الجواب على ما ذكره من وجوه:

- ‌الوجه الرابع: أنَّ اعتراضَ كتبِ الحديث الصَّحاح بأنَّ فيها ما ليس بصحيح عندَ غيرهم، عمَلُ منْ لم يعْرِفْ ما معنى الصحيح عند أهله

- ‌القسمُ الأول: ما يتعلَّقُ بأحكامِ التَّحليل والتَّحريم المشهورة مِنْ روايةِ الثِّقات

- ‌الحديث الأول: تحريمُ الوَصْلِ في شعور النِّساء

- ‌الحديث الثاني: "لا تَزَالُ طائفَةٌ منْ أُمَّتِي ظَاهِرينَ عَلى الحَقِّ

- ‌الحديثُ الثالث: النَّهي عن الركعتين بَعْدَ العصر

- ‌الحديثُ الخامس: "إنَّ هذا الأمْرَ لا يزالُ في قُرَيْشٍ

- ‌الحديثُ السادس: حدُّ شارب الخمر

- ‌الحديث السابع: النَّهي عن لباس الحرير، والذَّهب، وجلودِ السِّباع

- ‌الحديثُ الثامن: حديثُ افتراق الأمَّةِ إلى نَيِّفٍ وسبعين فِرقة

- ‌الحديث التَّاسع: النَّهي عن سبق الإمام بالرُّكوع والسُّجود

- ‌الحديث العاشر: النَّهي عن نِكَاح الشِّغارِ

- ‌الحديث الثاني عشر: حُكْمُ مَنْ سَهَا في الصلاة

- ‌الحديث الثالثَ عشر. النَّهيُ عَنِ النِّيَاحة

- ‌الحديث الرابعَ عشر: النَّهي عَنِ التَّمادح

- ‌الحديث الخامسَ عشر: النَّهي عن كُلِّ مسكر

- ‌الحديثُ السادسَ عشر: كراهةُ رضى الدَّاخِل على القوم بقيامهم له

- ‌الحديث السابعَ عشر: النهي عن تتبع عوراتِ الناس

- ‌الحديث الثامنَ عشر: النَّهي عَنِ القِران بَيْنَ الحجِّ والعُمرة

- ‌الحديث الموفي عشرين: روى عن أخته أمِّ حبيبةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي في الثَّوب الذي يُجَامِعُها فيه ما لم يَرَ فيه أذىً

- ‌الحديثُ الأول: فَضْل إجابة المُؤَذِّنِ

- ‌الحديث الثالث: في فضل حِلَقِ الذِّكر والاجتماعِ عليه

- ‌الحديث الرابع: النَّهي عن الغَلوطات

- ‌الحديث السادس: فضل حُبِّ الأنصار

- ‌الحديث الثامن: " المؤذِّنُونَ أطْولُ النَّاسِ أعنَاقَاً يوْمَ القيامَةِ

- ‌الحديث العاشر: تحريم وصل الشعر على النساء

- ‌الحديث الحادي عشر: " العَيْنَانِ وِكاءُ السَّه

- ‌القسم الثالث: ما يُوَافِقُ مذهبَ المعترِضِ من حديثه

- ‌الحديث الثاني: النَّهْي عن لباسِ الذَّهب إلا مُقَطَّعاً

- ‌القسمُ الرابعُ: ما يتعلَّقُ بالفضائل، مما ليس بمشهور

- ‌الحديث الثالث: حديثُ الفصل بَيْنَ الجُمُعَةِ والنّافلة بعدَها بالكلام

- ‌الحديث الرابع: " كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أنْ يَغْفِرَهُ إلا الشِّرْكَ باللهِ، وَقَتْلَ المُؤْمِنِ

- ‌القسم الخامس: ما لا يتعلَّق به حُكْمٌ

- ‌الحديث الأول: حديث وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وستِّين

- ‌فإن قلت: فما الوجه في روايتهم عنه؟فالجواب من وجهين:

- ‌الجوابُ من وجهين معارضةٌ وتحقيق

- ‌الوجه الثاني: التَّحقيق، وبيانُه أنْ نقولَ: توهم السَّيِّدُ أنَّ الشهادةَ على الزِّنى إذا لم يتمَّ نِصَابُها كانت قذفاً

- ‌الوهم التاسع: قال: ومنهم الوليد بنُ عقبة

- ‌الوهم العاشر: توهَّم السَّيّدُ أنّ الوليد منَ الرُّواة المعتمدين في الصِّحاح في الحديث عند أبي داود

- ‌الوهم الحادي عشر: ذكر السيِّد أنَّ الوليد مذكورٌ في غير " سُننِ أبي داود " من كتب الحديث، وهذا الوهم أفحشُ مِنَ الذي قبلَه

- ‌الوهم الثالث عشر: قال: ومنهم أبو موسى الأشعري نَزَعَ علياً الّذي ولّاه الله ورسوله

