الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْوَقْفِ]
ِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ عُرْفًا كَجَعْلِ أَرْضِهِ مَسْجِدًا أَوْ أَذَّنَ لِلنَّاسِ لِصَلَاةٍ فِيهِ أَوْ أَذَّنَ فِيهِ، وَأَقَامَ وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَجَعْفَرٌ وَجَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَأَذِنَ بِالدَّفْنِ فِيهَا وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَمَنْ قَالَ قَرْيَتِي الَّتِي بِالثَّغْرِ لِمَوَالِيَّ الَّذِينَ بِهَا وَلِأَوْلَادِهِمْ صَحَّ وَقْفًا، وَنَقَلَهُ يَعْقُوبُ بْنُ حِبَّانَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِذَا قَالَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ: جَعَلْنَا هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا صَارَ مَسْجِدًا وَوَقْفًا بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلُوا عِمَارَتَهُ، وَإِذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ جَعَلْت مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ صَارَ بِذَلِكَ حَقًّا لِلْمَسْجِدِ، وَلَوْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ تَصَدَّقْت بِهَذَا الدُّهْنِ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لِيُوقَدَ فِيهِ جَازَ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْوَقْفِ، وَتَسْمِيَتُهُ وَقْفًا بِمَعْنَى أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِهَا لَا تَأْبَاهُ اللُّغَةُ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ، وَوَقْفُ الْهَازِلِ كَوَقْفِ التَّلْجِئَةِ إنْ غَلَبَ عَلَى الْوَقْفِ شَبَهُ التَّحْرِيمِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَالْعِتْقِ وَالْإِتْلَافِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شَبَهُ التَّمْلِيكِ فَيُشْبِهُ الْهِبَةَ وَالتَّمْلِيكَ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْهَازِلِ عَلَى الصَّحِيحِ
وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيَصِحّ الْوَقْفُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ فَمَنْ كَانَ جَمَّاعًا لِلْمَالِ وَلَمْ يَتَخَلَّقْ بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ وَلَا تَأَدَّبَ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الْآدَابُ الْوَضِيعَةُ أَوْ فَاسِقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ مُجَرَّدُ السُّكْنَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْوَاقِفِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُمْكِنُ مِنْ وَقْفِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، فَلَوْ أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَقِفَ مَسْجِدًا مَنَعَ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: وَقَفْتُ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى قَرْضِ الْمُحْتَاجِينَ لَمْ يَكُنْ جَوَازُ هَذَا بَعِيدًا وَإِذَا أَطْلَقَ وَقْفًا لِنَقْدَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِبَدَلِهِ فَإِنَّ مَنْعَ صِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِيهِ نَظَرٌ، خُصُوصًا عَلَى أَصْلِنَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا بَيْعُ الْوَقْفِ إذَا تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ،
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي الَّذِي حَبَسَ فَرَسًا عَلَيْهَا حِلْيَةٌ مُحَرَّمَةٌ. أَنَّ الْحِلْيَةَ تُبَاعُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ وَقْفِ مِثْلِ هَذَا وَلَوْ وَقَفَ مَنْفَعَةً يَمْلِكُهَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، أَوْ مَنْفَعَةَ أُمِّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ مَنْفَعَةً بِعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَعِنْدِي هَذَا لَيْسَ فِيهِ فِقْهٌ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَقْفِ هَذَا وَوَقْفِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَقْفِ ثَوْبٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَلْبَسُونَهُ أَوْ فَرَسٍ يَرْكَبُونَهُ أَوْ رَيْحَانٍ يَشُمُّهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، وَطِيبُ الْكَعْبَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ كُسْوَتِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الطِّيبَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، لَكِنْ قَدْ يَطُولُ بَقَاءُ مُدَّةِ التَّطَيُّبِ وَقَدْ يُقْصَدُ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ.
وَيَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ فِي الْوُقُوفِ أَنَّهُ كُلُّ عَيْنٍ تَجُوزُ عَارِيَّتُهَا قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَإِنْ وَقَفَ نِصْفَ عَبْدٍ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَسْرِ إلَى بَقِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَا وَقَفَهُ مِنْهُ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ وَلَمْ يَسْرِ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَا وَقَفَهُ مِنْهُ أَوْ أَعْتَقَهُ شَرِيكُهُ فَقَدْ صَحَّ عِتْقُ نَفْسِهِ وَلَمْ يَسْرِ إلَى الْمَوْقُوفِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا ضَعِيفٌ وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمَجْهُولِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْمَجْهُولُ نَوْعَانِ مُبْهَمٌ وَمُعَيَّنٌ مِثْلُ دَارٍ لَمْ يَرَهَا فَمَنْعُ هَذَا بَعِيدٌ، وَكَذَلِكَ هِبَتُهُ فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُبْهَمِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَفِي الْوَصِيَّةِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِجَارِهِ مُحَمَّدٍ وَلَهُ جَارَانِ بِهَذَا الِاسْمِ، وَوَقْفُ الْمُبْهَمِ مُفَرَّعٌ عَلَى هِبَتِهِ وَبَيْعِهِ وَلَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا مَنْعٌ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ يَكُونَ الرُّبْعُ لَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ صَحَّ، فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْغَلَّةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ كَاسْتِثْنَائِهَا لِنَفْسِهِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، فَيَنْبَغِي فِي الْحَالِ أَنَّا إذَا صَحَّحْنَا وَقْفَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ صَحَّ لِأَنَّ مِلْكَ أُمِّ وَلَدِهِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْهُ، فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، فَيَكُونُ مِلْكًا لِعَبْدِ الْغَيْرِ.
وَأَمَّا إذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ تَخْرُجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ يَعُمُّ حَالَ رَقِّهَا وَعِتْقِهَا فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْحَالَيْنِ خَرَجَ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى وَجْهَانِ.
وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْوَقْفَ الْمُنْقَطِعَ الِابْتِدَاءِ يَصِحُّ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ فَهَذَا كَذَلِكَ، وَمَأْخَذُهُ الْوَقْفُ الْمُنْقَطِعُ أَنَّ الْوَقْفَ هَلْ يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ بِغَايَةٍ مَجْهُولَةٍ أَوْ غَيْرِ مَجْهُولَةٍ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَزَالُ وَقْفًا لَا يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يَعُودُ مِلْكًا يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ، فَإِنْ غَلَبَ جَانِبُ التَّحْرِيمِ فَالتَّحْرِيمُ لَا يَتَوَقَّتُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ، وَإِنْ غَلَبَ جَانِبُ التَّمْلِيكِ فَتَوْقِيتُ جَمِيعِهِ قَرِيبٌ مِنْ تَوْقِيتِهِ عَلَى بَعْضِ الْبُطُونِ، كَمَا لَوْ قَالَ هَذَا وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ سَنَةً ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو سَنَةً ثُمَّ عَلَى بَكْرٍ سَنَةً وَضَابِطُ الْأَقْوَالِ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ إمَّا عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَإِمَّا عَلَى الْعَصَبَةِ وَإِمَّا عَلَى الْمَصَالِحِ وَإِمَّا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْهُمْ، وَعَلَى الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ فَإِمَّا وَقْفٌ وَإِمَّا مِلْكٌ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ فِي الْأَقَارِبِ وَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ فَيَصِيرُ فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ؛ وَالثَّالِثَ عَشَرَ تَفْصِيلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ يَكُونُ مِلْكًا بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ بِخِلَافِ رُجُوعِهِ إلَى الْعُصَاةِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ وَإِذَا اشْتَرَطَ الْقَبُولَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَيَّنِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَجْلِسَ بَلْ يُلْحَقُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَجَّلًا فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَأَخْذُ رِيعِهِ مَقْبُولٌ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بَعْدَ قَبُولِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْفُقَهَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَيَّنِ إذَا لَمْ يَقْبَلْ أَوْ رَدَّهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَالْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ بَلْ الْوَقْفُ هُنَا صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا ثُمَّ إنْ قِيلَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ مَاتَ أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِحْقَاقُهُ لِفَوَاتٍ فِيهِ إذْ الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ تَتَلَقَّى مِنْ الْوَاقِفِ لَا مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
وَمِنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِرَجُلٍ ثُمَّ لِغَيْرِهِ إنْ مَاتَ فَعَزَلَ نَفْسَهُ أَوْ فَسَقَ فَكَمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ لِلْغَالِبِ وَلَا نَظَرَ لِغَيْرِ النَّاظِرِ الْخَاصِّ مَعَهُ، وَلِلْحَاكِمِ النَّظَرُ الْعَامُّ فَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ مَا لَا يَشْرَعُ، وَلَهُ ضَمُّ أَمِينٍ إلَيْهِ مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ أَوْ أَضَرَّ فِي تَصَرُّفِهِ مُخَالِفًا لِلشِّرَاءِ الصَّحِيحِ عَالِمًا بِتَحْرِيفِهِ فَإِمَّا أَنْ يَنْعَزِلَ أَوْ يُعْزَلَ، أَوْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ، ثُمَّ إنْ صَارَ هُوَ أَوْ الْوَصِيُّ أَهْلًا عَادَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَكَالْمَوْصُوفِ وَمَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ شَمَلَ أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَ حَاكِمِ الْبَلَدِ زَمَنَ الْوَاقِفِ أَوْ لَا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ النَّظَرُ لَوْ انْفَرَدَ وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَلَوْ فَرَضَهُ حَاكِمٌ لَمْ يَكُنْ لِحَاكِمٍ آخَرَ نَقْضُهُ وَلَوْ وَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكَّامِ شَخْصًا قَدَّمَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَحَقَّهُمَا.
