الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]
ِ الشَّهَادَةُ سَبَبٌ مُوجِبٍ لِلْحَقِّ وَحَيْثُ امْتَنَعَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ امْتَنَعَتْ كِتَابَتُهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيَّ وَيَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا وَلَوْ تَعَيَّنَتْ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَيَحْرُمُ كَتْمُهَا وَيُقْدَحُ فِيهِ.
وَلَوْ كَانَ بِيَدِ إنْسَانٍ شَيْءٌ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَصِلُ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يَلْزَمْ أَدَاؤُهَا وَإِنْ وَصَلَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِشَهَادَتِهِمْ لَزِمَ أَدَاؤُهَا، وَتَعَيُّنُ الشُّهُودِ مُتَأَوَّلٌ مُجْتَهَدٌ وَالطَّلَبُ الْعُرْفِيُّ أَوْ الْحَالُ فِي طَلَبِ الشَّهَادَةِ كَاللَّفْظِيِّ عَلِمَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَخَبَرُ: - يَشْهَدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ - مَحْمُولٌ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ وَإِذَا أَدَّى الْآدَمِيُّ شَهَادَةً قَبْلَ الطَّلَبِ قَامَ بِالْوَاجِبِ أَفْضَلَ كَمَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَدَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ الطَّلَبِ.
وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الشَّاهِدِ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ فَيَدَّعِي إلَى الْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ إلَى مُحَرَّمٍ فَلَا يُسَوَّغُ لَهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وِفَاقًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ قَوْلًا يُرِيدَ بِهِ
مَصْلَحَةً
عَظِيمَةً.
وَيَشْهَدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَلَوْ عَنْ وَاحِدٍ تَسْكُنُ نَفْسُهُ إلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْجَدُّ.
قَالَ الْقَاضِي لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ لِمَجْهُولٍ وَلَا بِمَجْهُولٍ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ بَلْ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِالْمَجْهُولِ وَيُقْضَى لَهُ بِالْمُتَيَقَّنِ وَلِلْمَجْهُولِ يَصِحُّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ أَمَّا حَيْثُ يَقَعُ الْحَقُّ مَجْهُولًا فَلَا رَيْبَ فِيهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ بِالْوَصِيَّةِ بِمَجْهُولٍ أَوْ لِمَجْهُولٍ أَوْ شَهِدَ بِاللُّقَطَةِ أَوْ اللَّقِيطِ.
وَالْمَجْهُولُ نَوْعَانِ مُبْهَمٌ كَأَحَدِ هَذَيْنِ وَمُطْلَقٌ كَبُعْدٍ وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَاقِ كَمَا قُلْنَا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْمُطْلَقِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَقَدْ سُئِلْت عَنْ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِوَقْفٍ مِنْ دَارٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ دُورٍ ثُمَّ تَهَدَّمَتْ وَصَارَتْ عَرْصَةً فَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُ تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا السَّهْمُ وَلَا عَدَدُ الدُّورِ
فَقُلْت يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ قُرْعَتَيْنِ: قُرْعَةٌ لِعَدَدِ الدُّورِ وَقُرْعَةٌ لِتَعْيِينِ ذَاتِ السَّهْمِ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ حَقٍّ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَجَهِلْنَا الْقَدْرَ فَيَقْرَعُ لِلْقَدْرِ فَيَكْتُبُ رِقَاعًا بِأَسْمَاءِ الْعَدَدِ أُخْرِجَ لِعَدَدِ الْحَقِّ الْفُلَانِيِّ.
وَالشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِمَا يَسْمَعُ وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ تُعَيِّنُ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ قُبِلَتْ. وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالدَّيْنِ لَا تُقْبَلُ إلَّا مُفَسِّرَةً لِلنَّسَبِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ زَيْدًا يَسْتَحِقُّ مِنْ مِيرَاثِ مُوَرِّثِهِ قَدْرًا مُعَيَّنًا أَوْ مِنْ وَقْفِ كَذَا وَكَذَا جُزْءًا مُعَيَّنًا أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ نَصِيبَ فُلَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ إلَّا مَعَ إثْبَاتِ النَّسَبِ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ فِي الْمِيرَاثِ وَالْوَقْفِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُدْرَكُ بِالْيَقِينِ تَارَةً وَبِالِاجْتِهَادِ أُخْرَى فَلَا تُقْبَلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ سَبَبُ الِانْتِقَالِ بِأَنْ يَشْهَدَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَبِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ يَشْهَدَا بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَبِمَنْ خَلَفَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ يُفِيدُ الِانْتِقَالَ حَكَمَ بِهِ وَإِلَّا رُدَّتْ الشَّهَادَةُ وَقَبُولُ مِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَاتِ يُوجِبُ أَنْ تَشْهَدَ الشُّهُودُ بِكُلِّ حُكْمٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَوْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحُكَّامِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ فَتَصِيرُ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ مَشْهُودًا بِهَا حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِمَارِيَّةِ أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا يَسْتَحِقُّ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ التَّشْرِيكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ تُرَدَّ مِثْلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ الْمُطْلَقَةُ.
وقَوْله تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مَنْ رَضُوهُ شَهِيدًا بَيْنَهُمْ وَلَا يُنْظَرُ إلَى عَدَالَتِهِ كَمَا يَكُونُ مَقْبُولًا عَلَيْهِمْ فِيمَا ائْتَمَنُوهُ عَلَيْهِ. وقَوْله تَعَالَى فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ {الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة: 106] أَيْ صَاحِبَا عَدْلٍ، الْعَدْلُ فِي الْمَقَالِ هُوَ الصِّدْقُ وَالْبَيَانُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ كَمَا بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152] وَالْعَدْلُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَطَائِفَةٍ بِحَسَبِهَا فَيَكُونُ الشَّاهِدُ فِي كُلِّ قَوْمٍ مَنْ كَانَ ذَا عَدْلٍ فِيهِمْ وَإِنْ كَانَ لَوْ كَانَ فِي غَيْرِهِمْ لَكَانَ عَدْلُهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ. وَبِهَذَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِلَّا فَلَوْ اُعْتُبِرَ فِي شُهُودِ كُلِّ طَائِفَةٍ أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ إلَّا مَنْ يَكُونُ قَائِمًا بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ لَبَطَلَتْ الشَّهَادَاتُ كُلُّهَا أَوْ غَالِبُهَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا فُسِّرَ الْفَاسِقُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْفَاجِرِ وَبِالْمُتَّهَمِ
فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حَالِ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الْكُفَّارِ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي مَوْضِعٍ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ الْمَعْرُوفِينَ بِالصِّدْقِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُلْتَزِمِينَ لِلْحُدُودِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِثْلُ الْحَبْسِ، وَحَوَادِثِ الْبَدْوِ، وَأَهْلِ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ لَا يُوجَدُ فِيهِمْ عَدْلٌ. وَلَهُ أُصُولٌ مِنْهَا: قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْوَصِيَّةِ وَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْمُحْتَضَرِ فِي السَّفَرِ إذَا حَضَرَهُ اثْنَانِ كَافِرَانِ وَاثْنَانِ مُسْلِمَانِ يُصَدَّقَانِ وَلَيْسَا بِمُلَازِمَيْنِ لِلْحُدُودِ أَوْ اثْنَانِ مُبْتَدِعَانِ فَهَذَانِ خَيْرٌ مِنْ الْكَافِرَيْنِ وَالشُّرُوطُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هِيَ فِي اسْتِشْهَادِ التَّحَمُّلِ لَا الْأَدَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ فِي الشُّهُودِ مَا نَقُولُ فِي الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ الشُّهُودِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ أَوْ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ كَمَا أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ كَذَلِكَ.
وَنَبَأُ الْفَاسِقِ لَيْسَ بِمَرْدُودٍ بَلْ هُوَ مُوجِبٌ لِلتَّبَيُّنِ عِنْدَ خَبَرِ الْفَاسِقِ الْوَاحِدِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ عِنْدَ خَبَرِ الْفَاسِقِينَ وَذَلِكَ أَنَّ خَبَرَ الِاثْنَيْنِ يُوجِبُ مِنْ الِاعْتِقَادِ مَا لَا يُوجِبُهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ. أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَاطَآ فَهَذَا قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ وَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِالْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ هِيَ كَبِيرَةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ شَرْعِيَّةٍ قَدَحَ ذَلِكَ فِي عَدَالَتِهِ وَلَا يَسْتَرِيبُ أَحْمَد فِيمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ بِلَا قِرَاءَةٍ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ.
وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ تَضَمَّنَ تَرْكَ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلَ مُحَرَّمٍ إجْمَاعًا وَهُوَ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَمِنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ فَلَيْسَ عَدْلًا وَلَوْ قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ.
وَتَحْرُمُ مُحَاكَاةُ النَّاسِ الْمُضْحِكَةِ وَيُعَزَّرُ هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِهِ لِأَنَّهُ أَذًى وَمَنْ دَخَلَ قَاعَاتِ الْعِلَاجِ فَتَحَ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ الشَّرِّ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ عِنْدَ النَّاسِ لِأَنَّهُ اشْتَهَرَ عَمَّنْ اعْتَادَ دُخُولَهَا وُقُوعُهُ فِي مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ أَوْ فِيهِ، وَالْعِشْرَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالنَّفَقَةُ فِي غَيْرِ الطَّاعَةِ وَعَلَى كَافِرٍ وَالْأَمْرَدُ مُنِعَ مِنْهَا وَمِنْ عِشْرَةِ أَهْلِهَا وَلَوْ بِمُجَرَّدِ خَوْفِ وُقُوعِ الصَّغَائِرِ فَقَدْ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا يَجْتَمِعُ إلَيْهِ الْأَحْدَاثُ فَنَهَى عَنْ الِاجْتِمَاعِ بِهِ بِمُجَرَّدِ الرِّيبَةِ.
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَلَا تُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمْ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُحَلِّفْهُمْ بِسَبَبِ حَقٍّ لِلَّهِ وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِخِلَافِ آيَةِ الْوِصَايَةِ لِنَقْضِ حُكْمِهِ فَإِنَّهُ خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ بِتَأْوِيلَاتِ سُمْعَةٍ.
وَقَوْلُ أَحْمَدَ أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا فِي سَفَرٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُمْ هَذِهِ ضَرُورَةٌ يَقْتَضِي هَذَا التَّعْلِيلُ قَبُولَهَا فِي كُلِّ ضَرُورَةٍ حَضَرًا وَسَفَرًا وَصِيَّةً وَغَيْرَهَا وَهُوَ مِنْحَةٌ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ إذَا اجْتَمَعْنَ فِي الْعُرْسِ وَالْحَمَّامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ وَنَقَلَ ابْنُ صَدَقَةَ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِأَشْيَاءَ لِأَقَارِبِهِ وَيَعْتِقُ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا النِّسَاءُ هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِي الْحُقُوقِ.
وَالصَّحِيحُ قَبُولُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّ حُضُورَهُنَّ عِنْدَهُ أَيْسَرُ مِنْ حُضُورِهِنَّ عِنْدَ كِتَابَةِ الْوَثَائِقِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي شَهَادَةِ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ مَوْضِعِ ضَرُورَةٍ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ رِوَايَتَانِ لَكِنَّ التَّحْلِيفَ هُنَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا تَحْلِيفَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُحَلِّفُونَ حَيْثُ تَكُونُ شَهَادَتُهُمْ بَدَلًا فِي التَّحْمِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا أُصُولًا قَدْ عَلِمُوا مِنْ غَيْرِ تَحْمِيلٍ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَوْ قِيلَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَدِمَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ لَكَانَ وَجْهًا وَتَكُونُ شَهَادَتُهُمْ بَدَلًا مُطْلَقًا وَإِذَا قَبِلْنَا شَهَادَةَ الْكُفَّارِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُمْ يَحْلِفُونَ مَعَ شَهَادَتِهِمْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا يَحْلِفُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي وَصِيَّةِ السَّفَرِ لَكَانَ مُتَوَجَّهًا وَشَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ مَقْبُولَةٌ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدْ يَسْتَفِيدُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ نَوْعَ وِلَايَةٍ فِي تَسْلِيمِ الْمَالِ وَمِثْلُهُ شَهَادَةُ الْمُودَعِ أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ وَمَالِكُهَا فُلَانٌ وَالْوَاجِبُ فِي الْعَدُوِّ أَوْ الصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا أَنَّهُ إنْ عَلِمَ مِنْهُمَا الْعَدَالَةَ الْحَقِيقِيَّةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَأَمَّا إنْ كَانَتْ عَدَالَتُهُمَا ظَاهِرَةً مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ لَمْ تُقْبَلْ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُ هَذَا فِي الْأَبِ وَنَحْوِهِ
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَبِلَ