الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْوَكَالَةِ]
ِ قَالَ الْقَاضِي فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ بَقَاءِ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ: فَأَمَّا إنْ أَخْرَجَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ عَنْ مِلْكِهِ مِثْلَ إعْتَاقِهِ الْعَبْدَ وَبَيْعِهِ فَإِنَّهُ تَنْفَسِخُ الْوَكَالَةُ بِذَلِكَ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَالْمَبِيعِ بِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ هُنَا قَدْ زَالَ، وَهُنَاكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مَالِكِهَا، وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الِانْتِقَالَ بِالْمَوْتِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّ هَذَا يُمْكِنُ الْمُوَكِّلُ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ عَزْلِهِ بِالْقَوْلِ وَذَلِكَ زَالَ الْمِلْكُ فِيهِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا تَصَرَّفَ بِلَا إذْنٍ وَلَا مِلْكٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا أَوْ مَالِكًا فَفِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَجْهَانِ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ بَعْدَ الْعَزْلِ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَوْ تَصَرَّفَ بِإِذْنٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِذْنَ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ وَالْمَالِكُ أَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوْ أَذِنَ بِنَاءً عَلَى جِهَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِهَا بَلْ بِغَيْرِهَا أَوْ بِنَاءً أَنَّهُ مَالِكُ شِبْرٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ وَارِثًا، فَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْأَوَّلِ فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ هُنَاكَ فَقَدْ يُقَالُ يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، لَكِنَّ الَّذِي اعْتَقَدَهُ ظَاهِرٌ لَيْسَ هُوَ الْبَاطِلَ، فَنَظِيرُهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ فَسَادَ طَهَارَتِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا قَبْلَ هَذَا، وَلَوْ وَكَّلَ شَخْصًا أَنْ يُوَكِّلَ لَهُ فُلَانًا فِي بَيْعٍ وَنَحْوِهِ، فَقَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي: بِعْ هَذَا وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: سُئِلْت عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقُلْت: نِسْبَةُ أَنْوَاعِ التَّوْكِيلِ وَالْمُوَكِّلِينَ إلَى الْوَكِيلِ كَنِسْبَةِ أَنْوَاعِ التَّمْلِيكِ وَالْمُمَلِّكِينَ إلَى الْمِلْكِ، ثُمَّ لَوْ مَلَكَ شَيْئًا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَتَبَيَّنَ هَلْ هُوَ وَكِيلُهُ أَوْ وَكِيلُ فُلَانٍ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمَا مُخْتَلِفًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْمُمَلِّكِ (نُقِلَ) هَاهُنَا فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا يَبِيعُهُ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ فَوَهَبَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ دِرْهَمًا فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الَّذِي بَاعَ الثَّوْبَ، فَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَا حَصَلَ لِلْوَكِيلِ مِنْ زِيَادَةٍ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَمَا نَقَصَ فَهُوَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ إذَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَالْوَكِيلُ فِي الضَّبْطِ وَالْمَعْرِفَةِ مِثْلُ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي كِتَابَةِ مَالِهِ وَمَا عَلَيْهِ كَأَهْلِ الدِّيوَانِ فَقَوْلُهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ وَكِيلِ التَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى نَفْسِ الْأَخْبَارِ بِمَالِهِ وَمَا عَلَيْهِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَافِعَةٌ وَنَظِيرُ إقْرَارِ كِتَابِ الْأُمَرَاءِ وَأَهْلِ
دِيوَانِهِمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُقُوقِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَإِقْرَارِ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَبَيْتِ الْمَالِ وَسَائِرِ أَهْلِ الدِّيوَانِ مِمَّا عَلَى جِهَاتِهِمْ مِنْ الْحُقُوقِ، وَمِنْ نَاظِرِ الْوَقْفِ وَعَامِلِ الصَّدَقَةِ وَالْخَرَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ وَلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْأَمِيرُ كَاتِبًا جَابِيًا أَوْ عَامِلًا أَثِمَ بِمَا أَذْهَبَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ لِتَفْرِيطِهِ.
