الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقرَّ عليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال لهما بعدَ تلاعنهما:" الله يَعْلمُ أنَّ أَحَدَكُما كاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائبٍ؟ " وقال لها (1) في الخامسة: " إنَّهَا المُوجِبَةُ لِعَذابِ اللهِ "(2)، نعوذ بالله من ذلك.
وكذلك حُكْمُ المدَّعي والمنكرِ في المنازعات الشرعية، قد يُعْلَمُ كَذِبُ أحدِهِمَا قطعاً، ولا يجب جَرْحُ كُلِّ واحدٍ منهما قطعاً.
الوجه الثاني: التَّحقيق، وبيانُه أنْ نقولَ: توهم السَّيِّدُ أنَّ الشهادةَ على الزِّنى إذا لم يتمَّ نِصَابُها كانت قذفاً
، فإمَّا أن يُرِيد أنَّ ذلك كذلك على سبيلِ القطع أو (3) الظن، إن قالَ: إنَّه كذلك على سبيل الظَّنِّ، فقد أصاب؛ لأنَّه ليسَ في المسألة دليلٌ قاطعٌ، وقَدِ اختلف العلماءُ فيها، وللشافعي في المسألة قولانِ، وقال في " نهاية المجتهد "(4) الشهودُ عند مالك إذا كانوا أقلَّ من أربعةٍ قَذَفَةٌ، وعند غيره ليسوا قَذَفَةً، فجعلَ القولَ بأنَّهم ليسوا قذفة هو قول الأكثرين من الفقهاء.
وقال الحاكم في " شرح العيون " ما لفظه (5): ألا ترى أنَّ مَنْ يشهدُ بالزِّنى لا يؤثِّرُ في حاله، ومن قُذِفَ بالزِّنى أثَّر؟ فنصَّ على الفرقِ بين الشهادة والقذفِ، وفي " الصحيحين "(6) من حديثِ أبي هريرة، وزيدِ بنِ
(1) في (ش): لهما.
(2)
قطعة من حديث ابن عباس سيأتي تخريجه قريباً.
(3)
في (ب): و.
(4)
2/ 441، واسم الكتاب " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " لمؤلفه القاضي ابن رشد القرطبي، المتوفى سنة 595 هـ.
(5)
" ما لفظه " ساقطة من (ب).
(6)
أخرجه البخاري (2314) و (2315) و (2649) و (2695) و (2696) و (2724) و (2725)(6633) و (6634) و (6827) و (6828) و (6831) و (6833) و (6835) و (6836) و (6842) و (6843) و (6859) و (6860) و (7193) و (7194) و (7258) =
خَالِدٍ الجُهيني: أنَّ رجلاً من الأعراب قال للنَّبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ ابني كانَ عَسِيفاً على هذا، فزنى بامرأته، الحديثَ، وفيه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُوجِبْ على المستفتي حدّاً لرميه لامرأة خصمه، وأقره، ولم يُنْكِرْ عليه، لأنَّه لم يقْصِدِ الرَّميَ، بَلَ الفتوى.
وكذلك في حديثِ ابن عَبَّاس (1): أن هلال بن أُميَّةَ قذف أمرأتَه بشريكِ بنِ سحْمَاء عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم .. الحديثَ، إلى قوله: فنزلت آيةُ اللِّعان. ولم يجب على هلالٍ حدُّ القذف لشريك (2).
وكذلك (3) في هذا الحديث ما معناه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنْ جَاءَتْ بهِ عَلَى شبهِ شَرِيكٍ فهُو لَهُ "، فجاءت به كذلك، فقال:" لولا ما مَضى مِنْ كِتَابِ اللهِ، لكَانَ لي فيها شأْنٌ " رواه البخاري، وأبو داود والترمذي، وابنُ ماجه، وأحمد وغيرهم. وذكره في " شفاء الأوام ".
وكذلك شرط ابنُ حزمٍ في الإجماع على حَدِّ القذف أن يجيءَ به صاحبه مجيء (4) القذف، والله سبحانه أعلم.
وكلام النَّبي صلى الله عليه وسلم يدفع أن يُقال: إنَّما سقط الحدُّ لِعدم المطالبة من
= و (7259) و (7260) و (7278) و (7279)، ومسلم (1697) و (1698). وأخرجه مالك في "الموطأ" 2/ 822، وأبو داوود (4445)، والترمذي (1433)، والنسائي 8/ 240، والدارمي 2/ 177، وابن ماجه (2549). والعسيف: الأجير.
(1)
أخرجه البخاري (2671) و (4747) و (5307)، وأبو داوود (2254)، والترمذي (3179)، وابن ماجه (2067)، والبيهقي 7/ 393، وأحمد 1/ 273.
(2)
في (ش): هذا حدّاً لشريك.
(3)
في (ش): فكذلك.
(4)
في (ش): على مجيء.
المقذوف؛ ولأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يجوزُ عليه القَذْفُ المُحَرَّمُ، ولا أقرَّ هلالا على ذلك، ولو كان قذفاً حراماً لم يُقِرَّه عليه، سواء وجب فيه الحدُّ أو لم يجب (1)، والغالبُ أنَّ السيدَ جرح بهذا لمَّا حَفِظ أنَّ مذهبنا أنَّهم قَذَفَةٌ على سبيلِ التّقليد لأهل المذهب، وظنَّ أنَّ أهلَ المذهبِ يقدحون على مَنْ قبلهم بذلك، وليس كذلك، فإنَّه لو لَزِمَ القَدْحُ بمسائلِ الخلاف، لزم الجرحُ لجميع المخالفين، بل الَّذي يذهب إليه أصحابُنا: أنَّ الشاهد قاذِفٌ، ولا يقبلونه لمذهبنا (2) فيه، ولا يلزمُ الغير أن يَرُدَّه كما ردُّوه، ولا يُنْسَبُ إلى مَنْ قَبِلهُ أنَّه يقبل (3) المجاريحَ، فاعرف ذلك.
وإن قال السَّيِّد (4): إنَّ الشاهد قاذِفٌ قطعاً، فذلك لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المسألة شرعيَّةٌ لا عقليَّةٌ، وليس فيها نصٌّ قاطعٌ غيرُ محتمِل للتَّخصيص، ولم يبق إلا القياسُ على العام (5)، ولا يصحُّ أن يكون القياسُ فيها (6) قاطِعَاً لوجدان الفروق (7) المانعة مِنْ ذلك، فإنَّ بين الشَّاهدِ والقاذفِ فُروقاً ظاهِرَة، ولا يصحُّ معها القياسُ القطعيُّ، ألا ترى أنَّه يُشترط في الشاهد العدالةُ، ويشترط العددُ المخصوصُ في الشُّهود، ولا يجب في القاذف أن يقذفَ معه غيره فثبت أنَّ الشَّاهدَ غيرُ القاذفِ، وإذا ثَبت أنَّ المسألة ظنيَّةٌ، لم يجز جرحُ الشُّهودِ بذلك؛ لأنَّ الجرح لا يكون إلا بأمرٍ ثبت بالقطع أنَّه
(1) في (ش): يوجب.
(2)
في (ب): بمذهبنا.
(3)
في (ش): قبل.
(4)
ساقط من (ش).
(5)
في (ب): " القياس "، وفي (ش):" القاذف ".
(6)
في (ش): فيه.
(7)
في (ب): فرق.
معصيةٌ، ولهذا لا يُجْرحُ مَنْ شَرِبَ المُثَلَّث (1) مع أنَّ جَرْحَ القاذِف الجاهلِ بتحريم القذف أو (2) الواثق بإقامَةِ الشَّهادة إنَّما هو بالنَّصِّ، وإلا فالقياس أنْ لا يُجَرَّحَ حتَّى يتحقق كذِبُه، لكن النَّصُ أقدمُ مِنَ القياس، فيجبُ أن نُقِرَّ النَّصَّ حيث ورد لمخالفته للقياس (3)، ولا يُقاس الشَّاهد على القاذف.
الوهم السابع: توهَّم السَّيِّد أنَّ هؤلاء الشُّهود الثَّلاثة إن لم يكونوا قاذفين، وجب جرحُ المغيرة بالزِّنى الذي أخبروا به، وظنَّ السَيِّد أنَّه لا مخرج مِنْ هذا السُّؤال، وليس كما توهَّم، بل يجوز أن لا يَصْدُقُوا فيما شَهِدُوا به، وأن (4) لا يُجْرَحُوا لِغلطهم في الشَّهادة.
فقد ذكر ابنُ النحوي في " البدر المنير ": أنَّ المغيرَة ادَّعى في تلك المرأة (5) الّتي رمَوْهُ بها أنَّها له زوجة، قال: وكان يرى نكاح السِّرِّ. وروي
(1) هو الشراب الذي طُبخ حتى ذهب ثلثاه، ويسمى الطِّلاء -بكسر المهملة والمد-: وهو الدبس شُبِّهَ بطلاء الإبل، وهو القَطِرَان الذي يُدهن به، فإذا طبخ عصير العنب حتى تمدد أشبه طلاء الإبل، وهو في تلك الحالة غالباً لا يسكر.
وفي البخاري 10/ 62 في الأشربة، باب: الباذق: وَرأي عمرُ، وأبو عبيدة، ومعاذٌ شُربَ الطِّلاءعلى الثُّلْثِ.
قال الحافظ في " الفتح " 10/ 64 بعد أن خرج الآثار: وقد وافق عمر ومن ذكره معه على الحكم المذكور (أي: على جواز شرب الطِّلاء إذا طبخ، فصار على الثلث، ونقص منه الثلثان) أبو موسى، وأبو الدرداء، أخرجهُ النسائي عنهما، وعلي وأبو أمامة، وخالد بن الوليد وغيرهم، أخرجها ابن أبي شيبة وغيره، ومن التابعين ابن المسيب، والحسن، وعكرمة، ومن الفقهاء الثوري، والليث، ومالك، وأحمد، والجمهور، وشرط تناوله عندهم ما لم يسكر، وكرهه طائفة تورعاً.
(2)
في (ب): و.
(3)
في (ب): القياس.
(4)
" أن " ساقطة من (ب).
(5)
في (ش): " الامرأة ".
أنه كان يتبسَّمُ عند شهادتهم، فقيل له في ذلك، فقال: إنِّي أَعْجَبُ مِمَّا أريدُ أن أفعلَه بَعْدَ شهادتهم (1)، قيل: وما تفعل؟ قال: أُقيم البَيِّنَة أنَّها زوجتي. ذكره في " البدر المنير "، وذكر أنَّه كان كثيرَ الزواجة وأنَّه أُحصن بثلاثِ مئةِ امرأةٍ، فهذا محتمل.
وليس القصدُ تنزيه المغيرة مِنْ ذلك لأجلِ ورعه وتحرِّيه في أمر (2) الدِّيانة، فإنَّه باغٍ بالإِجماع، وإنَّما القصدُ بيانُ الاحتمال المانع مِنَ الإلزام الَّذي ذكره السَّيِّدُ، والمانع من رمي المغيرة بالزِّنى على الإطلاق والقطع، فإنْ كان السيدُ يريدُ أنَّه مجروحٌ بالبغيِ، فذلك مسلَّمٌ، ولكن بغير الزنى على ما قدَّمنا مِنَ (3) التَّفصيل والخلاف، وإنْ كان يُرِيدُ إثباتَ الزِّنى عنه، ففيه ما ذكرتُه مِنَ الإِشكال، والله أعلم.
الوهم الثامن: أنَّه ذكر في رسالته أنَّ مَنْ قعد عن نُصرة عليٍّ عليه السلام، فهو مجروح، ثمَّ ذكر ها هنا أنَّ أبا بكْرَةَ كان مِنْ فُضلاء الصَّحابة، ولا شكَّ عند أهلِ الخِبرة بالسِّيرِ أنَّ أبا بكرة كان من القاعدين المتشددين في ذلك، وله كلام على المتقاتلين جميعاً فيه نكارةٌ كثيرة (4) لكنَّه كان متأوِّلاً متديِّناً غيرَ مجترىءٍ، والسيد واهم (5) في أحد الموضعين، واللهُ أعلم.
واعلم أنَّ بعضَ الزَّيديَّة قد حاول الجزمَ بتفسيق المتوقِّفين عن عليٍّ عليه السلام، واحتجَّ بأمرين:
(1) من قوله: " فقيل له " إلى هنا ساقط من (ش).
(2)
في (ش): من أجل.
(3)
في (ش): في.
(4)
في (ش): كبيرة.
(5)
في (ب): أوهم.
