المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوجه الثالث: المعارضة لذلك من رواية الحنابلة وأهل الحديث - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - جـ ٣

[ابن الوزير]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌الدعوى الأُولى: ادَّعَى أنَّ أحاديثَ الفقهاءِ متعارضَة في وضع اليَدِ على اليد

- ‌الدعوى الثانية: ادَّعى أنَّ العُمُومَ يعارِضُ الخصوصَ إذا جُهِلَ التاريخُ

- ‌الوجه الرابع: سلَّمنا أنا لَمْ نقلْ بجوازِ الجَهْرِ والإخفات معاً

- ‌الوجه السابع: أنَّ الخبَرَ إذا وَرَدَ في شَيْءٍ، ظهر في الأصل ظُهوراً عامَّاً

- ‌الوجه التاسع: سلَّمنا سلامَةَ هذا الحديثِ منْ جميعِ هذِهِ المَطَاعِنِ، فإنَّه حديث مُرْسَل

- ‌الوجه الحادي عشر: أنَّ هذا كُلهُ بناءٌ على أنَّا ما تَمَسَّكْنَا في المسأَلَةِ إلأَ بحديثِ فاسِقِ التَّأْويلِ

- ‌الوجه الثَّاني عشر: أنَّ السيدَ نَصَّ على أنَّا نُرَجِّحُ فُسَّاق التَّأويلِ

- ‌الإِشكال الأول: أنَّ المحدِّثينَ قد نصُّوا على عَكْسِ ما ذَكَرَهُ السيد

- ‌الإشكال الثالث: سلَّمنا للسيدِ أنَّ ذلكَ مَذْهَبُ الأوزريِّ

- ‌الإشكال السَّادسُ: سلَّمنا أنه يلزمُهُم

- ‌ الجواب عَنِ السيِّدِ في هذا مِنْ وُجُوهٍ

- ‌الوجه الثاني: أنَّ السيدَ غَلِطَ على ابنِ الصَّلاحِ، ولم يَنْقُلْ عنه مَذْهَبَه

- ‌ في كلامِ السيدِ هذا مباحثُ

- ‌البحثُ الرَّابعُ: أنَّ السيد ادَّعى على الرجُلِ في أَوَّلِ كلامِهِ أنَّه ادَّعى إجماعَ الفقهاءِ، ثُم ألزَمَهُ هُنا أنْ يَجْمَع لَهُ الأمَّةَ في صَعِيدٍ واحِدٍ

- ‌البحثُ السَّادِسُ: أنَّه ادَّعى إجماع العُلمَاءِ

- ‌البحث السابع: أنَّك إمَّا أنْ تُنْكِر الإجماعَ السُّكُوتيَّ أم لا

- ‌البحث التاسع: يتفضَّلُ السَّيِّدُ ويخبرُنا مَنِ الذي يقولُ مِنْ أهلِ البَيْتِ بطلاقِ زوجة هذا الحَالفِ

- ‌البحث العاشر: أنَّ الظَّاهِرَ إجماعُهم عليهم السلام على ذلِكَ

- ‌البحث الثالث عشر: أنَّه لا طريقَ إلى العِلْمِ بِأنَّ الحديثَ المُتَلَقَّى بالقَبُول هوَ بِنَفْسِهِ لفظُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ المضعَّف عليهما نوعان

- ‌النوع الأول: المعلولُ

- ‌ الجواب على هذا مِنْ وجوهٍ

- ‌الوجه الأول: أن كلامَ السيد في المسألة الأولى دالٌّ دِلَالَة واضِحَة على أنَّه يَدَّعِي أنَّه غير مجتهِدٍ، بل يدعي أنَّه لا مجتهدَ في الزَّمان

- ‌الوجه الثاني: أن نَقول: ما مُرَادك بهذا الإنتاج

- ‌الوجه الثالث: أنْ نقولَ: ما قصدُك " ويُستفتى مَنْ ليْس بعَلِيم

- ‌ في كلام السيدِ هذا أنظار

- ‌النظر الأول: أنه تعرَّض لتفسير كلامِ المؤيَّد باللهِ مِنْ غيرِ غَرَابَةٍ في ألفاظِهِ

- ‌النظر الثاني: أنَّ السيدَ في كلامه هذا قد أجاز التَّرجيح بالأخبار لبعضِ المُقَلِّدين

