الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَهِدَ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ أَحَدًا وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لِمَا يَخَافُ مِنْ فَسَادِ دِيَانَتِهِمْ وَلِلْإِمَامِ عَمَلُ
الْمَصْلَحَةِ
فِي الْمَالِ وَالْأَسْرَى لِعَمَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَهْلِ مَكَّةَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ يَقَعُ مِنْهَا التَّأْوِيلُ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَةَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ وَخَبَرَ الْمِقْدَادِ فَقَالَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُضْمَنُ الْمَقْتُولُ بِقَوَدٍ وَلَا كَفَّارَةٍ وَلَا دِيَةٍ لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ مُتَأَوِّلًا، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ مَثَّلَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ فَالْمُثْلَةُ حَقٌّ لَهُمْ فَلَهُمْ فِعْلُهَا لِلِاسْتِيفَاءِ وَأَخْذِ الثَّأْرِ وَلَهُمْ تَرْكُهَا، وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي التَّمْثِيلِ السَّائِغِ لَهُمْ دُعَاءٌ إلَى الْإِيمَانِ وَحِرْزٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْجِهَادِ وَلَمْ تَكُنْ الْقَضِيَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمُثْلَةُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَالصَّبْرُ هُنَاكَ وَاجِبٌ كَمَا يَجِبُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِصَارُ وَيَحْرُمُ الْجَزَعُ انْتَهَى.
[بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَأَحْكَامِهَا]
لَمْ يَنُصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ وَلَا عَلَى عَدَمِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَحْكَامٍ أَخَذَ مِنْهَا ذَلِكَ فَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا مِلْكًا مُقَيَّدًا لَا يُسَاوِي مِلْكَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِذَا أَسْلَمُوا وَفِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ لَهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ كُلَّ مَا قَبَضَهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْأَمْوَالِ قَبْضًا يَعْتَقِدُونَ جَوَازَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ لَهُمْ بِالْإِسْلَامِ كَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَنْكِحَةِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا بَاعَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ قَسَمَهُ وَقُلْنَا لَمْ يَمْلِكُوهُ ثُمَّ عُرِفَ رَبُّهُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي مَجَّانًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْإِمَامِ بِحَقٍّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَيُشْبِهُ هَذَا مَا يَبِيعُهُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ مُودَعًا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ مَرْهُونًا، وَكَذَا الْقَبْضُ، وَالْقَبْضُ مِنْهُ وَاجِبٌ وَمِنْهُ مُبَاحٌ، وَكَذَلِكَ صَرْفُهُ، مِنْهُ وَاجِبٌ، وَمِنْهُ مُبَاحٌ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَكُلُّ مَا قُلْنَا قَدْ مَلَكُوهُ مَا عَدَا أُمَّ الْوَلَدِ فَإِذَا اغْتَنَمْنَاهُ وَعَرَفَهُ رَبُّهُ قَبْلَ قِسْمَتِهِ رُدَّ إلَيْهِ إنْ شَاءَ وَإِلَّا بَقِيَ غَنِيمَةً.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: يَظْهَرُ الْفَرْقُ إذَا قُلْنَا قَدْ مَلَكُوهُ يَكُونُ الرَّدُّ ابْتِدَاءَ مِلْكٍ وَإِلَّا كَانَ كَالْمَغْصُوبِ، وَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءَ مِلْكٍ فَلَا يَمْلِكُهُ رَبُّهُ إلَّا بِالْأَخْذِ فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا قَالَ وَإِلَّا بَقِيَ غَنِيمَةً وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْغَانِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَلْ يَمْلِكُونَهَا بِالظُّهُورِ أَوْ بِالْقِيمَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِمَا مَنْ تَرَكَ حَقَّهُ صَارَ غَنِيمَةً وَمِثْلُهُ لَوْ تَرَكَ الْعَامِلُ حَقَّهُ فِي الْمُضَارَبَةِ أَوْ تَرَكَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ حَقَّهُ أَوْ أَحَدُ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمُعَيَّنِ حَقَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ إجَازَةُ الْوَرَثَةِ وَمِثْلُهُ عَفْوُ الْمَرْأَةِ أَوْ الزَّوْجِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ رَبُّهُ بِعَيْنِهِ قَسَمَ ثَمَنَهُ وَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُسْلِمِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ فَهَلْ يَكُونُ كَاللُّقَطَةِ أَوْ كَالْخُمُسِ وَالْفَيْءِ وَاحِدًا أَوْ يَصِيرُ مَصْرِفًا فِي
الْمَصَالِحِ
، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِهِ وَلَيْسَ لِلْغَانِمِينَ إعْطَاءُ أَهْلِ الْخُمُسِ قَدْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْغَنِيمَةِ، وَتَحْرِيقُ رِجْلِ الْغَالِّ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ لَا الْحَدِّ الْوَاجِبِ فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِيهِ بِحَسَبِ
الْمَصْلَحَةِ
وَمِنْ الْعُقُوبَةِ الْمَالِيَّةِ حِرْمَانُهُ عليه السلام السَّلْبَ لِلْمَدَدِيِّ لَمَّا كَانَ فِي أَخْذِهِ عُدْوَانًا عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ.
وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ وَقُلْنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةٍ هَلْ تُبَاحُ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ أَخْذِهِ وَيُقَالُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا حَكَمَ بِإِبَاحَةِ شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ الْمَحْكُومُ لَهُ حَرَامًا.
وَقَدْ يُقَالُ يَجُوزُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا لَا بِالتَّفَرُّقِ وَإِنَّا فِي تَصَرُّفَاتِ السُّلْطَانِ بَيْنَ الْجَوَازِ وَبَيْنَ النُّفُوذِ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ وَقَسْمُهُ وَحُكْمُهُ لَمَا أَمْكَنَ إزَالَةُ هَذَا الْفَسَادِ إلَّا بِأَشَدَّ فَسَادًا مِنْهُ فَيَنْفُذُ دَفْعًا لِاحْتِمَالِهِ وَلِمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ فِي الْوَفَاءِ.
وَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ يُبَاحُ الْأَخْذُ مُطْلَقًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَظْلِمَ غَيْرَهُ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمَأْخُوذَ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَالتَّحْرِيمُ فِي الزِّيَادَةِ أَقْرَبُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَالْحِلُّ أَقْرَبُ.
وَلَوْ تَرَكَ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ وَتَرَكَ هَذَا الْقَوْلَ وَسَكَتَ سُكُوتَ الْإِذْنِ فِي الِانْتِهَابِ وَأَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ إذْنٌ، فَإِنَّ الْإِذْنَ مِنْهُ تَارَةً يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَتَارَةً بِالْفِعْلِ، وَتَارَةً بِالْإِقْرَارِ عَلَى ذَلِكَ. فَالثَّلَاثُ فِي هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ كَمَا فِي إبَاحَةِ الْمَالِكِ فِي أَكْلِ طَعَامِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ لَوْ عَرَفَ أَنَّهُ رَاضٍ بِذَلِكَ فِيمَا يَرَوْنَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ قَوْلٌ ظَاهِرٌ أَوْ فِعْلٌ ظَاهِرٌ أَوْ إقْرَارٌ، فَالرِّضَا مِنْهُ بِتَغْيِيرِ إذْنِهِ بِمَنْزِلَةِ إذْنِهِ الدَّالِّ