الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فَوْقَ الْوَقْفِ مَا يَضُرُّ بِهِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِذَا كَانَ الْجِدَارُ مُخْتَصًّا بِشَخْصٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجَارُ، وَلَا يَضُرُّ بِصَاحِبِ الْجِدَارِ، وَيَجِبُ عَلَى الْجَارِ تَمْكِينُ جَارِهِ مِنْ إجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِهِ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ ضَرَرٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَحَكَمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَالسَّابَاطُ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ مِثْلُ أَنْ يَحْتَاجَ الرَّاكِبُ أَنْ يَحْنِيَ رَأْسَهُ إذَا مَرَّ هُنَاكَ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ نَفْسِهِ رَمَى عِمَامَتَهُ أَوْ شَجَّ رَأْسَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَمُرَّ هُنَاكَ جَمَلٌ عَالٍ إلَّا كُسِرَتْ رَقَبَتُهُ، وَالْجَمَلُ الْمُحَمَّلُ لَا يَمُرُّ هُنَاكَ فَمِثْلُ هَذَا السَّابَاطِ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَارَّةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إزَالَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إلْزَامُهُ بِإِزَالَتِهِ
حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ
، حَتَّى لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مُنْخَفِضًا ثُمَّ ارْتَفَعَ عَلَى طَوْرِ الزَّمَانِ وَجَبَ إزَالَتُهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْحَجْرِ]
ِ وَإِذَا لَزِمَ الْإِنْسَانَ الدَّيْنُ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَالضَّمَانِ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْإِعْسَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ أَرَادَ سَفَرًا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِدَيْنِهِ.
وَمَنْ طُولِبَ بِأَدَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَطَلَبَ إمْهَالًا أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، لَكِنْ إذَا خَافَ غَرِيمُهُ مِنْهُ احْتَاطَ عَلَيْهِ بِمُلَازَمَتِهِ أَوْ بِكَفِيلٍ أَوْ بِرَسْمٍ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ وَامْتَنَعَ أُجْبِرَ عَلَى وَفَائِهِ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، لَكِنْ لَا يُزَادُ كُلُّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ التَّعْزِيرِ إنْ قِيلَ يَقْتَدِرُ وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ مَالَهُ وَيَقْضِي دَيْنَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ وَمَطَلَ صَاحِبَ الْحَقِّ حَتَّى أَخْرَجَهُ إلَى الشِّكَايَةِ فَمَا غَرِمَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الظَّالِمِ الْمُبْطِلِ إذَا كَانَ غُرْمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ وَمِمَّنْ عُرِفَ بِالْقُدْرَةِ فَادَّعَى إعْسَارًا وَأَمْكَنَ عَادَةً قُبِلَ وَلَيْسَ لَهُ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ حَبْسِهِ بِلَا إذْنِهِ وَيَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى شُبْهَةٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا بِحَقِّهَا وَحَبَسَتْهُ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْحَبْسِ، بَلْ يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهَا
بَعْدَ الْحَبْسِ كَحَبْسِهِ فِي دَيْنِ غَيْرِهَا فَلَهُ إلْزَامُهَا مُلَازَمَةَ بَيْتِهِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَحَدٌ بِلَا إذْنِهِ وَلَوْ خَافَ خُرُوجَهَا مِنْ مَنْزِلِهِ بِلَا إذْنِهِ أَسْكَنَهَا حَيْثُ شَاءَ، وَلَا يَجِبُ حَبْسُهُ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَجُوزُ حَبْسُهُ فِي دَارِ نَفْسِهِ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ مِنْ الْخُرُوجِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ وَامْتَنَعَ وَرَأَى الْحَاكِمُ مَنْعَهُ مِنْ فُضُولِ الْأَكْلِ وَالنِّكَاحِ فَلَهُ ذَلِكَ، إذْ التَّعْزِيرُ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي نَوْعِهِ وَقَدْرِهِ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ.
وَمَنْ ضَاقَ مَالُهُ عَنْ دُيُونِهِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ بِالْحَجْرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ فَلَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِمَا يُخِلُّ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ نُوزِعَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظْرٍ فِي الرُّشْدِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِرُشْدِهِ قُبِلَ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَمَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ لَهُ عَلَى وَلِيِّهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ رُشْدَهُ، وَالْإِسْرَافُ مَا صَرَفَهُ فِي الْحَرَامِ أَوْ كَانَ صَرْفُهُ فِي مُبَاحٍ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَلَوْ وَصَّى مَنْ فِسْقُهُ ظَاهِرٌ أَوْ لَا وَجَبَ إنْفَاذُهُ كَحَاكِمٍ فَاسِقٍ حَكَمَ بِالْعَدْلِ.
وَالْوِلَايَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ تَكُونُ لِسَائِرِ الْأَقَارِبِ، وَمَعَ الِاسْتِقَامَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَاكِمِ إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ طَاعَةِ الْوَلِيِّ، وَتَكُونُ الْوِلَايَةُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْحَاكِمِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ فِي الْأُمِّ.
وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْوِلَايَةِ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْحَاكِمِ فَضَعِيفٌ جِدًّا، وَالْحَاكِمُ الْعَاجِزُ كَالْعَدَمِ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَتَّجِرُ لِنَفْسِهِ وَلِيَتِيمِهِ بِمَالِهِ وَقَدْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يُعْرَفْ لِمَنْ هُوَ لَمْ يُقْسَمْ وَلَمْ يُوقَفْ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ، بَلْ مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَفْرُغُ فَمَنْ فَرَغَ خَلْفَ وَاحِدٍ وَلَوْ مَاتَ الْوَصِيُّ وَجَهِلَ بَقَاءَ مَالِ وَلِيِّهِ كَانَ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ، وَلِوَصِيِّ الْيَتِيمِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ إلَّا مَنْ كَانَ قَوِيًّا خَبِيرًا بِمَا وُلِّيَ عَلَيْهِ أَمِينًا عَلَيْهِ وَالْوَاجِبُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَنْ يُسْتَبْدَلَ بِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ لَكِنْ إذَا عَمِلَ لِلْيَتَامَى اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَالْعَمَلِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ السَّيِّدِ دَعْوَى عَدَمِ الْإِذْنِ لِعَبْدِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَصَرُّفِهِ وَلَوْ قَدْرَ صَدَقَةٍ فَتَسْلِيطُهُ عَلَيْهِ عُدْوَانٌ، وَتَرَدَّدَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِيمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ لِلْوَلِيِّ خَلَاصُ حَقِّ مُوَلِّيهِ إلَّا بِرَفْعِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ إلَى وَالٍ يَظْلِمُهُ، وَيُسْتَحَبُّ التِّجَارَةُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لِقَوْلِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ اتَّجِرُوا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى كَيْ لَا تَأْكُلَهَا الصَّدَقَةُ.