- ‌النَّظر الثالث: أنِّي لَمْ أُوجِبِ الترجيح بالأخبار على جميع المكلَّفين مِنَ العامَة

- ‌النظر الخامس: أنَّه وعد بضربِ مَثَلٍ، ولم يأتِ بما يَصْلُحُ أن يُسَمَّى مثلاً مضروباً عِنْدَ البُلغاءِ

- ‌ ضَعْفُ كلامِ السيِّدِ في هذا يتبيَّنُ بأنظار

- ‌النظر الأول: أنَّه مَنَعَ مِنْ جوازِ التَّرجيح للمقلِّدِ في كُلِّ مسألة

- ‌الوهم الأول: أنَّه عَوَّلَ على إجماعِ العامَّة المقلِّدين

- ‌الوهم الثاني: أنا لو سلَّمنا أنَّ إجماعُهم صحيحٌ، لما دلَّ على مذهبه

- ‌الوهم الثالث: وَهم أنَّ المقَلِّدِينَ مُجمعون على الالتزام

- ‌النظر السادس: قول السَّيِّد: إنَّ هذا لو وقع في زماننا، لأنكره النَّاس، عجيب أيضاً

- ‌النظر السابع: أنَّ السيِّدَ جاوزَ حدَّ العادة في الغُلُوِّ

- ‌النَّظر الأول: أنَّ السيدَ استدلَّ، ثم استثنى

- ‌النظر الثاني: أنَّ ما جاز في ذلك على المقلِّدِ جاز على المجتهد

- ‌النَّظر الرابع: أنَّ كلامَه في هذا الفصل يستلزِمُ اشتراطَ السَّفرِ والخطرِ في صِحَّة الاجتهاد

- ‌ الجواب على ما ذكره من وجوه:

- ‌الوجه الرابع: أنَّ اعتراضَ كتبِ الحديث الصَّحاح بأنَّ فيها ما ليس بصحيح عندَ غيرهم، عمَلُ منْ لم يعْرِفْ ما معنى الصحيح عند أهله

- ‌القسمُ الأول: ما يتعلَّقُ بأحكامِ التَّحليل والتَّحريم المشهورة مِنْ روايةِ الثِّقات

- ‌الحديث الأول: تحريمُ الوَصْلِ في شعور النِّساء

- ‌الحديث الثاني: "لا تَزَالُ طائفَةٌ منْ أُمَّتِي ظَاهِرينَ عَلى الحَقِّ

- ‌الحديثُ الثالث: النَّهي عن الركعتين بَعْدَ العصر

- ‌الحديثُ الخامس: "إنَّ هذا الأمْرَ لا يزالُ في قُرَيْشٍ

- ‌الحديثُ السادس: حدُّ شارب الخمر

- ‌الحديث السابع: النَّهي عن لباس الحرير، والذَّهب، وجلودِ السِّباع

- ‌الحديثُ الثامن: حديثُ افتراق الأمَّةِ إلى نَيِّفٍ وسبعين فِرقة

- ‌الحديث التَّاسع: النَّهي عن سبق الإمام بالرُّكوع والسُّجود

- ‌الحديث العاشر: النَّهي عن نِكَاح الشِّغارِ

- ‌الحديث الثاني عشر: حُكْمُ مَنْ سَهَا في الصلاة

- ‌الحديث الثالثَ عشر. النَّهيُ عَنِ النِّيَاحة

- ‌الحديث الرابعَ عشر: النَّهي عَنِ التَّمادح

- ‌الحديث الخامسَ عشر: النَّهي عن كُلِّ مسكر

- ‌الحديثُ السادسَ عشر: كراهةُ رضى الدَّاخِل على القوم بقيامهم له

- ‌الحديث السابعَ عشر: النهي عن تتبع عوراتِ الناس

- ‌الحديث الثامنَ عشر: النَّهي عَنِ القِران بَيْنَ الحجِّ والعُمرة

- ‌الحديث الموفي عشرين: روى عن أخته أمِّ حبيبةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي في الثَّوب الذي يُجَامِعُها فيه ما لم يَرَ فيه أذىً

- ‌الحديثُ الأول: فَضْل إجابة المُؤَذِّنِ

- ‌الحديث الثالث: في فضل حِلَقِ الذِّكر والاجتماعِ عليه

- ‌الحديث الرابع: النَّهي عن الغَلوطات

- ‌الحديث السادس: فضل حُبِّ الأنصار

- ‌الحديث الثامن: " المؤذِّنُونَ أطْولُ النَّاسِ أعنَاقَاً يوْمَ القيامَةِ

- ‌الحديث العاشر: تحريم وصل الشعر على النساء

- ‌الحديث الحادي عشر: " العَيْنَانِ وِكاءُ السَّه

- ‌القسم الثالث: ما يُوَافِقُ مذهبَ المعترِضِ من حديثه

- ‌الحديث الثاني: النَّهْي عن لباسِ الذَّهب إلا مُقَطَّعاً

- ‌القسمُ الرابعُ: ما يتعلَّقُ بالفضائل، مما ليس بمشهور

- ‌الحديث الثالث: حديثُ الفصل بَيْنَ الجُمُعَةِ والنّافلة بعدَها بالكلام

- ‌الحديث الرابع: " كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أنْ يَغْفِرَهُ إلا الشِّرْكَ باللهِ، وَقَتْلَ المُؤْمِنِ

- ‌القسم الخامس: ما لا يتعلَّق به حُكْمٌ

- ‌الحديث الأول: حديث وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثلاثٍ وستِّين

- ‌فإن قلت: فما الوجه في روايتهم عنه؟فالجواب من وجهين:

- ‌الجوابُ من وجهين معارضةٌ وتحقيق

- ‌الوجه الثاني: التَّحقيق، وبيانُه أنْ نقولَ: توهم السَّيِّدُ أنَّ الشهادةَ على الزِّنى إذا لم يتمَّ نِصَابُها كانت قذفاً

- ‌الوهم التاسع: قال: ومنهم الوليد بنُ عقبة

- ‌الوهم العاشر: توهَّم السَّيّدُ أنّ الوليد منَ الرُّواة المعتمدين في الصِّحاح في الحديث عند أبي داود

- ‌الوهم الحادي عشر: ذكر السيِّد أنَّ الوليد مذكورٌ في غير " سُننِ أبي داود " من كتب الحديث، وهذا الوهم أفحشُ مِنَ الذي قبلَه

- ‌الوهم الثالث عشر: قال: ومنهم أبو موسى الأشعري نَزَعَ علياً الّذي ولّاه الله ورسوله

- ‌ ونَزيدُ على هذا وجوهاً

- ‌الوجهُ الأولُ: بيانُ القَدْح في أصلِ هذه الروايةِ

- ‌الوجهُ الثاني: المعارضةُ لذلك بثناءِ الإمام المنصورِ بالله على أحمدَ

- ‌الوجهُ الثالثُ: المعارضةُ لذلكَ من روايةِ الحنابلةِ وأهلِ الحديثِ

- ‌ ولنختم هذا الفصل بتنبيهين

- ‌التنبيه الثاني: ينبغي التأمُّلُ لَهُ، وذلك أنَّه قد يقع التَّساهلُ في نقل المذاهبِ مِنْ أهلِ كُتب المِلَلِ والنِّحَلِ

- ‌الفصل الثاني: في تحقيق مذهبِ أحمدَ بنِ حنبل وأمثالِه مِنْ أئِمَّة الحديث، وهُم طائفتان

- ‌أحدهما: القولُ بأنَّ النَّظر فيما أمر اللهُ تعالى بالنظر فيه

- ‌ثانيهما: أنَّهم يُنكرون القولَ بتعيُّنِ طرائقِ المنطقيِّين والمتكلِّمين للمعرفة

- ‌الوظيفة الأولى: التقديس:

- ‌الوظيفة الثانية: الإِيمانُ والتصديق:

- ‌الوظيفة الثالثة: الاعتراف بالعجزِ عن معرفةِ حقيقة هذه المعاني

- ‌ الوظيفة الرابعة: السُّكوت

- ‌ الموضعُ الثالث: تأويلُ العالِمِ مع نفسِه في سِرِّ قلبه

- ‌الوظيفةُ السابعة: التسليمُ لِقولِ الله تعالى، ولحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الأصلُ الرابع: أنَّهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دَعَوا الخَلْقَ إلى البحث

- ‌ فصل: ولعلك تقول: الكف عن السؤال، والإمساك عن الجواب من أين يغني

- ‌ فإن قيل: بم يميز المقلد بين نفسه، وبين اليهودي المقلِّد

- ‌الرابع: من المعلوم أيضاً أن في كل طائفة عظيمة بلهاء بُلداء، وإنّ في الزيدية

- ‌السادس: أنّ الفلاسفة تدَّعي من التَّحذلق مثل ما أنت مُدَّعٍ

الفصل: ‌الوجه الثالث: المعارضة لذلك من رواية الحنابلة وأهل الحديث

العلمِ بتعظيمهِم (1) لأحمدَ بنِ حنبلٍ، واختصاصهم به يدُلُّ على أَنَّهُ عِندَهُم غيرُ مُجَسِّمٍ ولا (2) مشبّهٍ، ولله الحمدُ.

ومنَ العجبِ أنَّ المعترِضَ لا يزالُ يُقْرِىء (3) مذاهبَه، فكيف استحَلَّ ذلكَ مع اعتقاده لكفرِه، وإذا كانت الروايةُ عنه مُحَرَّمةً، فكذلكَ تقليدُه والاعتدادُ بِهِ في الإجماع، وذِكْرُ خلافِه معَ العلماءِ في الفروعِ يُوهِمُ ذلكَ، فبانَ بهذا أنَّ المعترِضَ مُمارٍ غيرُ متدينٍ ولا طالبٍ معرفةَ حقٍّ ولا تَعريفَه، نسألُ الله السلامةَ. فهذا الوجهُ ممَّا يدُلُّ على تنزيهِ أحمَد عنِ الكُفْرِ من نقل أئمةِ الزيديةِ (4) وعلمائِهم.

‌الوجهُ الثالثُ: المعارضةُ لذلكَ من روايةِ الحنابلةِ وأهلِ الحديثِ

، فمنْ ذلكَ -وهو أوضحُهُ-: أنَّ الذهبيَّ عَدَّ مصنفاتِ أحمدَ في " النبلاء "(5) فذكرَ منها كتابَ " نفي التشبيه " مجلد، ومنها مسألةُ الإِيمانِ، صنَّف فيها، قال أبو داودَ: سمعتُه يقول: الإيمانُ يَزيدُ وينقُصُ، البرُّ كلُّه من الإِيمانِ.

ومن ذلكَ أنَّ النواويَّ ذكرَ حديثَ: " يَومَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ " في " شرحِ مُسلمٍ "(6)، فقالَ ما لفظُهُ: اعلمْ أنَّ لأهلِ العلمِ في أحاديثِ الصفاتِ وآياتِ الصفاتِ قولينِ:

أحدُهما - وهوَ مذهَبُ معظمِ السلفِ أو كُلِّهم: أنَّهُ لا يُتَكلَّمُ في

(1) في (أ) و (ب): لتعظيمهم.

(2)

" لا " سقطت من (ب).

(3)

في (ش): يقرأ.

(4)

في (ب) و (ش): الزيدية والمعتزلة.

(5)

11/ 327 - 331.

(6)

3/ 19.

ص: 319

معناها، بل يقولُونَ: يَجِبُ علينا أنْ نؤمِنَ بها ونعتقدَ لها معنى يَليقُ بجلالِ اللهِ تَعالَى مع اعتقادِنا الجازِم أنَّهُ ليس كمثلِهِ شيءٌ، وأنَّهُ (1) مُنَزَّهٌ عنِ التجسيم، وعن سائرِ صفاتِ المخلوقِ، وهذا القولُ هو مذهبُ جماعةٍ منَ المتكلمينَ، واختارَه جماعةٌ من محققيهم، وهو أسلمُ.

القولُ الثاني -وهو مذهبُ (2) مُعظمِ المتكلمين-: أنَّها تُتأوَّلُ، وإنَّما يَسوغُ تأويلُها لِعارفٍ بلسانِ العربِ وقواعدِ الأصولِ والفروعِ، ذي رياضةٍ في العلمِ. انتهى.

وفيهِ الشهادةُ ببراءةِ (3) أحمدَ والمحدثينَ ممَّا في " رسالةِ الإِصْطَخري " التي نصَّ الذهبيُّ أنَّها خُرافةٌ موضوعةٌ، وقال (4): قاتلَ اللهُ واضعَها، وبراءةِ (5) المحدثينَ ممَّا لَطَّخَهُم به الأشعريُّ والسَّاجي.

ومما يُقَوِّي ذلك غايةَ القُوةِ ما يأتي (6) إِنْ شاءَ اللهُ في ترجمةِ أحمدَ في أمرِ المِحْنَةِ وأنَّه (7) حُبِسَ وامتُحِنَ، فضُرِبَ (8) بسببِ امتناعِه من القولِ بخلقِ القرآنِ وكان المأمونُ والمعتصمُ والواثقُ -وهم خلفاءُ عصرهِ- على رأي المُعتزلةِ فَلَوْ كَانَ مُجَسِّماً، لأظهرَ ذلك كما أظهرَ القول بأنَّ القرآنَ غَيْرُ مخلوقٍ مَع تكفيرِهم لَهُ بذلك، ولو أظهرَ التجسيمَ لذُكِرَ ذلك، وضُرِبَ

(1) في (أ): فإنه.

(2)

سقطت من (ش).

(3)

في (ش): بنزاهة.

(4)

تحرفت في (أ) إلى: وقد.

(5)

في (ش): ونزاهة.

(6)

" يأتي " سقطت من (أ).

(7)

في (ش): فإنه.

(8)

في (ب): " وضرب "، وسقطت من (ش).

ص: 320

عَلَيهِ، فإنَّهُ أعظمُ من مسألةِ القرآنِ.

وأيضاً قد (1) كانُوا في مناظرتِهم لَهُ يُلْزِمُونه التجسيمَ والتشبيهَ، وهو لا يَلْتَزِمُه. كما يأتي في المِحنةِ، فلو كانَ مُتظاهراً به، لَمَا احتاجُوا إلى إلزامِه، ولصَرَّحَ به (2) كما صَرَّحَ بأنَّ القرآنَ غَيرُ مخلوقٍ، وناظرَ عَلَيْهِ معَ التعذيبِ الذي هُوَ أشدُّ من القَتل وفي (3) هذا أعظمُ براءةٍ لَهُ ولأئمةِ الحديث من التُّهمة (4) بالتشبيهِ، فتأمَّلْهُ (5).

وقالَ شيخ الحنابلةِ بالاتفاقِ (6) أبو محمدٍ عبدُ الله بن أحمد بن محمد بن قُدامة المقدسيُّ في خطبة كتابه " الكافي "(7) الذي جَمَعَهُ على مذهبِ أحمدَ ما لفظه: " الحمدُ للهِ الواحدِ القَهَّارِ "، إلى قوله:" الذِي امتنعَ عَنْ تمثيلِ الأفكارِ، وارتفعَ عَنِ الوصفِ بالحدِّ والمقدارِ " إلى آخر كلامه، وهذا الكتابُ من أجلِّ كتبِ الحنابلةِ المعتَمدة عندَهم، فكيفَ تَرَاهم يَفْتَتحونَه بنَقِيضِ (8) مذهبِهم ومذهبِ إمامِهِم.

وفي شرحِ " جمعِ الجوامع ": ونقلَ صاحبُ الخصالِ من الحنابلةِ عن أحمدَ، أنَّهُ قالَ: من قالَ: جسمٌ لا كالأجسامِ كَفَرَ، مع اختلافِ أئمةِ الزيدية والمعتزلة في تكفيرِ منْ قالَ بهذه المقالةِ كما سيأتي (9) حتى قال ابن

(1) في (ب) و (ش): فقد.

(2)

" به " سقطت من (ب).

(3)

" في " سقطت من (ش).

(4)

" من التهمة " ساقطة من (ش).

(5)

في (ش): فتأمل.

(6)

سقطت من (ش).

(7)

1/ 1، وتقدم التعريف به في ص 238 من هذا الجزء.

(8)

في (ش): بنقض.

(9)

في (ب): كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ص: 321

أبي الحديد في " شرحه "(1): إِن أمر المخالفين في ذلك سهلٌ، لأنَّهُ (2) خلافٌ في (3) عِبارةٍ، ذكرَهُ في شرحِ الخُطبةِ المذكورةِ قبلُ، وأجْلَي من هذا ما (4) في خُطَبِ ابنِ الجَوْزي منَ التنْزِيهِ ونفيِ التشبيهِ، وابنُ الجوزيِّ من أئمةِ الحنابلة بالاتفاق، وخطبُه ومواعظُه (5) عُمدَتُهم في جُمُعاتِهِم ومَحَافِلِهم، وأنَا أُورِدُ مِنها ما يَشْهَدُ بصحةِ ما ذكرتُه، فمِنْ ذلك قوله في كتابِ " المُدْهِشِ " (6) في قولهِ تعالى:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ} :

أول: لَيس لَهُ مبتدأ، آخر: جلَّ عن مُنتهي [ظاهر بالدليل باطن بالحجاب] يُثْبِتُهُ العقلُ، ولا يُدرِكُه الحِسُّ، كلُّ مخلوقٍ محصورٌ بحدٍّ، مأسورٌ في سُورِ قُطْرٍ (7)، والخالقُ بائنٌ مبايِنٌ يُعْرَفُ بعدمِ مألوفِ التعريفِ، ارتفَعَتْ لعدمِ الشِّبْهِ (8) الشُّبَه، إنَّما يَقَعُ الإشكَالُ في وصفِ مَنْ لَه أشكالٌ، وإنَّما تُضْرَبُ الأمثالُ لِمَنْ لَه أمثالٌ، فأمَّا مَنْ لَم يَزَلْ وَلَا يزالُ (9)، فما للحِسِّ معه مجالٌ، عظَمَتُه عَظُمَتْ عَن نيلِ كفِّ الخيالِ، كيفَ يُقَالُ: كَيْفَ والكَيْف في حَقِّهِ مُحالٌ؟ أنَّى تَتَخايَلُهُ الأوْهَامُ وهي

(1) 3/ 228.

(2)

تحرفت في (ج) إلى " لا ".

(3)

سقطت من (ش).

(4)

في (ش): ما جاء.

(5)

وهو -وإن كان كما قال الذهبي في " السير " 21/ 367 رأساً في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق، والنثر الفائق بديهاً، ويُسهبُ، وُيعجبُ، ويُطربُ، ويطنبُ، لم يأتِ قبلَه ولا بعدَه مثلُه - يُكثر في تصانيفه الوعظية من إيراد الأحاديث الموضوعة، وما يُقاربها مما لا تَصح نسبتُه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(6)

ص 137.

(7)

في (ب): بسور قطر.

(8)

في (ش): التشبيه.

(9)

في (ش): يزول.

ص: 322

صنعتُه؟ كيف تحدُّهُ العقولُ وهي فِعْلُه؟ كيف تَحويهِ الأماكِن وهي وَضْعُه؟ انقطَع سيرُ الفِكْرِ، وقفَ سُلوكُ الذِّهن، بَطَلَتْ إشارة الوَهمِ، عَجز لطفُ الوصفِ، غشِيَتْ عين (1) العَقْلِ، خَرِسَ لسانُ الحِسّ، لا طَوْرَ للقدَمِ في طَورِ القِدَمِ، عَزَّ المَرْقَى (2)، فَيئِسَ المُرْتَقَى (3)، بَحرٌ لا يَتَمكَّنُ مِنْهُ غَائِصُ، ليلٌ لا يَبِصُّ (4) للعينِ (5) فيه كوكبٌ.

مَرامٌ شَطٌّ مَرمَى العَقْلِ فِيهِ

فدُون مَدَاهُ بِيدٌ لَا تبيدُ

جادَّةُ التَّسليمِ سليمةٌ، وادي النٌقْلِ بلاقِعُ، انْزِلْ عَنْ عُلُوّ علوّ الشبيه، ولا تعل قُلَلَ أباطيلِ التَّعْطِيلِ، فالوادي بينَ الجبلينِ. ما عَرَفَهُ مَنْ كَيَّفَه، ولا وحَّدَهُ مَنْ مَثَّلَه، ولا عَبَدَهُ من شَبَّهَة، المشبِّه أعْشى، والمُعَطِّل أَعْمى، مما يتنزه عنه مم؟ فيما (6) يجبُ نَفْيُهُ فيمَ؟ جَلَّ وجوبُ وجودِهِ عن رجمِ " لَعَلَّ "، سبقَ الزمانُ، فلا يُقالُ:" كان "، أبرزَ عرائسَ الموجوداتِ من كِنِّ " كُنْ "، بثَّ الحكمَ، فلَمْ يعارَضْ بـ " لِمْ "، تَعالى عن بَعْضيَّهِ " من "، وتقدّسَ عن ظرفيَّة " في "، وتنزَّه عن شِبِه (7)" كأنَّ "، ويعَظُّم عن نقصِ " لَوْ أن "، وعَزَّ (8) عَنْ عَيبِ " إلَّا أَنْ "، وسمَا كمالُه عَنْ تَدَارُكِ " لكنّ ".

(1) تحرفت في (ب) إلى " عن ".

(2)

في (ش): المرتقى.

(3)

ساقطة من (ش).

(4)

في " المدهش ": يبين.

(5)

في (ش): العين.

(6)

في (ب): مما.

(7)

في (ش): شبيه.

(8)

" عز " سقطت من (ش).

ص: 323

وقال في كتاب " اللطف ": لا بِصفَةِ الأول علم له مبتدأ، ولا بالآخر (1) صار له مُنتهى، ولا مِنَ الظَّاهِرِ فهم له شبح، ولا مِنَ الباطن تعطَّل له وصفٌ، خرست في حظيرة القُدس صولة " لِمْ "، وكفَّتْ لِهَيْبَةِ الحقِّ كفٌّ " كيف "، وعَشِيَت لجلال العزِّ عين الفكر، فأقدام الطَّلَبِ واقفةٌ على جمر التَّسليم، جل عن أشباهٍ وأمثال، وتقدَّس أن تُضرب له الأمثال (2)، فإِنَّما يقع الاشتباه (3) والإشكال في حقِّ مَنْ له أشكال، المشبِّهُ مُلَوَّثٌ بدم التَّجسيم، والمعطِّلُ نجس بسرجين الجُحود، و (4) نصيبُ المُحِق لبن خالصٌ هو التَنزيه، لا يقال:" لِمَ " لفعله، ولا " متى " لِكونه، ولا " قيم " لِذاته، ولا " كيف " لوصفه، ولا " ممَّ " مما يدخل في وحدانيَّته. من طَالَعَ مِرآةَ صمديَّتهُ (5)، دلَّتْه صقالتها على التنزيه، وعلمَ أنَّه لا ينطبع فيها شَبَحُ التشريك (6)، ولا خيال التشبيه تفكَّروا في آلاء الله، ولا تتفكَّرُوا في الله، إذا استقبل الرَّمِد الرَّيح، فقد تعرَّض لزيادة الرَّمَدِ.

وقال في كتاب (7)" تلبيس إبليس "(8) ما لفظه: ونبغ أبو عبدِ الله

(1) في (ب): بآخر،

(2)

في (ب): مثال.

(3)

في (ش): الأشباه.

(4)

الواو ساقطة من (ش).

(5)

في (ش): صمدانيته.

(6)

ساقطة من (ج).

(7)

ساقطه من (ش).

(8)

ص 84. وجاء في "سير الذهبي" 11/ 523: محمد بن كرام السجستاني المبتدع شيخ الكرامية، كان زاهداً، عابداً، ربانياً، بعيدَ الصيت، كثيرَ الأصحاب، ولكنه يروي الواهيات كما قال ابن حبان: خُذل حتى التقط من المذاهب أرداها، ومن الأحاديث أوهاها، ثم جالس الجويباري، وابن تميم، ولعلهما قد وضعا مئة ألف حديث، وأخذ التقشف عن أحمد بن حرب. =

ص: 324

محمد بن كَرَّام، فاختار من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أضعفَها، ومال إلى التشبيه وأجاز حلولَ الحوادث في ذات الله تعالى، انتهى كلام إمام الحنابلة ابن الجوزي.

