المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة قول النبي دعوة أخي ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين] - الفتاوى الكبرى لابن تيمية - جـ ٥

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ]

- ‌[فَصْلٌ قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتُمْ تَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُوسَى سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْهُ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا وَإِنَّمَا خَلَقَ الْكَلَامَ وَالصَّوْتَ فِي الشَّجَرَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا فَقَالَ لَهُ آخَرُ بَلْ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْقَلْبِ وَأَنَّهُ خُلِقَ لِيُعْلَمَ بِهِ الْحَقُّ وَلْيُسْتَعْمَلْ فِيمَا خُلِقَ لَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ قَالَ النَّبِيُّ زِدْنِي فِيك تَحَيُّرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ إذَا أَصَابَهُ الْمَوْتُ وَأَتَاهُ الْإِنْسَانُ هَلْ يُذَكِّي شَيْئًا مِنْهُ]

- ‌[فَصْل ذَكَاةُ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّسْمِيَةُ عَلَى الذَّبِيحَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي قِصَّةِ إبْلِيسَ وَإِخْبَارِهِ النَّبِيَّ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَوْ كُنْتَ فَعَلْتَ كَذَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْك شَيْءٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الَّذِينَ غَالِبُ أَمْوَالِهِمْ حَرَامٌ مِثْلُ الْمَكَّاسِينَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْمُصْحَفِ الْعَتِيقِ إذَا تَمَزَّقَ مَا يَصْنَعُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ يُحِبُّ رَجُلًا عَالِمًا فَإِذَا الْتَقَيَا ثُمَّ افْتَرَقَا حَصَلَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ شِبْهُ الْغَشْيِ مِنْ أَجْلِ الِافْتِرَاقِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ لَعَنَ الْيَهُودِيَّ وَلَعَنَ دِينَهُ وَسَبَّ التَّوْرَاةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى قَوْلِهِ مَنْ أَتَى إلَى طَعَامٍ لَمْ يُدْعَ إلَيْهِ فَقَدْ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَعْنَى إجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حجية أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُرْسَلُ مِنْ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ شَرْطُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَهْلِ الْجَنَّةِ هَلْ يَتَنَاسَلُونَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جُنْدِيٍّ لَهُ إقْطَاعٌ وَنَسَخَ بِيَدِهِ صَحِيحَ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ وَالْقُرْآنَ وَهُوَ نَاوٍ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَنْ اللَّهِ قَالَ مَا وَسِعَنِي لَا سَمَائِي وَلَا أَرْضِي وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ أَوْ عُذْرٍ آخَرَ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ أَوْ عُذْرٍ آخَرَ فَهَذَا يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعِنَبُ الَّذِي يَصِيرُ زَبِيبًا فَإِذَا أَخْرَجَ عَنْهُ زَبِيبًا بِقَدْرِ عُشْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُزَارَعَةُ فَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ أَوْ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِجِنْسِ الطَّعَامِ الْخَارِجِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْعُشْرُ فَهُوَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَنْ نَبَتَ الزَّرْعُ عَلَى مِلْكِهِ]

- ‌[فَصْلٌ أَدَّى فَرْضَهُ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ لِمَنْ يُؤَدِّي فَرْضَهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي حُكْمِ الْبِنَاءِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ الْوَاسِعِ]

- ‌[فَصْلٌ وَالْأُمُورُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْإِمَامِ مُتَعَلِّقَةٌ بِنُوَّابِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَكَانَتْ مَوَاضِعُ الْأَئِمَّةِ وَمَجَامِعُ الْأُمَّةِ هِيَ الْمَسَاجِدُ]

- ‌[فَصْلٌ طَالَ الْأَمَدُ وَتَفَرَّقَتْ الْأُمَّةُ وَتَمَسَّكَ كُلُّ قَوْمٍ بِشُعْبَةٍ مِنْ الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخِلَافَةِ وَالسُّلْطَانِ وَكَيْفِيَّةِ كَوْنِهِ ظِلَّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ تَفَقَّهَ فِي مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَتَبَصَّرَ فِيهِ وَاشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِالْحَدِيثِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِالْحَسَنَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي سَبِّ أَبِي بَكْرٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ هَلْ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ أَوْقَعَ الْعُقُودَ الْمُحَرَّمَةَ ثُمَّ تَابَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحَادِيثَ يَحْتَجُّ بِهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَشْيَاءَ وَهِيَ بَاطِلَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ إنَّكُمْ تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ]

- ‌[فَصْلٌ الذَّبِيحَةُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ أُضْحِيَّة الْهَتْمَاءُ الَّتِي سَقَطَ بَعْضُ أَسْنَانِهَا]

- ‌[فَصْلٌ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمَيِّتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي قَوْمٍ أَرْسَلُوا قَوْمًا فِي مَصَالِحَ لَهُمْ وَيُعْطُونَهُمْ نَفَقَةً]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ مُتَوَلَّى وِلَايَاتٌ وَمُقْطَعٌ إقْطَاعَاتٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَوْلِهِ عز وجل يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَوْلِ النَّبِيِّ دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ الضُّرَّ لَا يَكْشِفُهُ إلَّا اللَّهُ]

- ‌[دُّعَاءُ خَاتِمَةُ الْمَجْلِسِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ الِاعْتِرَافُ بِالْخَطِيئَةِ بِمُجَرَّدِهِ مَعَ التَّوْحِيدِ مُوجِبٌ لِغُفْرَانِهَا وَكَشْفِ الْكُرْبَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ زَكَاةِ أَبِيهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ نَوَى زِيَارَةَ قَبْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ فِي سَفَرِهِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ حَبَسَ خَصْمًا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَحَضَرَ إلَيْهِ رَجُلٌ يَشْفَعُ فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ عَنْ الْعُمْرَةِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ]

