الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذِهِ حالُهُ إذا قارف ذنباً على جهة التّأويل، ثم عَلِمَ قُبْحَهُ، فأسرع إلى مفارقة ذنبه، فاستمرَّ على نحيبه حتَّى ماتَ، كيف (1) يقال إنَّه مُصِرٌّ على محضِ الفُسوقِ (2)، خارجٌ من ولاية الله تعالى، ولو قدَّرنا أنّها لم تصحّ توبتُه، بل إنَّه استمرَّ على المعصية، لكان مقبولاً في الرِّواية، فإنّه من المتديِّنين المتأوِّلين، وهو نظيرُ السَّجَّاد ابن طلحة بنِ عُبَيْدِ الله الذي قال فيه عليٌّ عليه السلام: قتله بِرُّهُ بأبيه (3).
الوهم الثالث عشر: قال: ومنهم أبو موسى الأشعري نَزَعَ علياً الّذي ولّاه الله ورسوله
، إنَّه على الله لجريءٌ، وأقام معاوية بن أبي سفيان القدري.
أقول: أمّا نزعُهُ لعليٍّ عليه السلام فصحيحٌ عنه، وقبيحٌ منه.
وأمَّا قوله: إنَّه أقام معاوية، فوهمٌ فاحشٌ، لا يجهلُه مَنْ لَهُ أدنى
(1) ساقطة من (ب).
(2)
في (ش): الفسق.
(3)
هو محمد بن طلحة بن عبيد الله، لُقب بالسَّجَّاد لعبادته وتألهه، وُلد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقُتِلَ يوم الجملِ وهو شابٌ.
قال مصعب الزبيري في " نسبِ قريش " ص 281: وكان طلحةُ أَمرَهُ يوم الجمل أن يتقدمَ باللواء، فتقدمَ ونثل درعه بينَ رجليه، وقام عليها، فجعل كلما حمل عليه رجلٌ، قال: نشدتُك بـ " حم "، فينصرفُ الرجلُ عنه حتى شدَّ عليه رجلٌ من أسد بن خزيمة يقال له: جرير، فنشده محمدٌ بـ " حم "، فلم يَثنِه ذلك، ففي ذلك يقولُ الأسدي:
وأشعثَ قوَّامٍ بآيات ربِّه
…
قليلِ الأذَى فيما تَرَى العينُ مُسلِم
ضَمَمتُ إليه بالسِّنانِ قميصَه
…
فخَرَّ صَرِيعاً لليَدَيْنِ وللفَمِ
على غيرِ شيءٍ غيرَ أنْ ليس تابعاً
…
علياً ومنْ لا يتْبَع الحقَّ يُظلم
فذكَّرَني حاميم والرمحُ شاجرٌ
…
فهَلَاّ تلا حاميمَ قبل التَّقَدُّمِ
فمر به علي رضي الله عنه في القتلى، فقال: السَّجَّاد وربِّ الكعبة، هذا الذي قتله بِرُّ أبيه.
تمييزٍ بعلمِ التَّاريخ، فإنَّه خَلَعَ معاويةَ أيضاًً، وكان غرضُه أن يُقيم عَبْدَ الله بنَ عمر بن الخطاب، وقد كان تواطأ على هذا هو وعمرو بن العاص، فغدره عمرو، فلم يَخْلَعْ معاوية وعلياً كما خلعهما أبو موسى، بل قرَّر معاوية، فسبَّه أبو موسى، فقال له: إنَّما مَثلُكَ كمثل (1) الكلب.
وقد اشتهر في التَّاريخ أنَّ علياً عليه السلام لمَّا حكم أبا موسى كتب إليه معاوية: أما بعد، فإنَّ عمرو بن العاص قد بايعني على ما أُرِيدُ، وأُقْسِمُ بالله لئن بايعتني على ما أُريد (2) لأستعملنَّ أحدَ ابْنَيْكَ على البصرة، والآخرَ على الكوفة، ولا يُغْلقُ دونَك بابٌ، ولا تُقضى دونك حاجة، وقد كتبتُ إليك بخطِّي، فاكتب إليَّ بخط يدك (3)، فكتب إليه: أمَّا بعدُ، فإنَّك كتبت إليَّ في جسيمِ أمرِ الأمَّة، فماذا أقول لربِّي إذا قَدِمْتُ عليه؟ وليس لي فيما عرضتَ عليَّ حاجة (4).
إذا عرفت هذا، فأبو موسى من جملة المتأوِّلين بغير شَكٍّ، وذنبه في هذا دون ذنوب (5) الخوارج لا يمنع مِنْ قبول الرِّواية، فقد كان متعبِّداً متزهِّداً قواماً صوَّاماً، وقد تولَّى البصرة، فلم يخرج منها إلا بستِّ مئة درهم، وكان خراجُها عشرةَ آلافِ ألفٍ وأربعَ مئةِ ألفٍ، وحديثُه في " علوم آل محمد "، مِنْ ذلك في باب الكفّارات في أواخره.
(1) في (ش): مثل.
(2)
" على ما أريد " ساقطة من (ب).
(3)
في (ش): بخطِّك.
(4)
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " 4/ 111 - 112 من طريق عفان بن مسلم، وعمرو ابن عاصم الكلابي، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثلاثتُهم عن سليمان بن المغيرة، عن حميدِ بني هلال، عن أبي بردة قال: قال أبو موسى
…
وهذا سند صحيح.
(5)
ساقطة من (ش).
وقد روي عن حذيفة أنَّه تكلَّم في نفاقه. رواه الشِّعبي، وقال: حدثناهم بغضب أصحاب محمد فاتخذوه ديناً (1).
وعندي أنَّ هذا لا يقدح في روايته، فحذيفةُ -وإن كان صاحبَ العِلْمِ بالمنافقين- إلا أنَّه -من غير شكٍّ- ما أخذ العلم بالمنافقين إلَاّ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد (2) قال في أبي موسى:" إنَّهُ مسلمٌ منيبٌ " رواه مالك بن مغول وغيرُه عن ابنِ (3) بريدة، عن أبيه بريدة (4) عنه صلى الله عليه وسلم (5).
(1) أخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 2/ 771 ومن طريقِ ابنِ عساكر 538 عن ابن نمير، حدثني أبي، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنا مع حذيفة جلوساً، فدخلَ عبدُ الله، وأبو موسى المسجدَ، فقال: أحدُهما منافق، ثم قال: إن أشبهَ الناسِ هَدْياً ودَلاً وسَمْتاً برسولَ الله صلى الله عليه وسلم عبد الله.
وأورد الإمامُ الذهبيُّ في " السير " 2/ 394 في ترجمة أبي موسى، وعقب عليه بقوله: ما أدري ما وجهُ هذا القولِ، سَمِعَهُ عبد الله بن نمير منه (أي: من الأعمش) ثم يقول الأعمش: حدثناهم بغضبِ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فاتَّخذوهُ ديناً.
فقولُ المؤلفِ رحمه الله: " رواه الشعبي " وهمٌ منه، صوابُه الأعمش.
ثم قال الذهبيُّ: قال عبدُ الله بن إدريس: كانَ الأعمشُ به ديانةٌ من خشيته. قلت (القائل الذهبي): رُمي الأعمشُ بيسير تشيعٍ، فما أدري.
قلت: رجالُ السندِ ثقاتٌ، فإن صَحَّ هذا الخبرُ عن حذيفة، ولا إخالُه يصح، فإنه قد أخْطأَ في حَقَِ هذا الصحابي الجليل الذي استعملَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو ومعاذ بن جبل على اليمنِ، وولي للخليفتين عمر وعثمان، وشَهِدَ له فضلاء الصحابة بوفور عقله، واستقامة سيرته، وورَعِه، وفضلِه، على أن قول الأعمش يُفهم منه أن حذيفةَ إنما قالَ ذلك في حالة الغضبِ التي يقول فيها الإنسان كلاماً لا يعتقد أحقيتَه إذ رُوجِعَ حينَ يسكت عنه الغضبُ، ولا يتعلق بما يقالُ في مثل هذه الحالة إلا الذين في قلوبهم مرضٌ.
(2)
من قوله: " ورسول الله " إلى هنا ساقط من (ب).
(3)
في (ش): " أبي "، وهو تحريف.
(4)
" عن أبيه بريدة " ساقطة من (ش).
(5)
أخرجه أحمد 5/ 349، والبغوي في " شرح السنة "(1259)، وإسناده صحيح، من طريق عثمان بن عُمر الضبي، حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا مالك بن مِغْول، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: دخلتُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسجدَ ويدي في يده، فإذا رجلٌ =
ومن أوضح (1) الأدلَّةِ على هذا (2): أنَّه كان يُفتي، و (3) يقضي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلدتِه في حياته، وبَعْدَ وفاته، وقد ولَاّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اليَمَنَ، وولَّاه على (4) القضاءِ في اليمن، ولو كان منافقاً لم يُوَلِّه ذلك، ولا يتركُه يُفتي، فقد كانت حال (5) المنافقين معروفةً في زمانه عليه السلام، وكانوا أحقرَ منْ أنَّ يُؤتَمَنُوا على قضاء المسلمين، وفتياهم، وولايتهم (6). ولو كان منافقاً، لاغتنم الفُرصة حين حكَّمه عليٌّ عليه السلام، ولبايع معاويةَ على ما شاء، وقبِلَ (7) منه ذلك العطاء، ولو كان كذلك، لما اختار عبدَ الله بن عمر للخلافة، فعبدُ الله بن عمر كان من أهل التَّحرِّي، والمنافقُ لا يحبُّ إلَاّ أهل الفُسوق والجُرأة.
