الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْغَصْبِ]
ِ قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا
قَوْلُهُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا يَدْخُلُ فِيهِ مَالُ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهَدِ وَهُوَ الْمَالُ الْمَعْصُومُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِظُلْمٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ اسْتِيلَاءُ الْمُحَارِبِينَ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْغَصْبِ الْمَذْكُورِ حُكْمُهُ هُنَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَلَا بِالتَّلَفِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ رَدِّ عَيْنِهِ.
وَأَمَّا أَمْوَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ لَا يَرِدُ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى عَيْنِهَا وَمَتَى أُتْلِفَتْ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى عَيْنِهَا ضُمِنَتْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ضَمَانِهَا بِالْإِتْلَافِ وَقْتَ الْحَرْبِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا أَخَذَ الْمُلُوكُ وَالْقُطَّاعُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ الْمُكُوسِ وَغَيْرِهَا. فَأَمَّا اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قَتْلُ النُّفُوسِ وَأَخْذُ الْأَمْوَالِ إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ لَكِنْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ الْمَأْخُوذُ مُبَاحًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لَمْ يَصِرْ ظُلْمًا فِي حَقِّنَا وَلَا فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ.
فَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ أَوْ أُتْلِفَ مِنْهَا فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ أَقَرَّ قَرَارَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ عُفِيَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ بِشَرْطِ الْأَمَانِ فَلَوْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنَانِ حَكَمْنَا بِالِاسْتِقْرَارِ وَإِذَا كَانَ الْمُتْلَفُ لَا يُبَاعُ مِثْلُ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَهَا هُنَا لَا يَجُوزُ تَقْوِيمُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْإِبْقَاءِ وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ بَلْ كَالْجَنِينِ فِي الْحَيَوَانِ فَهَا هُنَا إمَّا أَنْ يُقَوَّمَ مُسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ يُقَوَّمَ مَعَ الْأَصْلِ ثُمَّ يُقَوَّمَ الْأَصْلُ بِدُونِهِ وَإِمَّا أَنْ يُنْظَرَ إلَى حَالِ كَمَالِهِ فَيُقَوَّمَ بِدُونِ نَفَقَةِ الْإِبْقَاءِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ تَلَفِهِ قَبْلُ وَأَمَّا إذَا جَازَ بَيْعُهُ مُسْتَحِقَّ الْإِبْقَاءِ فَيُقَوَّمُ مُسْتَحِقُّ الْإِبْقَاءِ كَمَا يُقَوَّمُ الْمَنْقُولَاتُ مَعَ جَوَازِ الْآفَاتِ عَلَيْهَا جَمِيعًا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: سُئِلْت عَنْ قَوْمٍ أُخِذَتْ لَهُمْ غَنَمٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الْمَالِ ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ أَوْ بَعْضُهَا وَقَدْ اشْتَبَهَ مِلْكُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. قَالَ فَأَجَبْتُ أَنَّهُ إنْ عُرِفَ قَدْرُ الْمَالِ تَحْقِيقًا قُسِمَ الْمَوْجُودُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا عَدَدَهُ قُسِمَ عَلَى قَدْرِ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْمَالَيْنِ إذَا اخْتَلَطَا قُسِمَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَيْنَ مَا كَانَ لِلْآخَرِ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ جَعَلَهُمْ شُرَكَاءَ لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ تَصِحُّ بِالْعَقْدِ مَعَ امْتِيَازِ الْمَالَيْنِ لَكِنَّ الِاشْتِبَاهَ فِي الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا يَقُومُ مَقَامَ الِاخْتِلَاطِ فِي الْمَائِعَاتِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا اشْتَرَكَا بِمَا يَتَشَابَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ إذَا صَحَّحْنَاهَا بِالْعَرْضِ وَإِذَا كَانُوا شُرَكَاءَ بِالِاخْتِلَاطِ وَالِاشْتِبَاهِ فَعِنْدَ الْقَسْمِ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ جَمِيعَ مَا لَهُمْ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضَهُ فَذَلِكَ الْبَعْضُ هُوَ بَعْضُ الْمُشْتَرَكِ كَمَا لَوْ رَدَّ بَعْضَ الدَّرَاهِمِ الْمُخْتَلِطَةِ بَقِيَ إنْ كَانَ حَيَوَانًا فَهَلْ تَجِبُ قِسْمَتُهُ أَعْيَانًا عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِهِمْ قَوْلًا وَاحِدًا أَوْ يُخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ الْأَشْبَهُ خُرُوجُهُ عَلَى الْخِلَافِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ عَشَرَةُ رُءُوسٍ وَلِلْآخَرِ عِشْرُونَ فَمَا وُجِدَ فَلِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ كَمَا لَوْ وَرِثَاهُ.
لِذَلِكَ لَكِنَّ الْمَحْدُودَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا إنْ عُرِفَ قِيمَتُهُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا عَدَدُهُ مَعَ أَنَّ غَنَمَ أَحَدِهِمَا قَدْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ غَنَمِ الْآخَرِ فَالْوَاجِبُ عِنْدَ تَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ رُجْحَانِ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ التَّسْوِيَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَضْلِ غَنَمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُلْجِئُ إلَى التَّسْوِيَةِ وَعَلَى هَذَا فَسَوَاءٌ اخْتَلَطَ غَنَمُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً يُقْسَمُ الْمَالَانِ عَلَى الْعَدَدِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ الرُّجْحَانُ وَإِنْ عُرِفَ وَجُهِلَ قَدْرُهُ أَثْبَتَ مِنْهُ الْقَدْرَ الْمُتَيَقَّنَ وَأَسْقَطَ الزَّائِدَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَيَضْمَنُ الْمَغْصُوبَ بِمَا نَقَصَ رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَمَنْ قَبَضَ مَغْصُوبًا مِنْ غَاصِبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي جَوَازِ تَضْمِينِهِ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ لَكِنَّهُ يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ عَلَى غَاصِبٍ بِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ خَاصَّةً.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: يَتَخَرَّجُ أَلَّا يَضْمَنَ الْغَاصِبُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ لَا يَقْلَعُ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ حَتَّى يَضْمَنَ بَعْضَهُ وَيَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ فِي الْمَنْعِ يَضْمَنُ مُودَعُ الْمُودَعِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَعَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ الْمَغْرُورُ لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلَ
بَلْ يَضْرِبُهُمْ الْغَارُّ ابْتِدَاءً وَإِذَا مَاتَ الْحَيَوَانُ الْمَغْصُوبُ فَضَمِنَهُ الْغَاصِبُ مُجَلَّدَةً إذَا قُلْنَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لِلْمَالِكِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لِلْغَاصِبِ
وَإِذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مَالٌ مُشْتَرَكٌ فَغُصِبَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مَشَاعًا مِنْ عَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ فَأَصَحُّ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ حَلَالٌ لَلشَّرِيكِ الْآخَرِ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُحْكَى رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الظَّالِمُ يَكُونُ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ الظَّالِمَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ.
وَإِنْ وَقَفَ الرَّجُلُ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ مَثَلًا ثُمَّ بَاعَهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَدْ وَقَفَهُ فَهَلْ يَكُونُ سُكُوتُهُمْ عَنْ الْإِعْلَامِ تَغْرِيرًا مَعَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ فَهَذَا يُسْتَمَدُّ مِنْ السُّكُوتِ هَلْ هُوَ إذْنٌ وَهُوَ مَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ أَوْ وَلَدَهُ يَتَصَرَّفُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَكُونُ إذْنًا لَكِنْ هَلْ يَكُونُ تَغْرِيرًا فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي السِّلْعَةِ الْمَعِيبَةِ «لَا يَحِلُّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَهُ» يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ وَتَحْرِيمَ السُّكُوتِ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ فِعْلًا مُحَرَّمًا تَلِفَ بِهِ مَالٌ مَعْصُومٌ فَهَذَا قَوِيٌّ جِدًّا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ فَطَرْدُهُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ غَيْرُ الْبَائِعِ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَقَدْ غَرَّ الْمُشْتَرِيَ فَيَضْمَنُ فَيُقَالُ هَذَا يَنْبَنِي أَنَّ الْغُرُورَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَوْلَادُ أَوْ غَيْرُهُمْ قَدْ عُرِفَ فَإِذَا وَجَبَ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَاقِفِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَبِمَا ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأُجْرَةِ وَنَقْصِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ قَدْ مَاتَ مُعْسِرًا أَوْ هُوَ مُعْسِرًا فِي حَيَاتِهِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ الثَّمَنُ الَّذِي غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ فِي الظَّاهِرِ لِأَنَّ رِيعَ الْوَقْفِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَمْ يُقِرَّ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ مَا يُقْضَى بِهِ دَيْنُ غَيْرِهِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِهِ هَذَا الدَّيْنَ عَلَى الْوَاقِفِ بِسَبَبِ تَغْرِيرِهِ بِالْوَقْفِ كَانَ الْوَاقِفُ هُوَ الْآكِلَ لِرِيعِ وَقْفِهِ وَقَدْ يُتَوَجَّهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ احْتَالَ بِأَنْ وَقَفَ ثُمَّ بَاعَ، فَإِنَّ قَصْدَ الْحِيلَةَ إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْوَقْفِ لَا يَنْفَعُ فِي الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ أَكَلُ مَالِ الْمُشْتَرِي الْمَظْلُومِ، وَلَوْ وَاطَأَ الْمَالِكُ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ دَارِهِ وَيُظْهِرَ أَنَّهَا لِلْبَائِعِ لَا أَنَّهُ يَبِيعُهَا بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ فَهَلْ تُجْعَلُ هَذِهِ الْمُوَاطَأَةُ وَكَالَةً. وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي بَيْعِهَا لِنَفْسِهِ أَمْ يُجْعَلُ غُرُورًا فَإِنَّهُ مَا أَذِنَ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ لَكِنْ قَصَدَ
التَّغْرِيرَ، فَهَلْ يُعَاقَبُ بِجَعْلِ الْبَيْعِ صَحِيحًا أَمْ بِضَمَانِ التَّقْرِيرِ.