- ‌[كِتَابُ الِاخْتِيَارَاتِ الْعِلْمِيَّةِ] [

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [

- ‌بَابُ الْمِيَاهِ]

- ‌[بَابُ الْآنِيَةِ]

- ‌[بَابُ آدَابِ التَّخَلِّي]

- ‌[بَابُ السِّوَاكِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَابُ مَا ظُنَّ نَاقِضًا وَلَيْسَ بِنَاقِضٍ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ]

- ‌[بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ النِّيَّةِ]

- ‌[بَابُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ]

- ‌[بَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ]

- ‌[بَابُ اللِّبَاسِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُعْتَبَرَ لِوُجُوبِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ عَرْضًا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْكَفَّارَةَ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَالُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ]

- ‌[فَصْلٌ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ لِمَنْ لَا يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّوْمِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالِاكْتِحَالِ]

- ‌[فَصْلٌ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِالصَّوْمِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلِ التَّفْضِيلِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ أَفْضَلِ اللَّيَالِي]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِحْرَامُ]

- ‌[بَابُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ]

- ‌[فَصْلٌ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ]

- ‌[بَابُ الرَّبَّا]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعُ الْمَقَاثِي جُمْلَةً بِعُرُوقِهَا]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[بَابُ الْقَرْضِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَوَالَةُ عَلَى مَالِهِ فِي الدَّيْنِ إنْ أَذِنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ]

- ‌[فَصْلٌ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ وَحُكْمِ الْجِوَارِ]

- ‌[بَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاشْتِرَاكُ فِي مُجَرَّدِ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ وَالْعَارِيَّةُ تَجِبُ مَعَ غِنَاءِ الْمَالِكِ]

- ‌[كِتَابُ السَّبْقِ]

- ‌[كِتَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[بَابُ الشُّفْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللُّقَطَة]

- ‌[كِتَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[بَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[بَابُ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ]

- ‌[بَابُ الْمُوصَى لَهُ]

- ‌[بَابُ الْمُوصِي إلَيْهِ]

- ‌[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِخْوَةُ لَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ]

- ‌[فَصْلٌ وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَقْصِدُ حِرْمَانَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ]

- ‌[فَصْلٌ أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ بِالْوَلَاءِ أَوْ النَّسَبِ وَالْبَاقُونَ لَا صَدَّقُوهُ وَلَا كَذَّبُوهُ]

- ‌[كِتَابُ الْعِتْقِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلَا تَعْتِقُ أُمُّ الْوَلَدِ إلَّا بِمَوْتِ سَيِّدِهَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ]

- ‌[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[بَابُ الشُّرُوطِ وَالْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُيُوبِ الْمُثْبَتَةِ لِلْفَسْخِ]

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ]

- ‌[بَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ تَعَلُّقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ]

- ‌[بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِيلَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الظِّهَارِ]

- ‌[كِتَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[بَابُ مَا يُلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ]

- ‌[كِتَابُ الْعِدَدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّضَاعِ]

- ‌[كِتَابُ النَّفَقَاتِ]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ]

- ‌[كِتَابُ الدِّيَاتِ]

- ‌[بَابُ الْقَسَامَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْحُدُودِ]

- ‌[فَصْلٌ وَالْمُحَارِبُونَ حُكْمُهُمْ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ وَاحِدٌ]

- ‌[فَصْلٌ وَالْأَفْضَلُ تَرْكُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ]

- ‌[فَصْلٌ وَإِذَا شَكَكْت فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ هَلْ يُسْكِرُ أَوْ لَا]

- ‌[فَصْلٌ وَيُقَامُ الْحَدُّ وَلَوْ كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ شَرِيكًا لِمَنْ يُقِيمُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَعْصِيَةِ]

- ‌[بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ]

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[بَابُ الْهُدْنَةِ]

- ‌[بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ]

- ‌[بَابُ قِسْمَةِ الْفَيْءِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الذَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ الصَّيْدُ لِحَاجَةٍ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[بَابُ النَّذْرِ]

- ‌[بَابُ الْقَضَاءِ]

- ‌[بَابُ الْحُكْمِ وَصِفَتُهُ]

- ‌[كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]

- ‌[بَابُ الْقِسْمَةِ]

- ‌[بَابُ الدَّعَاوَى]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ شَهَادَة الْأَخْرَس]

- ‌[فَصْلٌ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ فِي الْأَمْوَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

الفصل: ‌[مسألة قول النبي دعوة أخي ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين]

أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَجَعَلُوا يَرْغَبُونَ إلَيْهِمْ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِمْ وَيَسْأَلُونَهُمْ، مَعَ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَمْرِهِمْ وَمُخَالَفَاتِهِمْ لِسُنَّتِهِمْ، وَهَدَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ أَهْلَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَاتَّبَعُوهُ فَلَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ، وَأَسْلَمُوا وُجُوهَهُمْ لِلَّهِ، وَأَنَابُوا إلَى رَبِّهِمْ، وَأَحَبُّوهُ وَرَجَوْهُ وَخَافُوهُ وَسَأَلُوهُ وَرَغِبُوا إلَيْهِ وَفَوَّضُوا أُمُورَهُمْ إلَيْهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، وَأَطَاعُوا رُسُلَهُ وَعَزَّرُوهُمْ وَوَقَّرُوهُمْ وَأَحَبُّوهُمْ وَوَالُوهُمْ وَاتَّبَعُوهُمْ، وَاقْتَفَوْا آثَارَهُمْ وَاهْتَدَوْا بِمَنَارِهِمْ.

وَذَلِكَ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ الرُّسُلِ وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا إلَّا إيَّاهُ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعِبَادَةِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَيْهِ، وَيُكْمِلَهُ لَنَا وَيُمِيتَنَا عَلَيْهِ وَسَائِرَ إخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

[مَسْأَلَةٌ قَوْلِ النَّبِيِّ دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ]

1061 -

37 وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] . مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ»

مَا مَعْنَى هَذِهِ الدَّعْوَةِ؟ وَلِمَ كَانَتْ كَاشِفَةً لِلْكَرْبِ؟ وَهَلْ لَهَا شُرُوطٌ بَاطِنَةٌ عِنْدَ النُّطْقِ بِلَفْظِهَا؟ وَكَيْفَ مُطَابَقَةُ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ لِمَعْنَاهَا.

حَتَّى يُوجِبَ كَشْفَ ضُرِّهِ؟ وَمَا مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] مَعَ أَنَّ التَّوْحِيدَ يُوجِبُ كَشْفَ الضُّرِّ؟ وَهَلْ يَكْفِيهِ اعْتِرَافُهُ.

أَمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ وَالْعَزْمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؟ وَمَا هُوَ السِّرُّ فِي أَنَّ كَشْفَ الضُّرِّ وَزَوَالَهُ يَكُونُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ عَنْ الْخَلْقِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِمْ؟ وَمَا الْحِيلَةُ فِي انْصِرَافِ الْقَلْبِ عَنْ الرَّجَاءِ لِلْمَخْلُوقِينَ وَالتَّعَلُّقِ بِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَتَعَلُّقِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرَجَائِهِ وَانْصِرَافِهِ إلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَا السَّبَبُ الْمُعِينُ عَلَى ذَلِكَ؟

فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَفْظُ " الدُّعَاءِ وَالدَّعْوَةِ " فِي الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ:

ص: 218

دُعَاءَ الْعِبَادَةِ، وَدُعَاءَ الْمَسْأَلَةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 213] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [القصص: 88] وَقَالَ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] وَقَالَ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: 117] وَقَالَ تَعَالَى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد: 14] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] وَقَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] .

قِيلَ: لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ إيَّاهُ، وَقِيلَ: لَوْلَا دُعَاؤُهُ إيَّاكُمْ.

فَإِنَّ الْمَصْدَرَ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ تَارَةً، وَإِلَى الْمَفْعُولِ تَارَةً، وَلَكِنَّ إضَافَتَهُ إلَى الْفَاعِلِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ، فَلِهَذَا كَانَ هَذَا أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ، أَيْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ لَوْلَا أَنَّكُمْ تَدْعُونَهُ فَتَعْبُدُونَهُ وَتَسْأَلُونَهُ:{فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77] أَيْ عَذَابٌ لَازِمٌ لِلْمُكَذِّبِينَ.

وَلَفْظُ " الصَّلَاةِ فِي اللُّغَةِ " أَصْلُهُ الدُّعَاءُ، وَسُمِّيَتْ الصَّلَاةُ دُعَاءً لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ، وَهُوَ الْعِبَادَةُ وَالْمَسْأَلَةُ.

وَقَدْ فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] .

بِالْوَجْهَيْنِ، قِيلَ: اُعْبُدُونِي وَامْتَثِلُوا أَمْرِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشورى: 26]

ص: 219

أَيْ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ، يُقَالُ: اسْتَجَابَهُ وَاسْتَجَابَ لَهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إلَى النَّدَى فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبٌ وَقِيلَ: سَلُونِي أُعْطِكُمْ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» فَذَكَرَ أَوَّلًا لَفْظَ الدُّعَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ السُّؤَالَ وَالِاسْتِغْفَارَ، وَالْمُسْتَغْفِرُ سَائِلٌ كَمَا أَنَّ السَّائِلَ دَاعٍ؛ لَكِنَّ ذِكْرَ السَّائِلِ لِدَفْعِ الشَّرِّ بَعْدَ السَّائِلِ الطَّالِبِ لِلْخَيْرِ، وَذَكَرَهُمَا جَمِيعًا بَعْدَ ذِكْرِ الدَّاعِي الَّذِي يَتَنَاوَلُهُمَا وَغَيْرَهُمَا فَهُوَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] .

وَكُلُّ سَائِلٍ رَاغِبٍ رَاهِبٍ، فَهُوَ عَابِدٌ لِلْمَسْئُولِ، وَكُلُّ عَابِدٍ لَهُ فَهُوَ أَيْضًا رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ يَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخَافُ عَذَابَهُ.

فَكُلُّ عَابِدٍ سَائِلٌ وَكُلُّ سَائِلٍ عَابِدٌ.

فَأَحَدُ الِاسْمَيْنِ يَتَنَاوَلُ الْآخَرَ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ عَنْهُ، وَلَكِنْ إذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا: فَإِنَّهُ يُرَادُ بِالسَّائِلِ الَّذِي يَطْلُبُ جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعَ الْمَضَرَّةِ بِصِيَغِ السُّؤَالِ وَالطَّلَبِ.

وَيُرَادُ بِالْعَابِدِ مَنْ يَطْلُبُ ذَلِكَ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ صِيَغُ سُؤَالٍ.

وَالْعَابِدُ الَّذِي يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ هُوَ أَيْضًا رَاجٍ خَائِفٌ رَاغِبٌ رَاهِبٌ: يَرْغَبُ فِي حُصُولِ مُرَادِهِ، وَيَرْهَبُ مِنْ فَوَاتِهِ.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] وَقَالَ تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16] وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْلُوَ دَاعٍ لِلَّهِ - دُعَاءَ عِبَادَةٍ أَوْ دُعَاءَ مَسْأَلَةٍ - مِنْ الرَّغَبِ وَالرَّهَبِ مِنْ الْخَوْفِ وَالطَّمَعِ.

