الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْخُلْعِ]
ِ اخْتَلَفَ كَلَامُ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي وُجُوبِ الْخُلْعِ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْغِضَةً لَهُ لِخُلُقِهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ وَهُوَ يُحِبُّهَا فَكَرَاهَةُ الْخُلْعِ فِي حَقِّهِ تَتَوَجَّهُ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُبْغِضُ زَوْجَهَا وَهُوَ يُحِبُّهَا لَا آمُرُهَا بِالْخُلْعِ، وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَصْبِرَ.
وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا الْكَرَاهَةِ لِنَصِّهِ عَلَى جَوَازِهِ فِي مَوَاضِعَ وَلَوْ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ وَلَمْ تَكُنْ تَزْنِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْعِوَضُ مَرْدُودٌ وَالزَّوْجَةُ بَائِنٌ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَلَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ وَوَجْهٌ قَوِيٌّ إذَا قُلْنَا الْخُلْعُ يَصِحُّ بِلَا عِوَضٍ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خَلَعَ عَلَى مَغْصُوبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِ وَتَخْرِيجُ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا قَوِيٌّ جِدًّا وَخُلْعُ الْحُبْلَى لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودَ بِهِ الْقُرْبَةُ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ بَقَاءُ الْمَرْأَةِ تَبَعَ زَوْجِهَا كَمَا يُقْصَدُ بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَطْؤُهَا لِتَعُودَ إلَى الْأَوَّلِ وَالْعَقْدُ لَا يُقْصَدُ بِهِ بَعْضُ مَقْصُودِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ لَمْ تَبِنْ بِهِ الزَّوْجَةُ وَيَجُوزُ الْخُلْعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِعَهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَدِيَ الْأَسِيرُ وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْذُلَ الْأَجْنَبِيُّ لِسَيِّدِهَا الْعَبْدَ عِوَضًا لِعِتْقِهِ وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِمَا إذَا كَانَ قَصْدُهُ تَخْلِيصًا مِنْ رِقِّ الزَّوْجِ لِمَصْلَحَتِهَا فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتَك حَتَّى أَتَزَوَّجَهَا وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهُ الْأَلْفَ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ. فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ رَجُلٌ يَقُولُ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتَك حَتَّى أَتَزَوَّجَهَا لَا يَحِلُّ هَذَا.
وَفِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ: إذَا قِيلَ إنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَالُوا لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَالْإِقَالَةُ لَا تَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ
الطَّرِيقَةِ الْخَرَسَانِيَّةِ وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَسْخٌ هُوَ فَسْخٌ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ مَنْ صَرَّحَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبَيْنِ وَإِنْ كَانَ شَارِحُ الْوَجِيزِ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ كَأَبِي إِسْحَاقَ فِي خِلَافِهِ وَغَيْرِهِ وَفِي مَعْنَى الْخُلْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَالٍ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْغَارِمِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِكُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مَالًا مِنْ عِنْدِهِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِمَّنْ طَلَاقُهُ بِالْمِلْكِ أَوْ الْوَكَالَةِ وَالْوِلَايَةِ كَالْحَاكِمِ فِي الشِّقَاقِ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ أَوْ الْإِعْسَارِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَمْلِكُ الْحَاكِمُ الْفُرْقَةَ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَالسَّفِيهَ يَصِحُّ طَلَاقُهُمَا بِلَا عِوَضٍ فَبِالْعِوَضِ أَوْلَى لَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي قَبُولِهِمَا لِلْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ وَجْهَانِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ صَحِيحٌ فَلَا يَخْرُجُ الْخِلَافُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ تَحْتَ حِجْرِ الْأَبِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ إذَا كَانَ لَهَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ وَتُخَرَّجُ أُصُولٌ لِأَحْمَدَ وَالْخُلْعُ بِعِوَضٍ فَسْخٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَلَوْ وَقَعَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَلَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ فِي الْخُلْعِ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ لَا لَفْظِ الطَّلَاقِ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ أَلْفَاظُهُمْ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ فَسْخٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَأَيْت أَبِي يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كُلُّ مَا أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه الْقِيَاسُ أَنَّهُمَا إذَا طَلَّقَهَا لِنِكَاحٍ ثَبَتَ صَدَاقُ الْمِثْلِ فَهَكَذَا الْخُلْعُ وَأَوْلَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هَلْ لِلزَّوْجِ إبَانَةُ امْرَأَتِهِ بِلَا عِوَضٍ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِينَهَا إلَّا بِعِوَضٍ وَإِنْ كَانَ طَلَاقٌ وَقَعَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِلَا عِوَضٍ فَرَجْعِيٌّ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي إبَانَتُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ مُطْلَقًا بِاخْتِيَارِهَا وَغَيْرِ اخْتِيَارِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لَهُ إبَانَتُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ فَإِذَا اخْتَارَتْ الْإِبَانَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَهُ أَنْ يُبِينَهَا وَيَصِحُّ الْخُلْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَيَقَعُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ إمَّا طَلَاقًا وَإِمَّا فَسْخًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ
وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيِّ وَهَذَا الْقَوْلُ لَهُ مَأْخَذَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لِلزَّوْجَيْنِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى إسْقَاطِهَا سَقَطَتْ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِتَرْكِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَرَضِيَ هُوَ بِتَرْكِ ارْتِجَاعِهَا وَكَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْعِوَضَ إسْقَاطَ مَا كَانَ ثَابِتًا لَهَا مِنْ الْحُقُوقِ كَالدَّيْنِ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ إسْقَاطَ مَا ثَبَتَ لَهُمَا بِالطَّلَاقِ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَهَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي النَّفَقَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ شَرَطَ الرَّجْعَةَ فِي الْخُلْعِ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ هَذَا الشَّرْطِ كَمَا لَوْ بَذَلَتْ لَهُ مَالًا عَلَى أَنْ تَمْلِكَ أَمْرَهَا فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ الشَّرْطِ فِي الْعُقُودِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخُلْعِ وَلَوْ طَلَّقَهَا فَشَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ بَذَلَتْ لَهُ مَا لَا يُزِيلُ عَنْهَا الرَّجْعَةَ لَمْ تَزُلْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِذَا خَالَعَتْهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِمَّا يَعْتَقِدُ أَنَّ وُجُوبَهُ اجْتِهَادٌ أَوْ تَقْلِيدٌ مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى قِيمَةِ كَلْبٍ أَتْلَفَتْهُ مُعْتَقِدَيْنِ وُجُوبَ الْقِيمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَةِ كَلْبٍ لَهُ فِي ذِمَّتِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا نَوْعُ غَرَرٍ، وَالْغَرَرُ يَصِحُّ عَلَى الْغَرَرِ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ.
نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَهَا عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ جَائِزٌ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ أَبُوهُ شَيْئًا رَجَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْأَبِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ صَحِيحٌ عَلَى ظَاهِرٍ وَهُوَ خُلْعٌ عَلَى الدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ مِنْ الْغَرَرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَمَّا لَمْ يَحْصُلْ الْعِوَضُ بِعَيْنِهِ رَجَعَ فِي بَدَلِهِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ اشْتَرَى مَغْصُوبًا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى مَالٍ فِي ذِمَّتِهَا ثُمَّ أَحَالَتْهُ بِهِ عَلَى أَبِيهِ لَكَانَ تَأْوِيلُ الْقَاضِي مُتَوَجِّهًا وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ تَأَوَّلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهَا حَوَالَةٌ وَأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَبِلَ الْحَوَالَةَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْأَبِ اعْتِرَافٌ بِالدَّيْنِ فَلِهَذَا مَلَكَ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا بِمَالِ الْخُلْعِ وَكَانَ لَهَا مُخَاصَمَةُ الْأَبِ فِيمَا تَدَّعِيهِ فَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ اعْتِرَافٌ بِالدَّيْنِ ثُمَّ جَحَدَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ وَجُحُودٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ.