الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي الْمُحَلِّلِ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ إذَا سَبَقَ أَخَذَ وَإِذَا سُبِقَ لَمْ يُعْطَ وَغَيْرُهُ إذَا سَبَقَ أُعْطِيَ، فَدُخُولُ الْمُحَلَّلِ ظُلْمٌ لَا تَأْتِي بِهِ الشَّرِيعَةُ.
وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ إنَّكُمْ تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ]
1053 -
29 مَسْأَلَةٌ:
فِي قَوْلِ النَّبِيِّ: «إنَّكُمْ تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُصَلِّينَ، فَبِمَ يُعْرَفُ غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ التَّارِكِينَ وَالصِّبْيَانِ.
وَهَلْ الْأَفْضَلُ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ
أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَوْ بِثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ لِأَجْلِ الْغَزْوِ، وَفِيمَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ
«مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي، وَمَنْ زَارَ الْبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» وَهَلْ زِيَارَةُ النَّبِيِّ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ أَمْ لَا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
وَالْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُعْرَفُ مَنْ كَانَ أَغَرَّ مُحْجَلًا، وَهُمْ الَّذِينَ يَتَوَضَّئُونَ لِلصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْأَطْفَالُ فَهُمْ تَبَعٌ لِلرِّجَالِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ قَطُّ وَلَمْ يُصَلِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَالْمُرَابَطَةُ بِالثُّغُورِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ عَامَّةً، بَلْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُجَاوَرَةِ، فَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَاسْتَحَبَّهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَلَكِنَّ الْمُرَابَطَةَ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ السَّلَفِ، حَتَّى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه لَأَنْ أُرَابِطَ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ، وَجِنْسَ الْجِهَادِ مُقَدَّمٌ عَلَى جِنْسِ الْحَجِّ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ النَّبِيِّ «أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَيُّ
الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ» وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 19 - 20] إلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: 22] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» فَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيمَا قِيلَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ.
وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا مِنْ كُتُبِ الصِّحَاحِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَسَانِيدِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ: قَوْلُهُ «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» فَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَمَعْنَاهُ مُخَالِفٌ الْإِجْمَاعَ فَإِنَّ جَفَاءَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكَبَائِرِ، بَلْ هُوَ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْنَا مِنْ أَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا كَمَا قَالَ:«وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .
وَأَمَّا زِيَارَتُهُ فَلَيْسَتْ وَاجِبَةً بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا الْأَمْرُ الْمَوْجُودُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمُ فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. وَأَكْثَرُ مَا اعْتَمَدَهُ الْعُلَمَاءُ فِي الزِّيَارَةِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد:«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» وَقَدْ كَرِهَ
مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنْ يُقَالَ: زُرْت قَبْرَ النَّبِيِّ.
وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ: كَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَغَيْرِهِمَا، يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبَيْهِ، كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتِ. وَشَدُّ الرَّحْلِ إلَى مَسْجِدِهِ مَشْرُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَإِذَا أَتَى مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبَيْهِ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ بِالسَّفَرِ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ دُونَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ، فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَا مَأْمُورٍ بِهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا السَّفَرِ إذَا نَذَرَهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، بِخِلَافِ السَّفَرِ إلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَا لِلصَّلَاةِ فِيهَا وَالِاعْتِكَافِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ وُجُوبَ ذَلِكَ فِي بَعْضِهَا (فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وَتَنَازَعُوا فِي الْمَسْجِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ، فَالْجُمْهُورُ يُوجِبُونَ الْوَفَاءَ بِهِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ: كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، لِكَوْنِ السَّفَرِ إلَى الْفَاضِلِ لَا يُغْنِي عَنْ السَّفَرِ إلَى الْمَفْضُولِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا يُوجِبُ السَّفَرَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ.
وَالْجُمْهُورُ يُوجِبُونَ الْوَفَاءَ بِكُلِّ مَا هُوَ طَاعَةٌ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنْ عَائِشَةَ