الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَافِرُ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ تَبِعَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِذَا كَانَ تَحْتَ الصَّغِيرِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَقَالَ الْقَاضِي لَيْسَ لِوَلِيِّهِ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الشَّهْوَةِ وَالْإِرَادَةِ ثُمَّ قَالَ فِي " الْجَامِعِ ": يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَخْتَارَ وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَ سِنِينَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ حَتَّى يُرَاهِقَ وَيَبْلُغَ أَرْبَعَةَ عَشْرَ سَنَةً.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْوَقْفُ هُنَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْفَسْخَ وَاجِبٌ فَيَقُومُ الْوَلِيُّ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ، كَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَعْيِينِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا. أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ وَلَيْسَ طَلَاقُ إحْدَاهُنَّ اخْتِيَارًا لَهَا فِي الْأَصَحِّ.
[بَابُ الصَّدَاقِ]
وَلَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الصَّدَاقِ عَلَى الْحَرِيرِ وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ فَيُسْتَحَبُّ بُلُوغُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ.
وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يَكُونُ بُلُوغُهُ مُبَاحًا وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ يُكْرَهُ جَعْلُ الصَّدَاقِ دَيْنًا سَوَاءٌ كَانَ مُؤَخَّرَ الْوَفَاءِ وَهُوَ حَالٌّ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَكَانَ مُتَوَجِّهًا لِحَدِيثِ الْوَاهِبَةِ وَالصَّدَاقُ الْمُقَدَّمُ إذَا كَثُرَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ مِنْ مَعْنَى الْمُبَاهَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ كُرِهَ بَلْ يَحْرُمُ إذَا لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِمَسْأَلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْوُجُوهِ الْمُحَرَّمَةِ فَأَمَّا إنْ كَثُرَ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ هَذَا كُلُّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِشَغْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِنِيَّةِ أَنْ يُعْطِيَهَا صَدَاقًا مُحَرَّمًا أَوْ لَا يُوفِيَهَا الصَّدَاقَ أَنَّ الْفَرْجَ لَا يَحِلُّ لَهُ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ الْفَرْجَ بِمَالِهِ فَلَوْ تَابَ مِنْ هَذِهِ النِّيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا يَعْنِي بِحُرْمَةٍ وَالْمَرْأَةُ لَا تُحَرِّرُ مُحَرَّمًا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ كُلُّ مَا صَحَّ عِوَضًا فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ صَحَّ مَهْرًا إلَّا مَنَافِعَ الزَّوْجِ الْحُرِّ الْمُقَدَّرَةِ بِالزَّمَانِ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَأَمَّا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي مَنَافِعِ
الْحُرِّ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِزَوْجٍ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ.
وَأَمَّا أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُقْنِعِ فَلَفْظُهُمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ فَاعْتَبَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الْقَيْدَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ وَالْحُرِّيَّةَ وَلَعَلَّ مَأْخَذَ الْمَنْعِ أَنَّهَا لَيْسَ بِمَالٍ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَسَلَّمَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَمْنَعْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ هِيَ مَالٌ وَتَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي تَعْلِيلِ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْآخَرِ فَكَأَنَّهُ يَقْضِي إلَى تَنَافِي الْأَحْكَامِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ عَبْدَهَا وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَيَنْبَغِي إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِغَيْرِهَا أَنْ تَصِحَّ وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ قِصَّةُ شُعَيْبٍ وَمُوجِبُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَأْجِرُ زَوْجَهَا إجَارَةً مُعَيَّنَةً مُقَدَّرَةً بِالزَّمَانِ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَجِيرَيْنِ لَا يَسْتَأْجِرُ الْآخَرَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ مُخْتَصًّا بِمَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ خَاصَّةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِهْنَةِ وَالْمُنَاجَاةِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْمَنَافِعُ صَدَاقًا فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمَشْرُوطَةِ إلَّا إذَا عَلِمَا أَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ لَا تَكُونُ صَدَاقًا فَيُشْبِهُ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَالًا مَغْصُوبًا فِي أَنَّ الْوَاجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا أَوْ يُعَلِّمَ غُلَامَهَا صَنْعَةً صَحَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الْمُعَلَّمُ أَخَاهَا أَوْ ابْنَهَا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَرْأَةِ مَا أَصْدَقَهَا لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ لَازِمًا وَلَوْ أُعْطِيت بَدَلَهُ كَالْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا أَلْزَمَ الشَّارِعُ بِهِ أَوْ الْتَزَمَهُ الْمُكَلَّفُ وَمَا خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ.