ص: 220

وَمَا يُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ جَعَلَ الْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ مِنْ مَقَامَاتِ الْعَامَّةِ، فَهَذَا قَدْ يُفَسَّرُ مُرَادُهُ بِأَنَّ الْمُقَرَّبِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَيَقْصِدُونَ التَّلَذُّذَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَخْلُوقٌ يَتَلَذَّذُونَ بِهِ، وَهَؤُلَاءِ يَرْجُونَ حُصُولَ هَذَا الْمَطْلُوبِ وَيَخَافُونَ حِرْمَانَهُ، فَلَمْ يَخْلُو عَنْ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ لَكِنَّ مَرْجُوَّهُمْ وَمُخَوِّفَهُمْ بِحَسَبِ مَطْلُوبِهِمْ.

وَمَنْ قَالَ مِنْ هَؤُلَاءِ: لَمْ أَعْبُدْك شَوْقًا إلَى جَنَّتِكَ وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِكَ، فَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْجَنَّةَ اسْمٌ لِمَا يُتَمَتَّعُ فِيهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ، وَالنَّارَ اسْمٌ لَا عَذَابَ فِيهِ إلَّا أَلَمُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهَذَا قُصُورٌ وَتَقْصِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ فَهْمِ مُسَمَّى الْجَنَّةِ، بَلْ كُلُّ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ فَهُوَ مِنْ الْجَنَّةِ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِ هُوَ مِنْ الْجَنَّةِ، وَلِهَذَا «كَانَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ يَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ، وَلَمَّا سَأَلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَمَّا يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ قَالَ: إنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ، أَمَا إنِّي لَا أُحْسِنَ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ فَقَالَ: حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ» .

وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ يَعْنِي أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِك فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، ظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا نَعِيمَ إلَّا بِمَخْلُوقٍ.

فَغَلِطَ هَؤُلَاءِ فِي مَعْنَى الْجَنَّةِ كَمَا غَلِطَ أُولَئِكَ، لَكِنَّ أُولَئِكَ طَلَبُوا مَا يُسْتَحَقُّ أَنْ يُطْلَبَ، وَهَؤُلَاءِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ.

وَأَمَّا التَّأَلُّمُ بِالنَّارِ فَهُوَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ، وَمَنْ قَالَ: لَوْ أَدْخَلَنِي النَّارَ لَكُنْتُ رَاضِيًا، فَهُوَ عَزْمٌ مِنْهُ عَلَى الرِّضَا.

وَالْعَزَائِمُ قَدْ تَنْفَسِخُ عِنْدَ وُجُودِ الْحَقَائِقِ وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِثْلِ سَمْنُونٍ الَّذِي قَالَ: وَلَيْسَ لِي فِي سِوَاكَ حَظٌّ فَكَيْفَ مَا شِئْتَ فَامْتَحِنِّي فَابْتُلِيَ بِعُسْرِ الْبَوْلِ فَجَعَلَ يَطُوفُ عَلَى صِبْيَانِ الْمَكَاتِبِ وَيَقُولُ: اُدْعُوا لِعَمِّكُمْ الْكَذَّابِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 143] .

وَبَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي عِلَلِ الْمَقَامَاتِ جَعَلَ الْحُبَّ وَالرِّضَا وَالْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ مِنْ

ص: 221

مَقَامَاتِ الْعَامَّةِ بِنَاءً عَلَى مُشَاهَدَةِ الْقَدَرِ، وَأَنَّ مَنْ شَهِدَ الْقَدَرَ فَشَهِدَ تَوْحِيدَ الْأَفْعَالِ حَتَّى فَنِيَ مَنْ لَمْ يَكُنْ وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يَزَلْ، يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهَذَا كَلَامٌ مُسْتَدْرِكٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا.

أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَإِنَّ الْحَيَّ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَا يَكُونَ حَسَّاسًا مُحِبًّا لِمَا يُلَائِمُهُ مُبْغِضًا لِمَا يُنَافِرُهُ، وَمَنْ قَالَ إنَّ الْحَيَّ يَسْتَوِي عِنْدَهُ جَمِيعُ الْمَقْدُورَاتِ فَهُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إمَّا أَنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُ مَا يَقُولُ بَلْ هُوَ جَاهِلٌ، وَإِمَّا أَنَّهُ مُكَابِرٌ مُعَانِدٌ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ حَصَلَ لَهُ حَالٌ أَزَالَ عَقْلَهُ - سَوَاءٌ سُمِّيَ اصْطِلَامًا أَوْ مَحْوًا أَوْ فَنَاءً أَوْ غَشْيًا أَوْ ضَعْفًا - فَهَذَا لَمْ يَسْقُطْ إحْسَاسُ نَفْسِهِ بِالْكُلِّيَّةِ.

بَلْ لَهُ إحْسَاسٌ بِمَا يُلَائِمُهُ وَمَا يُنَافِرُهُ، وَإِنْ سَقَطَ إحْسَاسُهُ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ بِجَمِيعِهَا.

فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُشَاهِدَ لِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ يَدْخُلُ إلَى مَقَامِ الْجَمْعِ وَالْفَنَاءِ فَلَا يَشْهَدُ فَرْقًا فَإِنَّهُ غَالِطٌ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ.

لَكِنْ إذَا خَرَجَ عَنْ الْفَرْقِ الشَّرْعِيِّ بَقِيَ فِي الْفَرْقِ الطَّبْعِيِّ، فَيَبْقَى مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ لَا مُطِيعًا لِمَوْلَاهُ.

وَلِهَذَا لَمَّا وَقَعَتْ " هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ " بَيْنَ الْجُنَيْدِ وَأَصْحَابِهِ ذَكَرَ لَهُمْ " الْفَرْقَ الثَّانِي " وَهُوَ: أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ، وَبَيْنَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَمَا يَكْرَهُهُ مَعَ شُهُودِهِ لِلْقَدْرِ الْجَامِعِ، فَيَشْهَدُ الْفَرْقَ فِي الْقَدْرِ الْجَامِعِ.

وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ خَرَجَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ.

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْجَمْعِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ الْفَرْقِ الشَّرْعِيِّ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ خَرَجُوا عَنْهُ كَانُوا كُفَّارًا مِنْ شَرِّ الْكُفَّارِ، وَهُمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الرُّسُلِ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ إلَى الْقَوْلِ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، فَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ؛ وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَنْتَهُونَ إلَى هَذَا الْإِلْحَادِ، بَلْ يُفَرِّقُونَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ تَارَةً، وَيَعْصُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ تَارَةً، كَالْعُصَاةِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ.

وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ لَفْظَ " الدَّعْوَةِ وَالدُّعَاءِ " يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

ص: 222

{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا. وَقَالَ النَّبِيُّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ: «دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ» سَمَّاهَا " دَعْوَةً " لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ نَوْعَيْ الدُّعَاءِ.

فَقَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ اعْتِرَافٌ بِتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ.

وَتَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ يَتَضَمَّنُ أَحَدَ نَوْعَيْ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَأَنْ يُدْعَى دُعَاءَ عِبَادَةٍ وَدُعَاءَ مَسْأَلَةٍ، وَهُوَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ.

وَقَوْلُهُ: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] .

اعْتِرَافٌ بِالذَّنْبِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ، فَإِنَّ الطَّالِبَ السَّائِلَ تَارَةً يَسْأَلُ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ، وَتَارَةً يَسْأَلُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، إمَّا بِوَصْفِ حَالِهِ، وَإِمَّا بِوَصْفِ حَالِ الْمَسْئُولِ، وَإِمَّا بِوَصْفِ الْحَالَيْنِ.

كَقَوْلِ نُوحٍ عليه السلام {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47] فَهَذَا لَيْسَ صِيغَةَ طَلَبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَغْفِرْ لَهُ وَيَرْحَمْهُ خَسِرَ.

وَلَكِنَّ هَذَا الْخَبَرَ يَتَضَمَّنُ سُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ آدَمَ عليه السلام:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مُوسَى عليه السلام:{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] فَإِنَّ هَذَا وَصْفٌ لِحَالِهِ بِأَنَّهُ فَقِيرٌ إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِسُؤَالِ اللَّهِ إنْزَالَ الْخَيْرِ إلَيْهِ.

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ،

ص: 223

حَسَنٌ، وَرَوَاهُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَقَالَ:«مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» وَأَظُنُّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ مَرْفُوعًا بِهَذَا اللَّفْظِ.

وَقَدْ سُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ قَوْلِهِ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَنْشَدَ قَوْلَ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ يَمْدَحُ ابْنَ جُدْعَانَ.

أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي

حِبَاؤُكَ إنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ

إذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا

كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ

قَالَ: فَهَذَا مَخْلُوقٌ يُخَاطِبُ مَخْلُوقًا فَكَيْفَ بِالْخَالِقِ تَعَالَى.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ عَنْ مُوسَى عليه السلام: " اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَبِك الْمُسْتَغَاثُ، وَعَلَيْكَ التُّكْلَانُ " فَهَذَا خَبَرٌ يَتَضَمَّنُ السُّؤَالَ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ أَيُّوبَ عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] فَوَصَفَ نَفْسَهُ وَوَصَفَ رَبَّهُ بِوَصْفٍ يَتَضَمَّنُ سُؤَالَ رَحْمَتِهِ بِكَشْفِ ضُرِّهِ وَهِيَ صِيغَةُ خَبَرٍ تَضَمَّنَتْ السُّؤَالَ.

وَهَذَا مِنْ بَابِ حُسْنِ الْأَدَبِ فِي السُّؤَالِ وَالدُّعَاءِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ يُعَظِّمُهُ وَيَرْغَبُ إلَيْهِ: أَنَا جَائِعٌ، أَنَا مَرِيضٌ، حُسْنُ أَدَبٍ فِي السُّؤَالِ.

وَإِنْ كَانَ فِي قَوْلِهِ: أَطْعِمْنِي وَدَاوِنِي وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ طَلَبٌ جَازِمٌ مِنْ الْمَسْئُولِ، فَذَاكَ فِيهِ إظْهَارُ حَالِهِ، وَإِخْبَارُهُ عَلَى وَجْهِ الذُّلِّ وَالِافْتِقَارِ الْمُتَضَمِّنِ لِسُؤَالِ الْحَالِ، وَهَذَا فِيهِ الرَّغْبَةُ التَّامَّةُ وَالسُّؤَالُ الْمَحْضُ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ.

وَهَذِهِ الصِّيغَةُ " صِيغَةُ الطَّلَبِ وَالِاسْتِدْعَاءِ " إذَا كَانَتْ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الطَّالِبُ أَوْ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى قَهْرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تُقَالُ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ: إمَّا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَاجَةِ الطَّالِبِ، وَإِمَّا لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْعِ الْمَطْلُوبِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ الْفَقِيرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِلْغَنِيِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّهَا سُؤَالٌ مَحْضٌ بِتَذَلُّلٍ وَافْتِقَارٍ وَإِظْهَارِ الْحَالِ.

