الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا إلَّا لِنَاوٍ جَمْعَهُمَا أَوْ مُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا، فَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، بَلْ وَلَا مِنْ سَائِرِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَهَذَا لَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ صُوَرًا مَعْرُوفَةً، كَمَا إذَا أَمْكَنَ الْوَاصِلَ إلَى الْبِئْرِ أَنْ يَضَعَ حَبْلًا يَسْتَقِي بِهِ وَلَا يَفْرُغُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، أَوْ أَمْكَنَ الْعُرْيَانَ أَنْ يَخِيطَ ثَوْبًا وَلَا يَفْرُغُ. إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَنَحْوُ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَمَعَ هَذَا فَاَلَّذِي قَالَهُ فِي ذَلِكَ هُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَمَا أَظُنُّهُ يُوَافِقُهُ إلَّا بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا أَنَّ الْعُرْيَانَ لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَرْيَةٍ يَشْتَرِي مِنْهَا ثَوْبًا وَلَا يُصَلِّي إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا كَانَ دَمُهَا يَنْقَطِعُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ لَهَا التَّأْخِيرُ، بَلْ تُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِحَسَبِ حَالِهَا.
[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]
ِ بَدَأَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَغَيْرِهِمَا بِالظُّهْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَأَ بِالْفَجْرِ كَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ، وَهَذَا أَجْوَدُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ، الْعَصْرُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْوُسْطَى إذَا كَانَ الْفَجْرُ الْأَوَّلَ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْفَجْرِ فِي الشِّتَاءِ وَفِي الصَّيْفِ، فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا بَيَّنَّا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَرَوْنَ تَقَدُّمَ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ إلَّا إذَا كَانَ فِي التَّأْخِيرِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ مِثْلُ الْمُتَيَمِّمِ يُؤَخِّرُ لِيُصَلِّيَ آخِرَ الْوَقْتِ بِوُضُوءٍ، وَالْمُنْفَرِدِ يُؤَخِّرُ حَتَّى يُصَلِّيَ آخِرَ الْوَقْتِ مَعَ جَمَاعَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ مَعَ إمْكَانِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ وَكَمَا شَهِدْت لَهُ النُّصُوصُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا.
وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ ثُمَّ طَرَأَ مَانِعٌ مِنْ جُنُونٍ، أَوْ حَيْضٍ: لَا قَضَاءَ إلَّا أَنْ يَتَضَايَقَ الْوَقْتُ عَنْ فِعْلِهَا ثُمَّ يُوجَدُ الْمَانِعُ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَزُفَرَ، رَوَاهُ زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
وَمَتَى زَالَ الْمَانِعُ مِنْ تَكْلِيفِهِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لَزِمَتْهُ إنْ أَدْرَكَ فِيهَا قَدْرَ رَكْعَةٍ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَقَالَةٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِحَجٍّ وَلَا تَضْعِيفٍ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَتَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا لَا يُشْرَعُ لَهُ قَضَاؤُهَا وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، بَلْ يُكْثِرُ مِنْ التَّطَوُّعِ، وَكَذَا الصَّوْمُ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: كَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد وَأَتْبَاعِهِ، وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا، بَلْ يُوَافِقُهُ، «وَأَمْرُهُ عليه السلام الْمُجَامِعِ بِالْقَضَاءِ» ضَعِيفٌ لِعُدُولِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ ": إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَكُونُ عَاصِيًا بِالْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُحْتَمَلُ عِصْيَانُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَقَضَاءِ الصَّلَاةِ، وَالنَّذْرِ، وَالْكَفَّارَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَعْصِي وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلِأَنَّ مَا وَجَبَ وُجُوبًا مُوَسَّعًا لَا يَعْصِي مَنْ أَخَّرَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ إذَا مَاتَ، كَالْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَمَّا قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ فَعِنْدَنَا عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا تُنَاظِرُ الْمَسْأَلَةَ، وَإِنَّمَا نَظِيرُهَا قَضَاءُ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ وَقْتٌ مُوَسَّعٌ، وَالْمَذَاهِبُ هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ اسْتِطَاعَةِ الْقَضَاءِ أَطْعَمَ عَنْهُ، الْمَشْهُورُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَعْصِي فَيُتَوَجَّهُ التَّخْرِيجُ فِيهِمَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ اتَّفَقَ عَلَى الْإِيجَابِ الْمُوَسَّعِ فِي الْقَضَاءِ، وَالْحَجِّ، وَالْكَفَّارَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ فِيهِ مَا هُوَ مُضَيَّقٌ وَمَا هُوَ عَلَى التَّرَاخِي، وَيَجِبُ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ عَلَى الْفَوْرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَالنَّائِمُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ الصَّلَاةَ حَالَ نَوْمِهِ بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ هَلْ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ؟ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلهَا إذَا اسْتَيْقَظَ، أَوْ يُقَالُ لَمْ تَجِبْ فِي ذِمَّتِهِ لَكِنْ انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: عَلَى أَنَّهَا قَضَاءٌ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هِيَ أَدَاءٌ وَالنِّزَاعَانِ لَفْظِيَّانِ وَيُشْبِهُ هَذَا النِّزَاعَ فِيمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فِي الْوَاجِبِ عَلَى التَّرَاخِي أَنَّهُ يَمُوتُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ فَلَوْ لَمْ يَمُتْ، ثُمَّ