وقال الشيخ العالم شهاب الدين أحمد بن عمر الأنصاري الشافعي في كتابه المسمى " مُغني المُحَدِّثِ في الأسفار عن حمل الأسفارِ " ما لفظه: وثانيها ما يُنقل عن أحمدَ رحمه الله مِنْ شوب عقيدته السليمة بالتجسيم، حاشاه من ذلك، ولم يصحّ ذلك عنه بطريق منَ الطُّرق، ولا نَقَلَ عنه الآخذون عنه، والمؤلِّفون في مذهبه شيئاً من ذلك، وقد روينا عَنِ الإمام أبي الفرج ابن الجوزي، والعالم ابن قُدامَة الحنبليَّين المحدثَيْنِ إنكارَ ذلك غاية الإنكار، بل لم يشتهر أحدٌ من الحنابلة بذلك (1)، ولم يُعرف عنه، إلا بعض متأخريهم يُوجدُ في بعض (2) كلامه شيْءٌ لم يبْلُغْ رتبة التَّصريحِ، والله أعلم.

وقال الذهبي في كتابه " زغَل العلوم "(3)، وفد ذكر الحنابلَة وما يُنقم عليهم ما لفظه: والعُلمَاءُ يتكلُّمون في عقيدتهم، ويرمونهم بالتّجسيم، وبأنه يلزمُهُم، وهم بريئون من ذلك إلا النادِرَ. انتهى.

= كان يقول: " الإيمانُ هو نطقُ اللسانِ بالتوحيدِ، مجرد عن عقد قلب، وعمل جوارح، وقال خلق من الأتباع له: بأن الباري جسمٌ لا كالأجسام، وأن النبي تجوز منه الكبائر سوى الكذب، وقد سُجنَ ابنُ كرام، ثم نُفي، وكان ناشفاً، عابداًَ، قليل العلم. قال الحاكم: مكث في سجنِ نَيْسابورَ ثماني سنين، ومات بأرض بيتِ المقدس سنة خمس وخمسين ومئتين. وكانت الكراميةُ كثيرين بخُراسان، ولهم تصانيفُ، ثم قَلُّوا وتلاشوْا نعوذ بالله من أهل الأهواء.

(1)

" بذلك " ساقطة من (ش).

(2)

ساقطة من (ش).

(3)

ص 39.

ص: 325

وهذا في حقِّ المدَّعين أنَّهم على مذهبه، لا في حقه، فإن لم ينسِبُوا ذلك إليه على جِهة الرِّواية عنه، فلا إشكالَ، وإن نسبوا مذاهبَهم إليه على جهة الرَّواية لها عنه، فلا شكَّ أنَّ رواية الجمِّ الغفيرِ عنه للتنزيه أولى مِن رواية النادرِ للتشبيه، كما ذلك مقتضى الأدلة عقلاً وسمعاً في الظَّنيَّات الَّتي يُمْكِنُ العملُ فيها بالتَّرجيح، فأمّا التكفيرُ القطعيُّ، فلا يَلْتَفِت إليه مع مثل (1) هذا الاختلافِ في النَّقل مُميِّزٌ (2).

وقال الذهبي في آخر الطبقة الرابعة من " تذكرته "(3)، وهي أول المئة الثانية إلى الخمسين ومئة: وفي هذا الزمان ظهر بالبصرةِ عمرو بن عُبَيْدِ العابد، وواصل بنُ عطاء الغزَّال، ودَعَوْا إلى الاعتزال، [والقول بالقدر] وظهر بخراسان الجَهْم بن صفوان، ودعا إلى تعطيل الرَّب عز وجل، وخلقِ القرآن، وظهر في خراسان في قبالته مقاتِل بنُ سليمان المفسِّر، وبالغ في إثباتِ الصِّفات حتّى جَسَّمَ، وقام على هؤلاء علماءُ التَّابعين وأئمَّةُ السلَفِ، وحذروا مِنْ بدعتهم، انتهى وله أمثالُه. ولعلماء الحديثِ، وأهلِ الجرح والتعديل منهم من (4) التصريح بِذَمِّ المجسمة، والوَصْمِ لهم مِن الحنابلة وسواهم، وما علمتُ أحداً منهم نَسبَ إلى أحمدَ بنِ حنبل منْ ذلك شيئاً، لا مِنْ أَهْلِ السنة منهم مِن (5) الشافعية، والحنفية، والمالكية، ولا منْ أهل علم الكلام الجامعين بين العلمين: العقلي والنقلي، وأهل الاطّلاع التَّامِّ على معرفة الرِّجال. ومن أراد

(1) ساقطة من (ش).

(2)

في (ش): بتنزيهه.

(3)

ص 159.

(4)

ساقطة من (ش).

(5)

" من " ساقطة من (ش).

ص: 326