المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأصل الرابع: أنهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دعوا الخلق إلى البحث - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٣

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الدعوى الأُولى: ادَّعَى أنَّ أحاديثَ الفقهاءِ متعارضَة في وضع اليَدِ على اليد

- ‌الدعوى الثانية: ادَّعى أنَّ العُمُومَ يعارِضُ الخصوصَ إذا جُهِلَ التاريخُ

- ‌الوجه الرابع: سلَّمنا أنا لَمْ نقلْ بجوازِ الجَهْرِ والإخفات معاً

- ‌الوجه السابع: أنَّ الخبَرَ إذا وَرَدَ في شَيْءٍ، ظهر في الأصل ظُهوراً عامَّاً

- ‌الوجه التاسع: سلَّمنا سلامَةَ هذا الحديثِ منْ جميعِ هذِهِ المَطَاعِنِ، فإنَّه حديث مُرْسَل

- ‌الوجه الحادي عشر: أنَّ هذا كُلهُ بناءٌ على أنَّا ما تَمَسَّكْنَا في المسأَلَةِ إلأَ بحديثِ فاسِقِ التَّأْويلِ

- ‌الوجه الثَّاني عشر: أنَّ السيدَ نَصَّ على أنَّا نُرَجِّحُ فُسَّاق التَّأويلِ

- ‌الإِشكال الأول: أنَّ المحدِّثينَ قد نصُّوا على عَكْسِ ما ذَكَرَهُ السيد

- ‌الإشكال الثالث: سلَّمنا للسيدِ أنَّ ذلكَ مَذْهَبُ الأوزريِّ

- ‌الإشكال السَّادسُ: سلَّمنا أنه يلزمُهُم

- ‌ الجواب عَنِ السيِّدِ في هذا مِنْ وُجُوهٍ

- ‌الوجه الثاني: أنَّ السيدَ غَلِطَ على ابنِ الصَّلاحِ، ولم يَنْقُلْ عنه مَذْهَبَه

- ‌ في كلامِ السيدِ هذا مباحثُ

- ‌البحثُ الرَّابعُ: أنَّ السيد ادَّعى على الرجُلِ في أَوَّلِ كلامِهِ أنَّه ادَّعى إجماعَ الفقهاءِ، ثُم ألزَمَهُ هُنا أنْ يَجْمَع لَهُ الأمَّةَ في صَعِيدٍ واحِدٍ

- ‌البحثُ السَّادِسُ: أنَّه ادَّعى إجماع العُلمَاءِ

- ‌البحث السابع: أنَّك إمَّا أنْ تُنْكِر الإجماعَ السُّكُوتيَّ أم لا

- ‌البحث التاسع: يتفضَّلُ السَّيِّدُ ويخبرُنا مَنِ الذي يقولُ مِنْ أهلِ البَيْتِ بطلاقِ زوجة هذا الحَالفِ

- ‌البحث العاشر: أنَّ الظَّاهِرَ إجماعُهم عليهم السلام على ذلِكَ

- ‌البحث الثالث عشر: أنَّه لا طريقَ إلى العِلْمِ بِأنَّ الحديثَ المُتَلَقَّى بالقَبُول هوَ بِنَفْسِهِ لفظُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ المضعَّف عليهما نوعان

- ‌النوع الأول: المعلولُ

- ‌ الجواب على هذا مِنْ وجوهٍ

- ‌الوجه الأول: أن كلامَ السيد في المسألة الأولى دالٌّ دِلَالَة واضِحَة على أنَّه يَدَّعِي أنَّه غير مجتهِدٍ، بل يدعي أنَّه لا مجتهدَ في الزَّمان

- ‌الوجه الثاني: أن نَقول: ما مُرَادك بهذا الإنتاج

- ‌الوجه الثالث: أنْ نقولَ: ما قصدُك " ويُستفتى مَنْ ليْس بعَلِيم

- ‌ في كلام السيدِ هذا أنظار

- ‌النظر الأول: أنه تعرَّض لتفسير كلامِ المؤيَّد باللهِ مِنْ غيرِ غَرَابَةٍ في ألفاظِهِ

- ‌النظر الثاني: أنَّ السيدَ في كلامه هذا قد أجاز التَّرجيح بالأخبار لبعضِ المُقَلِّدين

- ‌النَّظر الثالث: أنِّي لَمْ أُوجِبِ الترجيح بالأخبار على جميع المكلَّفين مِنَ العامَة

- ‌النظر الخامس: أنَّه وعد بضربِ مَثَلٍ، ولم يأتِ بما يَصْلُحُ أن يُسَمَّى مثلاً مضروباً عِنْدَ البُلغاءِ