وقد روى ابن بطَّال في " شرح البخاري " في الكلام على الخوارج:
أنَّ عليَّاً عليه السلام سُئل عنهم: أكفَّارٌ هم؟ فقال: مِنَ الكُفر فرُّوا، قيل له: فمُنافِقُون؟ قال: المنافقون لا يذكرون اللهَ إلَاّ قليلاً، وهم يذكرون
= يُصَلِّي يقول: اللهُمَّ إني أسألُكَ بأنك أنت اللهُ، الواحدُ، الأحدُ، الصمدُ، الذي لم يَلِدْ ولم يُولدْ، ولم يكن له كُفُواً أحدٌ، قال: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعِيَ به أجاب " فلمَّا كانت الليلةُ الثانية دخلتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ، قال: فإذا ذلك الرجلُ يقرأُ، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتُراه مُرائياً " ثلاث مرات، قال: فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " بل هو مؤمنٌ منيبٌ، عبدُ اللهِ بن قيس، أو أبو موسى أُوتيَ مِزْماراً من مزامير آل داود " قال: قلتُ: يا نبي الله، ألا أبَشِّرُهُ؟ قال:" بلى "، فبشرتُه، فكان لي أخاً.
(1)
في (ش): أصح.
(2)
" على هذا " ساقطة من (ش).
(3)
في (ش): أو.
(4)
لم ترد في (ش).
(5)
في (ش): حالة.
(6)
في (ش): وولاتهم.
(7)
في (ش): ولقبل.
الله ذِكراً كثيراً (1).
وقد ذكر الفقيه حميد (2) في " عمدة المسترشدين ": أن هذا أشهرُ
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 15/ 332 من طريق يحيى بن آدم، عن مفضل بن مهلهل، عن الشيباني (هو سليمان بن أبي سليمان) عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: كنت عند علي، فسئل عن أهلِ النهرِ أَهُمْ مشركونَ؟ قالَ: مِن الشَّركِ فَرُّوا، قيل: فمنافقونَ هُم؟ قالَ: إنَّ المنافقين لا يَذْكُرون اللهَ إلا قليلاً، قيل له: فما هُم؟ قال: قومٌ بَغَوْا علينا. وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه البيهقي 8/ 174 من طريق حميد بن زنجويه، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا مسعر، عن عامر بن شقيق، عن شقيق بن سلمة قال: قال رجلٌ: من يتعرف البغلة يوم قُتل المشركون، يعني أهل النهروان، فقال علي بن أبي طالب: من الشركِ فَرُّوا، قال: فالمنافقون، قال: المنافقون لا يذكرونَ اللهَ إلا قليلاً: قال: فما هم؟ قال: قومٌ بَغَوْا علينا، فنُصرنا عليهم. وعامر بن شقيق: فيه لين، لكن يشهد له ما قبله، فيتقوى به.
وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف "(18656) عن معمر، عمَّن سَمِعَ الحسن قال: لما قَتَلَ عليٌّ رضي الله عنه الحروريَّة، قالوا: منْ هؤلاء يا أميرَ المؤمنين؟ أكفارٌ هُم؟ قال: من الكفر فرُّوا، قيل: فمنافقين؟ قال: إنَّ المنافقينَ لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون اللهَ كثيراً، قيل: فما هم؟ قال: قومٌ أصابَتْهم فتنةٌ، فَعَمُوا فِيها وصَمُّوا.
وأخرج ابن أبي شيبة 15/ 256، ومن طريقه البيهقي 8/ 183 عن يزيد بن هارون، عن شريك، عن أبي العنبس، عن أبي البختري قال: سُئل علي عن أهل الجمل قال: قيل: أمشركون هم؟ قال: من الشركِ فرُّوا، قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم؟ قال: إخوانُنا بَغوْا علينا.
رضي الله عنه، ما أنصفك في حق خصومك، وما أصلحك، وما أعدلك وما أكرمك.
ملكنا فكان العدلُ منا سجيةً
…
ولما ملكتُم سال بالدَّم أبطحُ
(2)
هو حُميد بن أحمد المحلي الهمداني، أبو عبد الله حسام الدين، المعروف بالقاضي الشهيد، المتوفى سنة 652 هـ. مؤرخ، فقيه، زيدي، يماني، من أهل صنعاء، كان من كبار أصحاب الإمام المهدي أحمد بن الحسين القاسمي، وحضر معه معركة الحُصَبات بينه وبين المظفر الرسولي يوسف بن عمر، فاستشهد القاضي بها. قتله الأشراف بنو حمزة، له كتب، منها:" الحدائق الوردية في سير الأئمة الزيدية - خ " جزآن، مصوران في معهد المخطوطات، ومنه نسخة في مكتبة الجامع بصنعاء، والمتحف البريطاني (الرقم 3812)، ومنه الأول في الأمبروزيانة، و" محاسن الأزهار في فضائل العترة الأخيار - خ " 140 ورقة منه في مكتبة الجامع بصنعاء، وبالمتحف البريطاني (الرقم 3820) جعله شرحاً لقصيدة من نظم الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة، و" مناهج الأنظار العاصمة من الأخطار - خ " في =
الرِّوايتين عنه عليه السلام في عدم تكفير الخوارج.
وذكر ابنُ بطال: أنَّه مرويٌّ عنه مِنْ طُرُقٍ.
وذكر البيهقي (1): أنَّه ردَّ عليهم أموالهم مِنْ طرق، ولم يذكرا (2) قط (3) الرواية الأخرى.
وهذا غايةُ الورع والإنصاف مِنْ أميرِ المؤمنين عليه السلام، وكذلك فلتكُن المَنَاقِبُ، فإذا تقرَّر نفيُ أميرِ المؤمنين النِّفاق عنهم، فأبو موسى أحقُّ بذلك منهم، فإنَّه لم يُشاركهم في عظائمهم الفاحشة مِنْ حربِ أميرِ المؤمنين، وتكفيرهِ (4)، والإعلانِ بالبراءة منه، والإصرارِ على ذلك، والدُّعاء إليه، وكان مِنَ حُفَّاظ كتاب الله، والذَّاكرين الله كثيراً مع قُبْحِ ما صنع، وكراهتِنا لِمَا صنع، ووُجوب البراءة ممَّا صنع، ولكن ليسَ منْ أساء وأحسن كَمَنْ أساء ولم يُحْسِنْ، وقد مَيَّزَ الله تعالى في كتابه الخالطين (5) بِحُكْمٍ مفردٍ، واختلف أهلُ تفسير القرآن فيهم، بل قال الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} [هود: 114]، وليس كلامُنا في تحسينِ ذنبه، وإنَّما كلامُنا في أنَّه مِمَّنْ تُقْبَلُ رِوايتُه مع ذَنْبِهِ لظهور تأويله، وكَثرة حسناتِه مع ذلك الذَّنب، كما ذكره الأئِمَّةُ مِنْ أهلِ البيت، وسائِرِ علماء
= العقائد وعلم الكلام، وفي خزانة محمد بن إسماعيل المطهر بصنعاء. " الأعلام " 2/ 282 - 283. وانظر " فهرس المكتبة الغربية بالجامع الكبير " بصنعاء ص 167 و661 و695.
(1)
انظر " سنن البيهقي " 8/ 181 - 183 باب: أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم، ولم يقتل أسيرهم، ولم يجهز على جريحهم، ولم يستمتع بشيء من أموالهم.
(2)
في (ش): " يذكر "، وفي (ب):" يذكروا ".
(3)
" قط " ساقطة من (ش).
(4)
في (ش): وتكفيره صانه الله عن ذلك.
(5)
في (ش): الخالطين في كتابه.
الإِسلام في الخوارج، وكثير (1) من أهل البدع؛ لأنَّ مبنى الرِّواية على ظنِّ الصِّدق، وعدم التُّهمة بتعمُّدِ الكَذِبِ ونحو ذلك.
وممَّا يُعْرَفُ به صدقُه وُيمْتَحَنُ به حالُه: تتَبُّع أحاديثه كلِّها، والنَّظرُ فيما فيها كما مرَّ في أحاديثِ معاوية، وهل هي منكراتٌ مشتمِلة على ما لم يَرْوِه غيرُه مِنَ الثِّقات أم لا؟، كما هو عادةُ المحدثين، فاعتبرْ ذلك إنْ شئت، والله الموفق.
