الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَخَشِيَ الْعَنَتَ بِتَرْكِهِ قَدَّمَهُ عَلَى الْحَجِّ الْوَاجِبِ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَدَّمَ الْحَجَّ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَاتُ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَالْعِلْمِ وَالْجِهَادِ قُدِّمَتْ عَلَى النِّكَاحِ إنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ. قُلْت: وَمَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ رضي الله عنه ظَاهِرٌ إنْ قُلْنَا: إنَّ النِّكَاحَ سُنَّةٌ وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَابْنُ الْمُنَى فِي تَعْلِيقِهِمَا فَقَدْ تَعَارَضَ مَعَ فَرْضِ كِفَايَةٍ فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ النِّكَاحَ وَاجِبٌ قَدَّمَهُ لِأَنَّ فُرُوضَ الْأَعْيَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُبَاحُ التَّصْرِيحُ وَالتَّعْرِيضُ مِنْ صَاحِبِ الْعِدَّةِ فِيهَا إنْ كَانَا مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ كَالْمُخْتَلِعَةِ فَأَمَّا إنْ كَانَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَالْمَزْنِيِّ بِهَا وَالْمَوْطُوءَةِ شُبْهَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْمُعْتَدَّةُ بِاسْتِبْرَاءٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي حُكْمِ الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهَا بِرَضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ فَيَجُوزُ التَّعْرِيضُ دُونَ التَّصْرِيحِ، وَالتَّعْرِيضُ أَنْوَاعٌ تَارَةً يَذْكُرُ صِفَاتِ نَفْسِهِ مِثْلُ مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها وَتَارَةً يَذْكُرُ لَهَا صِفَاتِ نَفْسِهَا، وَتَارَةً يَذْكُرُهَا طَلَبًا لَا يُعَيِّنُهُ: كَرُبَّ رَاغِبٍ فِيك، وَطَالِبٍ لَك، وَتَارَةً يَذْكُرُ أَنَّهُ طَالِبٌ لِلنِّكَاحِ وَلَا يُعَيِّنُهَا، وَتَارَةً يَطْلُبُ مِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ النِّكَاحَ، وَغَيْرَهُ كَقَوْلِهِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ وَلَوْ خَطَبَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا الرَّجُلَ ابْتِدَاءً فَأَجَابَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْعَلَ لِرَجُلٍ آخَرَ خِطْبَتَهَا إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَاطِبَ وَكَذَا لَوْ خَطَبَتْهُ أَوْ وَلِيُّهَا بَعْدَ أَنْ خَطَبَ هُوَ امْرَأَةً فَالْأَوَّلُ أَبْدَى لِلْخَاطِبِ وَالثَّانِي أَبْدَى لِلْمَخْطُوبِ.
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَمَنْ خَطَبَ تَعْرِيضًا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا يَنْهَى غَيْرَهُ عَنْ الْخِطْبَةِ وَلَوْ أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ احْتَمَلَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا كَمَا لَوْ خُطِبَتْ فَأَجَابَتْ وَاحْتُمِلَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْطُبْهَا أَحَدٌ، كَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ سُكُوتَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْخِطْبَةِ لَيْسَ بِإِجَابَةٍ بِحَالٍ.
[فَصْلٌ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ]
فَصْلٌ وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِمَا عَدَّهُ النَّاسُ نِكَاحًا بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ وَفِعْلٍ كَانَ وَمِثْلُهُ كُلُّ عَقْدٍ وَالشَّرْطُ بَيْنَ النَّاسِ مَا عَدُّوهُ شَرْطًا.
نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي رَجُلٍ مَشَى إلَيْهِ قَوْمُهُ فَقَالُوا: زَوِّجْ فُلَانًا فَقَالَ: زَوَّجْته عَلَى أَلْفٍ فَرَجَعُوا إلَى الزَّوْجِ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ قَدْ قَبِلْت هَلْ يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ هَذَا يُعْطِي أَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ صَحِيحٌ.