- ‌ ضَعْفُ كلامِ السيِّدِ في هذا يتبيَّنُ بأنظار

- ‌النظر الأول: أنَّه مَنَعَ مِنْ جوازِ التَّرجيح للمقلِّدِ في كُلِّ مسألة

- ‌الوهم الأول: أنَّه عَوَّلَ على إجماعِ العامَّة المقلِّدين

- ‌الوهم الثاني: أنا لو سلَّمنا أنَّ إجماعُهم صحيحٌ، لما دلَّ على مذهبه

- ‌الوهم الثالث: وَهم أنَّ المقَلِّدِينَ مُجمعون على الالتزام

- ‌النظر السادس: قول السَّيِّد: إنَّ هذا لو وقع في زماننا، لأنكره النَّاس، عجيب أيضاً

- ‌النظر السابع: أنَّ السيِّدَ جاوزَ حدَّ العادة في الغُلُوِّ

- ‌النَّظر الأول: أنَّ السيدَ استدلَّ، ثم استثنى

- ‌النظر الثاني: أنَّ ما جاز في ذلك على المقلِّدِ جاز على المجتهد

- ‌النَّظر الرابع: أنَّ كلامَه في هذا الفصل يستلزِمُ اشتراطَ السَّفرِ والخطرِ في صِحَّة الاجتهاد

- ‌ الجواب على ما ذكره من وجوه:

- ‌الوجه الرابع: أنَّ اعتراضَ كتبِ الحديث الصَّحاح بأنَّ فيها ما ليس بصحيح عندَ غيرهم، عمَلُ منْ لم يعْرِفْ ما معنى الصحيح عند أهله

- ‌القسمُ الأول: ما يتعلَّقُ بأحكامِ التَّحليل والتَّحريم المشهورة مِنْ روايةِ الثِّقات

- ‌الحديث الأول: تحريمُ الوَصْلِ في شعور النِّساء

- ‌الحديث الثاني: "لا تَزَالُ طائفَةٌ منْ أُمَّتِي ظَاهِرينَ عَلى الحَقِّ

- ‌الحديثُ الثالث: النَّهي عن الركعتين بَعْدَ العصر

- ‌الحديثُ الخامس: "إنَّ هذا الأمْرَ لا يزالُ في قُرَيْشٍ

- ‌الحديثُ السادس: حدُّ شارب الخمر

- ‌الحديث السابع: النَّهي عن لباس الحرير، والذَّهب، وجلودِ السِّباع

- ‌الحديثُ الثامن: حديثُ افتراق الأمَّةِ إلى نَيِّفٍ وسبعين فِرقة

- ‌الحديث التَّاسع: النَّهي عن سبق الإمام بالرُّكوع والسُّجود

- ‌الحديث العاشر: النَّهي عن نِكَاح الشِّغارِ

- ‌الحديث الثاني عشر: حُكْمُ مَنْ سَهَا في الصلاة

- ‌الحديث الثالثَ عشر. النَّهيُ عَنِ النِّيَاحة

- ‌الحديث الرابعَ عشر: النَّهي عَنِ التَّمادح

- ‌الحديث الخامسَ عشر: النَّهي عن كُلِّ مسكر

- ‌الحديثُ السادسَ عشر: كراهةُ رضى الدَّاخِل على القوم بقيامهم له

- ‌الحديث السابعَ عشر: النهي عن تتبع عوراتِ الناس

- ‌الحديث الثامنَ عشر: النَّهي عَنِ القِران بَيْنَ الحجِّ والعُمرة

- ‌الحديث الموفي عشرين: روى عن أخته أمِّ حبيبةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي في الثَّوب الذي يُجَامِعُها فيه ما لم يَرَ فيه أذىً

- ‌الحديثُ الأول: فَضْل إجابة المُؤَذِّنِ

- ‌الحديث الثالث: في فضل حِلَقِ الذِّكر والاجتماعِ عليه

- ‌الحديث الرابع: النَّهي عن الغَلوطات

- ‌الحديث السادس: فضل حُبِّ الأنصار

- ‌الحديث الثامن: " المؤذِّنُونَ أطْولُ النَّاسِ أعنَاقَاً يوْمَ القيامَةِ

- ‌الحديث العاشر: تحريم وصل الشعر على النساء

- ‌الحديث الحادي عشر: " العَيْنَانِ وِكاءُ السَّه

- ‌القسم الثالث: ما يُوَافِقُ مذهبَ المعترِضِ من حديثه

- ‌الحديث الثاني: النَّهْي عن لباسِ الذَّهب إلا مُقَطَّعاً

- ‌القسمُ الرابعُ: ما يتعلَّقُ بالفضائل، مما ليس بمشهور

- ‌الحديث الثالث: حديثُ الفصل بَيْنَ الجُمُعَةِ والنّافلة بعدَها بالكلام

- ‌الحديث الرابع: " كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أنْ يَغْفِرَهُ إلا الشِّرْكَ باللهِ، وَقَتْلَ المُؤْمِنِ

- ‌القسم الخامس: ما لا يتعلَّق به حُكْمٌ

- ‌الحديث الأول: حديث وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وستِّين

- ‌فإن قلت: فما الوجه في روايتهم عنه؟فالجواب من وجهين:

- ‌الجوابُ من وجهين معارضةٌ وتحقيق

- ‌الوجه الثاني: التَّحقيق، وبيانُه أنْ نقولَ: توهم السَّيِّدُ أنَّ الشهادةَ على الزِّنى إذا لم يتمَّ نِصَابُها كانت قذفاً

- ‌الوهم التاسع: قال: ومنهم الوليد بنُ عقبة

- ‌الوهم العاشر: توهَّم السَّيّدُ أنّ الوليد منَ الرُّواة المعتمدين في الصِّحاح في الحديث عند أبي داود

- ‌الوهم الحادي عشر: ذكر السيِّد أنَّ الوليد مذكورٌ في غير " سُننِ أبي داود " من كتب الحديث، وهذا الوهم أفحشُ مِنَ الذي قبلَه

- ‌الوهم الثالث عشر: قال: ومنهم أبو موسى الأشعري نَزَعَ علياً الّذي ولّاه الله ورسوله

- ‌ ونَزيدُ على هذا وجوهاً

- ‌الوجهُ الأولُ: بيانُ القَدْح في أصلِ هذه الروايةِ

- ‌الوجهُ الثاني: المعارضةُ لذلك بثناءِ الإمام المنصورِ بالله على أحمدَ

- ‌الوجهُ الثالثُ: المعارضةُ لذلكَ من روايةِ الحنابلةِ وأهلِ الحديثِ

- ‌ ولنختم هذا الفصل بتنبيهين

- ‌التنبيه الثاني: ينبغي التأمُّلُ لَهُ، وذلك أنَّه قد يقع التَّساهلُ في نقل المذاهبِ مِنْ أهلِ كُتب المِلَلِ والنِّحَلِ

- ‌الفصل الثاني: في تحقيق مذهبِ أحمدَ بنِ حنبل وأمثالِه مِنْ أئِمَّة الحديث، وهُم طائفتان

- ‌أحدهما: القولُ بأنَّ النَّظر فيما أمر اللهُ تعالى بالنظر فيه

- ‌ثانيهما: أنَّهم يُنكرون القولَ بتعيُّنِ طرائقِ المنطقيِّين والمتكلِّمين للمعرفة

- ‌الوظيفة الأولى: التقديس:

- ‌الوظيفة الثانية: الإِيمانُ والتصديق:

- ‌الوظيفة الثالثة: الاعتراف بالعجزِ عن معرفةِ حقيقة هذه المعاني

- ‌ الوظيفة الرابعة: السُّكوت

- ‌ الموضعُ الثالث: تأويلُ العالِمِ مع نفسِه في سِرِّ قلبه

- ‌الوظيفةُ السابعة: التسليمُ لِقولِ الله تعالى، ولحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الأصلُ الرابع: أنَّهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دَعَوا الخَلْقَ إلى البحث

- ‌ فصل: ولعلك تقول: الكف عن السؤال، والإمساك عن الجواب من أين يغني

- ‌ فإن قيل: بم يميز المقلد بين نفسه، وبين اليهودي المقلِّد

- ‌الرابع: من المعلوم أيضاً أن في كل طائفة عظيمة بلهاء بُلداء، وإنّ في الزيدية

- ‌السادس: أنّ الفلاسفة تدَّعي من التَّحذلق مثل ما أنت مُدَّعٍ

الفصل: ‌الأصل الرابع: أنهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دعوا الخلق إلى البحث

الأكابرَ في فِهم كلامه، وإدراك مقاصدِه، أو تَتَّهمونهم في إخفائه وسَتْره بعد الفَهْمِ، أو تتَّهمونهم في معاندته من حيث العمل، ومخالفته على سبيل المكابرة مع الاعتراف بتفهُّمه وتكليفه، فهذه الأمور لا يَتَّسِعُ لعاقل (1) ظنها.

‌الأصلُ الرابع: أنَّهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دَعَوا الخَلْقَ إلى البحث

، والتفتيشِ (2)، والتَّنقير، والتَّأويل، والتَّعرض (3) لمثل هذه الأمور، بل بالغوا في زجر مَنْ خاض فيه، وسأل عنه على سبيل ما سنذكره عنهم. فلو كان ذلك مِنَ الدِّين، أو مِنْ مدارك علوم الدِّين، لأقبلوا عليه ليلاً ونهاراً، ودعَوْا إليه أولادَهم وأهليهم، ولَشَمَّروا عن ساقِ الجَدِّ في تأسيسِ أُصوله، وشرحِ فُروعه وقوانينه تشميراً أبلغَ مِنْ تشميرهم في تمهيد قواعدِ الفرائضِ والمواريثِ، وتمثيلهم لذلك، وسؤالِ بعضهم المباهلة فيها، وتقاسمهم فيها (4)، ويَناظرهم عليها، ونذكر ها هنا تمثيلَ عليٍّ، وزيدٍ رضي الله عنهما للجَدِّ والأخوة، وقولَهم في الكلالة، وقولَهم في الجَدِّ، إلى سائر ذلك، فيعلم بالضرورة مِنْ هذه الأُصول أنَّ الحَقَّ ما قالوه، والصوابَ ما أرادوه، ولا سِيَّما وقد أثنى عليهم صلوات الله عليه، فقال:" خَيْرُ الناسِ قرْني، ثمَّ الذين يَلونَهُمْ، ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ "(5).

البرهان الثاني: وهو التَّفصيلي، وهو أنْ نقول: ادَّعينا أنَّ الحقَّ هو

(1) في (ب): تسع لعاقل.

(2)

في (أ): " والتنفيس " وهو تحريف.

(3)

في (ش): والتعريض.

(4)

في (أ) و (ب): " تقاسيمهم فيها "، وهي ساقطة من (ش).

(5)

تقدم تخريجه في 1/ 182 و377.

ص: 375

مذهبُ السلَفِ، وأنَّ مذهبهم (1) هو توظيفُ الوظائف السَّبع، وقد ذكرنا بُرهان كُلِّ وظيفة منها، فَمَنْ خالَفَ، فليت شعري، أَيُخَالِف في قولنا الأول: إِنه يجبُ تقديسُ الله وتنزيهه عَنِ المخلوقات ومشابهتها، أم في قولنا الثاني: إِنه يجبُ عليه التَصديق والإِيمان بما قاله الرَسولُ صلى الله عليه وسلم على المعنى الذي أراده؟ أم في قولنا الثالث: إنَّه يجبُ عليه الاعترافُ بالعجز عن كُنْهِ ذات الله تعالى وصفاته؟ أم في قولنا الرَّابع: إِنه يجبُ عليه السُّكُوتُ عَنِ السُّؤال، والخوض فيما وراء طاقته؟. أم في قولنا الخامس: إنه يجبُ عليه إمساكُ اللِّسانِ عن تعبير الظَّواهر بالزِّيادة والنُّقصان؟ أم في قولنا السَّادس: إنَّه يجب عليه كفُّ القلبِ عَن التَفَكُّر فيه مع عجزه عنه، وقد قال لهم (2) عليه السلام:" تَفَكَّرُوا في خَلْقِ الله وَلَا تَفَكَّروا في ذاتِ اللهِ "(3)؟ أم في قولنا السابع: إِنه يجبُ عليه التسليم لله تعالى، ولرسوله

(1)" أن مذهبهم " ساقطة من (ش).

(2)

في (ش): علي.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في " العرش " فيما ذكره السخاوي في " المقاصد الحسنة " ص 159، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ص 420 عن ابن عباس قوله بلفظ:" تفَكَّروا في كُلِّ شيء ولا تفكَّروا في اللهِ ". وفي سنده عاصم بن علي، وأبوه، وهما ضعيفان، وعطاء بن السائب، وهو مختلط.

وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 6/ 66 - 67 عن عبد الله بن سلام مرفوعاً بلفظ: " لا تفكَّروا في الله، وتفكروا في خلقِ الله

" وفي سنده عبد الجليل بن عطية، وشهر بن حوشب، وكلاهما ضعيف.

وأخرجه اللالكائي في " السنة "(927)، والبيهقي في " الشعب " من حديث ابن عمر مرفوعاًً:" تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله عز وجل " وفي سنده الوازع بن نافع، وهو متروك، وبعضهم اتهمه.

وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " 10/ 192/1 وفيه مجاهيل ومن هو متهم بالوضع.

ومع هذه الأسانيد الشديدة الضعف شبه الموضوعة، فقد ذهب إلى تحسين متنه بعضُ من ينتحل صناعة الحديث في عصرنا في " صحيحته "(1788).

ص: 376

- صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه النَّاقلين عنه لوازم الشَّريعة.

فهذه الأمور بيانُها برهانُها، ولا يَقْدِرُ أحد على جَحدها، وإن كان كارهاً، إن كان من أهل التَّمييز، فضلاً عَنِ العُقلاء العلماء، فهذه هي البراهين العقلية.

النمط الثاني: البرهان السمعي على ذلك، وطريقه أن نقول: الدليلُ على أنَّ الحق هو مذهبُ السلف: أنَّ نقيضَه بدعةٌ، والبدعةُ مذمومةٌ، وضلالة، والخوضُ في التأويل بدعة، فكان نقيضُه -وهو (1) الكف عن ذلِك- سنَّة محمودة، فهذه ثلاثة أصول:

أحدها: أنَّ البحث والتفتيش والسُّؤال عن هذه الأمور بدعة.

الثاني: أنَّ كل بدعةٍ مذمومةٌ.

الثالث: أنَّ البدعة إذا كانت مذمومة كان نقيضُها -وهو (2) السُّنَّة القويمةُ- محمودةً، ولا يُمْكنُ النِّزاعُ في شيْء من هذه الأصولِ، وإذا (3) سُلِّمَ، أنتج (4) أنَّ الحقَّ مذهبُ السلَفِ.

