الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدها: أنَّ المعلومَ أنَّه واقعٌ، وما أنكره النَّاس، بل هُو الذي عليه الناس.
وثانيها: أنَّه لو كان غيرَ واقع، لكان قوله:" لو وقع (1)، لأنكره النَّاسُ " دعوى على النَّاس.
وثالثها: أنَّه في عُلالةٍ مِنْ كيفيَّة العلم بإجماعِ العُلماء، فكيف بإجماع الناس؟
ورابعها: أنَّه ادَّعى جهْل أهلِ زمانِنَا، ثم احتجَّ بإجماعهم، وإنَّما يحتج بإجماعِ المجتهدين.
النظر السابع: أنَّ السيِّدَ جاوزَ حدَّ العادة في الغُلُوِّ
، حتَّى ادَّعى على الإجماعِ على ما المعلومُ انعقادُ الإجماع على نقيضه، وذلك أنَّه ادَّعى الإجماعَ على الالتزام في زمن الصحابة والتَّابعين، واحتجَّ على ذلك بأنَّه لم يعلم أنَّ أحداً كان يقلد أبا (2) بكر في مسألةٍ، وعُمَرَ في مسألة، وابنَ عبَّس في مسألة، وابنَ مسعود في مسألة.
فأقول: بَلِ المعلومُ بالضرورة أنه ما كانت العامة في زمن الصَّحابة متحزِّبَةً أحزاباً، متفرِّقةً فرقاً عَلَوِيَّة، وبكريَّة، وعمريَّة (3)، وعثمانيَّة، وعمَّارية ومُعاذية، نسبة إلى عليٍّ، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعمار، ومعاذ، ونقول للسيِّد: أخْبِرْنَا عَنِ العامة وقت الصحابة، هل كانوا ملتزمين لمذهبِ إمام واحد لا يستفتون سواه، ولا يَرْجِعُونَ إلى غيره؟ فهذا يقتضي أنَّه ما كان في الصَّحابة إلا مفتٍ واحد.
(1) جملة: " لكان قوله لو وقع " ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): " أبي "، وهو خطأ.
(3)
في (ب): وعمرية وبكرية.
فإن قلت: إنَّ العامَّة كانوا متفرِّقين فِرَقَاً، مثل افتراق النَّاس في هذه الأعصار الأخيرة، فأيُّ البواطل تَرْتَكبُ على هذا؟ أتقول (1) بأنَّ كُلَّ مفتٍ مِنَ الصحابة كان له أتباعٌ؟ فهذا يُفْضي في تشعُّب مذاهبهم إلى غاية الاتِّساع، فقد نُقِلَتِ الفُتيا عن أكثرَ من مئة نفسٍ من الصحابة قد ذكرهم غيرُ واحدٍ من العلماء، ولولا خشيةُ الإطالة لذكرتهم بأسمائهم على الاستقصاء، أو ترتكِبُ القولَ بالتزام العامة لمذهب جماعة مخصوصين بغير دليل على التخصيص، وكل هذا لا مُلْجِىءَ إليه ولا حامِلَ عليه، وقد عُلِمَ بالضرورة أنَّ العامِّيّ في زمنهم كان يَفْزَعُ في الفتوى إلى مَنْ أَحَبَّ منهم مِن غير نكيرِ في ذلك، وهذا من الأمورِ المعلومة، وقد احتج الشَّيخُ أبو الحسين بهذا على أنه لا يجب الالتزامُ، وادَّعى أنَّه إجماعُ مِنَ الصحابة، ذكر ذلك المنصورُ بالله في كتاب " الصفوة "، وكذلك ذكره ابنُ عبدِ السلام في " قواعده "(2)، واحتجَّ به على جواز تقليدِ المفضولِ، وجوَّد تحريرَه، وليس يُناقضُ ما ذهبتُ إليه من إيجاب الترجيح عند اختلاف العلماء، وقوَّة الظنِّ أن قولَ أحدِهم أصحُّ، لأنه لم يظهرِ الإجماع على (3) هذه الصورة الخاصة.
قال: الوجه الثاني: أنَّه لا يتميَّزُ على هذا الوجهِ المجتهدُ مِنَ المقلِّدِ، فإنَّه إذا رجح في كل مسألة، وعمل بما (4) يترجح له، فهذا شأن المجتهدين، وكونُه قد قال به قائل شرطٌ في حقِّ المجتهد أيضاً.
أقول: هذا الوجه أضعفُ مِما قبله، وهو لا يؤدِّي إلى ما ذكره،
(1) في (ب): القول.
(2)
2/ 135.
(3)
في (ب): على الإجماع على.
(4)
في (ب): ما.
والفرق بينهما واضحٌ، وهو أنَّ المقلِّدَ ليس له أن (1) يستقلَّ بالقول، وإنَّما هو تبَعٌ لغيره، فلو لم يكن لغيره قولٌ البتَّة، لم يعمل بما (2) ترجح (3) له، وقد رام السَّيدُ أنْ يُبْطِلَ هذا الفرقَ، فركب الصعبَ والذَّلولَ، وخالف المنقول والمقبول، والتزم أنَّه لا يَحِلُّ الاجتهادُ لمجتهدٍ حتى يسبقَه غيرُه إلى اجتهاده، وهذا معلومُ البطلان لوجوه.
أحدها: أنَّه يلزمه ألَاّ يصحَّ اجتهادُ خير الأمَّةِ مِنَ الصَّدر الأوَّلِ الذين ابتكروا الكلام في الحوادث، وسبقوا إلى الاجتهاد في المسائل.
وثانيها: أنَّ الأمَّة مجمعةُ قديماً وحديثاًً على عدم اشتراط هذا، وإنَّما الشرط أنْ لا يكونَ في المسألة إجماعٌ ثابتٌ مِنْ طريقٍ صحيحةٍ قطعيَّةٍ أو ظنية غيرِ معارضة بما هو أرجحُ منها، ومِنَ العلماء من لم يقبل الإجماع حتى تكونَ طريقُ نقله معلومةً متواترةً، فأمَا إذا لم يكن في المسألة إجماعٌ ولا خلافٌ، فلا قائلَ بتحريمِ الاجتهاد فيها.
وثالثها: أنَّه يلزم السيِّدُ أنَّ الحادثة إذا حدثت، وليس فيها نصٌّ لمن تقدم سقط (4) عَنِ الأُمَّة التَّكليف فيها، ولم يجب عليهم في ذلك اجتهادٌ ولا تقليدٌ، لأنَّه لا نصَّ لمن تقدَّم، فيجوزُ تقَليدُه عند من يستجيزُ ذلك، ولا يجوز الاجتهادُ أيضاًً على رأي السيد، فلزم من ذلك العملُ بالإِباحة من غير اجتهادٍ ولا تقليدٍ، وتكليفُ ما لا يُطاقُ مِن معرفة مرادِ الله من غير اجتهادٍ ولا تقليد، وكلُّ هذا خلافُ الإجماع، فهذه هي الحُجَّةُ الثَّانية التي
(1)" أن " ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): لما.
(3)
في (ش): يترجح.
(4)
في (ش): أن يسقط.