وَقَدْ أَحْسَنَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَا قَالَهُ وَهُوَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ تَرَاخِيًا لِلْقَبُولِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَإِنَّمَا هُوَ تَرَاخٍ لِلْإِجَازَةِ وَمَسْأَلَةُ أَبِي طَالِبٍ وَكَلَامُ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ وَهَذَا أَحْسَنُ أَمَّا إذَا تَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعَاقِدَ الْآخَرَ إنْ كَانَ حَاضِرًا اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا جَازَ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ كَمَا قُلْنَا فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي الْوَكَالَةِ: إنَّهُ يَجُوزُ قَبُولُهَا عَلَى الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي وَإِنَّمَا الْوِلَايَةُ نَوْعٌ مِنْ جِنْسِ الْوَكَالَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي تَتِمَّةِ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت صَحَّ إذَا حَضَرَ شَاهِدَانِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهُوَ يَقْضِي بِأَنَّ إجَازَةَ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ إذَا قُلْنَا بِانْعِقَادِهِ تَفْتَقِرُ إلَى شَاهِدَيْنِ وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ حَسَنٌ.
وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْأَخْرَسِ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَخْرَسِ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ تُفْهَمُ وَمَفْهُومُ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَخْرَسُ وَلِيًّا وَلَا وَكِيلًا فِي النِّكَاحِ وَهُوَ مُقْتَضٍ لَهُ تَعْلِيلُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لَا وَكِيلًا وَهُوَ أَقْيَسُ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ فِي الْإِجْبَارِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَيْسَ لِلْأَبِ إجْبَارُ بِنْتِ التِّسْعِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَرِضَا الثَّيِّبِ الْكَلَامُ وَالْبِكْرِ الصُّمَاتُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: بَعْدَ ذِكْرِهِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ تُزَوَّجُ الْمُثَابَةُ بِالْجَبْرِ كَمَا تُزَوَّجُ الْبِكْرُ هَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ وَإِذَا تَعَذَّرَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى أَصْلَحِ مَنْ يُوجَدُ مِمَّنْ لَهُ نَوْعُ وِلَايَةٍ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ كَرَئِيسِ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالدُّهْقَانِ وَأَمِيرِ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ فِي الْبَلَدِ يَكُونُ فِيهِ الْوَالِي، وَلَيْسَ فِيهِ
قَاضٍ يُزَوِّجُ: إنَّ الْوَلِيَّ يَنْظُرُ فِي الْمَهْرِ وَإِنَّ أَمْرَهُ لَيْسَ مُفَوَّضًا إلَيْهَا وَحْدَهَا كَمَا أَنَّ أَمْرَ الْكُفْءِ لِكُفْءٍ لَيْسَ مُفَوَّضًا إلَيْهَا وَحْدَهَا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَصَالِحٍ وَأَبِي الْحَارِثِ عَنْ الْمَهْرِ لَا نَجِدُ فِيهِ حَدًّا هُوَ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ، وَهُوَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ فِي النِّكَاحِ جَائِزٌ.
وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْأَهْلِينَ نَظَرًا فِي الصَّدَاقِ وَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ إلَيْهَا فَقَطْ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْأَهْلِينَ مَعْنًى وَتَزْوِيجُ الْأَيَامَى فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا فَإِنْ أَبَاهُ حَاكِمٌ أَنْ لَا يَظْلِمَ كَطَلَبِهِ جُعْلًا لِتَسْتَحِقَّهُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَيُزَوِّجُ وَصِيُّ الْمَالِ الصَّغِيرَ وَاشْتَرَطَ الْجَدُّ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْوَلِيِّ رُشْدًا وَالرُّشْدُ فِي الْوَلِيِّ هُنَا هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِالْكُفْءِ وَمَصَالِحُ النِّكَاحِ لَيْسَ حِفْظَ الْمَالِ وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَلِيَّ كُلُّ وَارِثٍ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ وَلِغَيْرِ الْعَصَبَةِ مِنْ الْأَقَارِبِ التَّزْوِيجُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ وَيُخَرَّجُ ذَلِكَ مِمَّا إذَا قَدَّمْنَا التَّوْرِيثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى التَّوْرِيثِ بِالْوَلَاءِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ يَهُودِيَّةً وَوَلِيُّهَا نَصْرَانِيٌّ أَوْ بِالْعَكْسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى التَّوْرِيثِ فِي تَوَارُثِهِمَا وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا إذَا قُلْنَا تُقْبَلُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَكَذَلِكَ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ وَالْعَقْلِ وَيُضَمُّ لِلْوَلِيِّ الْفَاسِقِ أَمِينٌ كَالْوَصِيِّ فِي رِوَايَةٍ، وَلَوْ قِيلَ: إنَّ الِابْنَ وَالْأَبَ سَوَاءٌ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ كَمَا إذَا أَوْصَى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ لَكَانَ مُتَوَجِّهًا وَيُتَخَرَّجُ لَنَا أَنَّ الِابْنَ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ إذَا قُلْنَا الْأَخُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ.
وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُغَنِّي فِي تَعَالِيقِهِ فَقَالَ يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ عَلَى قَوْلٍ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ الْأَقْرَبِ فِي الْكُلِّ حَتَّى زَوَّجَ الْأَبْعَدُ فَقَدْ يُقَالُ بِطَرْدِ الْقَاعِدَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ النِّكَاحُ كَالْجَهْلِ الشَّرْعِيِّ مِثْلُ أَنْ يَعْتَقِدَ صِحَّةَ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِالْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ أَوْ بِلَا شُهُودٍ وَقَدْ يُقَالُ يَصِحُّ النِّكَاحُ. كَمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ هُوَ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ ظَهَرَ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُمْ كَانُوا فَاسِقِينَ وَقْتَ الْعَقْدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ ثَابِتَانِ يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْوَلِيَّ الْأَقْرَبَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ إذَا أَمْكَنَ فَأَمَّا تَعَذُّرُهُ فَيُسْقِطُهُ كَمَا لَوْ عَضَلَ أَوْ غَابَ وَبِهَذَا قَيَّدَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْجَمَاعَةِ إذَا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَقْرَبِ لَمْ يَصِحَّ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ فَيَسْقُطُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ كَمَا يَسْقُطُ بِالْبُعْدِ وَهَذَا إذَا لَمْ
يَنْتَسِبْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ إلَى تَفْرِيطٍ وَمَعَ هَذَا لَوْ زُوِّجَتْ بِنْتُ الْمُلَاعِنِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهَا الْأَبُ فَلَوْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَكَانَ يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا يَصِحَّ النِّكَاحُ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَصِحُّ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا يَعْقِدُ نَصْرَانِيٌّ وَلَا يَهُودِيٌّ عُقْدَةَ نِكَاحٍ لِمُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ وَلَا يَكُونَانِ وَلِيَّيْنِ بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْلِمًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُزَوِّجُ مُسْلِمَةً بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى ابْنِهِ الْكَافِرِ مُتَوَلِّيًا لِنِكَاحٍ وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى بُطْلَانِهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْأَخَوَيْنِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ فِي الْأَخَوَيْنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إلَى الْفَضْلِ وَالرَّأْيِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هَذَا لِأَنَّهُ أَثَرٌ لِلَّبْسِ هُنَا وَاعْتَبَرَهُ أَصْحَابُنَا.
وَلَوْ زَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَلِيَّانِ وَجُهِلَ أَسْبَقُ الْعَقْدَيْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَتَمَيَّزُ الْأَسْبَقُ بِالْقُرْعَةِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنَّ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا وَوَرِثَتْهُ لَكِنْ لَا يَطَأُ حَتَّى يُجَدِّدَ الْعَقْدَ لِحِلِّ الْوَطْءِ فَقَطْ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَوْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالزَّوْجِيَّةِ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَيَكُونُ التَّجْدِيدُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا كَمَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاجِبًا عَلَى الْآخَرِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُفْسَخُ النِّكَاحَانِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا يُطَلِّقَانِهَا فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا بِحَيْثُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَلَوْ بِزَوْجِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ فَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ احْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَحَدِهِمَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ وَرُبْعُ النَّفَقَةِ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهَا وَالثَّانِي يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَوَرِثَ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ لَا يَخْرُجُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَّفِقُ الْخَصْمَانِ وَأَمَّا الثَّانِي فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَنْ قَالَ لَا: أَعْرِفُ الْحَالَ وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ قَرَعَ فَلَهُ الْمِيرَاثُ بِلَا يَمِينٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا لَا يُقْرِعُ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَأْخُذُ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِالْقُرْعَةِ فَكَذَلِكَ يَرِثُهَا أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا لَا مَهْرَ فَهُنَا قَدْ يُقَالُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا.
