الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَضَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لِلضَّرُورَةِ وَمَا وَجَبَ لِلضَّرُورَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ مِثْلَهُ بِالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ أَبَدًا ثُمَّ جَهِلَهُ أَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِصِيَامِ الْأُسْبُوعِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: بَلْ يَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا أَيَّ يَوْمٍ كَانَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ إلَّا بِتَعَيُّنِ النِّيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالتَّعْيِينُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ إلَى كَفَّارَةٍ أَوْ إلَى غَيْرِ كَفَّارَةٍ كَالتَّعْيِينِ فِي رَمَضَانَ، وَالْوَاجِبَاتُ غَيْرُ الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ أَيْضًا. قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنْ تَرَكَ الْمَشْيَ وَرَكِبَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعَنْهُ دَمٌ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَمَّا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَالْمُتَوَجَّهُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ التَّتَابُعَ فِي الصَّوْمِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ التَّتَابُعُ أَوْ يَتَخَرَّجُ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُبْدَلِ وَلَوْ نَذَرَ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ طَافَ طَوَافَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ ذَبْحُ وَلَدِي أَوْ مَعْصِيَةٌ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوُهُ وَقَصَدَ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ وَإِلَّا فَنَذْرُ مَعْصِيَةٍ فَيَذْبَحُ فِي مَسْأَلَةِ الذَّبْحِ كَبْشًا وَلَوْ فَعَلَ الْمَعْصِيَةَ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ فِي الْيَمِينِ. وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَيُخَرَّجُ رِوَايَةٌ عَنْهُ مِنْ تَعْجِيلِ الْعَارِيَّةِ وَالصُّلْحِ عَنْ عِوَضِ الْمُتْلَفِ بِمُؤَجَّلٍ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَهَبَ بَرَّ بِالْإِيجَابِ لِيَمِينِهِ وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ. انْتَهَى.
[بَابُ الْقَضَاءِ]
ِ وَقَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ
تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ فَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ. وَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُهُ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ دِينًا وَقُرْبَةً فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ الْأَكْثَرِ لِطَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالْمَالِ بِهَا وَمَنْ فَعَلَ مَا يُمْكِنُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ وَمَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُتَوَلِّي بِالْوِلَايَةِ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا بَلْ يَتَلَقَّى مِنْ اللَّفْظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا بِالْهَوَى وَبِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُوجِبِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعًا وَالْوِلَايَةُ لَهَا رُكْنَانِ الْقُوَّةُ وَالْأَمَانَةُ فَالْقُوَّةُ فِي الْحُكْمِ تَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ بِالْعَدْلِ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ وَالْأَمَانَةُ تَرْجِعُ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ وَرِعًا. وَالْحَاكِمُ فِيهِ صِفَاتٌ ثَلَاثٌ فَمِنْ جِهَةِ الْإِثْبَاتِ هُوَ شَاهِدٌ وَمِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُوَ صِفَةٌ وَمِنْ جِهَةِ الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ هُوَ ذُو سُلْطَانٍ وَأَقَلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ صِفَاتُ الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْكُمَ بِعَدْلٍ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِفْتَاءُ إلَّا مِمَّنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ وَشُرُوطُ الْقَضَاءِ تُعْتَبَرُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ وَيَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَيُوَلِّي لِعَدَمِهِ أَنْفَعَ الْفَاسِقِينَ وَأَقَلَّهُمَا شَرًّا وَأَعْدَلَ الْمُقَلَّدِينَ وَأَعْرَفَهُمَا بِالتَّقْلِيدِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَالْآخَرُ أَوْرَعَ قُدِّمَ فِيمَا قَدْ يَظْهَرُ حُكْمُهُ وَيُخَافُ الْهَوَى فِيهِ الْأَوْرَعُ وَفِيمَا نَدَرَ حُكْمُهُ وَيُخَافُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ الْأَعْلَمُ.
وَأَكْثَرُ مَنْ يُمَيِّزُ فِي الْعِلْمِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِينَ إذَا نَظَرَ وَتَأَمَّلَ أَدِلَّةَ الْفَرِيقَيْنِ بِقَصْدٍ حَسَنٍ وَنَظَرٍ تَامٍّ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا لَكِنْ قَدْ لَا يَثِقُ بِنَظَرِهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لَا يَعْرِفُ جَوَابَهُ فَالْوَاجِبُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مُوَافَقَتُهُ لِلْقَوْلِ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُ بِلَا دَعْوَى مِنْهُ لِلِاجْتِهَادِ كَالْمُجْتَهِدِ فِي أَعْيَانِ الْمُفْتِينَ وَالْأَئِمَّةِ إذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا قَلَّدَهُ وَالدَّلِيلُ الْخَاصُّ الَّذِي يُرَجَّحُ بِهِ قَوْلٌ عَلَى قَوْلٍ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ دَلِيلٍ عَامٍّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَمُ وَأَدْيَنُ وَعِلْمُ النَّاسِ بِتَرْجِيحِ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ أَيْسَرُ مِنْ عِلْمِ أَحَدِهِمْ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَمُ وَأَدْيَنُ لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَلَا بُدَّ وَيَجِبُ أَنْ يُنَصِّبَ عَلَى الْحُكْمِ دَلِيلًا وَأَدِلَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَتَكَلَّمَ الصَّحَابَةُ فِيهَا وَإِلَى الْيَوْمِ بِقَصْدٍ حَسَنٍ بِخِلَافِ الْإِمَامِيَّةِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: النَّبِيهُ الَّذِي سَمِعَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ وَأَدَاءَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ وَعِنْدَهُ مَا يُعْرَفُ بِهِ رُجْحَانُ الْقَوْلِ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَبْتَدِئَ النَّاسَ بِقَهْرِهِمْ عَلَى تَرْكِ مَا يَشْرَعُ وَإِلْزَامِهِمْ بِرَأْيِهِ اتِّفَاقًا وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ لِغَيْرِهِ مِثْلُهُ وَأَفْضَى إلَى التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ وَفِي لُزُومِ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعِ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَفِي الْقَوْلِ بِلُزُومِ طَاعَةِ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَجَوَازُهُ فِيهِ مَا فِيهِ.
وَمَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إمَامٍ بِعَيْنِهِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ قَالَ يَنْبَغِي كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِإِمَامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْلَمَ وَأَتْقَى فَقَدْ أَحْسَنَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ.
وَكَرِهَ الْعُلَمَاءُ الْأَخْذَ بِالرُّخَصِ وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ مَعَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ اتِّفَاقًا وَقَبْلَهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَوْ يَعْجِزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ وَالْعَجْزُ قَدْ يَعْنِي بِهِ الْعَجْزَ الْحَقِيقِيَّ وَقَدْ يَعْنِي بِهِ الْمَشَقَّةَ الْعَظِيمَةَ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ.
وَالْقَضَاءُ نَوْعَانِ إخْبَارٌ هُوَ إظْهَارٌ وَإِبْدَاءٌ؛ وَأَمْرٌ هُوَ إنْشَاءٌ وَابْتِدَاءٌ.
فَالْخَبَرُ ثَبَتَ عِنْدِي وَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُهُ عَنْ حِكْمَةٍ وَعَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَعَنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ. وَالْآخَرُ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْحُكْمِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِبَاحَةٌ وَيَحْصُلُ بِقَوْلِهِ: أَعْطِهِ وَلَا تُكَلِّمْهُ أَوْ الْزَمْهُ وَبِقَوْلِهِ حَكَمْت وَأَلْزَمْت.
قَالَ الْحَاكِمُ: ثَبَتَ عِنْدِي بِشَهَادَتِهِمَا فَهَذَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَفِعْلُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَالْوَكَالَةُ يَصِحُّ قَبُولُهَا عَلَى الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْوِلَايَةِ نَوْعٌ مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ إذَا اسْتَأْذَنَ امْرَأَةً فِي غَيْرِ عَمَلِهِ لِيُزَوِّجَهَا فَأَذِنَتْ لَهُ فَزَوَّجَهَا فِي عَمَلِهِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ إذْنَهَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ وَحُكْمُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ لَا يَنْفُذُ، فَإِنْ قَالَتْ إذَا حَصَلْت فِي عَمَلِك فَقَدْ أَذِنْت لَك فَزَوَّجَهَا فِي عَمَلِهِ صَحَّ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ وَمَنْ شَرَطَ جَوَازَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ فِي عَمَلِهِ حِينَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي عَمَلِهِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقُولَ زَوِّجْنِي إذَا صِرْت فِي عَمَلِك أَوْ إذَا صِرْت فِي عَمَلِك فَزَوِّجْنِي لِأَنَّ تَقْيِيدَ الْوَكَالَةِ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ تَعْلِيقِهَا نَعَمْ لَوْ قَالَتْ زَوِّجْنِي الْآنَ أَوْ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ إذْنِهَا فَهُنَا أَذِنَتْ لِغَيْرِ قَاضٍ وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ إنْ وَلَّاهُمَا فِيهِ عَمَلًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: تَوْلِيَةُ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ بِحَيْثُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ كَالْوَصِيَّيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ وَإِمَّا عَلَى طَرِيقِ الِانْفِرَادِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ هُوَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ إذَا كَانَ فَوْقَهُمَا مِنْ يَرُدُّ مَوَاضِعَ تَنَازُعِهِمَا وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ.
وَتَثْبُتُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ بِالْأَخْبَارِ وَقِصَّةُ وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَكَذَا كَانَتْ. وَإِذَا اسْتَنَابَ الْحَاكِمُ فِي الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ لِكَوْنِهِ أَرْجَحَ فَقَدْ
أَحْسَنَ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الِاسْتِنَابَةُ.
وَإِذَا حَكَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ خَصْمَهُ جَازَ لِقِصَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَذَا مُفْتٍ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ وَهَلْ يَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى تَعْيِينِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ حُضُورِهِمَا أَوْ يَكْفِي وَصْفُ الْقِصَّةِ لَهُ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ بَلْ إذَا تَرَاضَيَا بِقَوْلِهِ فِي قَضِيَّةٍ مَوْصُوفَةٍ مُطَابِقَةٍ لِقَضِيَّتِهِمْ فَقَدْ لَزِمَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الِامْتِنَاعَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ لَمْ يَمْلِكْ الِامْتِنَاعَ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَشْعَرَ بِالْغَلَبَةِ امْتَنَعَ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ.
قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَعَلَى أَنَّ الْحُدُودَ تَدْخُلُ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ فَمَنْ لَا يَصْلُحُ لِبَعْضِ مَا تَتَضَمَّنُهُ الْوِلَايَةُ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا تَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ لَهُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِي تَزْوِيجِ الدُّهْقَانِ وَتَزْوِيجِ الْوَالِي صَاحِبَ الْحَسِيرِ يُخَالِفُ هَذَا وَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا فِي وِلَايَتِهِ فَإِنَّ مَنْصِبَ الِاجْتِهَادِ يَنْقَسِمُ حَتَّى لَوْ وَلَّاهُ فِي الْمَوَارِيثِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْرِفَ إلَّا الْفَرَائِضَ وَالْوَصَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَإِنْ وَلَّاهُ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَفَسْخَهَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْرِفَ إلَّا ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَقُضَاةُ الْأَطْرَافِ يَجُوزُ أَنْ لَا يَقْضِيَ فِي الْأُمُورِ الْكِبَارِ وَالدِّمَاءِ وَالْقَضَايَا الْمُشْكِلَةِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ اقْضِ فِيمَا تَعْلَمُ كَمَا يَقُولُ لَهُ أَفْتِ فِيمَا تَعْلَمُ جَازَ وَيَبْقَى مَا لَا يَعْلَمُ خَارِجًا عَنْ وِلَايَتِهِ كَمَا يَقُولُ فِي الْحَاكِمِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى حُكْمِهِ الْكُفَّارُ وَفِي الْحَاكِمِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ
وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا اشْتَرَطْت هَذِهِ الصِّفَاتِ فِيمَنْ يُوَلَّى لَا فِيمَنْ يَحْكُمُهُ الْخَصْمَانِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَذِكْرُهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ قَالَ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ إذَا تَحَاكَمَا بِهِ وَرَضِيَا بِهِ جَازَ حُكْمُهُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا الْوَجْهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَمَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إذْ لَا يَعُوزُهُ إلَّا مَعْرِفَةُ عَيْنِ الْخَصْمِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ يَقْضِي عَلَى مَوْصُوفٍ كَمَا قَضَى دَاوُد بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَصِحَّ مُطْلَقًا وَيُعْرَفُ بِأَعْيَانِ الشُّهُودِ وَالْخُصُومِ كَمَا يُعْرَفُ بِمَعَانِي كَلَامِهِمْ فِي التَّرْجَمَةِ إذْ مَعْرِفَةُ كَلَامِهِ وَعَيْنِهِ سَوَاءٌ وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى غَائِبٍ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَأَصْحَابُنَا قَاسُوا شَهَادَةَ الْأَعْمَى عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ وَأَكْثَرُ مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ عِنْدَ الرِّوَايَةِ، وَالْحُكْمُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الرُّؤْيَةِ بَلْ هَذَا فِي الْحَاكِمِ
أَوْسَعُ مِنْهُ فِي الشَّاهِدِ بِدَلِيلِ التَّرْجَمَةِ وَالتَّعْرِيفِ بِالْحُكْمِ دُونَ الشَّهَادَةِ وَمَا بِهِ يَحْكُمُ أَوْسَعُ مِمَّا بِهِ يَشْهَدُ وَلَا تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ فِي الْحَاكِمِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ قَالَ وَفِي الْمُحَرَّرِ وَفِي الْعَزْلِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ وَجْهَانِ كَالْوَكِيلِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْأَصْوَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ هُنَا وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوِلَايَةِ لِلَّهِ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ وَكِيلٌ وَالنَّسْخُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْعِلْمِ كَمَا قُلْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ إنَّ نَسْخَ الْحُكْمِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْوَكِيلِ ثُبُوتُ الضَّمَانِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْجَهْلَ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّ فِيهِ الْإِثْمَ وَذَلِكَ يُنَافِي الْجَهْلَ كَذَلِكَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ وَجَعْلًا لَهُ كَالْوَصِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاكِمِ شِرَاءُ مَا يَحْتَاجُهُ فِي مَظِنَّةِ الْمُحَابَاةِ وَالِاسْتِغْلَالِ وَالتَّبَدُّلِ، قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ قَاسَهُ الْمُخَالِفُ عَلَى الْوَصِيِّ فِي مُبَاشَرَةِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُحَابِي فِي الْعَادَةِ وَالْقَاضِي بِخِلَافِهِ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْبَيْعُ فِي مَجْلِسِ فُتْيَاهُ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَتَفْصِيلٌ، فَإِنَّ الْعَالِمَ فِي هَدِيَّتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ شَبِيهٌ بِالْقَاضِي، وَفِيهِ حِكَايَاتٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْعَالِمُ لَا يَعْتَاضُ عَلَى تَعْلِيمِهِ.
وَالْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ مَنْ يَصْلُحُ وَمَنْ لَا يَصْلُحُ وَالْمَجْهُولُ فَلَا يُرَدُّ مِنْ أَحْكَامِ مِنْ يَصْلُحُ إلَّا مَا عُلِمَ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَا يَنْفُذُ مِنْ أَحْكَامِ مِنْ لَا يَصْلُحُ إلَّا مَا عُلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ تَوْلِيَتُهُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَيُنْظَرُ فِيمَنْ وَلَّاهُ، وَإِنْ كَانَ يُوَلِّي هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً نَفَذَ مَا كَانَ حَقًّا وَرُدَّ الْبَاطِلُ، وَالْبَاقِي مَوْقُوفٌ، وَبَيِّنٌ لَا يَصْلُحُ إذًا لِلضَّرُورَةِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ لَا يَصْلُحُ تُنْقَضُ جَمِيعُ أَحْكَامِهِ هَلْ تُرَدُّ أَحْكَامُ هَذَا كُلُّهَا أَمْ يُرَدُّ مَا لَمْ يَكُنْ صَوَابًا. وَالثَّانِي الْمُخْتَارُ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ.
وَالثَّانِيَةُ: هَلْ تَنْفُذُ الْمُجْتَهِدَاتُ مِنْ أَحْكَامِهِ أَمْ يَتَعَقَّبُهَا الْعَالِمُ الْعَادِلُ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ. وَإِنْ أَمْكَنَ الْقَاضِي أَنْ يُرْسِلَ إلَى الْغَائِبِ رَسُولًا وَيَكْتُبَ إلَيْهِ الْكِتَابَ وَالدَّعْوَى وَيُجَابَ عَنْ الدَّعْوَى بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ
بِمُكَاتَبَةِ الْيَهُودِ لَمَّا ادَّعَى الْأَنْصَارِيُّ، عَلَيْهِمْ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ وَكَاتِبِهِمْ وَلَمْ يُحْضِرُوهُ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي