الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعَلَهُ فَهَلْ يَكُونُ أَدَاءً كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ أَوْ قَضَاءً كَقَوْلِ الْبَاقِلَّانِيِّ أَوْ غَيْرِهِ: فِيهِ نِزَاعٌ، وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا النِّزَاعِ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ فَقَطْ، بَلْ لَوْ اعْتَقَدَ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَصَلَّى أَدَاءً، ثُمَّ تَبَيَّنَ خُرُوجَهُ، أَوْ بِالْعَكْسِ: صَحَّتْ الصَّلَاةُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي قَدِيمِ خَطِّهِ: قَوْلُ الْبَاقِلَّانِيِّ قِيَاسُ الْمَذَاهِبِ إذْ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ لَا بِمَا يُخَالِفُهَا، وَذَلِكَ كَمَا قُلْنَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذَاهِبِ فِي الْمَعْضُوبِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ إذَا حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ بَرِئَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْحَجِّ، فَاعْتَبَرْنَا حَالَةَ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَلَمْ نَعْتَبِرْ تَبَيُّنَ فَسَادِهِ، وَلَا أَعْرِفُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا.
[بَابُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]
ِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَطْلَقَ طَوَائِفُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةٌ ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ إذَا اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ قُوتِلُوا، وَالنِّزَاعُ مَعَ هَؤُلَاءِ قَرِيبٌ مِنْ النِّزَاعِ اللَّفْظِيِّ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُطْلِقُ الْقَوْلَ بِالسُّنَّةِ عَلَى مَا يُذَمُّ تَارِكُهُ وَيُعَاقَبُ تَارِكُهُ شَرْعًا وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا إثْمَ عَلَى تَارِكِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ.
وَلَيْسَ الْأَذَانُ بِوَاجِبٍ لِلصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً وَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِنْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ يَقْضِي صَلَوَاتٍ فَأَذَّنَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَأَقَامَ لِبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ كَانَ حَسَنًا أَيْضًا، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ.
وَأَمَّا إمَامَتُهُ صلى الله عليه وسلم وَإِمَامَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَكَانَتْ مُتَعَيِّنَةً عِنْدَهُ، فَإِنَّهَا وَظِيفَةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَذَانِ، فَصَارَتْ الْإِمَامَةُ فِي حَقِّهِمْ أَفْضَلَ مِنْ الْأَذَانِ لِخُصُوصِ أَحْوَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرِ النَّاسِ الْأَذَانُ أَفْضَلُ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يُجْزِئَ أَذَانُ الْقَاعِدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ، وَأَوْلَى إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ الْأَذَانُ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَخَطَبَ بَعْضُهُمْ: قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ الْكَرَاهَةَ، وَالْكَرَاهَةُ الْمُطْلَقَةُ هَلْ تَنْصَرِفُ إلَى التَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ، عَلَى وَجْهَيْنِ.
قُلْت: قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ": نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ إنْ أَذَّنَ
الْقَاعِدُ يُعِيدُ، قَالَ الْقَاضِي: مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى نَفْيِ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ الْمَنْعُ مِنْ أَذَانِ الْجُنُبِ وَتَوَقَّفَ عَنْ الْإِعَادَةِ فِي بَعْضِهَا، وَصَرَّحَ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي بَعْضِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ عَنْهُ رِوَايَةً بِالْإِعَادَةِ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيِّ وَفِي إجْزَاءِ الْأَذَانِ مِنْ الْفَاسِقِ رِوَايَتَانِ أَقْوَاهُمَا عَدَمُهُ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْفَاسِقِ مُؤَذِّنًا فَلَا يَنْبَغِي قَوْلًا وَاحِدًا، وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يَسْتَخْرِجُ أَذَانَهُ لِلْبَالِغِ رِوَايَتَانِ كَشَهَادَتِهِ وَوَلَايَتِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَحْقِيقِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِهِ، وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ سِوَاهُ.
وَأَمَّا صِحَّةُ أَذَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَوْنُهُ جَائِزًا إذَا أَذَّنَ غَيْرُهُ، فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ إذَا كَانَ قَدْ رَاهَقَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ: وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْغُلَامِ يُؤَذِّنُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ فَلَمْ يُعْجِبْهُ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَذَانَ الَّذِي يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَيُعْتَمَدُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ صَبِيٌّ قَوْلًا، وَلَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ وَلَا يُعْتَمَدُ فِي مَوَاقِيتِ الْعِبَادَاتِ.
وَأَمَّا الْأَذَانُ الَّذِي يَكُونُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً فِي مِثْلِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الْمِصْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا فِيهِ الرِّوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُوصَلَ الْأَذَانُ بِمَا قَبْلَهُ، مِثْلَ قَوْلِ بَعْضِ الْمُؤَذِّنِينَ قَبْلَ الْأَذَانِ:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] الْآيَةَ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَرْفَعَ فَمَه وَوَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ إذَا أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلَّذِي يَتَشَهَّدُ عَقِيبَ الْوُضُوءِ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ.
وَكَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ بِالصَّلَاةِ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ التَّهْلِيلَ وَالتَّكْبِيرَ إعْلَانٌ بِذِكْرِ اللَّهِ لَا يَصْلُحُ إلَّا لَهُ، فَاسْتُحِبَّ الْإِشَارَةُ لَهُ كَمَا تُسْتَحَبُّ الْإِشَارَةُ بِالْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ فِي التَّشَهُّدِ وَالدُّعَاءِ، هَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، إذْ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ خَفْضُ الطَّرْفِ.
وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمَغْرِبِ فَحِينَ انْتَهَى إلَى مَوْضِعِ الصَّفِّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَلَسَ.
وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَهَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّأْذِينُ لِلْفَجْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْإِقَامَةُ كَالنِّدَاءِ بِالْأَذَانِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُنَادَى لِلْكُسُوفِ بِ " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ "، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ:«خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ مُنَادِيًا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» .
وَلَا يُنَادَى لِلْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ وَلِهَذَا لَا يُشْرَعُ لِلْجِنَازَةِ وَلَا لِلتَّرَاوِيحِ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ، خِلَافًا لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُسُوفِ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَوْلَادِ مَنْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ الْأَذَانَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ جَازَ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لَا يُقَدَّمُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْأَذَانِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا بِكَوْنِ أَبِيهِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ.
وَأَمَّا مَا سِوَى التَّأْذِينِ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ تَسْبِيحٍ، وَتَشَهُّدٍ، وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِدُعَاءٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي الْمَآذِنِ، فَهَذَا لَيْسَ بِمَسْنُونٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ. بَلْ قَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ: أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَلَا حَدَثَ سَبَبٌ يَقْتَضِي إحْدَاثَهُ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي دَلَّتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ، وَلَا يُنْكِرَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ وَلَا يُعَلِّقَ اسْتِحْقَاقَ الرِّزْقِ بِهِ، وَإِنْ شَرَطَهُ وَاقِفٌ، وَإِذَا قِيلَ: إنَّ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَصْوَاتِ مَصْلَحَةً رَاجِحَةً عَلَى مَفْسَدَتِهَا، فَنَقْتَصِرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَصْلَحَةُ دُونَ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ ضَرَرٌ بِلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ الْمُؤَذِّنَ وَيَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ كُلُّ ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وُجِدَ سَبَبُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَيُجِيبُ مُؤَذِّنًا ثَانِيًا، وَأَكْثَرَ حَيْثُ