وَمَنْ اسْتَأْمَنَهُ أَمِيرًا عَلَى مَالِهِ فَخَشِيَ مِنْ حَاشِيَتِهِ إنْ مَنَعَهُمْ مِنْ عَادَتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ لَزِمَهُ فِعْلُ مَا يُمْكِنُهُ، وَمَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْأَمِيرِ مِنْ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَيَرْتَعُ مَعَهُمْ لَا سِيَّمَا وَلِلْأَخْذِ شُبْهَةٌ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ أَوْ الْمُضَارِبُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِدُونِهِ صَحَّ وَلَزِمَهُ النَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَكَذَلِكَ الشَّرِيكُ وَالْوَصِيُّ وَالنَّاظِرُ عَلَى الْوَقْفِ وَبَيْتِ الْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالَ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا فَرَّطَ وَأَمَّا إذَا احْتَاطَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ثُمَّ ظَهَرَ غَبْنٌ أَوْ عَيْبٌ لَمْ يُقَصِّرْ فِيهِ، فَهَذَا مَعْذُورٌ يُشْبِهُ خَطَأَ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ، وَيُشْبِهُ تَصَرُّفَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا النَّاظِرُ وَالْوَصِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْقَاضِي إذَا بَاعَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ زَارَعَ أَوْ ضَارَبَ ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأَ فِيهِ، مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَ بِعِمَارَةٍ أَوْ غَرْسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ كَانَتْ فِي خِلَافِهِ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ فَإِنَّ عَامَّةَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وَلَايَةٍ قَدْ يَجْتَهِدُ ثُمَّ يَظْهَرُ فَوَاتُ الْمَصْلَحَةِ أَوْ حُصُولُ الْمَفْسَدَةِ وَلَا لُزُومَ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَتَضْمِينُ مِثْلِ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ يُشْبِهُ بِمَا إذَا قَتَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا، فَإِنَّ جِمَاعَ هَذَا أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ مَأْمُورٌ بِعَمَلٍ اجْتَهَدَ فِيهِ، وَكَيْفَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَالضَّمَانُ هَذَا الضَّرْبُ هُوَ خَطَأٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْقَصْدِ لَا فِي الْعَمَلِ، وَأُصُولُ الْمَذْهَبِ تَشْهَدُ لَهُ بِرِوَايَتَيْنِ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا سَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَنَقَصَ مِنْهُ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ إذَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ لَهُ شَيْئًا فَبَاعَهُ بِأَقَلَّ، قَالَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ لَعَلَّهُ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمَا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي تَقْدِيرِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ فَسَادَ الْعَقْدِ، وَهُوَ يَدَّعِي صِحَّتَهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ النَّقْصَ، وَإِذَا وَكَّلَهُ أَوْ أَوْصَى إلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَتَعْيِينُ الْمُعْطِي إلَى الْوَكِيلِ أَوْ الْوَصِيِّ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ مِثْلُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ أَوْ أَوْصَى إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ حُجَّةٍ عَنْهُ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَوْ أَوْصَى إلَيْهِ أَنْ يَقِفَ عَنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يُعَيِّنْ مَصْرِفًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْمَصْرِفَ لِلْوَقْفِ كَالْمَصْرِفِ
لِلصَّدَقَةِ، وَيَبْقَى إلَى الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ تَعْيِينُ الْمَصْرِفِ وَإِنْ عَيَّنَ مَصْرِفًا مُنْقَطِعًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إلَى الْوَصِيِّ تَتْمِيمُهُ بِذِكْرِ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الصَّدَقَةُ لَهَا جِهَةٌ مَعْلُومَةٌ بِالشَّرْعِ وَالْعُرْفِ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ لِلْوَصِيِّ فِي تَعْيِينِ أَفْرَادِ الْجِهَةِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ لَهُ جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا فَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقِفَ أَوْ يَتَصَدَّقَ.
وَحَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي أَقْرَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ سَهْمَ غَنِيٍّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمُطْلَقَةَ فِي النَّذْرِ لَيْسَتْ مَحْمُولَةً عَلَى الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الشَّرْعِ لَكِنْ عَلَى جِنْسِ الْمُسْتَحَبَّةِ شَرْعًا، وَيُتَوَجَّهُ عَلَى أَدْنَى الْوَاجِبِ أَوْ أَدْنَى التَّطَوُّعِ، فَبَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْإِيمَانِ مُشَابَهَاتٌ، وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ عُزِلَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ وَقُلْنَا يَنْعَزِلُ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ مُشْتَرٍ الْأُجْرَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ.
وَمَنْ وُكِّلَ فِي بَيْعٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ أَوْ شِرَاءٍ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ فِي الْعَقْدِ فَضَامِنٌ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ تَضْمِينُهُ، وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَكِيلُ فَادَّعَى الْمُوَكِّلُ أَنَّهُ عَزَلَهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ لَمْ يُقْبَلْ، فَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِبَلَدٍ آخَرَ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنْ لَمْ يَنْعَزِلْ قَبْلَ الْعِلْمِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَإِلَّا كَانَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ حَكَمَ قَبْلَ هَذَا الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ حَاكِمٌ لَا يَرَى عَزْلَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ النَّاقِضِ لَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَإِلَّا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ": وَابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ ": وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ فَقَالَ لَهَا وَكَّلَنِي فُلَانٌ لِأُزَوِّجَك لَهُ فَرَغِبَتْ فِي ذَلِكَ وَأَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْمُوَكِّلَ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ وَكَّلَهُ فِي التَّزْوِيجِ لَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ وَلَا تَلْزَمُ لِلْوَكِيلِ بَلْ يَحْكُمُ بِبُطْلَانِهِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي أَنْ يَتَزَوَّجَ لَهُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ حَالَ الْعَقْدِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا لِفُلَانٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَلْزَمْهُ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ عَقَدَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَعْقِدَهُ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَقَدْ أَخَلَّ بِالْمَقْصُودِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً فَاشْتَرَاهَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ ذِكْرُ فُلَانٍ، بَلْ إذَا أَطْلَقَ وَنَوَى الشِّرَاءَ لَهُ صَحَّ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ حُصُولُ الثَّمَنِ وَقَدْ وُجِدَ، وَإِذَا بَطَلَ عَقْدُ النِّكَاحِ فِي حَقِّهِمَا فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ نِصْفُ الصَّدَاقِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فَقَدْ جَعَلَا فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْوَكِيلُ الْمُوَكِّلَ فِي الْعَقْدِ رِوَايَتَيْنِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إذَا قَالَ: زَوَّجْتُك فُلَانَةَ فَقَالَ قَبِلْت فَقَدْ انْعَقَدَ النِّكَاحُ فِي الظَّاهِرِ لِلْوَكِيلِ، فَإِذَا قَالَ نَوَيْت أَنَّ النِّكَاحَ لِمُوَكِّلِي فَهُوَ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَأَنَّ الزَّوْجَ غَيْرُهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ، وَلَوْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَوْلًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّ هُنَا الْإِنْكَارَ مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ إنْكَارِ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ قَبِلَ مِنْهُ فَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا ثُمَّ كَتَبَ لِزَوْجَتِهِ الْجَدِيدَةِ وَكَالَةً، وَقَالَ مَتَى رَدَّدْتهَا كَانَ طَلَاقُهَا بِيَدِك إلَى مُدَّةِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَدْ طَلَّقَ الَّتِي بِيَدِهَا الْوَكَالَةُ.
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ يَظُنُّ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِحَالِهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا وَكَّلَ امْرَأَتَهُ فِي بَيْعٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ تَبْطُلْ الْوَكَالَةُ بِالتَّطْلِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَلَيْسَتْ كَتِلْكَ، وَالصَّوَابُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالتَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَقَدْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَ مَتَاعَهُ فَيُوَكِّلُ شَخْصًا وَهُنَا الْمُرَادُ تَمْكِينُهَا هِيَ مِنْ الطَّلَاقِ لِئَلَّا تَبْقَى زَوْجَةً إلَّا بِرِضَاهَا.
وَأَمَّا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يَقْصِدُ رِضَاهَا كَيْفَ وَقَدْ طَلَّقَهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَ الشَّرْطَ لَازِمًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا لَازِمًا فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا ابْتِدَاءً: أَمْرُك بِيَدِك، أَوْ أَمْرُ فُلَانَةَ بِيَدِك، فَإِنَّ هَذَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَنْ ادَّعَى الْوَكَالَةَ فِي اسْتِيفَاءِ حَقٍّ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَلَا الْيَمِينُ إنْ كَذَّبَهُ، وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْغَرِيمَ مَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يُنْكِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي بَعَثَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إلَى وَكِيلِهِ وَعَلَّمَ لَهُ عَلَامَةً، فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّ ذَلِكَ الْوَكِيلَ لَمْ يَكُنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ.
وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَدْلًا وَجَبَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَجْحَدُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَثْنِي، فَإِنْ دَفَعَ مِنْ عِنْدِهِ الْحَقَّ إلَى الْوَكِيلِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْوَكَالَةَ رَجَعَ عَلَيْهِ وِفَاقًا، وَمُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ لَيْسَ تَصْدِيقًا وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ أَصْحَابِنَا، بَلْ نَصِّ إمَامِنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَبَيَّنْ صِدْقَهُ فَقَدْ غَرَّهُ.
وَكُلُّ إقْرَارٍ كَذَبَ فِيهِ لِيَحْصُلَ بِمَا يُمْكِنُ أَسَاءَهُ وَيُجْعَلُ أُنْسًا مِثْلُ أَنْ يَقُولُ: وَكَّلْت فُلَانًا وَلَمْ تُوَكِّلْهُ فَهُوَ نَظِيرُ أَنْ يَجْحَدَ الْوَصِيَّةَ، فَهَلْ يَكُونُ جَحْدُهُ رُجُوعًا،