- ‌ ونَزيدُ على هذا وجوهاً

- ‌الوجهُ الأولُ: بيانُ القَدْح في أصلِ هذه الروايةِ

- ‌الوجهُ الثاني: المعارضةُ لذلك بثناءِ الإمام المنصورِ بالله على أحمدَ

- ‌الوجهُ الثالثُ: المعارضةُ لذلكَ من روايةِ الحنابلةِ وأهلِ الحديثِ

- ‌ ولنختم هذا الفصل بتنبيهين

- ‌التنبيه الثاني: ينبغي التأمُّلُ لَهُ، وذلك أنَّه قد يقع التَّساهلُ في نقل المذاهبِ مِنْ أهلِ كُتب المِلَلِ والنِّحَلِ

- ‌الفصل الثاني: في تحقيق مذهبِ أحمدَ بنِ حنبل وأمثالِه مِنْ أئِمَّة الحديث، وهُم طائفتان

- ‌أحدهما: القولُ بأنَّ النَّظر فيما أمر اللهُ تعالى بالنظر فيه

- ‌ثانيهما: أنَّهم يُنكرون القولَ بتعيُّنِ طرائقِ المنطقيِّين والمتكلِّمين للمعرفة

- ‌الوظيفة الأولى: التقديس:

- ‌الوظيفة الثانية: الإِيمانُ والتصديق:

- ‌الوظيفة الثالثة: الاعتراف بالعجزِ عن معرفةِ حقيقة هذه المعاني

- ‌ الوظيفة الرابعة: السُّكوت

- ‌ الموضعُ الثالث: تأويلُ العالِمِ مع نفسِه في سِرِّ قلبه

- ‌الوظيفةُ السابعة: التسليمُ لِقولِ الله تعالى، ولحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الأصلُ الرابع: أنَّهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دَعَوا الخَلْقَ إلى البحث

- ‌ فصل: ولعلك تقول: الكف عن السؤال، والإمساك عن الجواب من أين يغني

- ‌ فإن قيل: بم يميز المقلد بين نفسه، وبين اليهودي المقلِّد

- ‌الرابع: من المعلوم أيضاً أن في كل طائفة عظيمة بلهاء بُلداء، وإنّ في الزيدية

- ‌السادس: أنّ الفلاسفة تدَّعي من التَّحذلق مثل ما أنت مُدَّعٍ

الفصل: ‌الإشكال الأول: أن المحدثين قد نصوا على عكس ما ذكره السيد

الصَّحيحِ، فما لم يذكُرُوه فهو غَيرُ صَحِيحٍ عندَهُم، وما كان غيرَ صحيحٍ عندَهم، وَجَبَ أن نَحْكُمَ بأنَّه غيرُ صَحيح، وذلِكَ لمعرفتهم (1) واطِّلاعِهم. وهذا القولُ في غاية الفَسَادِ، والسيِّد عِزُّ الدِّين -مَتَعَ اللهُ ببقائِهِ المسلمينَ- لا يقولُ بِهِ في غَالِبِ ظَنِّي، وإلَاّ لَزِمَهُ نَفْي " حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ " في الأذان، وإنَّما حَكيته، لأنِّي كنت أَفْهَمُه مِنْ حيّ الفقيهِ الصَّالحِ المُحَدِّث أحمد بنِ سليمان الأوزريّ رحمه الله فَهْمَاً لا نصَّاً مِنْهُ، وأن ما يَذْهَبُ إليه هذا المفهومُ حكايةً عنْ مَشَايخِهِ مِنْ مُحَدِّثي الفُقَهاءِ.

أقول: كلام السَيِّد جمال الدين في هذه المسألة قد (2) تقدَّم الجوابُ على أكثَرِهِ، وقد رَأيْتُ أَنْ أذكُرَ مِنْهُ ما تَمَسُّ الحَاجَة إلى ذِكْرِهِ مِنْ دونِ استقصاءٍ، فإنَّ التَّكْرَارَ غَيْرُ مُفيدٍ ولا مَقْصُودٍ، وقد ذَكَرَ السَّيدُ عن المُحَدِّثين ما لم يَذْهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ القوْلِ بِضَعْفِ ما ليس في الصِّحاح، وفي الحقيقَةِ أنَّهُ لا يلزَمُ جوابُ كَلَامِ السَّيِّدِ هذا، لَأنَّهُ اعتراضٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ، واحتجاجٌ على غَيْرِ خَصْمٍ، ولكنْ لا بدَّ مِنْ ذكرِ إشكالاتٍ يَسِيرَةٍ عَلَى ما ذَكَرَهُ.

‌الإِشكال الأول: أنَّ المحدِّثينَ قد نصُّوا على عَكْسِ ما ذَكَرَهُ السيد

، وظَهَر ذلِكَ عَنْهُم ظُهورَاً لا يكادُ يَخْفى على مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِعِلْم الحديثِ، ومِنَ المشهُورِ المستفيضِ عَنِ البُخارِيِّ أنَّه قال: إنَّه اختارَ حدِيثَه مِنْ مِئَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ صحيحٍ، مَعْ أنَّ صَحيحَه لا يَشْتمِلُ إلَاّ عَلَى قَدْرِ سِتَّة آلافِ حَدِيثٍ (3)، فَمَنْ نَصَّ على أنَّه أَخْرَجَ سِتَّةَ آلافِ حَدِيثٍ مِنْ مِئَةِ

(1) في (ب): لمعرفته.

(2)

في (ب): وقد.

(3)

كذا قال هنا، وقال في " تنقيح الأنظار " نقلاً عن الحافظ العراقي 1/ 56: إن عدد أحاديثه بالمكرر سبعة آلاف ومئتان وخمسة وسبعون حديثاًً، والصواب أن عددها بالمكرر (7563) حديثاً، كما في فتح الباري الطبعة السلفية، بترقيم المرحوم الأستاذ فؤاد عبد الباقي.

ص: 66

أَلْفِ حَدِيثٍ صحيحٍ، كيف يذهبُ إلى أنَّ ما ليس في كتابه، فليس بصحيحٍ، أو يقال: إنَّه تعرَّض لِحَصْرِ الصَّحِيحِ (1)؟

وقد روى النَّواوي في " شرح مسلم "(2) عن الحافظ الكبير أبي زُرْعَةَ الرازي (3) أنَّه ذكر " صحيح مسلم "، وأنكر عليه، وقال: يُطرِّقُ (4) لأهْلِ البِدَعِ علينا، فيَجِدُونَ السبيلَ بأنْ يقولُوا إذا احتجَّ عَلَيْهِمْ بحديثٍ: ليس هذا في الصَّحيحِ.

قال سعيد بن عمرو (5): فلمَّا رَجَعْتُ إلى نَيْسابورَ، ذكرتُ لمسلمٍ

(1) قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كنا عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع " الجامع الصحيح ".

وروى الإسماعيلي عنه قال: لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر. قال الإسماعيلي: لأنَّه لو أخرج كل صحيح عنده لجمع في الباب الواحد حديث جماعة من الصحابة، ولذكر طريق كل واحد منهم إذا صحت، فيصير كتاباًً كبيراً جداً.

وقال أبو أحمد بن عدي: سمعت الحسن بن حسين البزار يقول: سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول: سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتاب " الجامع " إلا ما صح، وتركت من الصحيح حتى لا يطول. " هدي الساري " ص 7.

(2)

1/ 25 - 26.

(3)

هو الإمام الحافظ محدث الري أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد القرشي المخزومي المتوفى سنة 264 هـ. كان من أفراد الدهر حفظاً وذكاء وديناً وإخلاصاً وعملاً. قال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل، وشهد له بالإمامة صاحبه أبو حاتم الرازي، وكان يحدث عنه فيقول: حدثني أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ابن يزيد القرشي، وما خلَّف بعده مثلَه علماً وفهْماً وصيانة وحذقاً، وهذا ما لا يرتاب فيه، ولا أعلم من المشرق والمغرب من كان يفهم في هذا الشأن مثله، ولقد كان من هذا الأمر بسبيل.

قال الإمام الذهبي: يعجبني كثيراً كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل، يبين عليه الورع والمخبرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنه جراح. مترجم في " السير " 13/ 65 - 85.

قلت: وكلامه الذي نقله المصنف عنه من " شرح مسلم " للنووي، موجود في كتابه " الضعفاء " 2/ 675 - 677.

(4)

في (ج): وقد تطرق.

(5)

هو الإمام الحافظ الجوال، أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي البرذعي، =

ص: 67

إنكارَ أبي زرْعَةَ، فقال: إنَّما قلت: صحيحٌ (1).

قال سعيدٌ: وقَدِمَ مُسْلِمٌ بَعْدَ ذلِكَ الرَّيَ، فبلغني أنَّه خَرَجَ إلى الحافِظِ أبي عَبْدِ اللهِ [محمد بن] مُسْلم بنِ وارَة (2)، فجفاه وعاتَبَهُ على هذا الكتابِ، وقال له نحواً مِمَّا قال لي أبو زُرْعَةَ مِنْ تطريقِهِ للمبتدِعَةِ عَلَيْنَا أن يقولوا ما تقدَّمَ، فأجاب، فقال (3): إنَّما أخرجتُ هذا الكتابَ، وقلت: هو صحيحٌ، وَلَمْ أَقُلْ إنَّ ما لَمْ أُخَرِّجْهُ في هذا الكتاب فَهو ضَعيفٌ، فَقبِلَ عُذْرَهُ وحدَّثَهُ. انتهى.