فَإِذَا نُقِلَ بِامْتِنَاعِ الْعَقْدِ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَمْلِكَ الْمَرْأَةُ الْفَسْخَ فَإِذَا أَصْدَقَهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا وَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ ثَبَتَ لِلزَّوْجَةِ فَسْخُ النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِطُ بِبُطْلَانِهِ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ لَازِمًا بَلْ إنْ رَضِيَ بِدُونِ الشَّرْطِ وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا عَبْدَ زَيْدٍ فَامْتَنَعَ زَيْدٌ مِنْ بَيْعِهِ فَأَعْطَاهَا قِيمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهُ زَيْدٌ الْعَبْدَ فَهَلْ لَهَا رَدُّ الْبَدَلِ وَأَخْذُ الْعَبْدِ، تَرَدَّدَ فِيهِ أَبُو الْعَبَّاسِ وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ تَعْتِقَهُ.
فَقِيَاسُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ كَالْبَيْعِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي أَصْنَافِ سَائِرِ الْمَالِ كَالْعَبْدِ وَالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهِمَا أَنَّهُ إذَا أَصْدَقَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى مُسَمَّى ذَلِكَ اللَّفْظِ فِي عُرْفِهَا كَمَا نَقُولُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ غَالِبًا أَخَذَ بِهِ كَالْبَيْعِ أَوْ كَانَ مِنْ عَادَتِهَا اقْتِنَاؤُهُ أَوْ لِبْسُهُ فَهُوَ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ.
وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ، وَالنَّسَائِيُّ: أَنَّهُ إذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَهَا الْوَسَطُ عَلَى قَدْرِ مَا يَخْدُمُهَا وَنَقْلُهَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْخَادِمَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ مَا يُنَاسِبُهَا. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي الْخُلْعِ وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ لَوْ قِيلَ يَجِبُ مَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ وَمَا يَجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ لَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقِيَاسِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِيمَانُ.
أَطْلَقَ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ تَفَاوُتِهَا فِي الْحَضَرِ وَمَفْهُومُهَا أَنَّ الْبَدَوِيَّةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَهَذَا أَشْبَهُ لِأَنَّ بُيُوتَ الْبَادِيَةِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْخَادِمِ بِخِلَافِ الْحَضَرِ فَإِنَّ بُيُوتَهُمْ تَخْتَلِفُ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً اخْتِلَافًا مُتَفَاوِتًا.
وَلَوْ عَلَّمَ السُّورَةَ أَوْ الْقَصِيدَةَ غَيْرُ الزَّوْجِ يَنْوِي بِالتَّعْلِيمِ أَنَّهُ عَنْ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَ الزَّوْجَةَ فَهَلْ يَقَعُ عَنْ الزَّوْجِ فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا لَا يُجْبَرُ الْغَرِيمُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى نِيَّتِهِ إذْ لَمْ يُظْهِرْهَا لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِيفَاءَ شُرِطَ بِالرِّضَا وَالْغَرِيمُ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَرْضَ أَنَّهُ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ وَإِنْ قُلْنَا يُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ الْغَرِيمِ فَيُتَوَجَّهَ أَنْ يُؤَثِّرَ مُجَرَّدُ دَيْنِهِ الْمُوَفَّى وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ مُقَدَّمًا وَمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ صَحَّ وَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِالْمُؤَجَّلَةِ إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةٍ.
وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَاخْتَارَهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ جَاءَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى عَاجِلٍ وَآجِلٍ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَقَدَّمَتْهُ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ دُلَّنَا عَلَى مَيْسَرَةٍ فَآخُذُهُ لَك وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ جَهَالَةِ الْفُرْقَةِ وَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ هَذَا الشَّرْطُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَوْ قِيلَ بِصِحَّتِهِ فِي جَمِيعِ الْآجَالِ لَكَانَ مُتَّجَهًا صَرَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الصَّدَاقَ كَانَ حَالًّا. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: إنْ كَانَ الْفَرْقُ جَارِيًا بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَكُونُ مُؤَجَّلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا يَعْرِفُونَهُ وَلَوْ كَانُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ لَفْظِ الْمَهْرِ وَالصَّدَاقِ
فَالْمَهْرُ عِنْدَهُمْ مَا يُعَجَّلُ وَالصَّدَاقُ مَا يُؤَجَّلُ كَانَ حُكْمُهُمْ عَلَى مُقْتَضَى عُرْفِهِمْ وَلَوْ امْرَأَةً اتَّفَقَ مَعَهَا عَلَى صَدَاقٍ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَنَّهُ يَظْهَرُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا بِقَبْضِ عَشَرَةٍ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَغْدِرَ بِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ الرَّجُلِ عَلَى وُجُودِ الْقَبْضِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ بِالْقَبْضِ فِي مِثْلِ هَذَا يَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ تَبْقَى مَعَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى وَتَتَوَجَّهُ صِحَّتُهُ بَلْ هُوَ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِنَا كَمَا لَوْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمِ، أَوْ أَكْرَاهُ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ بِمُدَّةِ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ تَأْجِيلِهِ بِمُدَّةِ النِّكَاحِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَهَالَةِ الْقَدْرِ وَجَهَالَةِ الْأَجَلِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ ثَوْبًا صَحَّ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنْفَعَةِ دَارِهِ أَوْ عَبْدِهِ مَا دَامَتْ زَوْجَتُهُ وَفِيهَا قَدْ تَبْطُلُ الْمَنْفَعَةُ قَبْلَ زَوَالِ النِّكَاحِ فَإِنْ شَرَطَ لَهَا مَثَلًا إذَا تَلِفَتْ فَهُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَوْ قِيلَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَبَرَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِالصَّدَاقِ ثُمَّ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَهُوَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ.
وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْفُسُوخِ لَمْ يَبْعُدْ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ بِمُعَاوَضَةٍ وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ تَكَرَّرَ، وَقَالَتْ بَلْ هُوَ عَقْدَانِ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَهَا الْمَهْرَانِ هَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْجَدِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ عَلَى الْمَهْرِ الثَّانِي وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا نِصْفَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ وَلَمْ يَثْبُتْ بَيِّنَةٌ وَلَا إقْرَارٌ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ أَنْكَرَ الدُّخُولَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي وُجُودِ الدُّخُولِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَكَذَا يَحِقُّ فِي كُلِّ صُورَةٍ ادَّعَتْ عَلَيْهِ صَدَاقًا فِي نِكَاحٍ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَقَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَوَقَعَ مِنْهُ الطَّلَاقُ هَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ ادِّعَائِهِ الْمُسْقِطَ وَعَدَمِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَمَأْخَذُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا تَبَيَّنَ بِالْعَقْدِ وَحَصَلَتْ الْفُرْقَةُ فَهَلْ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَدَّعِ عَدَمَ الدُّخُولِ وَلَوْ صَالَحَتْ عَنْ صَدَاقِهَا الْمُسَمَّى بِأَقَلَّ جَازَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِبَعْضِ حَقِّهَا وَلَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ الْفَضْلُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِبًا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى حَقِّهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَصَحَّحْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ
بِأَقَلَّ مِنْهُ وَأَكْثَرَ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ هَلْ يَفْتَقِرُ لُزُومُهَا إلَى قَبُولِ الزَّوْجَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَإِتْيَانِهِ الْفَرْضَ بَعْدَ الْفَرْضِ فَلَوْ فَرَضَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَهَلْ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ فَرْضِهِ كَلَامُ أَحْمَدَ زَادَهَا فِي مَهْرِهَا مُطْلَقٌ لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَبِلَتْهَا أَمْ لَا.
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُغَيِّرَ الْمَهْرَ مِثْلُ تَبْدِيلِ نَقْدٍ بِنَقْدٍ، أَوْ تَأْجِيلِ الْحَالِّ أَوْ إحْلَالِ الْمُؤَجَّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُوجِبُ تَعْلِيلِ أَصْحَابِنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ تَبْدِيلَ فَرْضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَغْيِيرٌ لِذَلِكَ الْفَرْضِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ كَلَامُهُمْ صِحَّتَهُ أَيْضًا لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَقَدْ كَتَبْت عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا أَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهَا تَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ إذَا زَالَ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا وَهَبَهُ لَهَا سَبَبُهُ النِّكَاحُ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إذَا زَالَ النِّكَاحُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ.
وَهَذَا الْمَنْصُوصُ جَارٍ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ الْمُوَافِقَةِ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُهْدِيَ أَوْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ بِسَبَبٍ يَثْبُتُ بِثُبُوتِهِ وَيَزُولُ بِزَوَالِهِ وَيَحْرُمُ بِحُرْمَتِهِ وَيَحِلُّ بِحِلِّهِ حَيْثُ جَازَ فِي تَوَلِّي الْهَدِيَّةِ مِثْلُ مَنْ أَهْدَى لَهُ لِلْفَرْضِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ بَدَلِ الْفَرْضِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ أَهْدَى لَهُ لِوِلَايَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْإِمَامِ وَأَمِيرِ الْجَيْشِ وَسَاعِي الصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكِ وَلَوْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَدْ وَعَدُوهُ بِالنِّكَاحِ فَزَوَّجُوا غَيْرَهُ رَجَعَ بِهَا. وَالنَّقْدُ الْمُقَدَّمُ مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ فِي الصَّدَاقِ إذَا تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَيُطَالِبُ بِنِصْفِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ الْمُقَدَّمِ إلَّا أَنْ يُفْتُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا وَيَكُونُ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا قَالَ الْقَاضِي هِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ وَتَابَعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيُتَوَجَّهُ صِحَّةُ السَّلَفِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَمَا يَصِحُّ فِي الْعِتْقِ، وَيَصِيرُ الْعِتْقُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمُسْلِفِ إنْ فَعَلَهُ وَإِلَّا قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِي تَوْفِيَةِ الْعَقْدِ الْمُسْتَحَقِّ كَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَوْفِيَةِ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَنْفَعَةٌ مِنْ الْمَنَافِعِ فَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ كَالصِّنَاعَاتِ. وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الثَّوَابُ.
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي اشْتِرَاطِ التَّزْوِيجِ عَلَى الْأَمَةِ إذَا أَعْتَقَهَا لُزُومُ
هَذَا الشَّرْطِ قَبِلَتْ أَمْ لَمْ تَقْبَلْ كَاشْتِرَاطِ الْهَدِيَّةِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُعْتِقُ الْجَارِيَةَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا يَقُولُ: قَدْ أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك أَوْ يَقُولُ: قَدْ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك قَالَ: هُوَ جَائِزٌ وَهُوَ سَوَاءٌ أَعْتَقْتُكِ وَتَزَوَّجْتُكِ، وَعَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا كَانَ كَلَامًا وَاحِدًا إذَا تَكَلَّمَ بِهِ وَهُوَ جَائِزٌ.
وَهَذَا نَصٌّ مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَتَزَوَّجْتُك.
وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَصِيرُ زَوْجَةً بِنَفْسِ هَذَا الْكَلَامِ، وَعَلَى قَوْلِ الْأَوَّلَيْنِ إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا ذَكَرُوا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا سَوَاءٌ كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهَا تُعْتَقُ مُجَّانًا وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى بَدَلِ الْعِوَضِ لَا إلَى بَدَلِ الْعِتْقِ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَأَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ إذْ الرَّجُلُ طَابَتْ نَفْسُهُ بِالْعِتْقِ إذَا أَخَذَ هَذَا الْعِوَضَ وَأَخْذُ بَدَلِهِ قَائِمٌ مَقَامَهُ.
