الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ مَا يَزِيدُ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا يُمْكِنُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَيًّا فَذُكِّيَ حَلَّ أَكْلُهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ، فَإِنَّ حَرَكَاتِ الْمَذْبُوحِ لَا تَنْضَبِطُ بَلْ فِيهَا مَا يَطُولُ زَمَانُهُ، وَتَعْظُمُ حَرَكَتُهُ، وَفِيهَا مَا يَقِلُّ زَمَانُهُ، وَتَضْعُفُ حَرَكَتُهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» .
فَمَتَى جَرَى الدَّمُ الَّذِي يَجْرِي مِنْ الْمَذْبُوحِ الَّذِي ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ حَلَّ أَكْلُهُ.
وَالنَّاسُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ دَمِ مَا كَانَ حَيًّا، وَدَمِ مَا كَانَ مَيِّتًا، فَإِنَّ الْمَيِّتَ يَجْمُدُ دَمُهُ وَيَسْوَدُّ، وَلِهَذَا حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ لِاحْتِقَانِ الرُّطُوبَاتِ فِيهَا، فَإِذَا جَرَى مِنْهُ الدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْمَذْبُوحِ الَّذِي ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ تُيُقِّنَ أَنَّهُ يَمُوتُ، فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ ذُبِحَ، وَمَا فِيهِ حَيَاةٌ فَهُوَ حَيٌّ، وَإِنْ تُيُقِّنَ أَنَّهُ يَمُوتُ بَعْدَ سَاعَةٍ.
فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَمُوتُ، وَكَانَ حَيًّا جَازَتْ وَصِيَّتُهُ وَصَلَاتُهُ وَعُهُودُهُ، وَقَدْ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِأَنَّهَا إذَا مَصَعَتْ بِذَنَبِهَا، أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا، أَوْ رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ حَلَّتْ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا أَنْ تَكُونَ حَرَكَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَهَذَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ، لِأَنَّ الْحَرَكَةَ دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاةِ، وَالدَّلِيلُ لَا يَنْعَكِسُ فَلَا يَلْزَمُ إذَا لَمْ يُوجَدْ هَذَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ مَيْتَةً، بَلْ قَدْ تَكُونُ حَيَّةً وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مِثْلُ ذَلِكَ، وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ نَائِمًا فَيُذْبَحُ وَهُوَ نَائِمٌ وَلَا يَضْطَرِبُ، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُذْبَحُ وَلَا يَضْطَرِبُ، وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ قَدْ تَكُونُ حَيَّةً فَتُذْبَحُ وَلَا تَضْطَرِبُ لِضَعْفِهَا عَنْ الْحَرَكَةِ وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً، وَلَكِنَّ خُرُوجَ الدَّمِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ إلَّا مِنْ مَذْبُوحٍ، وَلَيْسَ هُوَ دَمُ الْمَيِّتِ دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْل ذَكَاةُ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ]
فَصْل وَتَجُوزُ ذَكَاةُ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، وَتَذْبَحُ الْمَرْأَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، فَإِنَّ حَيْضَتَهَا لَيْسَتْ فِي يَدِهَا، وَذَكَاةُ الْمَرْأَةِ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ «ذَبَحَتْ امْرَأَةٌ شَاةً فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَكْلِهَا» .
[فَصْلٌ التَّسْمِيَةُ عَلَى الذَّبِيحَةِ]
فَصْلٌ وَالتَّسْمِيَةُ عَلَى الذَّبِيحَةِ مَشْرُوعَةٌ، لَكِنْ قِيلَ: هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ: وَاجِبَةٌ مَعَ الْعَمْدِ، وَتَسْقُطُ مَعَ السَّهْوِ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ
فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ مُطْلَقًا فَلَا تُؤْكَلُ الذَّبِيحَةُ بِدُونِهَا، سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَدْ عَلَّقَ الْحِلَّ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَقَوْلِهِ:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4]، وَقَوْلِهِ:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] .
{وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 119]{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» .
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيٍّ: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ خَالَطَ كَلْبَك كِلَابٌ أُخَرُ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» .
فَهُوَ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبِحْ لِلْجِنِّ الْمُؤْمِنِينَ إلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ بِالْإِنْسِ، وَلَكِنْ إذَا وَجَدَ الْإِنْسَانُ لَحْمًا قَدْ ذَبَحَهُ غَيْرُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، لِحَمْلِ أَمْرِ النَّاسِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