وَإِذَا قَالَ قَدْ جَعَلْت عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا أَوْ قَدْ أَعْتَقْتهَا وَجَعَلْت عِتْقَهَا صَدَاقَهَا صَحَّ
بِذَلِكَ الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْعِتْقُ إذَا قَالَ قَدْ جَعَلْت عِتْقَكِ صَدَاقَكِ فَلَمْ تَقْبَلْ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَصِرْ صَدَاقًا وَهُوَ لَمْ يُوقِعْ غَيْرَ ذَلِكَ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَإِنْ قَبِلَتْ لِأَنَّ هَذَا الْقَبُولَ لَا يَصِيرُ بِهِ الْعِتْقُ صَدَاقًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَا قَالَ وَيُتَوَجَّهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا إنْ قَبِلَتْ صَارَتْ زَوْجَةً وَإِلَّا عَتَقَتْ مَجَّانًا أَوْ لَمْ تَعْتِقْ بِحَالٍ وَإِذَا قُلْنَا: إلْحَاقُ الشَّرْطِ لَا يُغَيِّرُ الطَّلَاقَ فَإِلْحَاقُ الْعَطْفِ فِي النِّكَاحِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَتَجِبُ قِيمَةُ نَفْسِهَا وَيَتَخَرَّجُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ أَوْ اعْتِبَارُ إذْنِهَا مِنْ عِتْقِهَا بِجَنْبِ حُرٍّ فَإِنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لَهَا فِي رِوَايَةٍ.
وَكَذَلِكَ إذَا عَتَقَا مَعًا فَإِذَا كَانَ حُدُوثُ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْعِتْقِ يَثْبُتُ الْفَسْخُ فَالْمُقَارِنَةُ أَوْلَى أَنْ تُثْبِتَ الْفَسْخَ وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا الْوَقْتُ الَّذِي جَعَلَ فِيهِ الْعِتْقَ صَدَاقًا كَانَ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ مَلَكَ بَعْضًا وَقْتَ حُرِّيَّتِهَا وَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُتَزَوِّجَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: إذَا قَالَ: زَوَّجْتُك هَذِهِ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ هُوَ الْمُصَدِّقَ لَهَا عَنْ الزَّوْجِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ السَّيِّدُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ وَعَلَى هَذَا فَسَوَاءٌ قَالَ أَعَتَقْتهَا وَزَوَّجْتهَا مِنْك أَوْ زَوَّجْتهَا مِنْك وَأَعْتَقْتهَا وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْت أَمَتِي وَزَوَّجْتُكَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ فَهُوَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْتهَا وَأَكْرَيْتُهَا مِنْك سَنَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْخِدْمَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْتِقُك عَلَى خِدْمَةِ سَنَةٍ وَلَوْ قَالَ عَتَقْتُكِ وَتَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ صَحَّ هَذَا النِّكَاحُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْعِتْقَ صَدَاقًا وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَزَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ وَهَبْتُك وَأَكْرَيْتُهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ بِعْتُكهَا وَزَوَّجْتهَا أَوْ أَكَرَيْتهَا مِنْ فُلَانٍ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَحَاصِلُهُ. إنَّا كَمَا جَوَّزْنَا الْعِتْقَ وَالْوَقْفَ وَالْهِبَةَ وَالْبَيْعَ مَعَ اسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ جَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ وَالْإِنْكَاحُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَجَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْكَاحِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهَا حِينَ الْإِعْتَاقِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ أَحْمَدَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَرْأَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْكَفَاءَةَ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ مِثْلُ مَهْرِ الْمَرْأَةِ إنْ أَحَبَّتْ