الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي حجية أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ]
فَصْلٌ وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَإِنْ انْتَشَرَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ فِي زَمَانِهِمْ فَهِيَ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
وَإِنْ تَنَازَعُوا رُدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلًا وَلَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَنْتَشِرْ، فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَحْتَجُّونَ بِهِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَفِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ.
[فَصْلٌ الْمُرْسَلُ مِنْ الْحَدِيثِ]
فَصْلٌ وَالْمُرْسَلُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنْ يَرْوِيَهُ مَنْ دُونَ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَذْكُرُ عَمَّنْ أَخَذَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ.
ثُمَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُسَمِّي مُرْسَلًا إلَّا مَا أَرْسَلَهُ التَّابِعِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُدُّ مَا أَرْسَلَهُ غَيْرُ التَّابِعِيِّ مُرْسَلًا.
وَكَذَلِكَ مَا يَسْقُطُ مِنْ إسْنَادِهِ رَجُلٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِاسْمِ الْمُنْقَطِعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْرِجُهُ فِي اسْمِ الْمُرْسَلِ، كَمَا أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُسَمِّي كُلَّ مُرْسَلٍ مُنْقَطِعًا، وَهَذَا كُلُّهُ سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ.
وَأَمَّا الْغَرِيبُ: فَهُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ صَحِيحًا كَحَدِيثِ:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .
وَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ. وَحَدِيثِ أَنَّهُ «دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» ، فَهَذِهِ صِحَاحٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَهِيَ غَرِيبَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
فَالْأَوَّلُ: إنَّمَا ثَبَتَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَالثَّانِي: إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَالثَّالِثُ: إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْغَرَائِبِ ضَعِيفَةٌ.
وَأَمَّا الْحَسَنُ فِي اصْطِلَاحِ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ مَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، وَلَا هُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ الَّتِي شَرَطَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَسَنِ، لَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ قَدْ يُسَمَّى حَسَنًا مَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِثْلُ حَدِيثٍ يَقُولُ فِيهِ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَقَدْ سَمَّاهُ حَسَنًا، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيبًا لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْ تَابِعِيٍّ وَاحِدٍ، لَكِنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَصَارَ حَسَنًا لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ، وَهُوَ فِي أَصْلِهِ غَرِيبٌ.
وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ الْحَسَنُ الْغَرِيبُ، قَدْ يَكُونُ لِأَنَّهُ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ غَرِيبٍ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الرَّاوِي الْأَصْلِيِّ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ وَطَرِيقٍ آخَرَ، فَيَصِيرُ بِذَلِكَ حَسَنًا مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لِأَنَّ الْحَسَنَ مَا تَعَدَّدَ طُرُقُهُ، وَلَيْسَ فِيهَا مُتَّهَمٌ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ الطَّرِيقَيْنِ فَهَذَا صَحِيحٌ مَحْضٌ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الطَّرِيقِينَ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ فَهَذَا حَسَنٌ.
وَقَدْ يَكُونُ غَرِيبَ الْإِسْنَادِ فَلَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَهُوَ حَسَنُ الْمَتْنِ، لِأَنَّ الْمَتْنَ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَلِهَذَا يَقُولُ: وَفِي الْبَابِ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَيَكُونُ لِمَعْنَاهُ شَوَاهِدُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَتْنَهُ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ إسْنَادُهُ غَرِيبًا. وَإِذَا قَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّهُ صَحِيحٌ حَسَنٌ، فَيَكُونُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ حَسَنٍ، فَاجْتَمَعَ فِيهِ الصِّحَّةُ وَالْحُسْنُ.
وَقَدْ يَكُونُ غَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ.
وَإِنْ كَانَ هُوَ صَحِيحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَقَدْ يَكُونُ صَحِيحًا غَرِيبًا، وَهَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي اجْتِمَاعِ الْحَسَنِ وَالْغَرِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيبًا حَسَنًا ثُمَّ صَارَ حَسَنًا، وَقَدْ يَكُونُ حَسَنًا غَرِيبًا كَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ.