الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا احتجاجُهم على فِسْقِ الواقفيَّة بقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: " واخْذُلْ منْ خَذَلَهُ "(1)، فجوابه من الوجهين (2) معاً، أمَّا (3) عَدَم تواتره فظاهر، وأمَّا معناه (4) فقد وَضُحَ (5) في قول عليٍّ عليه السلام الَّذي رواه الخُصوم أنّ الواقفين لم ينصروا الحقَّ، ولم يخذُلوا الباطلَ، وذلك أنَّه جعل وقفهم عَن الباطل غيرَ خِذلانٍ له، فكذلك وقفُهم عَنِ الحَقِّ، ولأنّ ذلك هو القدر المتحقِّقُ في معنى الخذل، وما دونَه ظنٌّ، ولا يجوز التَّفسيقُ بالظَّنِّ، والله سبحانه أعلم.
ثم إن الواقفة مِنَ المتأوِّلين، وقد تقدَّم أنَّ فِسْقَ التَّأويل لا يقدح عند العِترة وغيرِهم في باب الرواية.
الوهم التاسع: قال: ومنهم الوليد بنُ عقبة
. توهَّم السَّيِّد أنَّه من جملةِ مَنْ لا يجوزُ عليه الكبائرُ مِنَ الصّحابة عند المحدِّثين، وأنَّه عن (6) الفسوق (7) عندهم من المعصومين، وأنه (8) مِنَ المقبولين عند المحدثين، وأنَّه في البراءة عَنِ المعاصي أرفَعُ مرتبة مِنْ سَيِّدِ المرسلين، وهذا وهمٌ ومجازَفَةٌ، وأنا أذكر من كلامهم ما يُمِيطُ هذا الوهمَ إن شاء الله تعالى.
فأقول: قال أبو عمر (9) بن عبد البر في كتاب " الاستيعاب "(10) -وقد
(1) تقدم تخريجه في 1/ 369.
(2)
في (ش): وجهين.
(3)
في (ب): أما مع.
(4)
في (ش): معنى.
(5)
في (ش): صح.
(6)
في (ب): من.
(7)
في (ش): الفسق.
(8)
في (ش): فإنه.
(9)
في (ب): "عمرو"، وهو تحريف.
(10)
3/ 633.
ذكر الوليد-: لَهُ أخبارٌ فيها نَكَارَةٌ وشَنَاعة تقطعُ على سُوءِ حاله وقُبْحِ فعاله، وحكي عن أبي عُبيدة، والأصمعي، وابن الكلبي وغيرهم أنَّهم كانوا يقولون: إنَّه (1) كان فاسِقاً، شِرِّيبَ خَمْر، شاعراً كريماً، وأخبارُه في شربه الخمر، ومنادَمته لأهله مشهورةٌ يَسْمُجُ بنا ذكرُها ها هنا. انتهى.
وقال أحمد بن حنبل في الحديث الذي فيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسح على رأسه في صغَرِه: إنَّ ذلك لِسَابِقِ علمه فيه، وسيأتي ذكر الحديِث.
وذكر غَيْرُ واحد من شارحي " كتاب الرافعي الكبير"(2)، منهم الحافظ ابن حجر أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قتل عُقْبَةَ بنَ أبي معيط صبراً يَوْمَ بدرٍ بَعْدَ أسرِه كما ذكره الرافعي.
وقال ابن حجر: رواه البيهقيُّ من طريق محمد بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه، عن جَدِّه، عنه صلى الله عليه وسلم، وفيه أنَّ عقبة قال: مَنْ للصِّبْيَةِ يا محمد؟ قال: " النَّار ". ورواه الدارقطني في " الافراد "، وزاد فقال:" النَّارُ لَهُمْ ولأبِيهِمْ ". وفي " المراسيل " لأبي داود عن سعيد بن جبير مثلُ كلام الرافعي.
وخرّجه ابن أبي شيبة، ووصله الطبراني في " الأوسط " بذكر ابن عباس (3).
(1) ساقطة من (ش).
(2)
وهو المسمى " فتح العزيز على كتاب الوجيز " تأليف الإمام أبي القاسم عبد الكريم ابن محمد القزويني المتوفى سنة 623 هـ، والحافظ ابن حجر لا يُعد من شراحه، وإنما خرج أحاديثه في كتابه " تلخيص الحبير "، وهذا التخريج لخصه من كتاب " البدر المنير " لابن الملقن.
(3)
" تلخيص الحبير " 4/ 108، وانظر " مراسيل أبي داود " رقم (337) بتحقيقنا، =
قال الذهبي في " النبلاء "(1) في ترجمة الوليد: كان يشربُ الخمرَ، وحُدَّ على شربها، وروى من شعره في شُرْبِها، قال: وهو الذي صلَّى بأصحابه الفجرَ أربعاً وهو سكرانُ، ثمَّ التفت إليهم، وقال: أزيدُكم (2)؟
وقال لأميرِ المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه: أنا أَحَد منك سِناناً، وأَذْرَبُ لِساناً، وأشجع جَنَاناً، فقال (3): اسكت، فإنَّما أنت فاسقٌ، فنزلت:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، قال الذَّهبي: إسناده قوي (4)، انتهى كلامه.
وذكر الواحدي في كتاب " أسباب النزول "(5) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، ولم يذكر غيره، وروى حديثين في أنَّه الوليد، ومثله ذكر في " وسيط "(6) الواحدي أنَّه الوليد، ولم يذكروا (7) سواه، وكذا في " عين المعاني "،
= و" المصنف " لابن أبي شيبة 14/ 372.
وروى أبو داود (2686) بسند حسن من طريق عمرو بن مرة، عن إبراهيم قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقاً، فقال له عمارة بن عقبة: أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان، فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود -وكان في أنفسنا موثوق الحديث- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل أبيك قال: من للصبية؟ قال: " النار "، فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
3/ 414.
(2)
انظر " صحيح مسلم "(1707) في الحدود، باب: حد الخمر.
(3)
في (ش): فقال له.
(4)
وزاد: لكن سياق الآية يدل على أنها في أهل النار.
(5)
ص 261 - 263.
(6)
للإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة 468 هـ ثلاثة تفاسير " الوجيز "، و" الوسيط "، و" البسيط "، وقد طبع منها الوجيز على هامش " التفسير المنير لمعالم التنزيل " للشيخ محمد نووي الجاوي سنة 1305.
(7)
في (ش): يذكرا.