وَلَا يَجُوزُ لِوَاقِفٍ شَرْطُ النَّظَرُ لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا وَمَنْ وَقَفَ مَدْرَسَةً عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ فَلِلنَّاظِرِ ثُمَّ الْحَاكِمِ تَقْدِيرُ أُعْطِيَتْهُمْ، فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لَهُمْ، وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيرِ مُدَرِّسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَاطِلٌ وَلَوْ نَفَّذَهُ حُكَّامٌ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يَزْدَادُ وَلَا يَنْقُصُ بِزِيَادَةِ النَّمَاءِ وَنَقْصُهُ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَهُمْ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ وَلَوْ تَعَاوَنُوا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْإِمَامِ وَالْجَيْشِ فِي الْمَغْنَمِ، لَكِنْ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى التَّفْضِيلِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْقَيِّمَ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أَجْرُهُ وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَا شَرْطَ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ كَالْقَيِّمِ بِخِلَافِ الْمُدَرِّسِ وَالْمُتَعَبِّدِ وَالْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِذَا وَقَفَ عَلَى إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَدَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ جُزْءًا مَعْلُومًا وَزَادَ الْوَقْفُ خَمْسَةَ أَمْثَالِهِ مَثَلًا جَازَ أَنْ يَصْرِفَ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ مِنْ الزَّائِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَصْرِفٌ بَعْدَ تَمَامِ كِفَايَتِهِمَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا:
أَنَّ تَقْدِيرَ الْوَاقِفِ دَرَاهِمَ مُقَدَّرَةً قَدْ يُزَادُ لَهُ بِالنِّسْبَةِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُ عَشَرَةً، وَالْمُغَلُّ مِائَةٌ فَيُزَادُ بِهِ الْعُشْرُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى هَذَا عُمِلَ بِهَا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ فِي الْعُرْفِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ مَغْلَةَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَشَرَطَ لَهُ سِتَّةً ثُمَّ صَارَ خَمْسَمِائَةٍ فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَشْتَرِطَ أَضْعَافَ ذَلِكَ مِثْلَ خَمْسَةِ أَمْثِلَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ عَادَةً مَنْ شَرَطَ سِتَّمِائَةٍ أَنْ يَشْتَرِطَ سِتَّةً مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُ النَّاسِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فِي خِطَابِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا فَزَائِدُ الْوَقْفِ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ الَّتِي هِيَ نَظِيرُ مَصَالِحِهِ، وَمَنْ قُدِّرَ لَهُ الْوَقْفُ بِسَافِلِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ إنْ اسْتَحَقَّهُ بِمُوجِبِ الشَّرْعِ.
وَلَوْ عَطَّلَ وَقْفَ مَسْجِدٍ سَنَةً تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ، وَلَا يَنْقُضْ الْإِمَامُ بِسَبَبِ تَعْطِيلِ الزَّرْعِ الْعَامَ، وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِوَظِيفَتِهِ غَيْرُهُ فَلِمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَقُومُ بِهَا إلَى أَنْ يَتُوبَ الْأَوَّلُ وَيَلْتَزِمَ بِالْوَاجِبِ.
وَيَجِبُ أَنْ يُوَلَّى فِي الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقُّ شَرْعًا وَأَنْ يَعْمَلَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْوَاجِبِ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يُوَلُّوا عَلَيْهِمْ الْفَاسِقَ، وَإِنْ نَفَذَ حُكْمُهُ أَوْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ.
وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ
لَا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ، وَلِلنَّاظِرِ إنْسَاخُ كِتَابِ الْوَقْفِ وَالسُّؤَالُ عَنْ حَالِهِ وَأَجْرِهِ وَتَسْجِيلُ كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ الْوَقْفِ كَالْعَادَةِ، وَيَجِبُ عِمَارَةُ الْوَقْفِ بِحَسَبِ الْبُطُونِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ عِمَارَةِ الْوَقْفِ وَأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ أَوْلَى بَلْ قَدْ يَجِبُ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ إلَّا إذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي اعْتِبَارِ الْقُرْبَةِ فِي أَصْلِ الْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا، وَإِذَا شَرَطَ فِي اسْتِحْقَاقِ رِيعِ الْوَقْفِ الْعُزُوبَةَ فَالْمُتَأَهِّلُ أَحَقُّ مِنْ الْمُتَعَزِّبِ إذَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ، وَلَوْ شَرَطَ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى أَهْلِ مَدْرَسَةٍ فِي الْقُدْسِ كَانَ الْأَفْضَلُ لِأَهْلِهَا أَنْ يُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْأَقْصَى، وَلَا يَقِفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَدْرَسَةِ. وَكَانَ يُفْتِي بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ.
وَيَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَاحْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْجِهَادِ صُرِفَ إلَى الْجُنْدِ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ فَالْقَائِمُونَ بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالْحِفْظِ وَالْفَرْشِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَإِغْلَاقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ نُصُوصُ الْوَاقِفِ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ، يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ.
مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ وَالْمُوصِي وَالنَّاذِرِ وَالْحَالِفِ وَكُلِّ عَاقِدِ يُحْمَلُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَعَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا وَافَقَ لُغَةَ الْعَرَبِ أَوْ لُغَةَ الشَّارِعِ أَوْ لَا.
وَالْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ وَالْعُرْفُ الْمُسْتَقِرُّ فِي الْوَقْفِ يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَدُلُّ لَفْظُ الِاسْتِفَاضَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ فَاسِقًا فِي جِهَةٍ دِينِيَّةٍ كَمَدْرَسَةٍ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَعُقُوبَتُهُ، فَكَيْفَ يُنَزَّلُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ خِلَافُ ذَلِكَ وَإِنْ نُزِّلَ تَنْزِيلًا شَرْعِيًّا لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ، وَكُلُّ مُتَصَرِّفٍ بِوِلَايَةٍ إذَا قِيلَ لَهُ: افْعَلْ مَا تَشَاءُ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ، حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِفِعْلِ مَا يَهْوَاهُ أَوْ مَا يَرَاهُ مُطْلَقًا فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُبَاحًا وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، حَتَّى لَوْ تَسَاوَى فِعْلَانِ عُمِلَ بِالْقُرْعَةِ، وَإِذَا قِيلَ هُنَا بِالتَّخْيِيرِ فَلَهُ وَجْهٌ وَعَلَى النَّاظِرِ بَيَانُ الْمَصْلَحَةِ فَيَعْمَلُ بِمَا ظَهَرَ وَمَعَ الِاسْتِنْبَاهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا عَادِلًا سَاغَ لَهُ الِاجْتِهَادُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مَنْ قَسَمَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِيهِ الْعَدْلَ وَيَتَّبِعَ مَا هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ، وَسَوَاءٌ اسْتَفَادَ الْقِسْمَةَ بِوِلَايَةٍ كَالْإِمَامِ الْحَاكِمِ أَوْ بِعَقْدٍ كَالنَّاظِرِ وَالْوَصِيِّ، وَإِذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَقَارِبُ الْوَاقِفِ الْفُقَرَاءُ أَحَقُّ مِنْ الْفُقَرَاءِ الْأَجَانِبِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْحَاجَةِ، وَإِذَا قَدَّرَ وُجُودَ فَقِيرٍ مُضْطَرٍّ كَانَ دَفْعُ ضَرُورَتِهِ وَاجِبًا، وَإِذَا لَمْ تَنْدَفِعْ ضَرُورَتُهُ إلَّا بِتَنْقِيصِ كِفَايَةِ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ شَيْءٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا يُقَابِلُ عَمَلَهُ لَا الْعَادَةَ.
وَاعْتَبَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي مَوْضِعٍ جَوَازَ أَخْذِ النَّاظِرِ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ، وَلَا يُقَدَّمُ النَّاظِرُ بِمَعْلُومِهِ بِلَا شَرْطٍ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْوَاقِفِ هَلْ هُوَ إجَارَةٌ أَوْ جَعَالَةٌ أَوْ كَرِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِيهِ أَقْوَالٌ، ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ وَالْمُكُوسُ إذَا أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ الْحَيِّدُ فَهِيَ حَلَالٌ لَهُمْ إذَا جَهِلَ مُسْتَحَقَّهَا، وَكَذَلِكَ إذَا رَتَّبَهَا لِلْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَاَلَّذِي يُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَسَلَّفُوا الْأُجْرَةَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ وَلَا الْأُجْرَةَ عَلَيْهَا.
وَعَلَى هَذَا فَلَهُمْ أَنْ يَطْلُبُوا الْأُجْرَةَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ فَرَّطَ، وَلَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا النَّاظِرَ، وَيَدُ الْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِالْوَقْفِ مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا، كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهَا بِمَالِهِ بِحُكْمِ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ.
وَمِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ قَوْمٌ لَهُمْ رَوَاتِبُ أَضْعَافُ حَاجَاتِهِمْ وَقَوْمٌ لَهُمْ جِهَاتٌ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَشِبُّونَ يَسِيرًا، وَالنِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ جَائِزَةٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ مِثْلَ مُسْتَشِيبِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ، كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، وَيَسْتَحِقُّ حَمْلَ مَوْجُودٍ عِنْدَ تَأْبِيرِ النَّخْلِ أَوْ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ مِنْ حِينِ مَوْتِ أَبِيهِ وَلَوْ لَمْ يَتَفَصَّلْ.
وَإِذَا زَرَعَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ، ثُمَّ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي كَانَ مُبْقًى إلَى أَوَانِ حَدِّهِ بِأَجْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تُجْعَلُ مُزَارَعَةً بَيْنَ الزَّارِعِ وَرَبِّ الْأَرْضِ لِنُمُوِّهِ مِنْ أَرْضِ أَحَدِهِمَا، وَبَذْرِ الْآخَرِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِقْطَاعِ الْمَزْرُوعِ إذَا انْتَقَلَ إلَى
مُقْطِعٍ آخَرَ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ فِيهَا، وَشَجَرُ الْجَوْزِ الْمَوْقُوفِ إنْ أَدْرَكَ، وَإِنْ قَطَعَهُ فِي حَيَاةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ وَبَقِيَ فِي الْأَرْضِ مُدَّةً حَتَّى زَادَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ حَادِثَةً مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الَّتِي لِلْبَطْنِ الثَّانِي.
وَالْأَصْلُ الَّذِي وَرِثَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَقْسِمَ الزِّيَادَةَ عَلَى قَدْرِ الْقِسْمَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَ الْوَرَثَةَ أُجْرَةَ الْأَرْضِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَإِنْ غَرَسَهُ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَلَمْ يُدْرِكْ إلَّا بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي فَهُوَ لَهُمْ، وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ فِيهِ شَيْءٌ وَمَنْ وَقَفَ وَقْفًا مُسْتَقِلًّا، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يُمْكِنْ وَفَاءُ الدَّيْنِ إلَّا بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ الْوَقْفِ وَهُوَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِيعَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ فِي الصِّحَّةِ فَهَلْ يُبَاعُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَمَنْعُهُ قَوِيٌّ. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَادِثًا بَعْدَ الْوَقْفِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِأَبْلَغَ مِنْ التَّدْبِيرِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَاعَ عَلَى الْمُدَبَّرِ فِي الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، وَأَثْبَتَ عِنْدَ حَاكِمٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، وَلَمْ يُعْلَمْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ مَاتَ الْوَاقِفُ فَرَدَّ الْمَوْقُوفَ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَطَلَبَ أَرْبَابَ الدُّيُونِ دِينَهُمْ وَرُفِعَتْ الْقِصَّةُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بُطْلَانَ هَذَا الْوَقْفِ مِنْ جِهَةِ شَرْطِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَكَوْنِهِ يَسْتَغْرِقُ الذِّمَّةَ بِالدَّيْنِ وَكَوْنِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ، فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ فَيُقَالُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَالْقَضَاءُ بِمُوجِبِهِ وَالْإِلْزَامُ بِمُقْتَضَاهُ لَا يَمْنَعُ الْحَاكِمَ الثَّانِيَ الَّذِي عِنْدَهُ أَنَّ الْوَاقِفَ كَانَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بِالدُّيُونِ حِينَ الْوَقْفِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ فِي بُطْلَانِ هَذَا الْوَاقِفِ وَصَرْفِ الْمَالِ إلَى الْغُرَمَاءِ الْمُسْتَحَقِّينَ لِلْوَفَاءِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ الْأَوَّلَ فِي وُجُوهِ هَؤُلَاءِ الْخُصُومِ وَنُوَّابِهِمْ لَا يُضَمِّنُ حُكْمَهُ عَمَلَهُ بِهَذَا الْفَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَإِذَا صَادَفَ حُكْمَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَمْ يَحْكُمْ فِيهِ جَازَ نَقْضُهُ.
وَمَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهَا اسْتَحَقَّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُغَلِّ وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلِوَرَثَةِ إمَامِ مَسْجِدٍ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فِي أَرْضِ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ كَانَ الْفَلَّاحُ غَيْرَهُ، وَلَهُمْ مِنْ مُغَلِّهِ بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ مُوَرِّثُهُمْ وَيَسْتَحِقُّ وَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَبُوهُ شَيْئًا وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْإِرْثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَالِدُهُ أَخَذَ شَيْئًا لَمْ يَأْخُذْ هُوَ فَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ.
وَلِهَذَا لَوْ انْتَفَتْ الشُّرُوطُ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْضٌ لَمْ تَحْرُمْ الثَّانِيَةُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ فِيهِمْ إجْمَاعًا وَلَا فَرْقَ وَالْأَظْهَرُ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا وَعَقِبِهِمَا بَعْدَهُمَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ كُلٍّ إلَى وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَرِضْ جَمِيعُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
وَقَوْلُ الْوَاقِفِ: مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ يَشْتَمِلُ الْأَصْلَ لَا الْعَائِدَ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ وَإِنْ سَفَلُوا فَإِنَّ أَحَدَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى لَوْ كَانَتْ بِنْتًا فَمَاتَتْ وَلَهَا أَوْلَادٌ فَمَا اسْتَحَقَّتْهُ قَبْلَ مَوْتِهَا فَلَهُمْ وَلَوْ قَالَ وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَخَوَيْهِ ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ عَمَّنْ لَمْ يُعْقِبْ وَمَنْ أَعْقَبَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ.
وَقَوْلُ الْوَاقِفِ: وَمَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ نَسْلٍ يَعُودُ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَى الْمُتَوَفَّى فَالْأَقْرَبُ وَهُوَ حِرْمَانُ الطَّبَقَةِ السُّفْلَى فَقَطْ لَا حِرْمَانُ الْعُلْيَا وَإِذَا وُجِدَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ وَالْأَمَارَةُ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَمَذْهَبُنَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَإِقْرَارِهِ بِمَا فِي يَدِهِ لِأَحَدِ الشَّخْصَيْنِ لَا يُعْلَمُ عَيْنُهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُرَجَّحَ بَنُو الْبَنِينَ وَالْوَاوُ كَمَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَا تَنْفِيه فَهِيَ سَالِبَةٌ عَنْهُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَى التَّشْرِيكِ وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْفِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ مِثْلُ أَنْ رَتَّبَ أَوْ لَا عُمِلَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى الْوَاوِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّشْرِيكِ التَّسْوِيَةُ بَلْ يُعْطِي بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَرِّسُ الْخُمُسَ فَقُلْنَا لَهُ: فَأَعْطِ الْقَيِّمَ الْخُمُسَ لِأَنَّهُ نَظِيرُ الْمُدَرِّسِ لَظَهَرَ بُطْلَانُ حُجَّتِهِ وَلَوْ وَقَفَ مَسْجِدًا وَشَرَطَ إمَامًا وَأَثْبَتَ قُرَّاءَ وَقَيِّمًا وَمُؤَذِّنًا وَعَجَزَ الْوَقْفُ عَنْ تَكْمِيلِ حَقِّ الْجَمِيعِ وَلَمْ يَرْضَ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ وَالْقَيِّمُ إلَّا بِأَخْذِ جَامَكِيَّةَ مِثْلِهِمْ صُرِفَ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ جَامَكِيَّةُ مِثْلِهِمْ مُقَدَّمَةً عَلَى الْقُرَّاءِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى آلِ جَعْفَرَ وَآلِ عَلِيٍّ فَهَلْ يَسْتَوِي بَيْنَ أَفْرَادِهِمْ أَوْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَفْتَيْت أَنَا وَطَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَ أَعْيَانِ الطَّائِفَتَيْنِ وَأَفْتَى طَائِفَةٌ أَنَّهُ يُقْسَمُ نِصْفَيْنِ فَيَأْخُذُ آلُ جَعْفَرٍ النِّصْفَ وَإِنْ كَانُوا وَاحِدًا وَهُوَ مُقْتَضَى
