الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ الْفُلَانِيَّةِ تُرْسَمُ سُكْنَاهُمْ وَاشْتِغَالُهُمْ فِيهَا فَلَا تَخْتَصُّ السُّكْنَى بِالْمُرْتَزِقَةِ مِنْ الْمَالِ بَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ السُّكْنَى وَالرِّزْقِ مِنْ الْمَالِ بَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ السُّكْنَى وَالِارْتِزَاقِ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَيَجُوزُ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِ ارْتِزَاقٍ كَمَا يَجُوزُ الِارْتِزَاقُ مِنْ غَيْرِ سُكْنَى وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ إلَّا بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ إذَا كَانَ السَّاكِنُ مُشْتَغِلًا سَوَاءٌ كَانَ يَحْضُرُ الدَّرْسَ أَمْ لَا.
وَالْأَرْزَاقُ الَّتِي يُقَدِّرُهَا الْوَاقِفُونَ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ النَّقْدُ فِيمَا بَعْدُ نَحْوُ أَنْ يَشْتَرِطَ مِائَةَ دِرْهَمٍ نَاصِرِيَّةً ثُمَّ يَحْرُمُ التَّعَامُلُ بِهَا وَتَصِيرُ الدَّرَاهِمُ ظَاهِرِيَّةً فَإِنَّهُ يُعْطَى الْمُسْتَحَقُّ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ مَا قِيمَتُهُ قِيمَةَ الْمَشْرُوطِ وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُنَصِّبَ دِيوَانًا مُسْتَوْفِيًا لِحِسَابِ أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ وَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ مَالٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ الْمَالِ وَإِذَا قَامَ الْمُسْتَوْفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ اسْتَحَقَّ مَا فُرِضَ لَهُ.
[بَابُ الْهِبَةِ]
ِ وَإِعْطَاءُ الْمَرْءِ الْمَالَ لِيُمْدَحَ وَيُثْنَى عَلَيْهِ مَذْمُومٌ وَإِعْطَاؤُهُ لِكَفِّ الظُّلْمِ وَالشَّرِّ عَنْهُ وَلِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى الْبُخْلِ مَشْرُوعٌ بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ مَعَ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ، وَالْإِخْلَاصُ فِي الصَّدَاقَةِ أَنْ لَا يَسْأَلَ عِوَضَهَا مِنْ الْمُعْطِي وَلَا يَرْجُو بَرَكَتَهُ وَخَاطِرَهُ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: 9] .
وَتُصْبِحُ هِبَةُ الْمَعْدُومِ كَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ بِالسَّنَةِ وَاشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ كَقَوْلِهِ مَا أَخَذْتَ مِنْ مَالِي فَهُوَ لَك أَوْ مَنْ وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَالِي فَهُوَ لَهُ.
وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ وَنَحْوِهِ وَلِلْمُبِيحِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا قَالَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَهَذَا نَوْعُ الْهِبَةِ يَتَأَخَّرُ الْقَبُولُ فِيهِ عَنْ الْإِيجَابِ كَثِيرًا وَلَيْسَ بِإِبَاحَةٍ، وَتَجْهِيزُ الْمَرْأَةِ بِجَهَازِهَا إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا تَمْلِيكٌ. قَالَ الْقَاضِي قِيَاسُ قَوْلِنَا فِي بَيْعِ الْمُعْطَاةِ أَنَّهُ تَمْلِكُهُ بِذَلِكَ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَيَظْهَرُ لِي صِحَّةُ هِبَةِ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَاسَهُ أَبُو الْخَطَّابِ
عَلَى الْبَيْعِ.
وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْهِبَةِ إلَّا لِقَرِيبٍ يَصِلُ بِهَا رَحِمَهُ أَوْ أَخٍ لَهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ تَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَمِنْ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ مَنْ لَهُ يَدٌ أَوْ نِعْمَةٌ أَنْ يُجْزِئَهُ بِهَا وَالْهِبَةُ تَقْتَضِي عِوَضًا مَعَ الصَّرْفِ.
وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةً مِنْ شَخْصٍ لِيَشْفَعَ لَهُ عِنْدَ ذِي أَمْرٍ أَوْ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ مَظْلِمَةً أَوْ يُوصِلَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ يُوَلِّيَهُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ فِي الْجُنْدِ الْمُقَاتِلَةِ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ.
وَيَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَبْذُلَ فِي ذَلِكَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ أَوْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَكَابِرِ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ يَعْقُوبُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلْخَاطِبِ إذَا خَطَبَ لِقَوْمٍ أَنْ يَقْبَلَ لَهُمْ هَدِيَّةً. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا خَاطِبُ الرَّجُلِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَبْذُلُ وَإِنَّمَا الزَّوْجُ يَبْذُلُ، وَتَصِحُّ الْعُمْرَى وَيَكُونُ لِلْمُعَمِّرِ وَلِوَرَثَتِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُعَمِّرُ عَوْدَهَا إلَيْهِ فَيَصِحُّ الشَّرْطُ - وَهُوَ بِقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
وَلَا يَدْخُلُ الزَّوْجَانِ فِي قَوْلِهِ وَلِعَقِبِك وَإِذَا تَفَاسَخَا عَقْدَ الْهِبَةِ صَحَّ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى قَبْضِ الْمَوْهُوبِ وَتَكُونُ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُتَّهِبِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِي وَجْهٍ وَيَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ مُسْلِمًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ ذِمِّيًّا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ سَائِرِ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ كَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ وَيُتَوَجَّهُ فِي الْبَنِينَ التَّسْوِيَةُ كَآبَائِهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ حَيْثُ مَنَعْنَاهُ فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ أَوْ الرَّدُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِذَا سَوَّى بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّةِ بَعْضِهِمْ وَالْحَدِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّعْدِيلِ بَيْنَهُمْ فِي غَيْرِ التَّمْلِيكِ أَيْضًا وَهُوَ فِي مَالِهِ وَمَنْفَعَتِهِ الَّتِي مَلَّكَهُمْ وَاَلَّذِي أَبَاحَهُمْ كَالْمَسْكَنِ وَالطَّعَامِ ثُمَّ هُنَا نَوْعَانِ نَوْعٌ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَعْدِيلُهُ فِيهِ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُحْتَاجِ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَنَوْعٌ تَشْتَرِكُ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ مِنْ عَطِيَّةٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ فَهَذَا لَا رَيْبَ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَيَنْشَأُ مِنْ بَيْنِهِمَا نَوْعٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَنْفَرِدَ
أَحَدُهُمَا بِحَاجَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقْضِيَ عَنْ أَحَدِهِمَا دَيْنًا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ يُعْطِيَ عَنْهُ الْمَهْرَ أَوْ يُعْطِيَهُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَفِي وُجُوبِ إعْطَاءِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ نَظَرٌ وَتَجْهِيزُ الْبَنَاتِ بِالنِّحَلِ أَشْبَهُ وَقَدْ يُلْحَقُ بِهَذَا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَهُوَ مِنْ بَابِ النِّحَلِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْتَاجًا دُونَ الْآخَرِ أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَمِنْ النِّحَلِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ فَاسِقًا فَقَالَ وَالِدُهُ: لَا أُعْطِيك نَظِيرَ إخْوَتِك حَتَّى تَتُوبَ فَهَذَا حَسَنٌ يَتَعَيَّنُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّوْبَةِ فَهُوَ الظَّالِمُ فَإِنْ تَابَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ.
وَأَمَّا إنْ امْتَنَعَ مِنْ زِيَادَةِ الدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ فَلَوْ مَاتَ الْوَالِدُ قَبْلَ التَّسْوِيَةِ الْوَاجِبَةِ فَلِلْبَاقِينَ الرُّجُوعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ ابْنِ بَطَّةَ وَأَبِي حَفْصٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ الْمُفَضَّلُ يَنْبَغِي لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَلْ يَطِيبُ لَهُ الْإِمْسَاكُ إذَا قُلْنَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ. كَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ فَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ وَإِذَا مَاتَ الَّذِي فَضَّلَ لَمْ أُطَيِّبْهُ لَهُ وَلَمْ أُجْبِرْ عَلَى رَدِّهِ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا.
قُلْت: فَتَرَى الَّذِي فَضَّلَ أَنْ يَرُدَّهُ قَالَ إنْ فَعَلَ فَهُوَ أَجْوَدُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ أُجْبِرْهُ وَظَاهِرُهُ الِاسْتِحْبَابُ وَإِذَا قُلْنَا يَرُدُّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَوْ مَاتَ الثَّانِي قَبْلَ الرَّدِّ وَالْمَالُ بِحَالِهِ رَدَّهُ أَيْضًا لَكِنْ لَوْ قُسِمَتْ تَرِكَةُ الثَّانِي قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ بِيعَتْ أَوْ وُهِبَتْ فَهَا هُنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَالْقَبْضَ بِقُرْبِ الْعُقُودِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا فِيهِ تَأْوِيلٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُفَضَّلُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَاتَّصَلَ بِهِمَا الْقَبْضُ فَفِي الرَّدِّ نَظَرٌ إلَّا أَنَّ هَذَا مُتَّصِلٌ بِالْقَبْضِ فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ أَوْ رَغْبَةٌ فَلَا يَرْجِعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَقَدْرِ الرَّغْبَةِ وَيَرْجِعُ فِيمَا زَادَ.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ أَوْ نَوْعٌ مُسْتَقِلٌّ وَعَلَى ذَلِكَ يَبْنِي مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَتَصَدَّقَ هَلْ يَجِبُ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْهَدِيَّةِ مَعْنًى تَكُونُ بِهِ أَفْضَلَ مِثْلُ الْإِهْدَاءِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً لَهُ وَمِثْلُ الْإِهْدَاءِ لِقَرِيبٍ يَصِلُ بِهِ الرَّحِمَ أَوْ أَخٍ لَهُ فِي اللَّهِ
فَهَذَا قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَيَرْجِعُ الْأَبُ فِيمَا أَبْرَأَ مِنْهُ ابْنَهُ مِنْ الدُّيُونِ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ كَمَا لِلْمَرْأَةِ عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ الرُّجُوعُ عَلَى زَوْجِهَا فِيمَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ وَيَمْلِكُ الْأَبُ إسْقَاطَ دَيْنِ الِابْنِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَلَوْ قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَكَذَا لَوْ جَنَى عَلَى طَرَفِهِ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ وَإِذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا ثُمَّ انْفَسَخَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ بِحَيْثُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الَّذِي كَانَ مَالِكَهُ مِثْلُ أَنْ يَأْخُذَ صَدَاقَهَا فَتَطْلُقَ أَوْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ ثُمَّ تُرَدُّ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ أَوْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُفْلِسُ الْوَلَدُ بِالثَّمَنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْأَقْوَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَنَّ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ وَلِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ كَالرَّهْنِ وَالْفَلَسِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ رَغْبَةٌ كَالْمُدَايَنَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَقُلْنَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ فَفِي التَّمْلِيكِ نَظَرٌ.
وَلَيْسَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ تَمَلُّكُ مَالِ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ إذَا كَانَ وَهَبَهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَأَسْلَمَ الْوَلَدُ فَأَمَّا إذَا وَهَبَهُ فِي حَالِ إسْلَامِ الْوَلَدِ فَفِيهِ نَظَرٌ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَأَمَّا الْأَبُ وَالْأُمُّ الْكَافِرَةُ فَهَلْ لَهُمَا أَنْ يَتَمَلَّكَا مَالَ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ يَرْجِعَا فِي الْهِبَةِ يُتَوَجَّهُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ وَجْهَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بَلْ يُقَالُ: إنْ قُلْنَا: لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ فَالتَّمَلُّك أَبْعَدُ وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ النَّفَقَةُ فَالْأَشْبَهُ لَيْسَ لَهُمَا التَّمَلُّكُ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا فَإِنَّ أَحْمَدَ عَلَّلَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ وَبِأَنَّ الْأَبَ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَمَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لَا يَجُوزُ وَالْأَشْبَهُ فِي زَكَاةِ دَيْنِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ التَّاوِي كَالضَّالِّ فَيَخْرُجُ فِيهِ مَا خَرَجَ فِي ذَلِكَ وَهَلْ يَمْنَعُ دَيْنُ الْأَبِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَةَ الْمَالِيَّةَ وَشِرَاءَهُ الْعَتِيقَ. يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إسْقَاطِهِ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَمْنَعَ لِأَنَّ وَفَاءَهُ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا لَهُ وَلِوَلَدِهِ وَعُقُوبَةُ الْأُمِّ وَالْجَدِّ عَلَى مَالِ الْوَلَدِ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَا يُعَاقِبُ عَلَى الدَّمِ وَالْعِرْضِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِمَا حَبْسٌ وَلَا ضَرْبٌ لِلِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَدَاءِ.
وَقَوْلُهُ عليه السلام «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» يَقْتَضِي إبَاحَةَ نَفْسِهِ كَإِبَاحَةِ مَالِهِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ مُوسَى عليه السلام {لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: 25] .
وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِخْدَامِهِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ خِدْمَةُ أَبِيهِ وَيُقَوِّيه
جَوَازُ مَنْعِهِ مِنْ الْجِهَادِ وَالسَّفَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيمَا يُفَوِّتُ انْتِفَاعَهُ بِهِ. لَكِنَّ هَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْأَبَوَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ خَصَّ الْأَبَ بِالْمَالِ وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْبَدَنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَلَدَهُ لِنَفْسِهِ مَعَ فَائِدَةٍ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِنَفْسِهِ مَعَ فَائِدَةِ الْوَلَدِ مِثْلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ صَنْعَةً أَوْ حَاجَةَ الْأَبِ وَإِلَّا فَلَا وَيُسْتَثْنَى مَا لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ سُرِّيَّةِ الِابْنِ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّهَا تُلْحَقُ بِالزَّوْجَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَعَنْهُ أَلْحَقْنَا سُرِّيَّةَ الْعَبْدِ بِزَوْجَتِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَنْتَزِعُهَا وَلَا يَبْطُلُ إبْرَاءُ الزَّوْجَةِ الزَّوْجَ بِدَعْوَاهَا السَّفَهَ وَلَوْ مَعَ بَيِّنَةِ أَنَّهَا سَفِيهَةٌ وَلَمْ يَجِبْ الْحَجْرُ وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ وَوَلَدَتْ عِنْدَهُ وَمَالُهَا بِيَدِهَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ لَمْ يُصَدَّقْ أَبُوهَا أَنَّهَا كَانَتْ سَفِيهَةً يَجِبُ حَجْرُهَا بِلَا بَيِّنَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.