الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّظر الرابع: أنَّ كلامَه في هذا الفصل يستلزِمُ اشتراطَ السَّفرِ والخطرِ في صِحَّة الاجتهاد
؛ لَأنَّه إذا وجب ذلك في معرفة القرينة الصَّارِفةِ للأمر مِن الحقيقة إِلى المجاز، فكيف بالاجتهادِ في جميع العُلوم كُلِّها (1) دِقِّها وجِلِّها؟ بل كلامُه يستلزمُ أنَّ كُلَّ مسألة اجتهادِيةً تحتاج إلى السَّفر، وتفتقر إلى الخَطرِ، وهذا يُفْضِي (2) إلى أن يشترط في الاجتهادِ منْ طَيِّ المراحل والمجاهل، والتَّطوافِ على المفاوزِ والمناهل ما لا يكادُ يُمكِنُ إلا مع القدرة على الطَّيران، أوِ (3) الركوب على بساطِ سليمان، وما زال أهلُ العلم يذكرون شروطَ الاجتهاد، فما ذكر أحدٌ (4) مِنْهُمْ تطوافَ البلاد، ولا ركوبَ الأخطار في تَقَحُّمِ الأغوار والأنجاد، كيفَ إلا مسألة ظنِّيَّة وأمَارة فروعية، فما الحاملُ على هذا الغلوِّ (5) الفظيع والتَّحامل الشَّنيع؟
النظر الخامس: أنَّ السَّيِّد أيَّده الله إما أنْ يكونَ يَعْرِفُ هذه القرينةَ الَّتي هَوَّلَ معرفتها أوْ لا، إن لم يكن يعرِفها، فكيف يحكم على ما لا يَعْرِفُ؟! والحكمُ على الشَّيْء بالسُّهولة أو الصُّعوبة فرعٌ على معرفته، وإن كان يعرف هذه القرينة، فكلامُه يدلُّ على أنَّه مِنْ أهلِ الاطِّلاع على العلوم، والعضِّ عليها بالنواجذ، لأنَّه قد نصَّ على أن معرفة هذه القرينة يحتاجُ إلى ذلك، لكِنِ السَّيِّدُ قدْ وَعَّرَ مسالِكَ العلوم (6)، وبعَّدَها، وتوقَّف في إمكانها، ومَنْ كان مِنْ أهل العلوم والعضِّ عليها بالنَّواجذ، فهو مجتهدٌ
(1)" كلها " ساقطة من (ب).
(2)
في (ش): " يقتضي ".
(3)
في (ب) و (ش): و.
(4)
تحرف في (ج) إلى " أحداً ".
(5)
في (ش): الأمر.
(6)
من قوله: " والعض عليها " إلى هنا ساقط من (ب).
بغير شَكٍّ وأيضاًً فما علمنا -مع المجاورة- أنَّه قَدِ ارتكب الأخطار، ولا طاف الأقطار. وبالجملة، فقد قدَّمْتُ قريباً أنَّ البُلغاء لا يسترحون إلى الأسجاع إلَاّ إذا حَلَّوْا بجواهرها لباتِ الحقائقِ وصدورَها، وسيَّرُوا في أفلاكِ قوارعها شموسَ الدَّلائل وبُدورَها، فأمَّا إذا لم تُصاحِبْ صِدْقَاً ولا حقَّاً، فما هي إلا كبقلة الحمقا (1)، لا تُثْمِرُ ولا تَبقى، ولا تستَحِقُّ أن تُزْرَعَ، ولا أن تُسقى.
قال: الموضع الثَّاني في الدَّليلِ (2) على أنَّ في أخبار هذه الكتب المسمَّاة بالصِّحاح ما هو غيرُ صحيحٍ إلى آخر كلامه في هذا الفصل، وهو مشتمل على الطَّعن في كتب الحديث بذكر ما فيها من حديث المحاربين أميرَ المؤمنين عليَّاً عليه السلام، وإنَّما لم أُورِدْهُ كلَّه هنا؛ لأنَّه قد تقدَّم جوابُ أكثرِه في مسألة قبول أنواعِ أهل التَّأويل، وتقدَّم هُناك نصوصُ كثيرٍ مِنْ أهلِ البيت على قَبُولهِمْ، بل على دعوى الإجماع منهم، ومِنْ غيرهم على ذلك، ولم أعلم أحداً قبلي بَسَطَ في هذه المسألة ما (3) بسطتُ، فراجعه فيما تقدَّم، ولم يبقَ هنا إلا تَتِمَّةً يسيرة، وأنا أتتبَّعُ ما لم يتقدَّم
جوابُه وأبيَنُه إن شاء الله تعالى.
(1) في " مجمع الأمثال " للميداني ص 226: أحمق من رِجْلَة، وهي البقلة التي تسميها العامة الحمقاء، وإنما حمَّقوها، لأنها تنبت في مجاري السيول، فيمر السيلُ بها، فيقتلعها. وفي " المستقصى " 1/ 81: أحمق من رِجْلَة: هي البقلة الحمقاء، وهي تنبت في مسيل الماء، فيقلعها السيل. والرِّجلة: المسيل، فسميت باسمه. وفي " زهر الأكم " 2/ 134: أحمقُ من رِجْلَة: الرِّجلة -بكسر الراء وسكون الجيم-: ضرب من النبات معروف ينبت في حميل السيل، فيقتلعه، فيوصف لذلك بالحمق. ويقال له: بقلة الحمقاء، والبقلة اللينة، والبقلة المباركة. وقيل: إن البقلة المباركة هي الهندباء. وقولهم: " بقلة الحمقاء " أضيف فيه الموصوف إلى الصفة في الظاهر، كقولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى.
(2)
في " الدليل " ساقطة من (ب).
(3)
في (ش): مثل ما.