قلتُ: فانظر إلى هذيْنِ الحَافِظَيْن الكبيرين: أبي زُرْعَةَ، وابنِ وارة كيف اشتدَّ نكيرُهُما على مُسْلمٍ لما توَهَّمَا أنَّه ادَّعى حَصْر الحديث الصَّحِيح حَتَى صرَّح بالبراءَةِ مِنْ ذلِكَ، حَتَّى إنَّ ابنَ وارَة جفاهُ، وامتنَعَ مِنْ تحديثِهِ، حَتَّى بَيَّنَ أَمْرَ ذلِكَ، ثُمَّ حدَّثَهُ بَعْدَ المَعْرِفَةِ ببراءَتِهِ مِنْ ذلِكَ (4).

فكيفَ يُنْسَبُ إلى هُؤلاءِ القَوْلُ بانحصار الصَّحِيح (5) في هذِه

= المتوفى سنة 292 هـ. وصنف كتاباًً ضمنه أجوبة شيخه أبي زرعة مع أجوبة قليلة لبعض الأئمة الذين كانوا في مجلس أبي زرعة، وضم إليه كتاب " الضعفاء " لأبي زرعة، وقد طبع بتحقيق الدكتور سعدي الهاشمي مع دراسة مستفيضة عن أبي زرعة وجهوده في السنة النبوية في ثلاثة أجزاء. مترجم في " السير " 14/ 77 - 78.

(1)

في هامش (ش): " أي: ولم أنف الصحة عن غيره ".

(2)

هو الإمام الحافظ المجود، أبو عبد الله، محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله بن وارة الرازي، ارتحل إلى الآفاق، وحدث عن خلق كثير، وكان يضرب به المثل في الحفظ.

قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: ثلاثة من علماء الزمان بالحديث اتفقوا بالري لم يكن في الأرض مثلهم في وقتهم، فذكر ابن وارة، وأبا حاتم، وابا زرعة. توفي سنة 270 هـ. مترجم في " السير " 13/ 28.

(3)

في (ب): وقال.

(4)

من قوله: " ثم حدثه " إلى هنا ساقط من (ب).

(5)

في (ب) و (ج): الحديث الصحيح.

ص: 68

الكُتُب، وقد ذكَروا ذلك في عُلُومِ الحَدِيثِ، مِمَّنْ ذَكَرَهُ منهم: ابنُ الصَّلاحِ (1)، و (2) زين الدِّين العِراقي في كتابه " التَّبْصِرَة "(3)، والحاكم أبو عبد الله في " علوم الحديث "(4) له، وفي " المستدرك " قال في خطبة " المستدرك " (5): ولم يدَّعِ ذلك البخارِيُّ ولا مُسْلِمٌ، ونقل عنه أبو السَّعادات في مقدِّمة " جامِعِه "(6) أنَّ الصَّحيحَ عَشْرَةُ أقسامٍ، حديثُ البخاري ومسلم قِسْمٌ واحِدٌ منها، ونَصَّ على أنَّهما لم يجمعاه، وعدَّه ابنُ الصلاحِ، وزينُ الدِّين سبعةَ أقسام، حديث البخاري ومسلم منها ثلاثة (7).

وبعدُ، فالتَّطويلُ في هذا لا يليقُ، فأهل الجبْرَةِ يَعْلَمُون (8) بالضَّرُورَةِ أنَّ هذا ليس مذهباً لأهْلِ الحَدِيثِ، فلَمْ يَزَلْ علماءُ الحديثِ يُصَنِّفُونَ ويصحِّحُونَ ويستدركُونَ عَلَى صاحِبَي الصَّحِيحِ ما تركاهُ، وهُو على شَرْطِهِمَا.

(1) في " مقدمته " ص 15 - 16.

(2)

سقطت الواو من (ب).

(3)

1/ 43.

(4)

لم أجد في المطبوع من " علوم الحديث " ما قاله المصنف، وأغلب الظن أنَّه وهم، وهو موجود في كتاب " المدخل إلى الإكليل " ص 33 - 50 للحاكم، ونقله عنه أبو السعادات في " جامع الأصول ".

(5)

" المستدرك " 1/ 2.

(6)

انظر " جامع الأصول " 1/ 160 - 174 الطبعة الشامية تحقيق صاحبنا المحدث الشيخ عبد القادر الأرنؤوط.

(7)

الأول: ما اتفقا على إخراجه، والثاني: ما انفرد به البخاري، والثالث: ما انفرد به مسلم، والرابع: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، والخامس: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه، والسادس: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه، والسابع: صحيح عند غيرهما وليس على شرط واحد منهما. انظر " مقدمةُ ابن الصلاح " ص 23 - 24، و" التبصرة والتذكرة " 1/ 64 - 68.