أَحَدِ قَوْلَيْ أَصْحَابِنَا وَلَوْ أَقَرَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي هَذَا الْوَقْفِ إلَّا مِقْدَارًا مَعْلُومًا ثُمَّ ظَهَرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ حُكِمَ لَهُ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إقْرَارُهُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى ابْنَيْ أَخِيهِ يُوسُفَ وَأَيُّوبَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ أَيُّوبَ اسْمُهُ صَالِحٌ فَشَكَّ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَخِيهِ ابْنَانِ سِوَاهُمَا، فَحَقُّ أَيُّوبَ ثَابِتٌ وَلَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِي اسْمِهِ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي عَيْنِ الثَّالِثِ أُخْرِجَ بِالْقُرْعَةِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ.
وَمَنْ عَمَّرَ وَقْفًا بِالْمَعْرُوفِ لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَلَّتِهِ، وَالْيَتِيمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَلَاثًا لَكِنْ يُعْطَى مَنْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعْرَفُ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطَى كَافِرٌ وَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ وَجُهِلَ شَرْطُ الْوَاقِفِ صُرِفَ إلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحَقِّينَ بِالتَّسْوِيَةِ.
وَجَوَّزَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَغْيِيرَ صُورَةِ الْوَقْفِ لِلْمَصْلَحَةِ كَجَعْلِ الدُّورِ حَوَانِيتَ وَالْحُكُورَةِ مَشْهُورَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِنَاءٍ بِبِنَاءٍ وَعَرْصَةٍ بِعَرْصَةٍ أَوَّلًا وَلَوْ وَقَفَ كُرُومًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَيَحْصُلُ عَلَى جِيرَانِهَا ضَرَرٌ يُعَوَّضُ عَنْهَا بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْجِيرَانِ وَيَعُودُ الْأَوَّلُ مِلْكًا، وَالثَّانِي وَقْفًا وَمَعَ الْحَاجَةِ يَجِبُ إبْدَالُ الْوَقْفِ بِمِثْلِهِ وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ مِنْهُ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ وَهُوَ قِيَاسُ الْهَدْيِ وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُنَاقَلَةِ وَمَالَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَنَقَلَ صَالِحٌ يَنْتَقِلُ الْمَسْجِدُ لِمَنْفَعَةِ النَّاسِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَدَّلَ الْوَقْفُ بِمِثْلِهِ لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ بِلَا حَاجَةٍ وَمَا حَصَلَ لِلْأَسِيرِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَتَسَلَّمُهُ وَيَحْفَظُهُ وَكِيلُهُ وَمَنْ يَنْتَقِل إلَيْهِ بَعْدَهُ جَمِيعًا وَمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الْمَسْجِدِ صُرِفَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَهُ غَرَضٌ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ حَضَّ النَّاسَ عَلَى إعْطَاءِ الْمُكَاتَبِ فَلَوْ صُرِفَ إلَى الْمَسْجِدِ الثَّانِي فَفَضَلَ شَيْءٌ عَنْ حَاجَتِهِ فَصَرَفَهُ فِي الْمُكَاتَبِينَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيَجُوزُ صَرْفُهُ فِي سَائِرِ الْمَصَالِحِ وَبِنَاءِ مَسَاكِنَ لِمُسْتَحِقِّي رَيْعِهِ الْقَائِمِينَ بِمَصَالِحِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ وَقْفَهُ يَبْقَى دَائِمًا وَجَبَ صَرْفُهُ لِأَنَّ بَقَاءَ صَرْفِهِ بَقَاءُ فَسَادٍ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الْفَاضِلِ، وَإِذَا وَقَفَ مَدْرَسَةً