أحدُهما: ما رواه السَّيد أبو طالب من طريق الحارث بن حوط، أنَّه سأل عليّاً عليه السلام عن ابنِ عُمَرَ، فأنشده:
واثُكْلَها قَدْ ثَكِلَتْهُ أَرْوَعَا
…
أَبْيَضَ يحمي السّرْبَ أنْ يُرَوَّعا
واستنبط مِنَ الحُكمِ بِثُكْلِهِ الحُكْمَ بِهلاكِه، وَمِنَ الحُكْمِ (1) بهلاكه أنَّه هلاكُ الدِّين والآخرة، والجوابُ من وجهين:
أَحَدُهُما: النِّزاع في صحَّته، فإنَّ الحارثَ بنَ حوطٍ غَيْرُ مَذكور في كتب الرُّواة، ولا عُرِفَ السندُ إليه أيضاًً.
وثانيهما: أنَّه لو صحَّ الإسنادُ في ذلك، لم يَحْسُنْ قبولُه، ولا يحِلُّ، لأنَّ التَّفسيقَ لا يجوز إلَاّ بدليلٍ قاطع، ولا قاطعَ في النقل إلا التواترُ الضروري، وما دونه ظنِّيُّ إلا ما تواتر الإجماعُ القاطعُ على صحَّته مِمَّا دونَ المتواتر، فاختلف فيه: هل يكون قاطعاً؟ والصَّحيح أنَّه لا يكونُ قاطعاً كما قُرِّر (2) في موضعه مِنْ هذا الكتاب، ومن علوم الحديث الذي جمعته.
الوجه الثاني: أنَّه معارَضٌ بالثَّناء مِنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ومن عليٍّ عليه السلام على ابنِ عمر، ومحمَّدِ بن مسلمة وغيرِهما من المتوقِّفين، لكن عادةُ المخالفين أن لا يقبلوا ما خالفهم.
الثالث: أنَّه غيرُ بَيِّن المعنى (3)، وشرطُ القاطع أن يكونَ غيرَ
(1) من قوله: " بتكله " إلى هنا ساقط من (ش).
(2)
في (ش): قرره.
(3)
ساقطة من (ب).
محتمل، وبيان الاحتمال فيه من وجهين.
أحدهما -وهو أضعفُهما- أنَّه لا يجب صرفُ الهلاك المستنبط منه إلى الهلاكِ في حُكم الآخره إلَاّ متى تواتر أنَّ (1) هذا السُّؤال لعليٍّ عليه السلام، والجواب منه كان في حياة ابنِ عمر، أمَّا إذا أمكن ولو تجويزاً بعيداً أنَّه (2) بعدَ موته جازَ أن يكون (3) أراد ما أراد به قائله الأول مِنَ الثَّناء على الهالك بالموت، والتَّأسُّف عليه. ولسنا نجهلُ أنَّه قد نقل (4) تأخر موتِ ابن عمر (5)، ولكنَّ ذلك غيرُ متواتر ضروري، ولا يَنْفَعُ نقلُ الآحاد في هذا المقام، ولو كان متَّفقاً على صحَّته وشهرته، ومن أجل ذلك النَّقل المشهور قلنا: إنَّ هذا الوجه أضعفُ الوجهين.
وثانيهما: أنَّ هذا القول غيرُ نَصٍّ على فسقه بالضَّرورة، فيجوز حينئذٍ أنَّه نَزَّلَ وَقْفَهُ مَنْزِلَةَ مَوْتِهِ في عدم انتفاعه به (6)، لأنَّه لو مات، لم يزد على أنَّه (7) يفقد منه نصر الحَقِّ، وخِذلان الباطل، فبيَّن عليه السلام أنّه في فقده له في وقفه مستحِقٌّ أنْ يحزنَ عليه صديقُه، ويثكَلهُ إخوانُه كما قيل ذلك في مثله بعدَ الموت الحقيقيِّ، بَل الموتُ المجازيُّ أحقُّ كما قال الله تعالى في العمى:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، فجعل العمى المجازِيَّ أشدَّ، ولذلك نَدِمَ وتاب رحمه الله.
(1)" أن " ساقطة من (ش).
(2)
ساقطة من (ج).
(3)
في (ب): يكون أنه.
(4)
" نقل " ساقطة من (ب).
(5)
كتب فوقها في (ش): عن موت علي عليه السلام.
(6)
ساقطة من (ب).
(7)
في (ش): أن.