ولكن لا يَصْلُحُ لذلك إلا أئِمَّةُ الحديث الَّذين يعرفون ما انفرد به ممَّا رواه غيرُه، فإنْ كنتَ منهم، فانتقد واجتهد، وإن لَمْ تكُنْ منهم، فتعلَّم وتفهَّم تَسْتَفِدْ، وهذا مِنْ علوم الحديث هو النَّوعُ المسمى بالتَّتبُّع والاعتبار، ومِنْ مواضع الغلطِ فيه أن يقدح على الرَّجل بما رُوي عنه ممَّا لم تتحقَّقْ صحَّتُه عنه (2). فاعْرِفْ ذلك.
ولمَّا قَرُبَ موتُه، اجتهد في العبادة اجتهاداً شديداً، فقيل له: لو أمسكتَ ورفقت بنفسك؟ فقال: إنَّ الخيل إذا أُرْسِلَتْ، فَقَارَبَتْ رأسَ مجراها، أخرجت جَميعَ ما عندها، والَّذي بَقِيَ مِنْ أجلي أقلُّ مِنْ ذلك (3).
وبالجملة، فلم نعلم (4) أحداً من المنافقين استمرَّ على الإِسلام مِنْ
(1) سقطت الواو من (ب).
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ص 534، ونقله الذهبي في " السير " 2/ 393.
(4)
ساقطة من (ش).
أوَّلِ النُّبُوَّة إلى عام أوطاس (1)، فالمنافقُ يَنجُمُ نفاقُه أيَّامَ ضعفِ الإِسلام، وإنَّما كان كما رُوِيَ عن عليٍّ عليه السلام: صُبغَ في العِلْمِ صبغة، ثمَّ خرج منه، رواه عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن عليٍّ عليه السلام (2)، فخُروجه مِنَ العلم بِمَا فعل مِنْ خلعه لأميرِ المؤمنين، فإنه لا يخلع أمير المؤمنين عالِمٌ. نسألُ اللهَ السلامة والعافية، وربَّما أرادَ حذيفةُ نفاقاً دونَ نفاقٍ، فقد ثبت في " صحيح البخاري " من حديث ابن عمر أنَّ ناساً قالُوا: إنَّا ندخُلُ على سلطاننا (3)، فنقول لهم بخلاف ما نتكلَّمُ به إذا خرجنا مِن عندهم، قال ابنُ عمر: كنَّا نَعُدُّ هذا نفاقاً على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (4).
ويَعْضُدُه (5) ما رواه البخاري أيضاً من حديث أنسٍ: إنَّكم لتعملون
(1) وهو العام الثامن من الهجرة، وكان ذلك بعد فتح مكة، وهي غزوة حنين. وأوطاس وحُنين موضعان بين مكة والمدينة، فسميت الغزوة باسم مكانها، وتُسمى غزوة هَوازن أيضاً، لأنهم الذين أتوا لقتالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر الخبر عن هذه الغزاة في ابن هشام 2/ 437 - 500، وابن سعد 2/ 149 - 158، و" زاد المعاد " 1/ 3، و" شرح المواهب " 3/ 5 - 28.
(2)
أخرجه يعقوب بن سفيان في " تاريخه " 2/ 540 من طريق عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، حدثنا الأعمش، حدثني عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: سُئل علي عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: عن أيِّهم تسألوني؟ قالوا: عن عبد الله، قال: علم القرآن، وعلم السنة، ثم انتهى وكفي به علماً، فقالوا: أخبرنا عن أبي موسى؟ قال صلى الله عليه وسلم: صُبغ في العلم صبغاً، قالوا: أخبرنا عن حذيفة؟ قال: أعلمُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين، قالوا: حدثنا عن أبي ذر؟ قال: وَعَى علماً عجز عنه، قالوا: حدثنا عن سلمان؟ قال: عن لقمان الحكيم تسألوني، عَلِمَ عِلْمَ الأولى والآخرة، بحراً لا يدرك قعره، وهو منّا أهلَ البيت، قالوا: حدثنا عن نفسك؟ قال: كنت إذا سئلتُ أعطيتُ، وإذا سكت ابتدأت.
(3)
في (ش): سلاطيننا.
(4)
أخرجه البخاري (7178) في الأحكام، باب: ما يكره من ثناء السلطان، وإذا خرج قال غير ذلك.
(5)
في (ش): يعضده أيضاً.
أعمالاً هي أَدَقُّ في أعينكم مِنَ الشَّعر كُنَّا نَعُدُّها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنَ المُوبِقاتِ (1).
وروى أحمدُ في " المسند "(2) مثلَه عن أبي سعيد الخدري.
وروى الحاكم في آخر التوبة مثله عن عبادة (3)، وفي الفتن نحو ذلك عن ابن مسعود (4) فهذا ونحوُه يدخله احتمالُ التَّأويل بالتقية ونحو ذلك، وتقع فيه الهفوة مع النَّدم والاستغفار مِنَ الأكثرين، والله سبحانه أعلم.
وأمَّا رواية أبي موسى، فمن جملة رواية (5) غيره من أهل التَّأويل، وقد رُوِيَ أنَّه تاب بعد ذلك، ورضي عنه عليه السلام، ونرجو صحَّة ذلك ببركةِ صُحْبَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الوهم الرابع عشر: أنَّه قدح على أهل الحديث بقول رسول الله
(1) أخرجه البخاري (6492) في الرقاق، باب: ما يتقى من محقرات الذنوب، وهو في " المسند" 3/ 157.
(2)
3/ 3 من طريق عبد الملك بن عمرو، حدثنا عمار بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري.
(3)
هو عُبادة بن قرط أو قرص بن عروة بن بجير بن مالك الضبي، نزل البصرة، قال ابن حبان: له صحبة، والصحيح أنَّه ابنُ قرص بالصاد، ذكره البخاري عن علي بن المديني، عن رجل من قومه.
وهو في " المستدرك " 4/ 261 - 262 من طريق عبدان، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي قتادة قال: قال عبادة
…
وصححه، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطيالسي (1353) من طريق قرة وسليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، به.
وأخرجه أحمد 3/ 470 من طريق إسماعيل، عن أيوب، عن حميد بن هلال قال: قال عبادة بن قرط
…
وانظر " الإصابة " 2/ 261.
(4)
انظر " المستدرك " 4/ 437.
(5)
في (ب): روايات.
- صلى الله عليه وسلم: " يُؤْتَى بِقَوْمٍ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُذْهَبُ بِهِمْ ذاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُول: أَصْحَابِي أَصْحَابي "(1)، وبقوله تعالى:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُم} [التوبة: 101]، دلَّتِ الآيةُ على أنَّ فيمن (2) يَعُدُّونَه صحابِيَّاً عدلاًً مَنْ هُوَ كافر مجروح. انتهى كلامه.
أقول: مرادُ السَّيِّد بهذا لا يخلو مِنْ قسمين.
القسم الأول: أنْ يريدَ أنَّ الحديثَ والآيةَ دلَاّ على أنَّ في منْ ظاهِرُهُ العدالة مِنَ الصَّحابة مَنْ هُوَ منافِقٌ مجروحٌ، ولا طريقَ إلى العلم بهِ، فيجبُ تركُ حديث الصَّحابةِ كلِّهم، لَأنَّ فيهم مجروحاً غيرَ معلومٍ، وهذا غيرُ مقصودٍ للسَّيِّد، فإنَّ هذه منْ شُبَهِ الزَّنادقة صان اللهُ السيدَ عن ذكرهم.
القسم الثَّاني: أنْ نقول للسيدِ بما (3) أجمع عليه أهلُ الإسلام مِنَ الرُّجوع إِلى من ظهر صِدْقُه، وإسلامه، وعدالته، وسواء كان في الباطن مسلماً أو كافراً، فإنَّ التكفير (4) بالباطن غيرُ حَسَنٍ، ولا واقع، ولا يجب إلا جرحُ مَنْ ظَهَر جَرْحُه، وتبيَّن عِصيانه، على أنَّ مَنْ أضمر شيئاً، ظهرت عليه لوائحه (5)، وفاحت منه روائحه كما يأتي مبسوطاً بسطاً شافياً في الوهم الثالث والثلاثين في أوَّل المجلّد الرَّابع في الكلام على يزيدِ بن معاوية، وذكر علامات المنافقين، وظهورِ نفاقهم للمؤمنين، وأن مثلَ ذلِكَ لم يخْفَ على الصحابة والتابعين، وقد قال اللهُ تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ
(1) تقدم تخريجه في هذا الجزء ص 228 ت 6.
(2)
في النسخ: " من "، والمثبت من (ش).
(3)
في (ش): إنما.
(4)
في (ب): التكليف.
(5)
في (ش): " ولاحت عليه لوائحه "، وكتب فوقها: ونمَّت عليه روائحه.
