الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَكَاةِ أَبِيهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ]
1062 -
38 وَسُئِلَ: هَلْ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَكَاةِ أَبِيهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ: إذَا كَانَ عَلَى الْوَلَدِ دَيْنٌ وَلَا وَفَاءَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَكَاةِ أَبِيهِ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى النَّفَقَة وَلَيْسَ لِأَبِيهِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ فَفِيهِ نِزَاعٌ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ زَكَاةِ أَبِيهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا بِنَفَقَةِ أَبِيهِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَّا زَكَاتَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ نَوَى زِيَارَةَ قَبْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ فِي سَفَرِهِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ]
1063 -
39 مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ نَوَى زِيَارَةَ قَبْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ فِي سَفَرِهِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ؟ وَهَلْ هَذِهِ الزِّيَارَةُ شَرْعِيَّةٌ أَمْ لَا؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي، وَمَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «لَا تُشَدُّ الرَّحَّالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» .
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَمَّا مَنْ سَافَرَ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ مُتَقَدِّمِي الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا يُجَوِّزُونَ الْقَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ وَأَبِي الْوَفَا بْنِ عَقِيلٍ، وَطَوَائِفَ كَبِيرَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي مِثْلِ هَذَا السَّفَرِ، لِأَنَّهُ سَفَرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ السَّفَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الشَّرِيعَةِ لَا يُقْصَرُ فِيهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَقْصُرُ، وَهَذَا يَقُولُهُ مَنْ يُجَوِّزُ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَيَقُولُهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ مِمَّنْ يُجَوِّزُ السَّفَرَ لِزِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ: كَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ عَبْدُوسٍ الْحَرَّانِيِّ،
وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيَّ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إنَّ هَذَا السَّفَرَ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «فَزُورُوا الْقُبُورَ» .
وَقَدْ يَحْتَجُّ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِهِ «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» فَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ «مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبِي ضَمِنْت لَهُ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ» فَإِنَّ هَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ، وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ.
وَقَدْ احْتَجَّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَزُورُ مَسْجِدَ قُبَاءَ. وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ» بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ.
وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَإِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» وَهَذَا الْحَدِيثُ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى صِحَّتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَلَوْ نَذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَشْهَدٍ أَوْ يَعْكُفُ فِيهِ أَوْ يُسَافِرُ إلَيْهِ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى لِصَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهَذَا النَّذْرِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَلَمْ يَجِبْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عِنْدَهُ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَيُوَجِّهُونَ الْوَفَاءَ بِكُلِّ طَاعَةٍ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلِيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَالسَّفَرُ إلَى الْمَسْجِدِ هُوَ طَاعَةٌ فَلِهَذَا وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ.
وَأَمَّا السَّفَرُ إلَى بُقْعَةِ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَلَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ السَّفَرَ إلَيْهِ
إذَا نَذَرَهُ حَتَّى نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَافَرُ إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثَةِ، مَعَ أَنَّ مَسْجِدَ قُبَاءَ تُسْتَحَبُّ زِيَارَتُهُ لِمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَدِّ رَحْلٍ كَمَا فِي الصَّحِيحِ «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ لَا يُرِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ كَانَ كَعُمْرَةٍ» .
قَالُوا: وَلِأَنَّ السَّفَرَ إلَى زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ، وَلَا أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لِمَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ عِبَادَةً وَفَعَلَهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَلِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ. وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ فِي إبَانَتِهِ الصُّغْرَى مِنْ الْبِدَعِ الْمُخَالَفَةِ لِلسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ حُجَّةِ أَبِي مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ «زِيَارَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَسْجِدِ قُبَاءَ لَمْ تَكُنْ بِشَدِّ الرَّحْلِ» ، وَهُوَ يُسَلَّمُ لَهُمْ أَنَّ السَّفَرَ إلَيْهِ لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ. وَقَوْلُهُ إنَّ قَوْلَهُ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ» مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ يُجَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا تَسْلِيمٌ مِنْهُ أَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَيْسَ بِعَمَلٍ صَالِحٍ وَلَا قُرْبَةٍ وَلَا طَاعَةٍ وَلَا هُوَ مِنْ الْحَسَنَاتِ.
وَمَنْ اعْتَقَدَ فِي السَّفَرِ لِزِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَعِبَادَةٌ وَطَاعَةٌ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَإِذَا سَافَرَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ طَاعَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَصَارَ التَّحْرِيمُ مِنْ جِهَةِ اتِّخَاذِهِ قُرْبَةً. وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحَدًا لَا يُسَافِرُ إلَيْهَا إلَّا لِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّ شَدَّ الرَّحْلَ إلَيْهَا لِغَرَضٍ مُبَاحٍ فَهَذَا جَائِزٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّفْيَ يَقْتَضِي النَّهْيَ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، بَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ الْمُعْتَمَدَةِ شَيْئًا مِنْهَا، وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِشَيْءٍ مِنْهَا، بَلْ مَالِكٌ إمَامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: زُرْت قَبْرَ النَّبِيِّ، وَلَوْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ أَوْ مَشْرُوعًا أَوْ مَأْثُورًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكْرَهْهُ عَالِمُ الْمَدِينَةِ.
الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه أَعْلَمُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ بِالسُّنَّةِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا مِنْ رَجُلٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، وَكَذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ
السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ أَيْنَمَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي» وَفِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَأَى رَجُلًا يَخْتَلِفُ إلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُوهُ عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا هَذَا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ أَيْنَمَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي» فَمَا أَنْتَ وَرَجُلٌ بِالْأَنْدَلُسِ مِنْهُ إلَّا سَوَاءٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا. قَالَتْ عَائِشَةُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزَ قَبْرَهُ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا، فَهُمْ دَفَنُوهُ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ بِخِلَافِ مَا اعْتَادُوهُ مِنْ الدَّفْنِ فِي الصَّحْرَاءِ لِئَلَّا يُصَلِّيَ أَحَدٌ عَلَى قَبْرِهِ وَيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَيُتَّخَذَ قَبْرُهُ وَثَنًا، وَكَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَمَّا كَانَتْ الْحُجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ مُنْفَصِلَةً عَنْ الْمَسْجِدِ إلَى زَمَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ عِنْدَهُ لَا لِصَلَاةٍ هُنَاكَ وَلَا لِتَمَسُّحٍ بِالْقَبْرِ وَلَا دُعَاءٍ هُنَاكَ، بَلْ هَذَا جَمِيعُهُ إنَّمَا يَفْعَلُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْهِ أَوْ أَرَادُوا الدُّعَاءَ دَعَوْا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَلَمْ يَسْتَقْبِلُوا الْقَبْرَ.
وَأَمَّا وَقْتُ السَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ أَيْضًا وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ بَلْ يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ عِنْدَ السَّلَامِ خَاصَّةً، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ عِنْدَ الدُّعَاءِ إلَّا حِكَايَةً مَكْذُوبَةً تُرْوَى عَنْ مَالِكٍ، وَمَذْهَبُهُ بِخِلَافِهَا.
وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُقَبِّلُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مُحَافَظَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ، فَإِنَّ مِنْ أُصُولِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ اتِّخَاذُ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ، كَمَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]