الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]
ِ وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُخَبِّرَ إنْ خَبَّرَ بِمَا عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مُقِرٌّ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِمَا عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُدَّعٍ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِمَا عَلَى غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ فَهُوَ مُخَبِّرٌ وَإِلَّا فَهُوَ شَاهِدٌ فَالْقَاضِي وَالْوَكِيلُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْمَأْذُونُ لَهُ كُلُّ هَؤُلَاءِ مَا أَدَّوْهُ مُؤْتَمَنُونَ فِيهِ فَأَخْبَارُهُمْ بَعْدَ الْعَزْلِ لَيْسَ إقْرَارًا، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مَحْضٌ.
وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ بِبَلَدِ سُلْطَانٍ أَوْ قُطَّاعِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الظَّلَمَةِ فَخَافَ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُهُ أَوْ الْمَالُ الَّذِي يَتْرُكُهُ لِوَرَثَتِهِ أَوْ الْمَالُ الَّذِي بِيَدِهِ لِلنَّاسِ، إمَّا بِحُجَّةِ أَنَّهُ مَيِّتٌ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ بِحُجَّةِ أَنَّهُ مَالُ غَائِبٍ أَوْ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا فَيَجُوزُ لَهُ الْإِقْرَارُ بِمَا يَدْفَعُ هَذَا الظُّلْمَ وَيَحْفَظُ هَذَا الْمَالَ لِصَاحِبِهِ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ لِحَاضِرٍ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ يُقِرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، أَوْ يُقِرَّ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي بِيَدِهِ لِفُلَانٍ، وَيَتَأَوَّلُ فِي إقْرَارِهِ بِأَنْ يَعْنِيَ بِقَوْلِهِ ابْنِي كَوْنَهُ صَغِيرًا أَوْ بِقَوْلِهِ أَخِي أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ.
وَأَنَّ الْمَالَ الَّذِي بِيَدِهِ لَهُ أَيْ لَهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِكَوْنِي قَدْ وَكَّلْتُهُ فِي إيصَالِهِ أَيْضًا إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ أَمِينًا وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَيْضًا أَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ مَلْجَؤُهُ تَفْسِيرُهُ كَذَا وَكَذَا وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ شَكَّ فِي بُلُوغِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ حَجَزْتُهُ فَأَقَرَّ بِالْحَقِّ.
نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ قَبْلَ أَنْ أَبْلُغَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ بُلُوغِكَ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَهَكَذَا يَجِيءُ فِي الْإِقْرَارِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ هَلْ وَقَعَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا عَامٌّ، وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ وَقْتَ التَّصَرُّفِ كَانَ مَشْكُوكًا فِيهِ غَيْرَ مَحْكُومٍ
بِبُلُوغِهِ أَوْ لَا يَتَيَقَّنُ فَإِنَّا مَعَ تَيَقُّنِ الشَّكِّ قَدْ تَيَقَّنَّا صُدُورَ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ لَمْ يُثْبِتْ أَهْلِيَّتَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا فَقَدْ شَكَكْنَا فِي شَرْطِ الصِّحَّةِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ وَأَمَّا فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ صُدُورُهُ فِي حَالِ الْأَهْلِيَّةِ وَحَالِ عَدَمِهَا وَالظَّاهِرُ صُدُورُهُ وَقْتَ الْأَهْلِيَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَالْأَهْلِيَّةُ هُنَا مُتَيَقَّنٌ وُجُودُهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ حَتَّى تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مِثْلُ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَثُبُوتُ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ أَوْ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ لَهُ أَوْ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ لِمُوَلِّيَتِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْبُلُوغِ حِينَئِذٍ أَمْ لَا لِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فِي الظَّاهِرِ قَبْلَ دَعْوَاهُ.
وَأَشَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ إلَى تَخْرِيجِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا رَاجَعَ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجُهَا، فَقَالَتْ: قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَشَبِيهٌ أَيْضًا بِمَا ادَّعَى الْمَجْهُولُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ ظَاهِرًا كَاللَّقِيطِ الْكُفْرَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمَحْكُومُ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا كَاللَّقِيطِ ثُمَّ ادَّعَى الرِّقَّ فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ لِوَارِثٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ إقْرَارُهُ لِوَارِثٍ كَالشَّهَادَةِ فَتُرَدَّ فِي حَقِّ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ كَالْأَبِ بِخِلَافِ مَنْ لَا تُرَدُّ ثُمَّ هَذَا هَلْ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَهُ كَالشَّاهِدِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْمُقِرِّ؛ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ مُطْلَقًا بَيْنَ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْعَدْلَ مَعَهُ مِنْ الدِّينِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ وَنَحْوِهِ فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَاجِرِ وَلَوْ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَ هَذَا تَأَكَّدَ فَإِنَّ فِي قَبُولِ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا فَسَادًا عَظِيمًا.