فإن قيل: لِمَ تُنكرون على من يمنعُ كونَ البدعة مذمومة، أو يمنع (5) كونَ البحثِ والتفتيش بدعة، فَيُنَازع في الأصلين الأولين، ولا يُنازع في الثَّالث لظهوره؟

فالجواب (6) أن نقول: الدليلُ على إثباتِ الأصلِ الأولِ: اتفاقُ

(1) في (ش): هو.

(2)

في (ش): كانت نقيضتها وهي.

(3)

في (ش): فإذا.

(4)

في (ش): أبيح، وهو تصحيف.

(5)

في (ش): يمتنع، وهو خطأ.

(6)

في (ش): والجواب.

ص: 377

الأمَّة قاطبةً على ذمِّ البدعة، وزجرِ المبتدع، وتعييرِ من يُعْرَفُ بالبدعة، وهذا مفهومٌ على الضرورة مِنَ الشَّرع، وذلك غير واقعٍ في محل الظن، وذَمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم البدعة عُلِمَ بالتَّواتر بمجموع أخبارِ آحاد تُفِيدُ العلمَ القطعيَّ جملتُها، وإِن كان الاحتمالُ يتطرق إلى آحادها، وذلك كَعِلْمنَا بشجاعةِ عليٍّ عليه السلام، وسخاءِ حاتِم، وحُبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، وبِمَا جرى مجراه، فإنَّه عُلِمَ قطعاً بأخبارِ آحادٍ بلغت في الكثرة مبلغاً لا يحتمل كَذِبُ ناقِلِها، وإِن لم تكن آحادُ تلك الأحاديث متواترةً مثل ما رُوِيَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال (1):" عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدي، عَضُّوا عَلَيْها بالنوَاجذ، وإيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ، فَإِنَّ كل مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ، وَكل بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ "(2).

(1)" أنَّه قال " ساقطة من (ش).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 126 - 127، وأبو داود (4607)، والآجري في " الشريعة " ص 46، وابن أبي عاصم (32) و (57) من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، حدثني خالد بن معدان، حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر الكلاعي قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممن نزل فيه:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} فسلمنا، وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: صَلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسولَ الله كأن هذه موعظةٌ مُودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال:" أُوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عَبْداً حَبشياً، فإنه منْ يعِشْ منكم بعدي فسيَرَى اختلافاً كثيراً، فعليكُم بسُنَّتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة ".

وصححه ابن حبان (5)، وأخرجه الترمذي (2676)، والطحاوي في " مشكل الآثار " 2/ 69، وابن أبي عاصم (54)، وابن ماجه (44)، والدارمي 1/ 44، والآجري (47) من طرق عن ثور بن يزيد، به. إلا أنهم لم يذكروا حجر بن حجر، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الحاكم 1/ 95، ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابن ماجه (43) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، والآجري ص 47 من طريق أسد بن موسى، كلاهما عن معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، عن عبد الرحمن بن =

ص: 378

وقال صلى الله عليه وسلم: " اتَّبعوا ولا تَبْتَدِعُوا، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قبلَكمْ لمَّا ابْتَدَعُوا في دِينِهِمْ، وَتَرَكُوا سُنَنَ أَنْبيَائِهِمْ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا "(1).

وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا ماتَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ، فقَدْ فُتِحَ عَلى الإسلامِ فَتْحٌ "(2).

وقال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ مَشَى إلى صَاحِبِ بِدْعَةٍ لِيُوَقِّرَه، فَقَدْ أَعَان عَلى هَدْمِ الإِسْلَامِ "(3).

= عمرو السلمي، عن العرباض

وأخرجه ابن أبي عاصم (27)، والبيهقي 6/ 541، والترمذي (2676) من طريق بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو، عن العرباض.

(1)

أخرجه الدارمي 1/ 69، وابن وضاح ص 10، والطبراني في " الكبير "(8770) من طرق عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال عبد الله بن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم. وأورده الهيثمي في " المجمع " 1/ 181، ونسبه للطبراني، وقال: ورجاله رجال الصحيح.

(2)

أخرجه الخطيب في " تاريخه " 4/ 158 - 159 من حديث أنس بن مالك، وفيه أحمد بن روح، وهو مجهول، وشيخه فيه عمرو بن مرزوق كان يحيى القطان لا يرضاه في الحديث.

وأخرجه أيضاً من طريق آخر فيه محمد بن عمر بن خلف الوراق، وهو ضعيف جداً، وشيخه فيه محمد بن السري يروي المناكير والبلايا.

(3)

أخرجه أبو نعيم 5/ 218 من حديث عبد الله بن بسر، وفي سنده أحمد بن معاوية، قال ابن عدي: حَدَّث بأباطيلَ، وكان يسرقُ الحديث.

وأخرجه ابن عدي في " الكامل " 2/ 498، وفي سنده بهلول بن عبيد الكندي، قال أبو حاتم: ضعيف الحديث ذاهب، وقال أبو زرعة: ليس بشيء، وقال ابن حبان: يسرق الحديث، وقال ابن عدي: ليس بذاك.

وأخرجه أيضاً ابن عدي 2/ 736 من حديث عائشة، وفيه هشام بن خالد الأزرق: قال الذهبي: من ثقات الدماشقة، لكن يروج عليه، وشيخه فيه الحسن بن يحيى الخشني قال ابن معين: ليس بشيء، وقال دُحيم: لا بأسَ به، وقال أبو حاتم: صدوق سيىء الحفظ، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك.

وأخرجه من حديث معاذ بن جبل: الطبراني في " الكبير " 20/ 96 من طريق بقية بن الوليد، حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل رفعه. بقية: ضعيف، وخالد بن معدان: لم يسمع من معاذ.

ص: 379

وقال عليه السلام: " مَنْ أعرض عن صَاحِبِ بدْعةً بُغضا له في اللهِ، ملأ اللهُ قلْبه أمناً وإيماناً، ومَنِ انتهر صَاحِبَ بدعةٍ، رفع الله له مئة درجة، ومَنْ سلَّم على صاحب بدعة أو لَقِيَهُ بالبشرى، فَقَد استخفَّ بمَا نُزِّلَ (1) على محمد صلى الله عليه وسلم (2).

" إِنَّ الله لا يَقْبَلُ لِصاحِبِ بِدْعَةٍ صَرْفَاً ولا عَدْلاً، ويَخْرُجُ مِنَ الإِسلامِ كما يَخْرُجُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّة، أو كما يخْرُجُ الشَّعْرُ من العَجِينِ "(3).

قلتُ: هذه الأحاديث غرائبُ أو مناكير، إِلَاّ الأوَّلَ، وفي كُتب الأئمَّة السِّتّة وغيرِهم مِنْ حُفَّاظ الإِسلام ما يغني عنها، ويَزيدُ عليها.

قال الشَّيخ: فهذا وأمثالُه ممَّا تجاوزَ حدَّ الحصر أفاد علماً ضرورياًً بِكَوْنِ البدعةِ مذمومة.

فإن قيل: لا نسلم أنَّ كُلَّ بدعة مذمومة، ولكن ما دليلُ الأصلِ الثاني، وهو أنَّ هذا بدعة؟ والبدعة عبارة عن كلِّ مُحْدَثٍ، فلم قال الشَّافعي رحمه الله: إنَّ الجماعة في التَّراويح بِدْعَةٌ، وهي بدعة حسنة (4)؟ وخوضُ الفقهاء في تفاريع المسائل، ومناظرتهم فيها مع ما

(1) في (ش): أنزل الله.

(2)

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 8/ 200 من طريق الحسين بن خالد، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر رفعه. والحسين بن خالد: قال ابن معين: ليس بثقة، وقال ابن عدي: عامة حديثه عن الضعفاء.

وأخرجه الخطيب في " تاريخه " 10/ 264 من طريق الحسين بن خالد، به. وقال: تفرد بروايةِ هذا الحديث الحسينُ بن خالد، وهو أبو الجنيد، وغيرُه أوثق منه.

(3)

أخرجه ابن ماجة (49) من حديث حذيفة مرفوعاً، وفي سنده محمد بن محصن العكاشي، كذبه ابن معين، وأبو حاتم، وابن حبان، والدارقطني، وأحمد.

(4)

في (ب): مستحسنة.

ص: 380

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال الشافعي: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة، فهو محمودٌ، وما خالف السنة، فهو مذموم.

قال الحافظ في " الفتح " 13/ 253: أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي، وجاء عن الشافعي أيضاً ما أخرجه البيهقي في " مناقبه " 1/ 468 - 469 قال: المحدثات ضربان: ما أحدث يخالف كتاباً، أو سنة، أو أثراً، أو إجماعاً، فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئاً من ذلك، فهذه محدثة غير مذمومة. وأورده شيخ الإسلام في " درء تعارض العقل " 1/ 249، وقال: رواه البيهقي بإسناده الصحيح في " المدخل ".

وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح، عن مجاهد، عن ابن عمر إنه قال إنها (أي: صلاة الضحى) لمحدثة، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا.

وروى ابن أبي شيبة 2/ 406 بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج، عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى، فقال: بدعة، ونعمت البدعة.

وروى عبد الرزاق (4868) بإسناد صحيح عن سالم، عن أبيه قال: لقد قتل عثمان، وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئاً أحب إلي منها.

وقال ابن الأثير في " النهاية " 1/ 106: وفي حديث عمر رضي الله عنه في قيام رمضان: " نعمت البدعة هذه " البدعة بدعتان: بدعة هُدى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيِّز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحضَّ عليه الله أو رسوله، فهو في حيز المدح. وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثواباً، فقال:" من سنَّ سنَّة حسنة، كان له أجرها وأجر من عمل بها "، وقال في ضده:" ومن سنَّ سنة سيئة، كان عليه وزرُها، ووزر من عمل بها " وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه: " نعمت البدعة هذه " لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح، سمَّاها بدعة ومدحها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها لهم، وإنما صلاها ليالي، ثم تركها ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها، ولا كانت في زمن أبي بكر، وإنما عمر رضي الله عنه جمع الناس عليها، وندبهم إليها، فبهذا سمَّاها بدعةً، وهي على الحقيقة سنَّة، لقوله صلى الله عليه وسلم:" عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين من بعدي "، وقوله:" اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " وعلى هذا التأويل يُحمل الحديث الآخر: " كل مُحدثةٍ بدعة " إنما يريدُ ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة، وأكثر ما يستعمل المبتدع عُرفاً في الذَّمِّ.

وقال ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " ص 252 تعليقاً على قوله صلى الله عليه وسلم: " وكل بدعة ضلالة ": والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعاً، وإن كان بدعة لغة

ص: 381

أبدعوه من نقضٍ وكسر، وفساد وضع، وتركيب، وفنون مجادلة، وإلزام، كلُّ ذلك مُبدعٌ لم يُرْوَ عن الصحابة شيءٌ من ذلك، فدلّ أنَّ البدعة المذمومة ما رفع سُنَّةً مأثورة، ولا نُسلِّمُ أن هذا رافعٌ لسنَّة مأثورةٍ، ولكنَّه مُحدثٌ ما خاض فيه الأوَّلون، إمَّا لاشتغالهم بما هو أهمُّ منه، وإما لسلامة القلوب في العصر الأول عن الشكوك والتَّردُّدات، فاستغنوا عن الخوض فيه، وخاض فيه من بعدهم، لحدوث الأهواء، والبدع، ومسيس الحاجة إلى إبطالها، وإفحام منتحليها (1).

والجواب: أنَّ ما ذكره أنَّ البدعة المذمومة كل مُحدَثٍ رفع سُنَّة قديمة هو الحق، وهذه بدعة رفعت سنة قديمة، إذ كان سنة الصحابة رضي الله عنهم المنع من الخوض فيه، وزجرَ من سأل عنه، والمبالغة في منعه، ففتحُ باب السؤال عن هذه المسائل، والخوضُ في غمرة هذه المشكلات على خلاف ما تواتر عنهم، بدعةٌ، وقد صحَّ ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم بتواتر النَّقل عن التابعين من نقلة الآثار، وسير السلف صحة لا يتطرق إليها ريب، ولا يتخالجها (2) شكٌّ، كما تواتر خوضهم في مسائل الفرائض، ومشاوراتهم (3) في أحكام الوقائع الفقهية العملية، وحصل العلم به أيضاً بأخبار آحاد لا يتطرق الشك إلى مجموعها، وإن تطرق الاحتمال إلى آحادها كما ذكرنا في ذم البدعة، وكما نقل عن عمر رضي الله عنه إلى قول الشيخ: فإذن، قد عُرِفَ على القطع أنَّ هذه بدعة

= وقال الحافظ في " الفتح " 3/ 253: المحدثات -بفتح الدال- جمع محدثة، والمراد بها ما أحدث، وليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع، فليس ببدعة.

(1)

في (ش): منتحلها.

(2)

في (ش): يتخالها.

(3)

في (ب): ومشاورتهم.

ص: 382

مخالفة لسنة السلف، لا كخوض الفقهاء في التفاريع، فإنَّ ذلك -وإن كان محدثاً- فليس فيما نقل عن السلف زجرٌ عن الخوض فيه، بل نقل عنهم الإمعان في الخوض في مسائل الفرائض، فعرف جواز الخوض فيه.

وأما ما أُبدع من فنون المجادلات، فهو بدعةٌ مذمومةٌ عند أهل التحصيل، وذلك أن ما يشوِّشُهُ الجدل (1) أكثرُ مما يمهِّده، وما يفسدُهُ أكثر ممَّا يصلحه، والجدل يضاهي (2) ضرب الشجرة بالمدَقَّة من الحديد رجاء تقويتها، وهو يكسر (3) أجزاءها ويفسدها، والمشاهدة تكفيك في هذا بياناً، وناهيك بالعيان برهاناً، فَقِسْ (4) عقيدة أهل الدين، والصلاح والتقى من عوام الناس، فضلاً عن خواصِّهم بعقيدة المتكلمين والمتجادلين، فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ، لا تحركه الصواعق، وعقيدة المتكلم الحارس عقيدته بتقسيمات (5) الجدل كخيطٍ مُرسل في الهواء تُفيئه الريحُ مرة هكذا، ومرة هكذا.

قلت: إنما يعني (6) هذا الجنس الخاصَّ من العامة، وهم أهل التقوى، والصلاح، والتمييز إذا شكك عليهم في جنسٍ مخصوصٍ من العقائد، وهو المعلوم من الدين بالضرورة من ثبوت الرب سبحانه، وصفات الكمال له، وثبوت (7) النبوة، ونحو ذلك، ولم يُرد أنَّ جميع العوام لا يشكون في دقائق العقائد، فإنهم لم يثبتوها أوَّلاً، فكيف لا

(1) في (ج): الجدال.

(2)

في (ش): أيضاً هي.

(3)

في (ش): وهي تكسر.

(4)

في (ج): ففسر.

(5)

في (ش): تقسيمان.

(6)

في (ب): معنى.

(7)

" ثبوت " ساقطة من (ش).

ص: 383

يشكون فيها ثانياً؟

قال الشيخ: وقد ذهب إلى تحريم الكلام، وذمه أئمة الدين، وهم عمدة الإسلام والمسلمين، منهم الشافعي، ومالك، وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وجميع أهل الحديث.

قال الشافعي رضي الله عنه: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك، خير من أن يلقاه بشيءٍ من الكلام (1).

وقال: حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد، ويطاف عليهم في العشائر والقبائل، ويقال (2): هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام.

وقال أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب الكلام أبداً، ولا تكاد ترى أحداً ممن نظر في الكلام إلا وفي (3) قلبه دَغَلٌ.

(1) الخبر في " آداب الشافعي ومناقبه " ص 182 و187، و" تاريخ ابن عساكر " 4/ 405/1، وذكره البيهقي في " مناقب الشافعي " 1/ 453 - 454 عن يونس بن عبد الأعلى قالا: أتيت الشافعي بعد ما كلم حفصاً الفرد، فقال: غبت عنَّا يا أبا موسى، لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء، والله ما توهمتُه قط، ولأن يبتلى المرء بجميع ما نهى الله عنه ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه الله بالكلام. وعلق عليه البيهقي بقوله: إنما أراد الشافعي رحمه الله بهذا الكلام حفصاً وأمثاله من أهل البدع، وهذا مراد بكل ما حكي عنه في ذم الكلام وذم أهله غير أن بعض الرواة أطلقه، وبعضهم قيده، وفي تقييد من قيده دليلٌ على مراده، ثم نقل عن أبي الوليد بن الجارود قوله: دخل حفص الفرد على الشافعي، فكلمه، ثم خرج إلينا الشافعي، فقال لنا: لأن يلقى الله العبد بذنوب مثل جبال تِهامة خير له من أن يلقاه باعتقاد حُرِّفَ مما عليه هذا الرجل وأصحابه، وكان يقول بخلق القرآن.

ثم قال: وهذه الروايات تدلُّ على مراده بما أطلق عنه فيما تقدم، وفيما لم يذكرها هنا، وكيف يكون كلام أهل السنة والجماعة مذموماً عنده، وقد تكلَّم فيه، وناظر من ناظر فيه، وكشف عن تمويه من ألقى إلى سمع بعض أصحابه من أهل الأهواء شيئاً مما هم فيه.

(2)

" ويقال " ساقطة من (ش).

(3)

" في " ساقطة من (ش).

ص: 384

وقال مالك: أرأيت إن جاءه من هو أجدل منه، أيدع دينه كل يوم لدين جديد، يعني: أن أقوال المتكلمين تتقاوم.

وقال: لا يجوز شهادة أهل البدع والأهواء. فقال بعض أصحابه في تأويل كلامه: إنه أراد بأهل الأهواء: أهل الكلام على أيِّ مذهبٍ كانوا.

وقال أبو يوسف: من طلب العلم بالكلام تزندق (1).

وقال الحسن: لا تُجالسُوا أهل الأهواء، ولا تُجادلوهم، ولا تسمعوا منهم.

وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا، ولا ينحصر ما نقل عنهم فيه (2) من التشديد.

قلت: ونقل محمد بن منصور الكوفي (3) نحو (4) هذا عن الإمام القاسم (5) بن إبراهيم وغيره من قدماء أهل البيت عليهم السلام، ذكره في كتاب " الجملة والألفة "، ونقله عنه (6) السيد الشريف العلامة أبو عبد الله الحسني في كتابه " الجامع الكافي "، ونقلتُ منه كثيراً في مسألة القرآن من (7) هذا الكتاب، وهو نقلٌ مفيد.

(1) كتب فوقها في (ش): " أي بالكلام ". وتقدم قول الإمام أبي يوسف.

(2)

ساقطة من (ش).

(3)

في (ش)" الكرخي "، وهو تحريف.

(4)

في (ش): مثل.

(5)

في (ج): " القائم " وهو تحريف.

(6)

في (ش): عن.

(7)

في (ش): في.

ص: 385