(8)

في (ب): " يعملون "، وهو خطأ.

ص: 69

وقد صنَّف في هذا المعنى غير واحدٍ منِ الحُفَّاظ، مِنْهم الحافظ أبو عبد الله الحاكمِ الشِّيعيُّ (1) مَذْهَبَاً، فإنَّه صنَفَ كتابَ " المستدرك على الصَّحِيحَيْنِ "، وَهو كتابٌ كَبِيرٌ، وقد ذكره ابنُ الصَلاح في كتابه " العلوم "(2)، وذكر أنَّه اشتمل على صحيحٍ كثير.

وذكر الذَّهبِيُّ في " النُّبلاء "(3) أنَّ فيه قدر الثُّلُثِ على شَرْطِ البُخَّارِيِّ ومسلمٍ، وقدر الرُّبعِ صحيحٌ، ولكِنْ على غير شرطهما، والباقي (4) مما فيه نظر، وفيه قَدْر مئةِ حديثٍ باطلة، أو كما قال.

والمصنِّفونَ للصِّحَاحِ مِنَ المحدِّثينَ عَدَدٌ كثير، وليسَ همْ هؤلاء

(1) انظر لزاماً " طبقات الشافعية " للسبكي 4/ 161 - 171.

(2)

ص 16 و18.

(3)

17/ 175 بتحقيقنا مع صاحبنا الأستاذ نعيم العرقسوسي، وقد رواه المصنف عنه بالمعنى، ونصه بعد أن نقل عن أبي سعد الماليني قوله: طالعت " المستدرك " على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أرَ فيه حديثاًً على شرطهما: قلت: هذه مكابرة وغلو، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في " المستدرك " شيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءاً، وحديث الطير بالنسبة إِليها سماء، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرتُهُ ويعوز عملاً وتحريراً.

قلت: وبين من مقالة الذهبي هذه أنَّه رحمه الله لم يعتن بالمختصر اعتناءً تاماً، فلم يتفحص الأسانيد تفحصاً دقيقاً، وإنما تكلم عليها بحسب ما تيسر له، ولذا فاته أن يتكلم على عدد غير قليل من الأحاديث صححها الحاكم وهي غير صحيحة، أو ذكر أنها على شرط الشيخين أو على شرط أحدهما، وهي ليست كذلك كما يتحقق ذلك من له خبرة بأسانيد الحاكم، وممارسة لها، ونظر فيها، ولذا لا بد من دراسة الأسانيد جميعها، والحكم عليها بما يليق بحال كل إسناد المأخوذ من صفات رواته من الصحة، أو الحسن، أو الضعف، أو الوضع، وهذا النهج ينبغي أن يتبع في كتب السنن، والمسانيد، والمعاجم، والمصنفات، و" صحيح ابن خزيمة "، و" صحيح ابن حبان " و" منتقى ابن الجارود".

(4)

تحرف في (ش) إلى: والثاني.

ص: 70

السِّتَّة (1)، ولا هُؤلاءِ نصفُهم ولا رُبعهم ولا ما يُقارِبُ هذا القَدر، وفيهم مَنْ لم يَسْمَعْ أكثرُ النَّاس باسمِه، وَمَنْ أحبَّ مَعْرِفَةَ ذلِكَ، فلْيُطالِعْ كُتُبَ الرِّجَالَ. وقد استفاضَ بينَ عُلَمَاء الحَدِيثِ قديماً وحديثاًً الاحتجاجُ بمَا صحَّحَهُ غيرُ هؤلاء، كالحافِظِ البرقاني (2)، وإمامِ الأئِمَّةِ ابنِ خُزيْمَة (3)، والحافظِ الكبيرِ ابنِ حِبَّان (4)، ..........................

(1) هذا صحيح بالنسبة للشيخين البخاري ومسلم رحمهما الله، أما بالنسبة لأصحاب السنن الأربعة فلا، لأنهم لم يلتزموا الصحة في كل حديث دونوه في كتبهم، ففيها الصحيح والحسن، وهو كثير، والضعيف والمنكر، وهو قليل، فلا يمكن إدراجهم في جملة من صنف في الصحاح، وليس هذا مما يخفي على المصنف رحمه الله، وقد بين ذلك بياناً شافياً في كتابه العظيم " تنقيح الأنظار ".

(2)

هو الإمام العلامة الحافظ الثبت، شيخ الفقهاء والمحدثين، أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب البرقاني الشافعي، قال عنه الخطيب البغدادي: كان ثقة، ورعاً، ثبتاً، فهماً، لم نرَ في شيوخنا أثبت منه، عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربية، كثير الحديث، صنف مسنداً ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري، وأيوب، وشعبة، وعبيد الله بن عمر، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الوراق وغيرهم، ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته. مات سنة 425 هـ. انظر ترجمته في " السير " 17/ 464 - 468.