ص: 224

وَوَصْفُ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارُ هُوَ سُؤَالٌ بِالْحَالِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ.

وَذَلِكَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، فَلِهَذَا كَانَ غَالِبُ الدُّعَاءِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، لِأَنَّ الطَّالِبَ السَّائِلَ يَتَصَوَّرُ مَقْصُودَهُ وَمُرَادَهُ فَيَطْلُبُهُ وَيَسْأَلُهُ فَهُوَ سُؤَالٌ بِالْمُطَابَقَةِ وَالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَتَصْرِيحٌ بِهِ بِاللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَصْفٌ لِحَالِ السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ، فَإِنْ تَضَمَّنَ وَصْفَ حَالِهِمَا كَانَ أَكْمَلَ مِنْ النَّوْعَيْنِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْخَبَرَ وَالْعِلْمَ الْمُقْتَضِي لِلسُّؤَالِ وَالْإِجَابَةِ، وَيَتَضَمَّنُ الْقَصْدَ وَالطَّلَبَ الَّذِي هُوَ نَفْسُ السُّؤَالِ، فَيَتَضَمَّنُ السُّؤَالَ وَالْمُقْتَضَى لَهُ وَالْإِجَابَةَ «كَقَوْلِ النَّبِيِّ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا قَالَ لَهُ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، فَقَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

فَهَذَا فِيهِ وَصْفُ الْعَبْدِ لِحَالِ نَفْسِهِ الْمُقْتَضِي حَاجَتَهُ إلَى الْمَغْفِرَةِ، وَفِيهِ وَصْفُ رَبِّهِ الَّذِي يُوجِبُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ غَيْرُهُ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِ الْعَبْدِ لِمَطْلُوبِهِ، وَفِيهِ بَيَانُ الْمُقْتَضِي لِلْإِجَابَةِ وَهُوَ وَصْفُ الرَّبِّ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ فَهَذَا وَنَحْوُهُ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ.

وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَدْعِيَةِ يُتَضَمَّنُ بَعْدَ ذَلِكَ.

كَقَوْلِ مُوسَى عليه السلام: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [الأعراف: 155] فَهَذَا طَلَبٌ وَوَصْفٌ لِلْمَوْلَى بِمَا يَقْتَضِي الْإِجَابَةَ.

وَقَوْلُهُ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16] فِيهِ وَصْفُ حَالِ النَّفْسِ وَالطَّلَبِ.

وَقَوْلُهُ: {إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] فِيهِ الْوَصْفُ الْمُتَضَمِّنُ لِلسُّؤَالِ بِالْحَالِ، فَهَذِهِ أَنْوَاعٌ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا خَاصَّةٌ.

يَبْقَى أَنْ يُقَالَ فَصَاحِبُ الْحُوتِ وَمَنْ أَشْبَهَهُ لِمَاذَا نَاسَبَ حَالُهُمْ صِيغَةَ الْوَصْفِ وَالْخَبَرِ دُونَ صِيغَةِ الطَّلَبِ؟ .

ص: 225

فَيُقَالُ: لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ اعْتِرَافٍ بِأَنَّ مَا أَصَابَنِي مِنْ الشَّرِّ كَانَ بِذَنْبِي، فَأَصْلُ الشَّرِّ هُوَ الذَّنْبُ، وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ الضُّرِّ وَالِاسْتِغْفَارُ جَاءَ بِالْقَصْدِ الثَّانِي، فَلَمْ يَذْكُرْ صِيغَةَ طَلَبِ كَشْفِ الضُّرِّ لِاسْتِشْعَارِهِ أَنَّهُ مُسِيءٌ ظَالِمٌ.

وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضُّرَّ عَلَى نَفْسِهِ، فَنَاسَبَ حَالُهُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يُرْفَعُ سَبَبُهُ مِنْ الِاعْتِرَافِ بِظُلْمِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ صِيغَةَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِلْعَبْدِ الْمَكْرُوبِ بِالْقَصْدِ الثَّانِي؛ بِخِلَافِ كَشْفِ الْكَرْبِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ لَهُ فِي حَالِ وُجُودِهِ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، إذْ النَّفْسُ بِطَبْعِهَا تَطْلُبُ مَا هِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ مِنْ زَوَالِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْحَالِ قَبْلَ طَلَبِهَا زَوَالَ مَا تَخَافُ وُجُودَهُ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْقَصْدِ الثَّانِي، وَالْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الْمَغْفِرَةُ وَطَلَبُ كَشْفِ الضُّرِّ، فَهَذَا مُقَدَّمٌ فِي قَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَأَبْلَغُ مَا يَنَالُ بِهِ رَفْعُ سَبَبِهِ فَجَاءَ بِمَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ.

وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِالْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: {سُبْحَانَكَ} فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ الرَّبِّ وَتَنْزِيهَهُ، وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي تَنْزِيهَهُ عَنْ الظُّلْمِ وَالْعُقُوبَةِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، يَقُولُ: أَنْتَ مُقَدَّسٌ وَمُنَزَّهٌ عَنْ ظُلْمِي وَعُقُوبَتِي بِغَيْرِ ذَنْبٍ؛ بَلْ أَنَا الظَّالِمُ الَّذِي ظَلَمْتُ نَفْسِي.

قَالَ تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 118] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [هود: 101] وَقَالَ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76] وَقَالَ آدَم عليه السلام: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23] .

وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ» .

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتنِي وَأَنَا عَبْدُك وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْت، أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا

ص: 226

صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، مَنْ قَالَهَا إذَا أَصْبَحَ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قَالَهَا إذَا أَمْسَى مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

فَالْعَبْدُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِعَدْلِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا، فَلَا يُعَاقِبُ أَحَدًا إلَّا بِذَنْبِهِ، وَهُوَ يُحْسِنُ إلَيْهِمْ فَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ وَكُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ.

فَقَوْلُهُ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ} [الأنبياء: 87] فِيهِ إثْبَاتُ انْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَالْإِلَهِيَّةُ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَفِيهَا إثْبَاتُ إحْسَانِهِ إلَى الْعِبَادِ فَإِنَّ " الْإِلَهَ " هُوَ الْمَأْلُوهُ، وَالْمَأْلُوهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَكَوْنُهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ هُوَ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَحْبُوبُ غَايَةَ الْحُبِّ، الْمَخْضُوعِ لَهُ غَايَةَ الْخُضُوعِ؛ وَالْعِبَادَةُ تَتَضَمَّنُ غَايَةَ الْحُبِّ بِغَايَةِ الذُّلِّ.

وَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَك} يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَهُ وَتَنْزِيهَهُ عَنْ الظُّلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّقَائِصِ؛ فَإِنَّ التَّسْبِيحَ وَإِنْ كَانَ يُقَالُ: يَتَضَمَّنُ نَفْيَ النَّقَائِصِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ مِنْ مَرَاسِيلِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي «قَوْلِ الْعَبْدِ: سُبْحَانَ اللَّهِ: إنَّهَا بَرَاءَةُ اللَّهِ مِنْ السُّوءِ» فَالنَّفْيُ لَا يَكُونُ مَدْحًا إلَّا إذَا تَضَمَّنَ ثُبُوتًا وَإِلَّا فَالنَّفْيُ الْمَحْضُ لَا مَدْحَ فِيهِ، وَنَفْيُ السُّوءِ وَالنَّقْصِ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ مَحَاسِنِهِ وَكَمَالَهُ، وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى.

وَهَكَذَا عَامَّةُ مَا يَأْتِي بِهِ الْقُرْآنُ فِي نَفْيِ السُّوءِ وَالنَّقْصِ عَنْهُ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ مَحَاسِنِهِ وَكَمَالَهُ.

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة: 255] فَنَفْيُ أَخْذِ السُّنَّةِ وَالنَّوْمِ لَهُ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ وَقَوْلِهِ: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38] يَتَضَمَّنُ كَمَالَ قُدْرَتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

فَالتَّسْبِيحُ الْمُتَضَمِّنُ تَنْزِيهَهُ عَنْ السُّوءِ، وَنَفْيُ النَّقْصِ عَنْهُ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَهُ.

فَفِي قَوْلِهِ: {سُبْحَانَك} تَبْرِئَتُهُ مِنْ الظُّلْمِ، وَإِثْبَاتُ الْعَظَمَةِ الْمُوجِبَةِ لَهُ بَرَاءَتَهُ مِنْ الظُّلْمِ، فَإِنَّ الظَّالِمَ إنَّمَا يَظْلِمُ لِحَاجَتِهِ إلَى الظُّلْمِ أَوْ لِجَهْلِهِ، وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ غَنِيٌّ بِنَفْسِهِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إلَيْهِ، وَهَذَا كَمَالُ الْعَظَمَةِ.

ص: 227

وَأَيْضًا فَفِي هَذَا الدُّعَاءِ التَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ فَقَوْلُهُ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ} [الأنبياء: 87] تَهْلِيلٌ.

وَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَكَ} [الأنبياء: 87] تَسْبِيحٌ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعٌ، وَهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» .

وَالتَّحْمِيدُ مَقْرُونٌ بِالتَّسْبِيحِ وَتَابِعٌ لَهُ، وَالتَّكْبِيرُ مَقْرُونٌ بِالتَّهْلِيلِ وَتَابِعٌ لَهُ، وَفِي الصَّحِيحِ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» .

وَفِي الْقُرْآنِ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98] وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة: 30] .

وَهَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ إحْدَاهُمَا مَقْرُونَةٌ بِالتَّحْمِيدِ، وَالْأُخْرَى بِالتَّعْظِيمِ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّسْبِيحَ فِيهِ نَفْيُ السُّوءِ وَالنَّقَائِصِ الْمُتَضَمِّنِ إثْبَاتَ الْمَحَاسِنِ وَالْكَمَالِ، وَالْحَمْدُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمَحَاسِنِ.

وَقَرَنَ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالتَّعْظِيمِ كَمَا قَرَنَ بَيْنَ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ مُعَظَّمٍ مَحْبُوبًا مَحْمُودًا، وَلَا كُلُّ مَحْبُوبٍ مَحْمُودًا مُعَظَّمًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِبَادَةَ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحُبِّ الْمُتَضَمِّنِ مَعْنَى الْحَمْدِ، وَتَتَضَمَّنُ كَمَالَ الذُّلِّ الْمُتَضَمِّنِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ، فَفِي الْعِبَادَةِ حُبُّهُ وَحَمْدُهُ عَلَى الْمَحَاسِنِ، وَفِيهَا الذُّلُّ النَّاشِئُ عَنْ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ.

فَفِيهَا إجْلَالُهُ وَإِكْرَامُهُ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ غَايَةَ الْإِجْلَالِ وَغَايَةَ الْإِكْرَامِ.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْسَبُ أَنَّ " الْجَلَالَ " هُوَ الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ " وَالْإِكْرَامَ " الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّازِيّ وَنَحْوُهُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كِلَيْهِمَا صِفَاتٌ ثُبُوتِيَّةٌ، وَإِثْبَاتُ الْكَمَالِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ النَّقَائِصِ، لَكِنَّ ذِكْرَ نَوْعَيْ الثُّبُوتِ وَهُوَ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ وَمَا

ص: 228

يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَظَّمَ: كَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان: 26] وَقَوْلِ سُلَيْمَانَ عليه السلام: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} [التغابن: 1] فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ وَالْغِنَى لَا يَكُونُ مَحْمُودًا بَلْ مَذْمُومًا، إذْ الْحَمْدُ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَحْمُودِ بِمَحَاسِنِهِ الْمَحْبُوبَةِ، فَيَتَضَمَّنُ إخْبَارًا بِمَحَاسِنِ الْمَحْبُوبِ مَحَبَّةً لَهُ.

وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الْحَمْدِ وَالْمَحَبَّةِ يَكُونُ فِيهِ عَجْزٌ وَضَعْفٌ وَذُلٌّ يُنَافِي الْعَظَمَةَ وَالْغِنَى وَالْمُلْكَ.

فَالْأَوَّلُ يُهَابُ وَيُخَافُ وَلَا يُحَبُّ.

وَهَذَا يُحَبُّ وَيُحْمَدُ، وَلَا يُهَابُ وَلَا يُخَافُ.

وَالْكَمَالُ اجْتِمَاعُ الْوَصْفَيْنِ.

كَمَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ «أَنَّ الْمُؤْمِنَ رُزِقَ حَلَاوَةً وَمَهَابَةً» وَفِي نَعْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ» .

فَقَرَنَ التَّسْبِيحَ بِالتَّحْمِيدِ، وَقَرَنَ التَّهْلِيلَ بِالتَّكْبِيرِ؛ كَمَا فِي كَلِمَاتِ الْأَذَانِ.

ثُمَّ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ يَتَضَمَّنُ الْآخَرَ إذَا أَفْرَدَ: فَإِنَّ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ يَتَضَمَّنُ التَّعْظِيمَ؛ وَيَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ مَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْإِلَهِيَّةَ فَإِنَّ الْإِلَهِيَّةَ تَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ مَحْبُوبًا؛ بَلْ تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ كَمَالَ الْحُبِّ إلَّا هُوَ.

وَالْحَمْدُ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمَحْمُودِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ فَالْإِلَهِيَّةُ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحَمْدِ؛ وَلِهَذَا كَانَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " مِفْتَاحَ الْخِطَابِ؛ وَكُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ " وَسُبْحَانَ اللَّهِ " فِيهَا إثْبَاتُ عَظَمَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: « {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَقَالَ:«أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ بِالدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَجَعَلَ التَّعْظِيمَ فِي الرُّكُوعِ أَخَصَّ مِنْهُ بِالسُّجُودِ وَالتَّسْبِيحَ يَتَضَمَّنُ التَّعْظِيمَ.

فَفِي " قَوْلِهِ " سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " إثْبَاتُ تَنْزِيهِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَحَمْدِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " فَفِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ [إثْبَاتُ] مَحَامِدِهِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا دَاخِلَةٌ

ص: 229

فِي إثْبَاتِ إلَهِيَّتِهِ وَفِي قَوْلِهِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " إثْبَاتُ عَظَمَتِهِ فَإِنَّ الْكِبْرِيَاءَ يَتَضَمَّنُ الْعَظَمَةَ وَلَكِنَّ الْكِبْرِيَاءَ أَكْمَلُ.

وَلِهَذَا جَاءَتْ الْأَلْفَاظُ الْمَشْرُوعَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ بِقَوْلِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " فَإِنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِ اللَّهُ أَعْظَمُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْته» فَجَعَلَ الْعَظَمَةَ كَالْإِزَارِ، وَالْكِبْرِيَاءَ كَالرِّدَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّدَاءَ أَشْرَفُ، فَلَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ أَبْلَغَ مِنْ التَّعْظِيمِ صَرَّحَ بِلَفْظِهِ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ التَّعْظِيمَ، وَفِي قَوْلِهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، صَرَّحَ فِيهَا بِالتَّنْزِيهِ مِنْ السُّوءِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّعْظِيمِ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْكَلِمَتَيْنِ مُتَضَمِّنًا مَعْنَى الْكَلِمَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ إذَا أُفْرِدَتَا، وَعِنْدَ الِاقْتِرَانِ تُعْطِي كُلُّ كَلِمَةٍ خَاصِّيَّتَهَا.

وَهَذَا كَمَا أَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَعْنَى الْآخَرِ؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ، وَالذَّاتُ تَسْتَلْزِمُ مَعْنَى الِاسْمِ الْآخَرِ، لَكِنَّ هَذَا بِاللُّزُومِ.

وَأَمَّا دَلَالَةُ كُلِّ اسْمٍ عَلَى خَاصِّيَّتِهِ وَعَلَى الذَّاتِ بِمَجْمُوعِهِمَا فَبِالْمُطَابَقَةِ، وَدَلَالَتُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا بِالتَّضَمُّنِ.

فَقَوْلُ الدَّاعِي: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} [الأنبياء: 87] يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ اللَّاتِي هُنَّ أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ.

وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ تَتَضَمَّنُ مَعَانِي أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا فَفِيهَا كَمَالُ الْمَدْحِ.

وَقَوْلُهُ: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] فِيهِ اعْتِرَافٌ بِحَقِيقَةِ حَالِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ أَنْ يُبَرِّئَ نَفْسَهُ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ، لَا سِيَّمَا فِي مَقَامِ مُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . وَقَالَ: «مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ» فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِظُلْمِ نَفْسِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ، وَلِهَذَا كَانَ سَادَاتُ الْخَلَائِقِ لَا يَفْضُلُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى يُونُسَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، بَلْ يَقُولُونَ: كَمَا قَالَ أَبُوهُمْ آدَم وَخَاتِمُهُمْ مُحَمَّدٌ.

ص: 230