الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]
ِ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ لِمُسْلِمٍ يَعْمَلُ صَالِحًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَتِهِ لَا مَعْصِيَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ بِالْمُبَاحِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ كَمَنْ يُعْطِي اللَّحْمَ وَالْخُبْزَ لِمَنْ يَشْرَبُ عَلَيْهِ الْخَمْرَ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْفَوَاحِشِ وَمَنْ أَكَلَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلَمْ يَشْكُرْ فَهُوَ مَذْمُومٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] أَيْ عَنْ الشُّكْرِ عَلَيْهِ.
وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ الْجَلَّالَةُ، وَعَامَّةُ أَجْوِبَةِ أَحْمَدَ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمٌ وَلَا أَثَرَ لِاسْتِحْبَابِ الْعَرَبِ فَمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ الشَّرْعُ فَهُوَ حِلٌّ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ وَيَحْرُمُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ تَغَيَّرَ كَحَيَوَانٍ مِنْ نَعْجَةٍ نِصْفُهُ خَرُوفٌ وَنِصْفُهُ كَلْبٌ. وَالْمُضْطَرُّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا السُّؤَالُ وقَوْله تَعَالَى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] .
قَدْ قِيلَ إنَّهُمَا صِفَةٌ لِلشَّخْصِ مُطْلَقًا فَالْبَغْيُ كَالْبَاغِي عَلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْعَدْلِ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} [الحجرات: 9] وَالْعَادِي كَالصَّائِلِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ الَّذِي يُرِيدُ النَّفْسَ وَالْمَالَ.
وَقَدْ قِيلَ إنَّهُمَا صِفَةٌ لِضَرُورَتِهِ فَالْبَاغِي الَّذِي يَبْغِي الْمُحَرَّمَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْعَادِي الَّذِي يَتَجَاوَزُ قَدْرَ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3] .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَهُوَ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْصُرُ بَلْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَامَّةٌ مُطْلَقَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُضْطَرُّ إلَى طَعَامِ الْغَيْرِ إنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا يَلْزَمُهُ عِوَضٌ إذْ إطْعَامُ الْجَائِعِ وَكِسْوَةُ الْعَارِي فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيَصِيرَانِ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْمُعَيَّنِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ إلَّا مَالٌ لِغَيْرِهِ كَوَقْفٍ وَمَالِ يَتِيمٍ وَوَصِيَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ صَرْفُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْجِهَةِ فَيُصْرَفُ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا فَلَا.
تَرَدَّدَ نَظَرُ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَزِمَهُ الْعِوَضُ إذْ الْوَاجِبُ مُعَاوَضَتُهُ وَإِذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ وَمَيْتَةً فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ مَالِكَ الطَّعَامِ وَأَمْكَنَ رَدَّهُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ بِحَيْثُ يَجِبُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْفُقَرَاءِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مَالِكُهَا فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ ذَلِكَ عَلَى الْمَيْتَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى عَيْنٍ قَدْ بِيعَتْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَيَّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ كَمَا لَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ لِأَنَّهَا فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ أُخِذَتْ ثُمَّ اخْتِيَارُهُ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ عِوَضِهَا إلَّا أَنَّ الْأَخْذَ كَانَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ بِحَقٍّ وَفِي الْآخَرَ بِبَاطِلٍ وَهَذَا إنَّمَا تَأْثِيرُهُ فِي الْأَخْذِ لَا فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ اسْتِحْقَاقِ أَخْذِ التَّنْقِيصِ بِالشُّفْعَةِ فَيُقَالُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَاكَ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّرِيكَ يَسْتَحِقُّ الِانْتِزَاعَ فَقَدْ رَضِيَ بِهَذَا الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِ اضْطِرَارٍ ثُمَّ يَحْدُثُ اضْطِرَارٌ إلَيْهَا.
وَلَوْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ إلَى مَنَافِعَ مُؤَجَّرَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ دَابَّةٌ وَسُكْنَى أَوْ دَارٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ فَهِيَ كَالْأَعْيَانِ وَإِنْ قُلْنَا تُؤْخَذُ مَجَّانًا فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ لَا الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَلَفِهَا بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ وَلَوْ تَلِفَتْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ فَالْوَاجِبُ الْمَعْرُوفُ عَادَةً كَالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَالرَّقِيقِ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمُبْتَدِعٌ مَذْمُومٌ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْبِطِّيخِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ
لَهُ فَكَذِبٌ وَيُكْرَهُ ذَبْحُ الْفَرَسِ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجِهَادِ بِلَا نِزَاعٍ.