(3)

هو الحافظ الحجة الفقيه شيخ الإسلام، إمام الأئمة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة النيسابوري الشافعي صاحب التصانيف المتوفى سنة 311 هـ، وُلد سنة ثلاث وعشرين ومئتين، وعُني في حداثته بالحديث والفقه، حتى صار يُضرب به المثل في سعة العلم والإتقان. قال أبو علي: كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارىء السورة، له مصنفات كثيرة، من أعظمها " صحيحه "، وقد طبع منه الموجود -وهو الربع الأول من الكتاب- في أربعة أجزاء بتحقيق محمد مصطفي الأعظمي. انظر ترجمته في " السير " 14/ 365 - 382.

(4)

هو الحافظ الإمام العلامة المجود شيخ خراسان أبي حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة 354 هـ. كان مكثراً من الحديث والرحلة والشيوخ عالماً بالمتون والأسانيد، إمام عصره في معرفة الحديث رواية ودراية، صنف تصانيف لم يسبق إليها، من أعظمها وأجودها " التقاسيم والأنواع "، وهو كتاب جليل القدر، عظيم الفائدة، حرره أدق تحرير، وحقق أسانيده ورجاله، وعلل ما احتاج إلى تعليل من نصوص الأحاديث وأسانيدها، وتوثق من صحة كل حديث اختاره على شرطه الذي التزمه. وقد رتَّبَه على أبوابِ الفقه الأمير علاء الدين علي بن =

ص: 71

.......... والحاكِم ابن البَيِّع (1)، والدَّارقُطني (2)، والبيهقي (3)،

= بلبان الفارسي المتوفى سنة 739 هـ، وقد توليتُ بتوفيقِ اللهِ وعونه تحقيقه، وضبطه وتخريج أحاديثه، والحكم عليها، ونجز منه خمسة مجلدات كبار، وهي توازي ثلث الكتاب طبع مؤسسة الرسالة، يسر الله لي إكمالَه وإتمامَه.

(1)

ضبطه السمعاني في " الأنساب " 2/ 370: بفتح الباء الموحدة، وكسر الياء المشددة آخر الحروف، وفي آخرها العين المهملة، هذه اللفظة لمن يتولى البياعة والتوسط في الخانات بين البائع والمشتري من التجار للأمتعة.

قلت: واسم الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي النيسابوري، ولد سنة 321 هـ، وتوفي سنة 405 هـ. وكتابه " المستدرك " بحاجة إلى تحقيق جديد متقن. انظر ترجمته في " السير " 17/ 162 - 177.

(2)

هو الإمام الحافظ المجود أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي المقرىء المحدِّث، من أهل محلة دار القطن ببغداد. وُلد سنة 306 هـ، وتوفي سنة 385 هـ.

قال الإمام الذهبي: كان من بحور العلم، ومن أئمة الدنيا، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله مع التقدم في القراءات وطرقها، وقوة المشاركة في الفقه والاختلاف والمغازي وأيام الناس وغير ذلك. انظر ترجمته في " السير " 16/ 449 - 461.

وله مؤلفات كثيرة في علوم الحديث والقراءات، منها كتاب " السنن " طبع في الهند، وفي مصر مع تعليقات حافلة عليه للمحدث الجليل أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي وكتاب " العلل " وهو كتاب عظيم في بابه لم يسبق إليه، طبع منه ثلاثة أجزاء بتحقيق الدكتور محفوظ عبد الرحمن، نشر دار طيبة في الرياض، ومما طبع من تآليفه " أحاديث الصفات "، و" أحاديث النزول "، و" الإلزامات والتتبع "، و" الضعفاء والمتروكون "، و" سؤالات الحاكم النيسابوري "، وسؤالات حمزة بن يوسف السهمي وغيره من المشايخ.

(3)

هو الحافظ العلامة الثبت الفقيه أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي، وُلد سنة 384، وتوفي سنة 458 هـ. كان من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد عليه بأنواع من العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه، وتفقه، وبرع، وارتحل إلى العراق والجبال والحجاز، ثم صنف، وتواليفه تقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث.

قال الإمام الذهبي: وبورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة، ولم يكن عنده " سنن النسائي "، ولا " سنن ابن ماجة "، ولا " جامع مع أبي عيسى "، وكان عنده عن الحاكم وقر بعير أو نحو ذلك. مترجم في " السير " 18/ 163 - 170.

وقال أيضاًً: تصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قل مَنْ جَوَّد تواليفه مثله، فينبغي للعالم أن يعتني بها لاسيما كتابه " السنن الكبير ".

قلت: وقد طبع في الهند بمطبعة دائرة المعارف النظامية في حيدر آباد سنة 1344 هـ - =

ص: 72

وعبدِ الحَقِّ (1)، وعبدِ الغَنِيِّ المقْدِسِي (2)، والشَّيخ تَقِيِّ الدِّين (3)، وابن سيدِ النَّاس (4)

= 1355 هـ في عشر مجلدات كبار، وبأسفله " الجوهر النقي " للحافظ علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني المتوفى سنة 745 هـ. وقد طبع " الجوهر النقي ". بمجلد ضخم مفرداً، وهو كتاب نفيس، ينبىء عن جلالة قدر مؤلفه، وبراعة نقده، وسعة اطلاعه، ورسوخ قدمه في هذا الفن.

(1)

هو الإمام الحافظ البارع المجود العلامة أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي الأندلسي الإشبيلي صاحب " الأحكام الكبرى " المتوفى سنة 581 هـ. مترجم في " السير " 21/ 198 - 202.

(2)

هو الإمام العالم الحافظ الكبير تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، ثم الدمشقي المنشأ، الصالحي الحنبلي، صاحب التصانيف الكثيرة، المتوفى سنة 600 هـ.

قال ضياء الدين المقدسي: كان شيخنا الحافظ لا يكاد يسأل عن حديث إلا ذكره وبينه، وذكر صحته أو سقمه، ولا يسألُ عن رجل إلا قال: هو فلان بن فلان الفلاني، ويذكر نسبه، فكان أمير المؤمنين في الحديث، وقال له رجل من أصحابه: إن رجلاً حلف بالطلاق أنك تحفظ مئة ألف حديث، فقال: لو أكثر لصدق. وقد صنف عدة مصنفات، منها " الكمال في أسماء الرِّجال " أول مصنف جمع فيه رجال الكتب الستة: البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه. وهو الأصل الذي بنى عليه الحافظ المتقن جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي، المتوفى سنة 742 هـ كتابه العظيم " تهذيب الكمال في أسماء الرجال "، وزاد عليه زيادات كبيرة بحيث غدا التهذيب يوازي ثلاثة أضعاف كتاب " الكمال "، وقد باشرت مؤسسة الرسالة بطبعه، وقد نجز منه عشرة مجلدات، يسر الله إكماله وإتمامه. مترجم في " السير " 21/ 443 - 471.

(3)

في (أ) و (ب) و (ج): " تقي الناس "، وفي (ش):" تقي الدين الناس "، والصواب ما أثبتنا. وهو الإمام المحدث الفقيه محمد بن علي بن وهب المعروف بابن دقيق العيد المتوفى سنة 702 هـ. وقد تقدمت ترجمته في 1/ 209.

(4)

هو الإمام الحافظ فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الشافعي اليعمري الأندلسي الإشبيلي المصري، المتوفى سنة 734 هـ.

قال الحافظ ابن كثير: اشتغل بالعلم، فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث، والفقه، والنحو، وعلم السير، والتاريخ وغير ذلك، وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين، وقد حرَّر، وحبر، وأجاد، ولم يسلم من بعض الانتقاد، وله الشعر والنثر الفائق، وحسن التصنيف والترصيف، والتعبير وجودة البديهة، وحسن الطوية، والعقيدة السلفية، والاقتداء بالأحاديث النبوية، وتُذكر عنه شؤون أُخر، الله يتولاه فيها، ولم يكن بمصر في مجموعه مثلُه في حفظ =

ص: 73

والنواوي (1)، ومنْ لا يأتي عليه العَدُّ، ولا أعلمُ عَنْ أحدٍ منهم شيئاً من هذا إلَاّ روايةً شاذّة لَمْ تَصحَّ فيما أعلمُ عَنْ أبي داوود، فقال: في " سننه " شيئاً من هذا، ولو صَحَّ هذا عنه، لاحتمَلَ أن مُرَادَهُ أنَّه حَصَرَ الحديثَ الصَّحيح الذي يعرِفُهُ، ويدُلُّ على ذلك أنَّه قَدِ اشتهر عنه من غير وجه أنَّه قال: إنَّه يذكر في كل باب أصَحَّ ما يعرفه في ذَلكَ البابِ، هكذا رواه الحافظُ الحازميُّ (2) بهذا اللفْظِ، وهو (3) واضحٌ في بيانِ مَقْصِدِهِ، فَالمُقَيَّد يُفَسِّرُ

= الأسانيد، والمتون، والعلل، والفقه، والملح، والأشعار، والحكايات. انظر " شذرات الذهب " 6/ 108 - 109.

(1)

هو الإمام الحافظ الفقيه الزاهد القدوة، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري الحزامي الحوراني الدمشقي، صاحب التصانيف النافعة. ولد في نوى من قرى حوران سنة 631 هـ، وقدم دمشق سنة 649 هـ لطلب العلم، فنزل بالمدرسة الرواحية، وكان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على مشايخه في الحديث، والفقه، والعربية، والأصول، وتاريخ الرجال شرحاً وتصحيحاً، ودام على ذلك نحو عشر سنين حتى فاق الأقران، وتقدم على جميع الطلبة، وحاز قصب السبق في العلم والعمل، ثم أخذ في التصنيف في حدود الستين وست مئة، وإلى أن مات رحمه الله بنوى عند أهلة سنة 676 هـ.

قال الإمام الذهبي: كان مع تبحره في العلم وسعة معرفته بالحديث، والفقه، واللغة وغير ذلك بما قد سارت به الركبان رأساً في الزهد، وقدوة في الورع، عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قانعاً باليسير، راضياً عن الله، والله عنه راضٍ. مترجم في " تذكرة الحفاظ " 4/ 1470 - 1474.

(2)

هو الإمام الحافظ، الحجة الناقد، النسابة البارع، أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن موسى الحازمي الهَمَذاني، وُلد سنة 548 هـ، وتوفي سنة 584 هـ وله ست وثلاثون سنة.

قال ابن النجار في " تاريخه ": كان الحازمي من الأئمة الحفاظ العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله، ألف كتاب " الناسخ والمنسوخ "، وكتاب " عجالة المبتدىء في النسب "، وكتاب " المؤتلف والمختلف " في أسماء البلدان، وأسند أحاديث " المهذب "، وكان ثقة، حجة، نبيلاً، زاهداً، عابداً، ورعاً، ملازماً للخلوة والتصنيف، وبث العلم.

قلت: وكتابه " الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار " كتاب عظيم في بابه، لم يؤلف مثله، وهو دال على إمامة مؤلفه في الفقه والحديث. مترجم في " السير " 21/ 167 - 172.

(3)

في (ب): وهذا.

ص: 74

المُطْلق في الحقيقة اللُّغَوِيَّةِ، والحقيقةِ العُرْفِيَّةِ، فوجبَ المصيرُ إلى ذَلِكَ، وارتفع الإِشكالُ.

وقال النَّواوي: إنَّ أبا داوود لم يَسْتَوْعِبِ الصَّحيح مِنْ أحاديثِ الأحكامِ ولا مُعْظَمَهُ، وذلك ظاهر، بل معرفتُه ضَرُورِيَّةٌ لِمن لَهُ أدنى اطِّلاعٍ. انتهى.

فانظر إلى النَّواوي كيف ادَّعى العلم الضَّرُورِيً لِمنْ لَهُ أدنى اطِّلاعٍ، على أنَّ السُّنَنَ غيرُ جامِعَةٍ لأحاديثِ الأحكام الصَّحيحَةِ ولا لمُعْظَمِها أيضاًً، وقد ذكرَ أهلُ الحديث أنَّهم إذا قالوا: هذا حديثٌ ضعيفٌ، فمرادُهُم: إسنادُه ضعيفٌ، لجوازِ أن يكونَ هذا الحديثُ في نَفْسِهِ صحيحاًً بغيرِ ذلِكَ الإسنادِ، لكِنْ لَمْ يَعْرِفُوا الإسنادَ الصَّحيحَ، وهذا أَوْضَحُ دليل على عَدَمِ دَعْواهُم لحَصْر الصَّحيحِ، ثمَّ إنَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْسَعُ مِنْ أنْ يَحْصُرَهُ عالِمٌ بحيث يقطع على أنَّه لم يبْقَ حديثٌ إلَاّ وقد عَلِمَهُ، وقد قدَّمنا عَنْ أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام أنَّه كان يَسْتَحْلِفُ بَعْضَ الرُّواةِ، فإذا حلَفَ لَهُ صدَّقه (1)، فهذا دليلٌ عَلَى أنَّه عليه السلام لَمْ يَعْتقِدْ أنَّه قدْ أحاطَ بالحديث، فهذا، وهو عند طوائفِ الشِّيعَةِ وكثيرٍ مِنَ المعتزلَةِ، أوْ أكثرهم أَعْلَمُ الأمَّةِ بدليلِ أنَّه أقضاهم بالنَّصِّ، فكيفَ بغَيْرِه؟!.

وقد رُوي عن الشَّافعِي أنَّه قال: عِلْمانِ لا يَجْمَعُهُما أَحَدٌ، ولا يُحِيطُ بِهِما أَحَدٌ (2): عِلْمُ الحديثِ، وعِلْمُ اللُّغَة.

وفي هذا القدرِ كفايَةٌ في التَّعريف ببراءَةِ أهْلِ الحديث مِمَّا رَماهُمْ بهِ

(1) تقدم تخريجه 1/ 284.

(2)

جملة " ولا يحيط بهما أحد " ساقطة من (ب).

ص: 75