وَلَوْ اشْتَرَى مَغْصُوبًا مِنْ غَاصِبِهِ رَجَعَ بِنَفَقَتِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى بَائِعٍ غَارٍّ لَهُ، وَمَنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ وَالْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ زَرَعَ فِيهَا لَهُ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ وَلِرَبِّهَا نَصِيبٌ قَسَمَ مَا زَرَعَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَ مَعَهُ أَوْ يُهَايِئَهُ فَأَتَى فَلِلْأَوَّلِ الزَّرْعُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِلَا أُجْرَةٍ.
وَاعْتَبَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذْنَ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَيَضْمَنُ الْمَغْصُوبَ بِمِثْلِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ غَيْرَهُمَا حَيْثُ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي مُوسَى وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ وَفُقِدَ الْمِثْلُ فَيُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ وَقْتَ الْغَصْبِ، وَهُوَ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ، وَلَوْ شَقَّ ثَوْبَ شَخْصٍ خُيِّرَ مَالِكُهُ بَيْنَ تَضْمِينِ الشَّاقِّ نَقْصَهُ وَبَيْنَ شَقِّ ثَوْبِهِ، وَنَقَلَهُ إسْمَاعِيلُ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ غُصُوبٌ وَوَدَائِعُ وَغَيْرُهَا لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا صَرَفَ فِي الْمَصَالِحِ.
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَوْ قُصِدَتْ بِهَا جَازَ وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا إذَا تَابَ وَكَانَ فَقِيرًا، وَمَنْ تَصَرَّفَ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يَضْمَنْ كَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا حَاكِمَ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا عَرَفَ رَدُّ الْمُعَارَضَةِ كَثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا شَرْعًا وَمَنْ غَرِمَ مَالًا بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَلَهُ تَضْمِينُ الْكَاذِبِ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَهُ وَلَوْ طَرَقَ فَحْلُ غَيْرِهِ عَلَى فَرَسِ نَفْسِهِ فَنَقَصَ الْفَحْلُ ضَمِنَهُ.
وَلَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ لَا غَيْرِهِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ النَّافِذِ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ وَمَا لِبَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ لَا يُبَاعُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِ دَابَّةٍ ضَارِيَةٍ فَجَنَتْ عَلَيْهِ ضَمِنَهُ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا، وَيَضْمَنُ جِنَايَةَ وَلَدِ الدَّابَّةِ إنْ فَرَّطَ نَحْوُ أَنْ يَعْرِفَهُ شَمُوصًا وَالدَّابَّةُ إذَا أَرْسَلَهَا صَاحِبُهَا بِاللَّيْلِ كَانَ مُفَرِّطًا فَهُوَ كَمَا إذَا أَرْسَلَهَا قُرْبَ زَرْعٍ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ أَوْ سَائِقٌ فَمَا أَفْسَدَتْ بِفَمِهَا أَوْ يَدِهَا فَهُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيطٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَمِنْ الْعُقُوبَةِ الثَّالِثَةِ إتْلَافُ الثَّوْبَيْنِ الْمُعَصْفَرَيْنِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَإِرَاقَةُ عُمَرَ اللَّبَنَ الَّذِي شِيبَ بِالْمَاءِ لِلْبَيْعِ، وَالصَّدَقَةُ بِالْمَغْشُوشِ أَوْلَى مِنْ إتْلَافِهِ.
وَمَنْ نَدِمَ وَرَدَّ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْأُجْرَةِ لِتَفْوِيتِهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْغَاصِبُ فَرَدَّهُ وَارِثُهُ وَلَوْ حَبَسَ الْمَغْصُوبَ وَقْتَ حَاجَةِ مَالِكِهِ إلَيْهِ كَمُدَّةِ شَبَابِهِ ثُمَّ رَدَّهُ فِي مَشِيبِهِ فَتَفْوِيتُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ يُفْتَقَرُ إلَى جَزَاءٍ، وَمَنْ مَاتَ مُعْدِمًا يُرْجَى أَنَّ اللَّهَ يَقْضِي عَنْهُ مَا عَلَيْهِ.
وَلِلْمَظْلُومِ الِاسْتِعَانَةُ بِمَخْلُوقٍ فَإِذَا خَالَفَهُ فَالْأَوْلَى لَهُ الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ بِقَدْرِ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ ظُلْمِهِ لَا عَلَى مَنْ شَتَمَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ بِالْكُفْرِ وَلَوْ كَذِبَ عَلَيْهِ لَمْ يَفْتَرِ عَلَيْهِ بَلْ يَدْعُو إلَيْهِ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ نَظِيرَهُ، وَكَذَا إنْ أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَيُمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ فَلَمْ يَسْتَوْفِهِ حَتَّى مَاتَ طَالَبَ بِهِ وَرَثَتَهُ فَإِنْ عَجَزَ هُوَ وَوَرَثَتُهُ فَالْمُطَالَبَةُ فِي الْأَشْبَهِ كَمَا فِي الْمَظَالِمِ لِلْخَبَرِ، وَإِذَا كَانَ لِلنَّاسِ عَلَى إنْسَانٍ دُيُونٌ أَوْ مَظَالِمُ يُقَدَّرُ مَالُهُ عَلَى أَسَاسٍ مِنْ الدُّيُونِ وَالْمَظَالِمِ كَانَ يُسَوَّغُ أَنْ يُقَالَ يُحَاسَبُ بِذَلِكَ فِيهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ هَذَا وَيَصْرِفُ إلَى غَرِيمِهِ كَمَا يَفْعَلُ فِي الدُّنْيَا بِالْمُدَبَّرِ الَّذِي لَهُ وَعَلَيْهِ يَسْتَوْفِي مَالَهُ وَيُوَفِّي مَا عَلَيْهِ.
وَقَدْرُ الْمُتْلَفِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَحْدِيدُهُ عُمِلَ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا يُفْعَلُ فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ ثَمَنِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بِالْخَرْصِ أَسْهَلُ وَكِلَاهُمَا يَجُوزُ مَعَ الْحَاجَةِ، وَلَوْ بَايَعَ الرَّجُلُ مُبَايَعَاتٍ يَعْتَقِدُ حِلَّهَا ثُمَّ صَارَ الْمَالُ إلَى وَارِثٍ أَوْ مُتَّهَبٍ أَوْ مُشْتَرٍ يَعْقِدُ تِلْكَ الْعُقُودَ مُحَرَّمَةً، فَالْمِثَالُ الْأَصْلِيُّ لِهَذَا اقْتِدَاءُ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ إمَامٍ أَخَلَّ بِمَا هُوَ فَرْضٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ، وَمَا قَبَضَهُ الْإِنْسَانُ بِعَقْدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ رَدُّهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.
وَمَنْ كَسَبَ مَالًا حَرَامًا بِرِضَاءِ الدَّافِعِ ثُمَّ مَاتَ كَثَمَنِ الْخَمْرِ وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، فَاَلَّذِي يَتَلَخَّصُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ التَّحْرِيمَ ثُمَّ عَلِمَ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ، وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَوَّلًا ثُمَّ تَابَ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي حَامِلِ الْخَمْرِ، وَلِلْفَقِيرِ أَكْلُهُ وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَعْوَانَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ فَقِيرٌ أَخَذَ كِفَايَتَهُ، وَفِيمَا إذَا عَرَفَ رَبَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ أَمْ لَا قَوْلَانِ:
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ نَفْسَ الْمُصِيبَةِ لَا يُؤَجَّرُ عَلَيْهَا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بَلَى إنْ صَبَرَ أُثِيبَ عَلَى صَبْرِهِ. قَالَ وَكَثِيرًا مَا يُفْهَمُ مِنْ الْأَجْرِ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ فَيَكُونُ فِيهَا أَجْرٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.