الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا قَوْلُهُ: اسْأَلُونِي عَنْ طُرُقِ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ قَالَهُ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ طَرِيقًا لِلْهُدَى، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ جُنْدِيٍّ لَهُ إقْطَاعٌ وَنَسَخَ بِيَدِهِ صَحِيحَ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ وَالْقُرْآنَ وَهُوَ نَاوٍ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ]
1042 -
18 مَسْأَلَةٌ:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ جُنْدِيٍّ لَهُ إقْطَاعٌ وَنَسَخَ بِيَدِهِ صَحِيحَ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ وَالْقُرْآنَ وَهُوَ نَاوٍ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
وَإِنْ سَمِعَ بِوَرَقٍ أَوْ أَقْلَامٍ اشْتَرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ أَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَكْتُبُ فِي جَمِيعِ هَذَا الْوَرَقِ أَحَادِيثَ الرَّسُولِ وَالْقُرْآنَ وَيُؤَمِّلُ آمَالًا بَعِيدَةً، فَهَلْ يَأْثَمُ أَمْ لَا؟ وَأَيُّ التَّفَاسِيرِ أَقْرَبُ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: الزَّمَخْشَرِيُّ، أَمْ الْقُرْطُبِيِّ، أَمْ الْبَغَوِيّ، أَوْ غَيْرُ هَؤُلَاءِ.
وَإِذَا نَسَخَ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْبَيْعِ يَكُونُ لَهُ أَجْرٌ وَثَوَابٌ مِثْلَ إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَقُوتِ الْقُلُوبِ وَمِثْلَ كِتَابِ الْمَنْطِقِ أَفْتُونَا.
الْجَوَابُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إثْمٌ فِيمَا يَنْوِيهِ وَيَفْعَلُهُ مِنْ كِتَابَةِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّفَاسِيرِ الْمَوْجُودَةِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ.
وَأَمَّا التَّفَاسِيرُ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّاسِ فَأَصَحُّهَا تَفْسِيرُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ مَقَالَاتِ السَّلَفِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ وَلَيْسَ فِيهِ بِدْعَةٌ وَلَا يَنْقُلُ عَنْ الْمُتَّهَمَيْنِ مُقَاتِلِ بْنِ بُكَيْر وَالْكَلْبِيِّ.
وَالتَّفَاسِيرُ الْمَأْثُورَةُ بِالْأَسَانِيدِ كَثِيرَةٌ، كَتَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَوَكِيعِ بْنِ أَبِي قُتَيْبَةَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.
وَأَمَّا التَّفَاسِيرُ الثَّلَاثَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا فَأَسْلَمُهَا مِنْ الْبِدْعَةِ وَالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ الْبَغَوِيّ، لَكِنَّهُ مُخْتَصَرٌ فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ وَحَذَفَ مِنْهُ الْأَحَادِيثَ الْمَوْضُوعَةَ وَالْبِدَعَ الَّتِي فِيهِ وَحَذَفَ أَشْيَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْوَاحِدِيُّ فَإِنَّهُ تِلْمِيذُ الثَّعْلَبِيِّ، وَهُوَ أَخَبَرُ مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، لَكِنَّ الثَّعْلَبِيَّ فِيهِ
سَلَامَةٌ مِنْ الْبِدَعِ وَإِنْ ذَكَرَهَا تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِ، وَتَفْسِيرُهُ وَتَفْسِيرُ الْوَاحِدِيِّ الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ فِيهَا فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ، وَفِيهَا غَثٌّ كَثِيرٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ الْبَاطِلَةِ وَغَيْرِهَا.
وَأَمَّا الزَّمَخْشَرِيُّ فَتَفْسِيرُهُ مَحْشُوٌّ بِالْبِدْعَةِ، وَعَلَى طَرِيقَةِ الْمُعْتَزِلَةِ، مِنْ إنْكَارِ الصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَأَنْكَرَ أَنَّ اللَّهَ مُرِيدٌ لِلْكَائِنَاتِ وَخَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَأُصُولُهُمْ خَمْسَةٌ يُسَمُّونَهَا التَّوْحِيدُ وَالْعَدْلُ وَالْمَنْزِلَةُ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَإِنْفَاذُ الْوَعِيدِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، لَكِنَّ مَعْنَى التَّوْحِيدِ عِنْدَهُمْ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الصِّفَاتِ وَلِهَذَا سَمَّى ابْنُ التومرت أَصْحَابَهُ الْمُوَحِّدِينَ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ إلْحَادٌ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ، وَمَعْنَى الْعَدْلِ عِنْدَهُمْ يَتَضَمَّنُ التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ، وَهُوَ خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَإِرَادَةُ الْكَائِنَاتِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى شَيْءٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ مُقَدَّمَ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ لَكِنَّ هَذَا قَوْلُ أَئِمَّتِهِمْ وَهَؤُلَاءِ مَنْصِبُ الزَّمَخْشَرِيِّ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ مَذْهَبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَتْبَاعِهِمْ وَمَذْهَبُ أَبِي الْحُسَيْنِ.
وَالْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ عَلَى طَرِيقَتِهِ نَوْعَانِ مُسَايِخِيَّةٌ وَخَشَبِيَّةٌ، وَأَمَّا الْمَنْزِلَةُ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ فَهِيَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَمَا لَا يُسَمَّى كَافِرًا فَنَزَّلُوهُ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ وَإِنْفَاذُ الْوَعِيدِ عِنْدَهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ فُسَّاقَ الْمِلَّةِ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ يَتَضَمَّنُ عِنْدَهُمْ جَوَازَ الْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَقِتَالِهِمْ بِالسَّيْفِ - وَهَذِهِ الْأُصُولُ حَشَا كِتَابَهُ بِعِبَارَةٍ لَا يَهْتَدِي أَكْثَرُ النَّاسِ إلَيْهَا وَلَا لِمَقَاصِدِهِ فِيهَا، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ وَمِنْ قِلَّةِ النَّقْلِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَتَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ خَيْرٌ مِنْهُ بِكَثِيرٍ وَأَقْرَبُ إلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَبْعَدُ عَنْ الْبِدَعِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ مَنْ كَتَبَ هَذِهِ الْكُتُبَ لَا بُدَّ أَنْ تَشْتَمِلَ عَلَى مَا يُنْقَدُ لَكِنْ يَجِبُ الْعَدْلُ بَيْنَهَا وَإِعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ خَيْرٌ مِنْ تَفْسِيرِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَأَصَحُّ نَقْلًا وَبَحْثًا وَأَبْعَدُ عَنْ الْبِدَعِ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى بَعْضِهَا بَلْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ بِكَثِيرٍ بَلْ لَعَلَّهُ أَرْجَحُ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ لَكِنَّ تَفْسِيرَ ابْنِ جَرِيرٍ أَصَحُّ مِنْ هَذِهِ كُلِّهَا.
وَثَمَّ تَفَاسِيرُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ جِدًّا كَتَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ.
وَأَمَّا كِتَابُ قُوتِ الْقُلُوبِ، وَكِتَابُ الْإِحْيَاءِ تَبَعٌ لَهُ فِيمَا يَذْكُرُهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، مِثْلُ الصَّبْرِ، وَالشُّكْرِ، وَالْحُبِّ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالتَّوْحِيدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَبُو طَالِبٍ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ وَكَلَامِ أَهْلِ عُلُومِ الْقُلُوبِ مِنْ الصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ وَكَلَامُهُ أَشَدُّ وَأَجْوَدُ تَحْقِيقًا وَأَبْعَدُ عَنْ الْبِدْعَةِ مَعَ أَنَّ فِي قُوتِ الْقُلُوبِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ وَمَوْضُوعَةٌ وَأَشْيَاءُ مَرْدُودَةٌ كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا مَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ مِثْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْكِبْرِ، وَالْعُجْبِ، وَالرِّيَاءِ، وَالْحَسَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَغَالِبُهُ مَنْقُولٌ مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ الْمُحَاسَبِيِّ فِي " الرِّعَايَةِ " - وَمِنْهُ مَا هُوَ مَقْبُولٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَرْدُودٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُتَنَازَعٌ فِيهِ، وَالْإِحْيَاءُ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ فِيهِ مَوَادَّ مَذْمُومَةً، فَإِنَّ فِيهِ مَوَادَّ فَاسِدَةً مِنْ كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ تَتَعَلَّقُ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ - فَإِذَا ذُكِرَتْ مَعَارِفُ الصُّوفِيَّةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ عَدُوًّا لِلْمُسْلِمِينَ أَلْبَسَهُ ثِيَابَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَنْكَرَ أَئِمَّةُ الدِّينِ عَلَى أَبِي حَامِدٍ هَذَا فِي كُتُبِهِ وَقَالُوا: أَمْرَضَهُ الشِّفَاءُ يَعْنِي شِفَاءَ ابْنِ سِينَا فِي الْفَلْسَفَةِ - وَفِيهِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ كَثِيرَةٌ وَفِيهِ أَشْيَاءُ مِنْ أَغَالِيطِ الصُّوفِيَّةِ وَتُرَّهَاتِهِمْ، وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ الْعَارِفِينَ الْمُسْتَقِيمِينَ فِي أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْأَدَبِ مَا هُوَ مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا يَرِدُ مِنْهُ فَلِهَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ اجْتِهَادُ النَّاسِ وَتَنَازَعُوا فِيهِ.
وَأَمَّا كُتُبُ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفَةُ مِثْلُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَلَيْسَ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ كِتَابٌ أَصَحُّ مِنْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ وَبَعْدَهُمَا مَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا، مِثْلُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ، وَلِعَبْدِ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيِّ، وَبَعْدَ ذَلِكَ كُتُبُ السُّنَنِ كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ، وَالْمَسَانِيدُ كَمُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ، وَمُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمُوَطَّإِ مَالِكٍ فِيهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْكُتُبِ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَصَحُّ مِنْ مُوَطَّإِ مَالِكٍ يَعْنِي بِذَلِكَ مَا صُنِّفَ عَلَى طَرِيقَتِهِ، فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانُوا يَجْمَعُونَ فِي الْبَابِ بَيْنَ الْمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَمْ تَكُنْ وُضِعَتْ كُتُبُ الرَّأْيِ الَّتِي تُسَمَّى كُتُبُ الْفِقْهِ.
وَبَعْدَ هَذَا جَمْعُ الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ فِي جَمْعِ الصَّحِيحِ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْكُتُبِ