الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُ مَنْ لَا يُعْطِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ حَصَلَ بِعَمَلٍ مُحَرَّمٍ، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِبَاحَةِ، فَإِنْ تَابَ سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَأُبِيحَ لَهُ حِينَئِذٍ بِالْقِسْمَةِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتُبْ فَفِي حِلِّهِ نَظَرٌ، وَكَذَلِكَ الْمُتَوَجَّهُ فِيمَا إذَا غَصَبَ شَيْئًا كَفَرَسٍ وَكَسَبَ بِهِ مَالًا كَالصَّيْدِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَكْسُوبَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَمَالِكِ الدَّابَّةِ عَلَى قَدْرِ نَفْعِهِمَا. بِأَنْ تَقُومَ مَنْفَعَةُ الرَّاكِبِ وَمَنْفَعَةُ الْفَرَسِ ثُمَّ يُقْسَمُ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إذَا كَسَبَ الْعَبْدَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَالِكَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ قِيمَةِ نَفْعِهِ، وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَعْيَانٌ مُشْتَرَكَةٌ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا قَدْرَ حَقِّهِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَلِكَ بِدُونِ إذْنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ انْتَهَى.
[بَابُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ]
وَلَوْ دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى آخَرَ يَغْرِسُهَا بِجُزْءٍ مِنْ الْغِرَاسِ صَحَّ كَالْمُزَارَعَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً فَعَامَلَهُ بِجُزْءٍ مِنْ غِرَاسِهَا صَحَّ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَارِسُ نَاظِرَ وَقْفٍ أَوْ غَيْرَهُ.
وَلَا يَجُوزُ لِنَاظِرٍ بَعْدَهُ نَصِيبُ الْوَقْفِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَلِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِلُزُومِهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَقَطْ، وَالْحُكْمُ لَهُ مِنْ عِوَضِ الْمِثْلِ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا فِي يَدِهِ بِالْوَقْفِ وَغَيْرِهِ حَتَّى تَقُومَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ، لَكِنْ لَا يَحْكُمُ بِالْوَقْفِ حَتَّى يَثْبُتَ الْمِلْكُ وَمُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُغَارِسَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا جَازَ النَّسْجُ بِجُزْءٍ مِنْ غَزْلِ نَفْسِهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَا فِي الْمُغَارَسَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْغَارِسِ الْمَاءُ أَوْ بَعْضُهُ، فَالْمُتَوَجِّهُ أَنَّ الْمَاءَ كَالْغَرْسِ وَكَالْبَذْرِ سَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْمُزَارَعَاتِ. لِأَنَّ الْمَاءَ أَصْلٌ يَفْنَى وَمَتَى كَانَ مِنْ الْعَامِلِ أَصْلٌ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ غَارَسَهُ عَلَى أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ تَكُونُ لَهُ دَرَاهِمُ مُسَمَّاةٌ إلَى حِينِ إثْمَارِ الشَّجَرِ، فَإِذَا أَثْمَرَتْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّمَرِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فَهَذِهِ لَا أَعْرِفُهَا مَنْقُولَةً، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يَجُوزُ، كَمَا إذَا اشْتَرَطَ شَيْئًا مُقَدَّرًا فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ إلَّا ذَلِكَ الْمَشْرُوطُ فَيَبْقَى الْآخَرُ لَا شَيْءَ لَهُ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَالْمُنَاصِبُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ سَقْيَ الشَّجَرِ وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْعَمَلِ جَازَ وَصَحَّ شَرْطُهُ، كَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَ عَلَى كِتَابَتِهِ
هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ الْغَارِسُ بِمَا شُرِطَ عَلَيْهِ كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْفَسْخُ.
فَإِذَا فَسَخَ الْعَامِلُ أَوْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ نَصِيبَ الْغَارِسِ إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْقَلْعِ. وَإِذَا تَرَكَ الْعَامِلُ الْعَمَلَ حَتَّى فَسَدَ الثَّمَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نَصِيبِ الْمَالِكِ، وَيَنْظُرُ كَمْ يُحْيِي لَوْ عَمِلَ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ.
كَمَا يَضْمَنُ لَوْ يَبِسَ الشَّجَرُ وَهَذَا لِأَنَّ تَرْكَهُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ فَسْخِ الْعَقْدِ حَرَامٌ وَغَرَرٌ وَهُوَ سَبَبٌ فِي عَدَمِ هَذَا الثَّمَرِ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ مِثْلُ أَنْ يَغْصِبَ الشَّجَرَ غَاصِبٌ وَيُعَطِّلَهَا عَنْ السَّقْيِ حَتَّى يَفْسُدَ ثَمَرُهَا، أَمَّا الضَّمَانُ بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ كَالضَّمَانِ بِسَبَبِ الْإِتْلَافِ لَا سِيَّمَا إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْعَادِيَةِ.
وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَى الشَّجَرِ مَعَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِمَا شَرَطَهُ هَلْ هُوَ يَدٌ عَادِيَةٌ فِيهِ نَظَرٌ، لَكِنَّهُ سَبَبٌ فِي الْإِتْلَافِ، وَهَذَا فِي الْفَوَائِدِ نَظِيرُ الْمَنَافِعِ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تُوجَدْ وَإِنَّمَا الْغَاصِبُ مَنَعَ مِنْ اسْتِيفَائِهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِتْلَافَ نَوْعَانِ: إعْدَامُ مَوْجُودٍ وَتَفْوِيتٌ لِمَعْدُومٍ انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُودِهِ وَهَذَا تَفْوِيتٌ.
وَعَلَى هَذَا فَالْعَامِلُ فِي الْمُزَارَعَةِ إذَا تَرَكَ الْعَمَلَ فَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَى الْأَرْضِ وَفَوَّتَ نَفْعَهَا، فَيَنْبَغِي أَيْضًا ضَمَانُ إتْلَافٍ أَوْ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَيَدٍ، لَكِنْ هَلْ يَضْمَنُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوْ يَضْمَنُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْأَرْضِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ فِي مِثْلِهَا مَعْرُوفًا فَيُقَاسَ بِمِثْلِهَا.
أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَالْأَصْوَبُ الْأَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ أَنْ يَضْمَنَ بِمِثْلِ مَا يَثْبُتُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ ضَمَانَ يَدٍ وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ تَعْزِيرٍ وَالْمُزَارَعَةُ أَحَلُّ مِنْ الْإِجَارَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْغُنْمِ وَالْمَغْرَمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ إنْسَانٍ الْأَرْضُ وَمِنْ ثَانٍ الْعَمَلُ وَمِنْ ثَالِثٍ الْبَذْرُ وَمِنْ رَابِعٍ الْبَقَرُ صَحَّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
وَإِذَا نَبَتَ الزَّرْعُ مِنْ الْحَبِّ الْمُشْتَرَكِ قُسِّمَ الزَّرْعُ عَلَى قَدْرِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَالْحَبُّ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ شَرَطَ صَاحِبُ الْبَذْرِ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ بَذْرِهِ وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِيَ جَازَ