الْقَوْلِ} [محمد: 30]، وأخبرَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بعلاماتِهم مِنَ الغَدْرِ، والكَذِبِ، والحَلِفِ، وبُِغضِ عليٍّ عليه السلام، وبُغضِ الأنصار، وأنَّهم خُشُبٌ باللَّيل، صُخُبٌ بالنَّهار، لا يَقْرَبُونَ المَسَاجِدَ إلا هَجْراً، ولا يأتون الصَّلاة إلا دَبْراً، مستكبرين، لا يَألفون ولا يُؤلفون (1)، وقد عَرَفت هذا العربُ قبل مجيء العلوم والشَّرائعِ، وقال (2) في ذلك قائلُهم (3):
(1) أخرجه أحمد في " المسند " 2/ 293 من طريق يزيد، والبزار (85) من طريق عبد الرحمن بن مقاتل التستري، كلاهما عن عبد الملك بن قدامة الجمحي، عن إسحاق بن بكر بن أبي الفرات، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن للمنافقين علامات يُعرفون بها، تحيتهم لعنة، وطعامهم نُهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجدَ إلا هَجْراً، ولا يأتون الصلاةَ إلا دبْراً، مستكبرين، لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل، صُخبٌ بالنهار" وقال يزيد مرة: سخب بالنهار. عبد الله بن قدامة: ضعيف، وشيخه فيه إسحاق بن بكر مجهول، كما قال الذهبي في " الكاشف "، وابن حجر في " التفريب "، فالحديث ضعيف.
وقد أورده الهيثمي في " المجمع " 1/ 107، ونسبه لأحمد، والبزار، وقال: وفيه عبد الملك بن قدامة الجمحي، وثقه يحيى بن معين وغيره، وضعفه الدارقطني وغيره.
النُّهْبَة -بضم النون، وسكون الهاء، كالنُّهْبى-: الشيء المنهوب.
وقوله: " ولا يقربونَ المساجدَ إلا هجراً " الهجر: الترك والإعراض عن الشيء، أي: أنهم لا يقربون المساجد، بل يهجرونها.
وقوله: " ولا يأتون الصلاة إلا دبراً" دَبراً: يروى بفتح الدال وضمها، وهو منصوب على الظرف، والمعنى: لا يأتون الصلاة إلا بعد فوات وقتها.
" خشب بالليل " أي: ينامون الليل لا يصلون، شَبَّهَهُم في تمددهم نياماً بالخشب المطرحة، ويقال للقتيل: خرَّج كأنه خشبة، وكأنه جذع.
" صُخُب بالنهار": بضم الصاد والخاء، وفي رواية يزيد " سخب " بالسين، والسخب والصخب: الضجة، والصياح، واختلاط الأصوات، والمرادُ رفعُ أصواتِهِم وضجيجهم في المجادلاتِ والخصوماتِ وغير ذلك. قَالَ ابنُ الأثير: أي: إذا جَنَّ عليهم الليلُ، سَقَطُوا نياماً كأنهم خشبٌ، فإذا أصبحوا، تَسَاخبوا على الدنيا شحّاً وحِرْصاً.
(2)
في (ش): قال.
(3)
هو زهير بن أبي سُلمى المازني، حكيم الشعراء في الجاهلية، ذكره ابن سلام في =
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امرىءٍ مِنْ خَلِيقَةٍ
…
وإنْ خَالَهَا تخْفَى عَلَى النَّاس تُعْلَمِ
وإنِّما أخبر صلى الله عليه وسلم بما حَدَثَ بعدَه، فما معنى قولِ السيّد: إنَّ ذلك يدلُّ على أنَّ في مَنْ يعدُّونه صحابيَّاً عدلاً مَنْ هو منَ المجروحين، فهذا السُّؤالُ -على زعمه- يتوجَّه على مذهب الزَّيديَّة والمعتزلة، وجميعِ الطَّوائف، فإنَّ الآية والحديث يدلان على تجويزِ أنْ يكون في من يعده المعتزلةُ، والزَّيديَّةُ صحابيّاً عدلاً مَنْ هو مجروحٌ، بل هذا يتوجَّهُ على الصحابةِ، حيث قَبِلَ بعضُهم بعضاً قبل قيام القيامة، وقبل تبيُّن هؤلاء الذين يَظْهرُ يوم القيامة جرحُهم، وقد وقع اللِّعان على عهده صلى الله عليه وسلم، وقال للمتلاعِنيْنِ:" الله يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كاذِبٌ "(1)، فلم يلزم منْ ذلك إشكالٌ في الإِسلام، ولا تكلَّمَ في حكمهما أئِمَّة السَّلف الأعلام؛ لِسُهولَةِ الأمر في هذه المباحث الظَّنِّيَّةِ، وكذلك المدعي مع المنكر، وسائر المتنازعين المعلوم كذب بعضهم، وإذا كان كلامُه هذا في الصحابة مع أَنَّهم خَيْرُ القرون، فَمَنْ بعدهم أولى بأنْ يظهر يوم القيامة في كُلِّ أهل
= الطبقة الأولى من فحول الشعراء ص 51 و64 مع امرىء القيس، والنابغة، والأعشى، ونقل عن أهل النظر أنَّه كان أحصفَهم شعراً، وأبعدَهم من سخف، وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل من المنطق، وأشدهم مبالغة في المدح، وأكثرهم أمثالاً في شعره. ويقال: كان ينظم القصيدة في شهر، ويهذبها في سنة، فكانت قصائده تُسمى الحوليات، مات سنة 609 م.
والبيت من جاهليته السائرة التي مطلعها:
أمِنْ أُمِّ أوْفَى دِمْنَةٌ لمْ تَكلَّمِ
…
بِحَوْمَانَةَ الدَّرَّاجِِ فالمُتَثَلَّمِ
وهي في مدح الحارث بن عوف بن أبي حارثة، وهَرم بن سنان بن أبي حارثة اللذين سعيا في الصلح بين عبس وذبيان.
وهو في " شرح القصائد السبع الطوال " ص 289، و" الجمل " للزجاجي ص 222، و" مغني اللبيب "(531).
و" مِنْ " في قوله: " من خليقة " زائدة، و" خليقة " في موضع رفع اسم " تكن "، وجملة " تخفى " مفعول ثاني " لخالها ".
(1)
تقدم تخريجه في هذا الجزء ص 256 ت (1).
قرن (1) مجاريحُ كانوا (2) مستورين، فيحرم على كلام السَّيد هذا التَّمسُّك بالظاهر في العدالة (3)، وقد أراد السَّيِّد أن يُجِيبَ عن هذا السُّؤال، فأورد معناه، ثمَّ قال: الجوابُ أنَّه قد ظهر فِسْقُ من ذكرنا وكفرُه، فرجع هذا التَّهويل الكثير إلى الكلام في حديث ثلاثةٍ مُعيَّنين، وكان قد فرغ مِنْ ذكرهم، وكنَّا قد فرغنا منَ الكلام على حديثهم، وبيَّنَّا أنَّ المحدِّثين لم يُدَلِّسُوهم، ولا رَوَوْا عنهم ما يُنْكَرُ في الشَّريعة، ولا يُعْرَفُ إلَاّ منهم، ولا قصدوا في كتبهم الاقتصارَعلى حفظ الحديث المُجمع على صِحَّته بَيْنَ جميعِ طوائفِ الإسلام، ولا حرَّجُوا على أهلِ العلم أن يُخالفوهم في بعضِ ما صحَّحوه بِحُجَّةٍ صحيحةٍ على طرائقِ أهل (4) الاجتهاد، والإنصافِ، وأنَّهم قصدوا حفظَ جميعِ حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الإسلام، ثم بيَّنوا شروطَ الصِّحَّة عندهم، وعند غيرهم في كُتب علوم الحديث، ثمَّ صحَّحُوا كثيراً مِنَ الحديث على قواعِدَ لهم (5) قد قرَّروها (6) في علوم الحديث، وأصولِ الفقه، وكان فيما صحَّحوه ما عرفوا صِحَّته بمجموع (7) شواهد، وقرائن يعرفُها أهلُ الفِراسة في الفَنِّ دُونَ غيرهم، وكان (8) فيما ضعَّفُوه ما عرفوا ضعفَه بِمِثْلِ ذلك، وإنْ كان إسنادُ الَأوَّلِ في ظاهره ضعيفاً، وإسنادُ الثَّاني في ظاهره صحيحاً، وصنَّفُوا في ذلك علمَ العِلَلِ، وظهرت نصيحتُهم للإسلام وأهلِه ببيان الإسنادِ، وتركِ التَّدليس،
(1) في (ش): فن.
(2)
" كانوا " ساقطة من (ش).
(3)
" في العدالة " ساقطة من (ش).
(4)
ساقطة من (ش).
(5)
في (ش): قواعدهم.
(6)
في (ب): " قد رووها " وهو خطأ.
(7)
في (ش): لمجموع.
(8)
في (ش): فكان.
وتضعيفِ ما وافق مذاهبهم (1) مِنَ الأحاديث الضعيفة، وتصحيحِ ما وافق مذاهب (2) خصومهم مِنَ الأحاديث الصَّحيحة، وتوثيقِ خلائِقَ لا يُحْصَوْنَ مِنْ خصومهم، وجرح مثلهم في الكثرة أو أكثرَ منهم مِنْ أهل مذهبهم، حتَّى تكلَّمَ أبو داوود على ولده، وقال: هو كذَّابٌ (3)، مع أنَّه لم يُعْرَفْ بشيْءٍ مِنْ ذلك، حتَّى قيل: إنَّه أراد في غيرِ الحديث، وكتبُوا قولَه هذا، ولم يكتُموه، ومَنْ حكم عليهم بالتُّهمة لهم قبل الإمكان في النَّظر في مصنَّفاتهم في الجرح والتَّعديل، وكيفيَّة التَّصحيح، فقد ظلمهم، والله يُحِبُّ الإنصافَ، ولقدِ اجتمعت كلمتُهم على تعظيم النََّسائي، وهو من أكابِرِ الشِّيعة، حتَّى قال الذّهبي في كتابه " النُّبلاء " (4): إنَّه أعرفُ بالحديثِ من أبي داوود، والتِّرمذي، ومسلم، وإنَّه جارٍ في مِضمار البخاري، وأبي زرعة. وأعجبُ مِنْ هذا: اعتمادُهم على كتاب " النَّسائي " في الجرح والتعديل، وقَبولُهم منه لجرح جماعةٍ مِنْ أهل مذهبهم، ما ذلك (5) إلا لإِنصافهم حين عرفوا مِنَ النَّسائي رحمه الله المعرفة التَّامَّةَ بالفن (6)، وأنَّه في جرحه وتعديله مستقيمٌ على صراط العارفين، غيرُ عامل بالأهواء في رُواة حديث سيَّد المرسلين.
وكذلك قد شحنوا الصِّحاح بحديث أهلِ الصِّدق مِنَ الشِّيعة، والمعتزلة كما تقدَّم بيانُه، وذِكْرِ عدد كثيرٍ بأسمائهم مِمَّنْ وثَّقوه مِنْ
(1) في (ش): مذهبهم.
(2)
في (ش): مذهب.
(3)
قال الإمام الذهبي في " السير " 13/ 231: لعل قول أبيه فيه -إن صح- أراد الكذب في لهجته، لا في الحديث، فإنه حجة فيما ينقله، أو كان يكذب ويوري في كلامه، ومن زعم أنَّه لا يكذب أبداً، فهو أرعن، نسأل الله السلامة من عثرة الشباب، ثم إنَّه شاخ وارعوى، ولزم الصدق والتقى.
(4)
14/ 133.
(5)
في (ش): ذاك.
(6)
ساقطة من (ب).
خُصومهم، ومِمَّن جرَّحوه مِنْ أهل مذهبهم، ولأمْرٍ ما سارت بتصانيفهمُ الرُّكبان، وتلقَّاها بالقَبول أهلُ الإسلام، وقد قدَّمتُ في صدر هذا الكتاب ذكرَ خصيصتين إضافيتين (1)، إحداهما: تقديم (2) كلامِ أهلِ الفُنون في فنونهم، وإجماع الأمَّة على ذلك، وهذا موضعٌ له أيضاًً، فانظره في موضعه.
واللهُ يُحِبُّ الإنصافَ والعدلَ على المُوافق والمُخالف، وما يَضُرُّ المتعصِّبُ إلا نفسَهُ، فإنَّه يسُدُّ (3) على نفسه أبوابَ المعارف الَّتي هي أبوابُ الخيرِ كلِّه، " ومَا دَخَلَ الرِّفْقُ في شَيْءٍ إلَاّ زَانَهُ، ولا دَخَلَ العُنْفُ في شَيْءٍ إلا شانَهُ " كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (4).
(1) في الأصول: أيضاً فتبين. وهو تصحيف.
(2)
ساقطة من (ش).
(3)
في (ش): يفسد.
(4)
أخرجه أحمد 6/ 58 و112 و125 و171 و206 و222، ومسلم (2594)، وأبو داود (4808) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانَهُ، ولا يُنزع من شيء إلا شَانَه ".
وأخرجه أحمد 3/ 241 من حديث أنس بن مالك أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السامُ عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" عليكم " فقالت عائشة: السامُ عليكم يا إخوانَ القردةِ والخنازير، ولعنةُ الله، وغضبُهُ، فقال:" يا عائشةُ، مَهْ "، فقالت: يا رسول الله، أما سمعتَ ما قالوا؟ قال:" أو ما سمعتِ ما رددتُ عليهم، يا عائشة، لم يدْخلِ الرفق في شيء إلا زانه، ولم ينزع من شيء إلا شانه ".
وأخرجه البخاري (6024)، ومسلم (2165) من حديث عائشة قالت: دخَلَ رهطٌ من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السامُ عليكم، قالت عائشة: ففهمتها، فقلتُ: عليكم السام واللعنة، قالت: فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مهلاً يا عائشةُ، إنَّ الله يُحِبُّ الرفق في الأمرِ كله "، فقلتُ: يا رسول الله أو لم تَسْمَعْ ما قالوا؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " قَدْ قلتُ: وعليكم ".
وأخرج مسلم (2593) من طريق عائشة أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا عائشة، إن الله رفيقٌ يُحِبُّ الرفقَ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العُنْفِ، وما لا يعطي على ما سواه ".
ولذلك أثنى عليهم مَنِ اتَّصفَ بالإِمامَة في علم الحديث مِنَ الشِّيعة، والمعتزلة كالحاكم أبي عبد الله، والنّسائي، وابن عقدة (1)، والسَّمَّان (2)، ومَنْ لا يحصى مِنْ هذا الضَّرب، واستمدُّوا مِنْ معارفهم، وسلكوا مسالِكَهُم، وصاروا تلامِذَةً لِمَنْ تقدَّمهم مِنْ عُلماءِ أهلِ السُّنَّة (3) في الحديث، وشيوخاً لمَنْ بعدهم، فعليك أيُّها المنصفُ (4) بمطالعة " علوم الحديث " للحاكم صاحب " المستدرك " على أنَّه منْ كبارِ الشِّيعة، ولا سيما النوع (5) الموفي عشرين منه، والنوع التاسع والأربعين منه أيضاًً.
ومِنَ العجب أنَّ منْ ذمَّ الحديثَ وأهلَه منَ المعتزلةِ، وأهلِ الكلام لم يَسْتَغْنِ عنهم، وإن حَاد عَنِ التَّصريح بالرِّواية عنهم، نزل إلى من يستمدُّ منهم، فأخذ عنه، وعن من لا يقاربهم في الإتقان، وما أَحْسَنَ قولَ القائلِ في نحو هذا:
أقِلُّوا عليهم لا أبا لأبيكم
…
مِنَ اللَّوْمِ أو سُدُّوا المَكَانَ (6) الَّذي سَدُّوا (7)
(1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني، الحافظ، العلامة، أحد أعلام الحديث، ونادرةُ الزمان، وصاحبُ التصانيف على ضعف فيه، وهو المعروفُ بالحافظ ابنِ عُقدةَ، تُوفي سنة 332 هـ. له ترجمة حافلة في " السير " 15/ 340 - 355.
(2)
هو الإمام الحافظ البارع المتقن أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين الرازي السمان، المتوفى سنة 445 هـ. مترجم في " السير " 18/ 55 - 60.
(3)
في (ب): من محدثي الشيعة من علماء أهل السنة.
(4)
في (أ) و (ب): المصنف.
(5)
" النوع " ساقطة من (ش).
(6)
في (ش): " الطريق "، وكتب فوقها:" المكان " على الصواب.
(7)
هو للحطيئة جرول بن أوس بن مالك العبسي، المتوفى سنة 45 هـ، وهو في " ديوانه " ص 20، و" الكامل " للمبرد 1/ 340، و" الخصائص " لابن جني 1/ 345. وقد تقدم تخريجه في 2/ 104. =
الوهمُ الخامس عشر (1): قال: إنّ التشبيهَ مُستفيضٌ عنْ أحمدَ بنِ حَنبل، وقَصَدَ بذلك القَدحَ في كتبِ الحديثِ بكونِهِ من رجالِهم، كما قَدَح فيها بكونِ الشافعيِّ، والبخاريِّ من رجالِهم، فما أفحشَ هذا الجهلَ، وأزراه، وأخسَّهُ، وأجرأَهُ! فيا هذا ليتَكَ عَرَفْتَ عن من يروي أئمتُنا وأئمةُ المُسلمينَ أجمعين مِن أهل البيت المُطَهَّرين الذين خالفتَهم في كلامِك هذا، مع اعتقادِك بجهلٍ (2) أَنَّكَ فيه لهم (3) ناصرٌ، وتابعٌ، ومُوافقٌ، ومُشايعٌ، حتَّى تَعْرِفَ أنَّهم قَدْ أثْنَوْا على من ذَمَمْتَه، ورووا عمن جَرَّحته.
فهذا السيدُ الإمامُ أبو طالبٍ عليه السلام قد روى عن أحمدَ بنِ حنبل في " أماليه "، وكذلكَ روَى عنه الإمامُ المنصورُ باللهِ عليه السلام، وغيرُه من أهلِ البيتِ وشيعتِهم، ولا سيَّما علماءُ الحديثِ من شيعةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام، كالحاكم أبي عبدِ اللهِ صاحبِ " المُستدركِ " على " الصحيحينِ " وأبي عبدِ الرحمن النَّسَائي صاحب " السُّنن "، وابنِ عُقْدَةَ وأمثالهم.
وكذلك رَوَى أهلُ البيتِ في مُصنفاتهم الحديثَ الكثيرَ عن من مذهبُه مذهبُ هؤلاء، فروى السَّيدُ أبو طالبٍ في " أماليه " حديثَ أبي داود (4)
= وذكر أحمد بن عبدة قاضي الري عن أبيه، قال: كنا عند ابن عائشة، فذكر حديثاًً لأبي حنيفة، فقال بعض من حضر: لا نريده، فقال لهم: أما إنكم لو رأيتموه، لأردتموه، وما أعرف له ولكم مثلاً إلا ما قال الشاعر ثم أنشد بيت الحطيئة هذا. انظر " تهذيب الكمال " ورقة 709/ 1.
(1)
من هنا يبدأ المجلد الثاني من الأصول الخطية المعتمدة بتجزئة المصنف رحمه الله، وأجزل مثوبته.
(2)
في (ش): بجهالتك.
(3)
في (ب): لهم فيه.
(4)
في (ش): داود في أماليه.
صاحبِ " السننِ " عن محمدِ بن عبد الله الأسَديِّ، عن عليِّ بنِ الحسن بن العبد (1)، عن أبي داود.
وخرَّجَ حديثَ ابنِ السُّنِّي (2) عن محمدِ بن عمر الدِّينَوَري، عنه.
وخرَّجَ حديث ابنِ ماجةَ عن أبي الحسنِ علي (3) بن إبراهيم القطَّان عنه.
وحديثَ ابنِ أبي حاتِمٍ عَنِ السيدِ الإمامِ أبي العباسِ، عنه قليلاً، وعن أحمدَ بنِ عبدِ الله الأصْبَهاني عنه كثيراً.
وخَرَّجَ حديثَ عليِّ بنِ موسى الرِّضَى (4) عليه السلام من طريقِ
(1) هو أبو الحسن علي بن العبد الوراق سمع أبا داود السجستاني، وعثمان بن خرزاذ الأنطاكي، روى عنه الدارقطني، والحسين بن محمد بن سليمان الكاتب، وابن الثلاج توفي سنة 318 هـ. " تاريخ بغداد " 11/ 382.
وهو أحد رواة السنن عن أبي داود، وتمتاز روايته عن غيره بزيادات في الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ليست موجودة في غيرها من الروايات.
(2)
هو أحمد بن أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الدينوري المتوفى سنة 364 هـ.
(3)
تحرف في (ش) إلى " عن ".
وهو الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر القزويني القطان عالم قزوين ومحدثها، ارتحل في طلب الحديث، وكتب الكثير، وسمع غير واحد من الأئمة، وروى عن أبي عبد الله بن ماجه سننه، وجمع وصنف وتفنن في العلوم، وثابر على القُرَبِ، وحدَّث عنه غير واحد من الحفاظ، ووصفه أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد " بأنه شيخ عالم بجميع العلوم، والتفسير، والفقه، والنحو، واللغة، تُوفي سنة 345 هـ. مترجم في " السير " 15/ 463.
(4)
هو الإمام السَّيِّد أبو الحسن علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين الهاشمي العلوي المدني المتوفى سنة 203 هـ.
قال الإمام الذهبي في " السير " 9/ 387 - 388: وكان من العلم والدين والسُّؤْدُدِ =
عليِّ بن محمد بن مَهْرُوَيه، وهو مِن رجالِهم.
وخَرَّجَ حديثَ الحسنِ بنِ سُفيانَ النَّسَوي عن محمد بن بَشَّار بُندار عنه.
وخرَّج حديثَ الحارثِ بن محمد بن (1) أبي (2) أُسامةَ (3)، عن محمد بن علي العَبْدَكي، عن محمد بن يَزْدَاد عنه، وعن عبد الله (4) بن محمد بن بدرِ الكَرْخي، عن أحمدَ بنِ يوسُفَ بن خلَاّد عنه.
وخرَّجَ حديثَ شيخِهِ الحافظ أبي أحمدَ عبدِ الله بن عديٍّ بغير (5) واسطة وأكثرَ عنه، وهو أحدُ رجال السُّنةِ حديثاً ومذهباً، وهو صاحب كتابِ
= بمكانٍ، يقال: أفتى وهو شاب في أيام مالك، استدعاه المأمون إليه إلى خراسان، وبالغ في إعظامه، وصيره ولي عهده، فقامت قيامة آل المنصور، فلم تطل أيامه، وتوفي.
قلت: وعلي بن محمد بن مهرويه: أرَّخَ الذهبي وفاته في " تذكرة الحفاظ " 3/ 849 سنة 335 هـ.
(1)
" محمد بن " ساقطة من (ش).
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
هو الإمام الثقة مسند العراق أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي سلمة التميمي البغدادي صاحب المسند الذي لم يرتبه على الصحابة، ولا على الأبواب، وقد جرد زوائده الحافظ ابن حجر، وأدرجَها في " المطالب العالية " وهو مطبوع في أربعة مجلدات بالكويت. تُوفي سنة 282 هـ في عشر المئة.
قلت: قد نقموا عليه، لأنَّه كان يأخذ الأجرة على الرواية، ولا ضَيْرَ عليه في ذلك، فقد كان محتاجاً، فقد روى غنجار وغيره عن محمد بن موسى الرازي قال: سمعت الحارث بن أبي أسامة يقول: لي ست بنات، أصغرهن بنت ستين سنة ما زوجت واحدة منهن، لأنني فقير، وما جاءني إلا فقير، وكَرِهْتُ أن أزيد في عيالي، وها كفني على الوتد من ثلاثين سنة، خفت أن لا يجدوا لي كفناً. وقال محمد بن محمد بن مالك الإسكافي: سألت إبراهيم الحربي عن الحارث بن محمد، وقلت: إنَّه يأخذ الدراهم، فقال: اسمع منه، فإنه ثقة. مترجم في " السير " 13/ 388.
(4)
في (ش): وعن أبي عبد الله.
(5)
في (ش): من غير.
" الكاملِ في الجرحِ والتعديل "(1).
وخرَّجَ حديثَ الذُّهْليِّ عن أبي العَبَّاس، عن أحمد بن سعيد الثَّقَفي، عنه.
وخرَّجَ حديثَ المَحَامِلي (2) عن عبد الله بن محمد الأسَدي عنه.
وَخَرَّجَ حديت يَحيى القَطَّان عن الأسَدي عن المَحَامِلي (3) عنه.
وخرَّجَ حديثَ الأنْبَارِي (4)، عن مُحمدِ بني الحسنِ بن الفضل بن المَأمونِ عنه.
وَخَرَّجَ حديثَ الكُدَيْمي (5) عن محمدِ بن الحسنِ، عن الأنْبَاري، عنه.
(1) وقد طُبع حديثاً في سبع مجلدات.
(2)
هو القاضي الإمام المحدث الثقة أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان الضبي البغدادي المحاملي، المتوفى سنة 330 هـ.
روى عن خلق كثير، وصار أسند أهل العراق مع التصدر للإفادة والفتيا ستين سنة. مترجم في " السير " 15/ 258 - 263.
وله أمالٍ تسمى بالمحامليات في عدة أجزاء برواية ابن يحيى البيع، وعدد أحاديثها 533 حديثاً، وقد تولى تحقيقها وتخريج نصوصها صاحبُنا الأستاذُ الفاضل إبراهيم بن إبراهيم طه القيسي، ونال بها درجة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود سنة 1405 هـ.
(3)
من قوله: " عن عبد الله " إلى هنا ساقط من (ب).
(4)
هو الإمام الحافظ اللغوي ذو الفنون أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن الأنباري المقرىء النحوي، صاحب التصانيف الكثيرة في القراءات، والغريب، والتفسير، والمشكل، والوقف والابتداء. وكان من أفراد الدهر في سعة الحفظ، يروي بأسانيده، ويُملي من حفظه. توفي سنة 328 هـ. مترجم في " السير " 15/ 274 - 277.
(5)
هو الحافظ المكثر المُعَمَّرُ أبو العباس محمد بن يونس بن موسى القرشي السَّامي الكُديمي البصري، وهو على اتساع دائرته في الحفظ أحدُ المتروكين، كذبه أبو داود، واتهمه بالوضع: ابنُ حبان، وابنُ عدي، والدارقطنى وغيرُهم، وقال الإمام أحمد: كان حَسَنَ الحديث، حَسَنَ المعرفة، ما وُجِدَ عليه إلا صحبتُه لسليمان الشاذَكوني. توفي سنة 280 هـ، وكان من أبناء المئة. مترجم في " السير " 13/ 302 - 305.
وكلُّ هؤلاءِ إلى أمثالٍ لهم كثيرٍ مِنْ حُفَّاطِ الحديثِ، وأئمةِ أهله حِفْظاً واعتقاداً. لكنَّ أحمدَ بن حَنبل بإجماعهم مع طائفةٍ من الشيعةِ وافرةٍ أحفظُهم (1) للحديثِ، وأوثَقُهم فيهِ.
فإنْ كنتَ تَظُنُّ أنَّ جميعُ رجالِ أسانيدِ " أمالي " السادةِ أبي طالبٍ، والمؤيَّد، وأحمدَ بنِ عيسى، وأبي عبد الله الدَّاعي، والمرشدِ بالله، ورجال تفسيرِ المعترضِ الذي جَمَعَ فيه عنْ كُلِّ مَنْ دَبَّ وَدَرَج، أوْثَقُ وأحفظُ من أحمدَ بنِ حنبلٍ، والشافعيِّ، والبُخاريِّ، وأنّهُ ليس فيها إِلَاّ مَنْ هُو أنبلُ مِنْ هؤلاءِ، وأحفظُ، وأعرفُ بالحديثِ، وأوثق فما أحقَّكَ بقولِ المتنبي (2):
ومِثْلُك يُؤْتَى منْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ
…
لِيُضْحِكَ رَبَّاتِ الحجال البَوَاكِيَا
وكيف وقد خَرَّجَ هؤلاء الأئمةُ حديثَ جماعةٍ مُتَكَلَّمٍ فيهم كما هو عادةُ حُفَّاظ الحديثِ، فقد خَرَّجَ مالكٌ حديثَ ابن أبي (3) المُخَارق،
(1) في (أ) و (ش): " وأحفظهم "، وهو خطأ.
(2)
هو في " ديوانه " بشرح العُكبَرِي 4/ 296. وروايته فيه: " ربات الحِدَاد ". وهو آخر بيت من قصيدة يهجو بها كافوراً، مطلعها:
أُريك الرِّضَا لو أخْفَتِ النفسُ خافيا
…
وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا
و" ربات الحجال ": لابسات الحداد، وهي ثياب سود تلبسها النساء ربات الحزن، وهن اللواتي مات أزواجهن.
(3)
أبي سقطت من (ب) واسمه عبدُ الكريم بن أبي المخارق. قال يحيى: ليس بشيء، وقال أحمد: قد ضربت على حديثه، هو شبه المتروك، وقال النسائي، والدارقطني: متروك، وقال أبو عمر بن عبد البر: بصري لا يختلفون في ضعفه، إلا أن منهم من يقبله في غير الأحكام خاصّة، ولا يحتج به، وكان مؤدب كتاب، حسنَ السَّمْت، غَرَّ مالكاً منه سَمتُه، ولم يكن من أهل بلده فيعرفه، كما غَرَّ الشافعيَّ من إبراهيم بن أبي يحيى حِذْقُه ونباهتُه، وهو أيضاًً مُجْمَع على ضعفه، ولم يخرج مالك عنه حكماً، بل ترغيباً وفضلاً.
وقال أبو الفتح اليعمري: لكن لم يخرج مالك عنه إلا الثابَت من غير طريقه: "إذا لم =
والشافعيُّ حديثَ ابن أبي يَحيى (1)، والزَّنْجي (2)، وأحمد حديثَ عامرِ بنِ صالحٍ (3) وغيرِهِ، وقُدِح (4) في كثيرٍ مِنْ رُواةِ (5) البُخاريِّ ومُسلمٍ.
وكذلِكَ قد رَوَى بعضُ أئمةِ الزَّيدية عليهم السلام عن محمد بن محمدِ بن الأشْعثِ الكُوفي (6) المتأخرِ، لا التابعيِّ الثائرِ بدم الحُسين عليه
= تستحِ فاصنع ما شئت"، و" وضع اليمنى على اليُسرى في الصلاة " وقد اعتذر لما تبيَّن أمره، وقال: غَرَّني بكثرةِ بكائه في المسجد أو نحو هذا.
وقد مات هو وعبد الكريم الجزري الحافظ الثقة في عام سبعة وعشرين ومئة، واشتركا في الرواية عن سعيد بن جبير، ومجاهد، والحسن. وروى عنهما الثوري، وابن جريج، ومالك، فقد يَشْتبهَانِ في بعض الروايات.
(1)
هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم أبو إسحاق المدني. قال الحافظ في " التقريب ": متروك، ومع ذلك فقد روى عنه الشافعي، وأكثر الاحتجاجَ به، وقال: لأن يَخِر إبراهيمُ من بُعْدٍ أحبُّ إليه من أن يكذب، وكان ثقة في الحديث. وانظر تفصيل القول فيه في " تهذيب الكمال " 2/ 184 - 191.
(2)
هو مسلم بن خالد بن فروة المخزومي مولاهم الزنجي المكي الفقيه، وصفوه بكثرة الغلط وسوء الحفظ، من رجال " التهذيب ".
(3)
هو عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام الزبيري أبو الحارث المدني، سكن بغداد. قال الذهبي في " الميزان " 2/ 360: واهٍ، لعل ما رَوَى أحمدُ بن حنبل عن أحد أوهى من هذا، ثم إنَّه سئل عنه، فقال: ثقة، لم يكن يكذب، وقال ابن معين: كذاب، وقال الدارقطني: يترك، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو داود: سمعتُ يحيى بن معين يقول: جُنَّ أحمد يحدث عن عامر بن صالح، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، ما أرى بحديثه بأساً، كان يحيى بن معين يحمل عليه، وأحمد بن حنبل يروي عنه، وقال ابن عدي: عامة حديثه مسروق من الثقات، وأفراد ينفرد بها، وقال الزبير بن بكار: كان عالماًَ بالفقه، والحديث، والنسب، وأيام العرب، وأشعارها، وتُوفي في بغداد في خلافة هارون الرشيد.
(4)
في (ش): " وقد خرج "، وليس بشيء.
(5)
تحرف في (ش) إلى: الرواة.
(6)
هو محمد بن محمد بن الأشعث أبو الحسن الكوفي، قال ابن عدي في " الكامل " 6/ 2303: مُقيمٌ بمصر، كتبت عنه بها، حمله شدة ميله إلى التشيع أن أخرج لنا نسخةً قريباً من ألف حديث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده، عن آبائه بخط طري على كاغد جديد، وعامتها مسندة مناكير كلها أو عامتها، فذكرنا روايته هذه =
السَّلامُ، وحديثَ داودَ بنِ سُليمان الغازي (1)، وحُسينِ بن علوان الكلْبي (2) وأبي خالدٍ الوَاسِطي (3) ............
= الأحاديث عن موسى هذا لأبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان شيخاً من أهل البيت بمصر، وهو أخو الناصر، وكان أكبر منه، فقال لنا: كان موسى هذا جاري بالمدينة أربعين سنة ما ذكر قَطُّ أنَّ عنده شيئاً من الرواية، لا عَنْ أبيه، ولا عن غيره.
ثم ذكر له عدة أحاديث موضوعة، ثم قال: وهذه النسخة كتبتُها عنه، وهي قريبة من ألف حديث، وكتبت عامتَها عنه، والأحاديث وغيرها مِن المناكير في هذه النسخة، وفيها أخبار مما يُوافق متونُها متونَ أهل الصدق، وكان متّهماً في هذه النسخة، ولم أجد له فيها أصلاً، كان يخرج إلينا بخط طريٍ وكاغَدٍ جديد.
وقال السهمي في " سؤالاته " ص 101: وسألت أبا الحسن الدارقطني عن محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي، فقال: آية من آيات الله، ذلك الكتاب هو وضعه، يعني العلويات.
قال الحافظ في " اللسان " 5/ 362: وقد وقفت على بعض الكتاب المذكور، وسماه السنن، ورتبه على الأبواب كله بسند واحد، وأورد الدارقطني في " غرائب مالك " من روايته حديثاًً، وقال: كان ضعيفاً.
(1)
قال الإمام الذهبي في " الميزان " 2/ 8: داود بن سليمان الجرجاني الغازي عن علي بن موسى الرِّضا وغيره، وكذبه يحيى بن معين، ولم يعرفه أبو حاتِم، وبِكُل حال فهو شيخ كذاب، له نسخة موضوعة عن علي بن موسى الرِّضا رواها عنه علي بن محمد بن مهرويه القزويني الصدوق عنه
…
(2)
روى عن الأعمش، وهشام بن عروة، كذبه يحيى بن معين، وقال علي بن المديني: ضعيف جداً، وقال أبو حاتم، والنسائي، والدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبان في " المجروحين " 1/ 244 - 245: كان يضع الحديث على هشام وغيره وضعاً، لا يحل كتابةُ حديثه إلا على جهةِ التعجب، كذبه أحمد رحمه الله، وقد ذكر له عدة أحاديثَ موضوعة، وكذا الإمامُ الذهبي في " الميزان " 1/ 542 - 543، منها " أربعٌ لا يشبعن مِن أربع: أرضٌ مِن مطر، وعينٌ مِن نظر، وأنثى مِن ذكر، وعالمٌ من علم " قال الذهبي: قلت: وكذابٌ مِنْ كَذِبٍ.