وَكَذَلِكَ فِي رَدِّهِ مُطْلَقًا وَيُتَوَجَّهُ فِيمَنْ أَقَرَّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ كَإِقْرَارِ الْعَبْدِ بِجِنَايَةِ الْخَطَإِ وَإِقْرَارِ الْقَاتِلِ بِجِنَايَةِ الْخَطَإِ أَنْ يَجْعَلَ الْمُقِرَّ كَشَاهِدٍ وَيَحْلِفَ مَعَهُ الْمُدَّعِي فِيمَا ثَبَتَ شَاهِدٌ آخَرُ كَمَا قُلْنَا فِي إقْرَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالنَّسَبِ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ
وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ مَالِ السَّيِّدِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الصَّدَاقِ وَإِقْرَارُ سَيِّدِهِ لَهُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قِيلَ يَمْلِكُ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى سَيِّدِهِ قَالَ فِي " الْكَافِي ": وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِنِكَاحٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ تَعْزِيرِ قَذْفٍ صَحَّ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْوَلِيُّ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا فِي النِّكَاحِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ بِدُونِ إذْنِ
سَيِّدِهِ لِأَنَّ فِي ثُبُوتِ نِكَاحِ الْعَبْدِ ضَرَرًا عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِتَصْدِيقِ السَّيِّدِ. قَالَ وَإِنْ أَقَرَّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ بِمَالٍ صَحَّ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَإِذَا قُلْنَا يَصِحُّ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِدُونِ إذْنِ السَّيِّدِ لَمْ يَفْتَقِرْ الْإِقْرَارُ إلَى تَصْدِيقِ السَّيِّدِ، وَقَدْ يُقَالُ بَلْ وَإِنْ لَمْ تَقُلْ بِذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ يَمْلِكُ مُبَاحًا فَأَقَرَّ بِعَيْنِهِ أَوْ تَلَفِهِ وَتُضْمَنُ قِيمَتُهُ.
وَإِذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ فَأَقَرَّ بَعْدَ الْحَجْرِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَا يُقْبَلُ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَتَبَعَّضُ، وَمَتَى ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْمُقِرِّ ثُمَّ رَجَعَ الْمُقِرُّ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ هَلْ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ؛ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْكَافِي.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: إنْ جَعَلَ النَّسَبَ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَالْجِزْيَةِ وَإِنْ جَعَلَ حَقَّ آدَمِيٍّ فَهُوَ كَالْمَالِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ حَقُّ الْآدَمِيِّ كَالْوَلَاءِ ثُمَّ إذَا قَبِلَ الرُّجُوعَ عَنْهُ فَحَقُّ الْأَقَارِبِ الثَّابِتِ مِنْ الْمَحْرَمِيَّةِ وَنَحْوِهَا هَلْ يَزُولُ أَوْ يَكُونُ كَالْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ، تَرَدَّدَ نَظَرُ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي ذَلِكَ.
فَأَمَّا إنْ ادَّعَى نَسَبًا، وَلَمْ يَثْبُتْ لِعَدَمِ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ أَوْ قَالَ أَنَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ وَانْتَسَبَ إلَى غَيْرِ مَعْرُوفٍ أَوْ قَالَ لَا أَبَ لِي أَوْ لَا نَسَبَ لِي ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ هَذَا نَسَبًا آخَرَ أَوْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ أَبًا، لَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ مَا عُلِّقَ مِنْ النَّسَبِ أَنَّ الْأَبَ إذَا اعْتَرَفَ بِالِابْنِ بَعْدَ نَفْيِهِ قُبِلَ مِنْهُ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ لِأَنَّ هَذَا النَّفْيَ وَالْإِقْرَارَ بِمَحَلٍّ وَمُنْكَرٍ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ نَسَبٌ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَقْبُولًا كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِمَا لِمُكَذِّبٍ إذَا لَمْ يَجْعَلْهُ لِيُثْبِتَ الْمَالَ فَإِنَّهُ إذًا إذَا ادَّعَى الْمُقِرُّ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ مَلَكَهُ قُبِلَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ رِقَّ نَفْسِهِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُكَذَّبَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
وَهُنَاكَ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الضَّائِعِ أَوْ الْمَجْهُولِ فَيَحْكُمُ بِالْجِزْيَةِ وَبِالْمَالِ لِيُثْبِتَ الْمَالَ وَهُنَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَجْهُولٍ يُنْسَبُ فَيُقْبَلُ بِهِ الْإِقْرَارُ ثَانِيًا وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الدَّعْوَى مَقْبُولٌ، وَالرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَالْإِقْرَارُ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ وَلَا الْآدَمِيِّ هُوَ مِنْ بَابِ الدَّعَاوَى فَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَمَنْ أَقَرَّ بِطِفْلٍ لَهُ أُمٌّ فَجَاءَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ تَدَّعِي زَوْجِيَّتَهُ فَالْأَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ ثُبُوتُ الزَّوْجِيَّةِ فَهُنَا حُمِلَ عَلَى الصِّحَّةِ وَخَالَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ
غَيْرِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ وَقَالَ مَا قَبَضْتُ وَسَأَلَ خِلَافَ خَصْمِهِ فَلَهُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ كَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ بِيَدِ الْمُقِرِّ.
وَالْإِقْرَارُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِ (قَالُوا أَقْرَرْنَا) وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ وَأَرَادَ إنْشَاءَ تَمْلِيكِهِ صَحَّ.
وَمَنْ أَنْكَرَ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَبْرَأَتْهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا كَانَ لَهَا طَلَبُهَا بِحَقِّهَا وَمَنْ أَقَرَّ وَهُوَ مَجْهُولٌ نَسَبُهُ وَلَا وَارِثَ حَيٌّ أَخٌ أَوْ عَمٌّ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَأَمْكَنَ قُبِلَ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَذِكْرُهُ الْحِلَّ تَخْرِيجًا وَكُلُّ صِلَةُ كَلَامٍ مُغَيِّرَةٌ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ وَغَيْرُ الْمُتَقَارِبِ فِيهَا مُتَوَاصِلٌ وَالْإِقْرَارُ مَعَ الِاسْتِدْرَاكِ مُتَوَاصِلٌ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ قَالَ فِي الطَّلَاقِ إنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ لَكَانَ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْبَلَ الْإِقْرَارُ الْمُتَّصِلُ وَمَنْ أَقَرَّ بِمِلْكٍ ثُمَّ ادَّعَى شِرَاءَهُ قُبِلَ إقْرَارُهُ وَلَا يُقْبَلُ مَا يُنَاقِضُ إقْرَارَهُ إلَّا مَعَ شُبْهَةٍ مُعْتَادَةٍ وَلَوْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ فَأَقَرَّ وَارِثٌ شَافِعِيٌّ أَنَّهُ وَارِثُهُ وَأَقْبَضَهَا وَوَرِثَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالْخِلَافِ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَعْوَى مَا يُنَاقِضُهُ وَلَا يُسَوَّغُ الْحُكْمُ لَهُ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا قَالَ أَنَا مُقِرٌّ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالْمُدَّعِي بِهِ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ مَا فِي الدَّعْوَى كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ قَبِلْتُ أَنَّ الْقَبُولَ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِيجَابِ لَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ.
وَأَمَّا إذَا قَالَ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ فَبَيْنَ الْإِنْكَارِ وَالْإِقْرَارِ مَرْتَبَةٌ وَهِيَ السُّكُوتُ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا لَا أُكَذِّبُ فُلَانًا لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقًا لَهُ فَالْمُتَوَجِّهُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ نَفْيِ الْإِنْكَارِ إنْ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مِمَّا يَعْلَمُهُ الْمَطْلُوبُ وَقَدْ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا. حَكَى صَاحِبُ الْكَافِي عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَيْتُكَ مِنْهَا مِائَةً إنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّ الْمِائَةَ قَدْ رَفَعَهَا بِقَوْلِهِ وَالْبَاقِي لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَقَوْلُهُ مِنْهَا يَحْتَمِلُ مَا تَدَّعِيهِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا يُخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَبْرَأْتُهَا وَأَخَذْتُهَا وَقَبَضْتُهَا أَنَّهُ مُقِرٌّ هُنَا بِالْأَلْفِ لِأَنَّ الْهَاءَ يَرْجِعُ إلَى الْمَذْكُورِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالْمِائَةِ عَلَى رِوَايَةٍ فِي قَوْلِهِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ وَقَضَيْته، ثُمَّ هَلْ يَكُونُ مُقِرًّا بِهَا وَحْدَهَا أَوْ الْجَمِيعَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالصَّوَابُ فِي الْإِقْرَارِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ أَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ لَا يَتَعَلَّقُ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْمُقَرُّ بِهِ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ قَدْ يَكُونُ مُعَلَّقًا بِسَبَبٍ قَدْ يُوجِبُهُ أَوْ يُوجِبُ أَدَاءَهُ دَلِيلٌ يُظْهِرُهُ فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ قَالَ مُقِرًّا إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ لِفُلَانٍ أَلْفٌ صَحَّ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ رَدَّ عَبْدَهُ الْآبِقَ فَلَهُ أَلْفٌ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا فَقَالَ إنْ رَدَّ عَبْدَهُ الْآبِقَ فَلَهُ أَلْفٌ صَحَّ.
وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِعِوَضِ الْخُلْعِ لَوْ قَالَتْ إنْ طَلَّقَنِي أَوْ إنْ عَفَا عَنِّي فَلَهُ عِنْدِي أَلْفٌ. وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّهَادَةِ فَقَدْ يُشْبِهُ التَّحْكِيمَ. وَلَوْ قَالَ إنْ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِكَذَا الْتَزَمْتُهُ لَزِمَهُ عِنْدَنَا فَلِذَلِكَ قَدْ يَرْضَى بِشَهَادَتِهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الْتِزَامٌ وَتَزْكِيَةٌ لِلشَّاهِدِ وَرَضِيَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَإِذَا أَقَرَّ الْعَامِّيُّ بِمَضْمُونٍ مَحْضٍ وَادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ قُبِلَ مِنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِذَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِعَيْنٍ لَهُ فِيهَا حَقٌّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ كَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَلَا بَيِّنَةَ قَالَ الْأَصْحَابُ يُقْبَلُ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَا تَضَمَّنَ مَا يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَمَا أَقَرَّ مَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ كَمَا فِي قَوْلِهِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ وَقَضَيْتُهُ وَلِأَنَّا نُجَوِّزُ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِنْشَاءَاتِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارَاتِ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي آيَةِ الدَّيْنِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ وَادَّعَى إذْنَ الْمَالِكِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى فِي اللَّفْظِ لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ فِي الْأَصَحِّ.
قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ لِأَنَّ أَبَا مَنْصُورٍ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ إذَا قَالَ كَانَ لَك عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ فَقَضَيْتُكَ مِنْهَا خَمْسِينَ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لَيْسَ هَذَا مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ قَضَيْتُكَ سِتِّينَ مِثْلُ خَمْسِينَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَإِنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَقْرَبُ مِمَّا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فَإِنَّ أَصْحَابَنَا بَنَوْهُ عَلَى أَنَّ كَذَا وَكَذَا تَأْكِيدًا وَهُوَ خِلَافٌ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ كَذَا دِرْهَمًا لَمَّا كَانَ فِي أَرَادَ دِرْهَمًا وَأَيْضًا لَوْ لَغَتْ الْعَرَبُ هُوَ خِلَافٌ لَا النَّصْبُ ثُمَّ يَقْتَضِي الرَّفْعَ لَهُمَا وَهَذَا مِثْلُ التَّرْجَمَةِ وَأَنَّ الدِّرْهَمَ الْمَعْرُوفَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ دِرْهَمٌ وَالْوَاجِبُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الَّذِي يَتَّصِلُ أَحَدُهُمَا بِالْأَرْضِ عَادَةً كَالْقِرَابِ فِي السَّيْفِ وَالْخَاتَمِ فِي الْفَصِّ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِهِمَا وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ فِي الزَّقِّ وَالتَّمْرَةِ فِي الْجِرَابِ وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُهُ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ كَانَ إقْرَارًا بِهِمَا لَا لَهُ عِنْدِي ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِالثَّوْبِ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ إلَى الْعَشَرَةِ فَلِهَذَا أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ. وَثَانِيهَا: عَشَرَةٌ. وَثَالِثُهَا: ثَمَانِيَةٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ مِنْ الْأَعْدَادِ، فَإِذَا قَالَ مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ، إنْ أَدْخَلْنَا الطَّرَفَيْنِ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ إنْ أَدْخَلْنَا الْمُبْتَدَأَ فَقَطْ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ إنْ أَخْرَجْنَاهُمَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ عُرْفُ الْمُتَكَلِّمِ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى أَقَلِّ مُحْتَمَلَاتِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.