(3)
هو عمرو بن خالد القرشي، مولى بني هاشم، أصلُه من الكوفة، انتقل إلى واسط، روى عن زيد بن علي بن الحسين نسخة، وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وفطر بن خليفة، وحبيب بن أبي ثابت، والثوري، وأبي هاشم الرماني وغيرهم.
كذبه غير واحد من الأئمة، وقال أحمد، والنسائي، والدارقطني: متروك، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، ذاهب الحديث، لا يُشتغل به. مترجم في " التهذيب ".
...... إلى أمثالٍ لَهُم (1) كثيرين نَظَمَهم (2) أمالي السادةِ المذكورينَ.
وخَرَّجَ الهادي عليه السلام في الأحكامِ حديثَ حُسينِ بنِ عبدِ الله بن ضمَيْرة فأكثرَ، وحديث أبي هارونَ العَبْدي، واسمُه عُمارةُ بن جُوَين. وكذلك روى القاسمُ عن هذين.
ورَوَى الهادي عليه السلام في " المنتخب " عن كادحِ بن جعفرٍ (3)، وأبي بكرِ بن أبي شَيبة، وعن عَمرو بنِ شعيب، عن أبيهِ، عن جَدِّه، وعن حُسينِ بنِ عبدِ الله بن عُبَيْدِ الله (4) بنِ العباس وصَحَّحَ حديثَهُ، وعن أبي الزّبيرِ التَّابعي.
وَرَوى الناصر عليه السلام عن محمد بن عليِّ بن خلف العَطَّار.
وَرَوَى القاسمُ عليه السلام عن ابنِ أبي أُويس (5) عن حُسينِ بن عبد اللهِ بن ضُميرة وأكثر (6).
(1) في (ش): أمثالهم.
(2)
في (ب): تضمنهم.
(3)
مترجم في " الجرح والتعديل " 7/ 176 قال أحمد: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: كان من العباد، وكان كوفياً، فوقع إلى مصر، فسمع من ابن لهيعة وغيره، وهو صدوق، وذكره ابنُ شاهين في " الثقات " ص 274، وانفرد الأزديُّ بتضعيفه، وقول الصنعاني في " توضمِح الأفكار" 1/ 321: في الميزان رجلان، كل واحد منهما اسمه كادح بن جعفر، سبق قلم منه، فإنه لا يوجد فيه إلا واحد، وهو هذا، وأما الثاني فاسمه كادح بن رحمة.
(4)
" بن عبيد الله " سقطت من (ش).
وحسين هذا من رجال " التَّهذيب " روى له الترمذي، وابن ماجه، وهو ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره، وقال ابن عدي: أحاديثه يُشبه بعضُها بعضاً، وهو ممن يُكتب حديثه (أي: للمتابعة)، فإني لم أجد في أحاديثه حديثاً منكراً قد جاوز المقدارَ.
(5)
تحرف في (أ) إلى " أوس "، وهو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي. وقد تقدم التعريف به 2/ 92 و338.
(6)
في (ب): " فاكثر ".
وقد أثنى الإِمامُ المنصورُ باللهِ عليه السلام على أحمدَ بنِ حنبل في " المجموعِ المَنْصوري " في الدعوة العامة إلى جيلان ودَيْلَمَان، وعلى سائرِ أئمةِ الفقهاءِ الأربعةِ، وصرَّحَ الإِمامُ المنصورُ (1) عليه السلام فيها بصحةِ مُوالاتِه لأهلِ البيتِ عليهم السلام، وليسَ تَصِحُّ موالاتُه لَهم مع صحةِ تكفيرِهم لَه وتكفيره لَهُم، فهذا أعظمُ العداوةِ وأشدُّ المُبَاينةِ، وسيأتي لهذا مَزيدُ بيانٍ.
والعجبُ من المعترضِ أنَّه كَفَّرَ الرازيَّ، وقال: إنَّهُ وأصحابَه كُفَّارُ عَمْدٍ وتصريحٍ لا خَطأ ولا تأويلٍ، وبعد ذكرِ (2) ذلكَ أكثرَ من تفسيرِ كلام (3) الله تعالى بكلامِه، وشَحَنَ تفسيره بنقلِه، وتَجَاسَرَ على روايةِ فضائلِ السُّوَرِ الموضوعةِ مع اتفاقِ عُلماء الأثرِ على وضعِها، ومعرفتِه بذلك، فإنَّه ممَّنْ يعرِفُ ما ذكرَ (4) ابن الصَّلاحِ في ذلك (5). ثم مع هذا
(1)" المنصور " ساقطة من (ش).
(2)
" ذكر " لم ترد في (ش).
(3)
في (ب): كتاب.
(4)
في (ب): ذكره.
(5)
قال في " المقدمة " ص 90 - 91: ثم إن الواضع ربما صنع كلاماً من عند نفسه، فرواه، وربما أخذ كلاماً لبعض الحكماء أو غيرهم، فوضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما غلط غالط، فوقع في شبه الوضع من غير تعمد، كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث:" من كثُرَتْ صلاتُه بالليلِ، حَسُنَ وجهُه بالنهار ". مئال: رُوِّينا عن أبي عصية -وهو نوح بن أبي مريم- أنَّه قيل له: من أين لك عن عكرمة، عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، فقال: إني رأيتُ الناسَ قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعتُ هذه الأحاديث حُسْبَة، وهكذا حال الحديث الطويل الذي يُروى عن أُبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة فسورة، بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه، وإن أثر الوضع لبَيِّنٌ عليه، ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم، والله أعلم.
وفي " المنار " لابن القيم ص 113: ومنها ذكر فضائل السور وثواب من قرأ سورة كذا، فلَهُ أجرٌ كذا من أول القرآن إلى آخره، كما ذكر ذلك الثعلبي، والواحدي في أول كل سورة، والزمخشري في آخرها، قال عبد الله بن المبارك: أظن الزنادقة وضعوها.
كلِّهِ يَعيبُ على المُحَدِّثينَ قبولَ مثلِ الشافعيِّ، ومالكٍ، وأحمدَ، والبُخاريِّ، وما أعَلَمُ أفحشَ من هذه العصبيةِ، ولا أكثرَ غَفْلةً مِمَّنْ صَدَرَ عَنْهُ، فاللهُ يُلْهِمُه إلى الرجوعِ من ذلكَ، والإنابةِ عَنه، وقد بَلَغني ذلك (1)، والمرجوُّ صحتُه، حَقَّقَهُ الله تعالى، وخَتَم لنا معاً بالحُسنى والموافقةِ على ما يُحِبُّهُ (2) ويرضاه (3).
وقد تحامَلَ هذا المعترِضُ على أئمةِ الفُقهاءِ الأربعةِ، فأثارَ نشاطي إلى بَذلِ الجُهدِ في بيانِ نزاهتِهم عمّا وَصَمَهُم به، ولا سيَّما أحمدُ بنُ حنبل، فإنَّه تَجاسَرَ على تكفيرِه، فأبتدِىءُ بالذبِّ عَنْهُ مع التنبيهِ على عُلُوِّ (4) محلِّه في الإسلامِ، وصِحَّة موالاتِه لأهلِ البيتِ عليهم السلام، وأنه (5) جديرٌ بالذَّبِّ عنه والاحترامِ، وذلكَ يَتبينُ بذكرِ أربعةِ فُصولٍ.
الفصلُ الأولُ: في ردِّ كلامِ المعترِضِ على قواعدِ أهل مذهبِهِ خاصةً، وغيرِهم مِنْ عُلماءِ الإسلامِ عامةً.
فأقولُ: إنْ كانَ يُريدُ بما ذَكَرَه القَدْح في روايتِه، فقدْ تَقَدَّمَ القولُ أنَّ ذلك لَا يَقْدَحُ على تقديرِ صحتِه، وأن (6) الصحيح -خاصَّةً على مذاهبِ الزيديةِ- قَبُولُ أهلِ التأويلِ، وإنَّ علماءَ الزيديةِ رَوَوُا الإجماعَ على ذلكَ، وأنَّ مُنتهي القولِ في ذلك أنَّها مسألةٌ ظَنيَّةٌ لا يُعْترَضُ بها أحدٌ، فراجعْ في ذلك ما تَقَدَّمَ، وإِنْ كان يُريدُ القَطْعَ بتكفيرِ هذا الإِمامِ، فذلك لا يَتِمُّ له إلَاّ
(1) في (ب): " ذلك عنه ".
(2)
في (أ): يحب.
(3)
في (ش): ويرضى.
(4)
في (ب): بعلو.
(5)
في (ش) لأنه.
(6)
في (ش): فإن.