وَمَنْ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا أَوْ بِسِوَاهَا أَوْ بِدُونِهِ عَتَقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّهَا اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ تَمْلِيكَ الْبُضْعِ وَهُوَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي النِّكَاحِ وَالْحَظُّ فِي النِّكَاحِ لِلزَّوْجِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَظَّ فِي النِّكَاحِ لِلْمَرْأَةِ، وَلِهَذَا مَلَكَ الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يُجْبِرُوهَا عَلَيْهِ دُونَ الرَّجُلِ وَمَلَكَ الْوَلِيُّ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَلَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهَا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا اشْتَرَطَتْ نَفَقَةً وَمَهْرًا أَوْ اسْتِمْتَاعًا وَهَذَا مَقْصُودٌ كَمَا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا شَرَطَ عَلَيْهَا اسْتِمْتَاعًا تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَأَمَّا إذَا خُيِّرَ بَيْنَ الزَّوَاجِ وَعَدَمِهِ فَيُتَوَجَّهُ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ نَفْسِهِ وَإِذَا بَدَّلَ التَّزْوِيجَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ مُقْتَضَى النِّكَاحِ الْمُطْلَقِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ بِالْمُفَارَقَةِ قِيمَةَ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ هُوَ تَزَوُّجُهُ بِهَا وَلَا قِيمَةَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَيَكُونُ كَمَنْ أَعْتَقَ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يُسَمِّ لَهَا وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا يُعْطِيهَا مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ نِصْفَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ إذَا تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهَذَا الْبَحْثُ يَجْرِي فِيمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ أُخْتَهُ أَوْ يُعْتِقَهَا وَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْ الطَّلَاقَ مَهْرًا.
فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ مَهْرًا بِضِدِّهِ وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ أَجْوَدُ فَإِنَّ الصَّدَاقَ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَدَلٌ عَنْهُ تَعَذُّرُهُ فَلَهُ بَدَلٌ عِنْدَ فَسَادِ تَسْمِيَتِهِ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَلَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فَاسِدٌ لَا بَدَلَ لَهُ فَهُوَ
كَالْخَمْرِ وَكَنِكَاحِ السِّفَاحِ وَإِذَا صَحَّحْنَا إصْدَاقَ الطَّلَاقِ فَمَاتَتْ الضِّرَّةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَقَدْ يُقَالُ حَصَلَ مَقْصُودُهَا مِنْ الْفُرْقَةِ بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ وَفَّى عَنْهُ الْمَهْرَ أَجْنَبِيٌّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّائِلُ لَهُ لِيُخَلِّصَ الْمَرْأَةَ جَازَ لَهُ بَدَلَ عِوَضِهِ سَوَاءٌ كَانَ نِكَاحًا أَوْ مَالًا كَأَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ يَضْرِبُهَا وَيُؤْذِيهَا فَقَالَ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك بِنْتِي فَهَذَا سَلَفٌ فِي النِّكَاحِ، أَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِك فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ إصْدَاقِ الطَّلَاقِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّ الطَّلَاقَ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا الْأَلْفَ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتَك وَهَذَا سَلَفٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ بَاذِلَ الْعِوَضِ لِغَرَضِ ضَرَرِ الْمَرْأَةِ فَهَا هُنَا لَا يَجُوزُ لِلْحَدِيثِ فَعَلَى هَذَا فَلَوْ خَالَعَتْ الضَّرَّةُ عَنْ ضَرَّتِهَا بِمَالٍ أَوْ خَالَعَ أَبُوهَا فَهُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ التَّزْوِيجَ بِالْمَرْأَةِ فَالْأَجْنَبِيُّ يَنْظُرُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ إنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فَلَهُ حُكْمٌ وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً فَلَهُ حُكْمٌ وَإِذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ الطَّلَاقَ فَهَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُجِيبَهُ وَيَأْخُذَ الْعِوَضَ وَهَذَا نَظِيرُ بَيْعِهِ إيَّاهُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَوْ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَمْ يَكُنْ أَبًا لَزِمَ الزَّوْجَ الْمُسَمَّى وَالتَّمَامُ عَلَى الْوَلِيِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ.
وَيَتَحَرَّرُ لِأَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَزْيَدَ رِوَايَاتٌ. إحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ عَلَى الِابْنِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَضْمَنُهُ الْأَبُ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَضْمَنَهُ فَيَكُونَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ ضَمَانًا. الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ أَصَالَةً. الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ الِابْنُ مُقِرًّا فَهُوَ عَلَى الْأَبِ أَصَالَةً. السَّادِسَةُ: الْفَرْقُ بَيْنَ رِضَا الِابْنِ وَعَدَمِ رِضَاهُ وَضَمَانُ الْأَبِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الِابْنِ قَدْ يَكُونُ بِلَفْظِ الضَّمَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِلَفْظٍ آخَرَ. مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الَّذِي لِي لِابْنِي أَوْ أَنَا وَابْنِي شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهَلْ يَتْرُكُ وَالِدٌ وَلَدَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَغُرُّهُمْ حَتَّى يُزَوِّجُوا ابْنَهُ، وَقَدْ يَكُونُ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ وَقَدْ يَذْكُرُ الْأَبُ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ مَلَّكَ ابْنَهُ مَالًا أَوْ يُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ فَيُزَوِّجُوهُ عَلَى ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَعْطَيْته عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ لَهُ
عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ مَالِ الْأَبِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ بُلُوغِ الزَّوْجِ أَوْ قَبْلَ رِضَاهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمَهْرِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ إذَا مَاتَ الْأَبُ الَّذِي عَلَيْهِ مَهْرُ ابْنِهِ فَأَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَالْبَرْزَلِيِّ قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ أَبُو حَفْصٍ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ إلَّا بِالْمَأْخَذَيْنِ جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ قَائِمٌ مَقَامَ ابْنِهِ فَلَوْ ضَمِنَهُ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِهِ صَحَّ فَإِذَا ضَمِنَهُ هُوَ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَمَانًا لَازِمًا لِلِابْنِ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ الْمَالَ فِي ذِمَّتِهِ بِدُونِ ضَمَانِهِ فَضَمَانُهُ وَقَضَاؤُهُ أَوْلَى قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ إذَا ضَمِنَهُ الْأَبُ لَزِمَهُ كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ أَجْنَبِيٌّ وَإِذَا أَقَبَضَهَا إيَّاهُ فَهَلْ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الْأَبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أَصْلُهُمَا ضَمَانُ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: بَلْ يَرْجِعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ ابْنِهِ فِي الْإِذْنِ لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ ضَمِنَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ نَفْسِهِ وَإِذَا وَفَّى الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ لِلْمُسْتَوْفِي أَخْذُهُ لَهُ وَفَاءٌ عَنْ دَيْنِهِ وَبَدَلًا عَنْهُ وَأَمَّا الْمُوَفَّى عَنْهُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعُ عَلَيْهِ ثُمَّ هَلْ يُقَالُ لَوْ انْفَسَخَ يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ أَوْ بَعْضُهُ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفَسْخِ الْبُيُوعِ لِلْمُوَفَّى عَنْهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْ فَيَعُودُ إلَى الْمُوَفَّى. الرَّاجِحُ أَنْ لَا يَجِبَ انْتِقَالُهُ وَيَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ بِالْخَلْوَةِ وَإِنْ مَنَعَتْهُ الْوَطْءَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَقِيلَ لَهُ فَإِنْ أَخَذَهَا وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ وَقَبَضَ عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا قَالَ: إذَا نَالَ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا مَهْرَ بِالْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَى قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ فِيهِ وَالْفَسْخُ لِاعْتِبَارِ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ نَظِيرُ الْفَسْخِ لِعُنَّةٍ بِالزَّوْجِ فَيَتَخَرَّجُ مِنْهُ التَّنْصِيفُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْهُ فِيهِ فَإِنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ لِكَوْنِهَا مَعْذُورَةً فِي الْفَسْخِ وَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ إنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ يَتَقَوَّمُ وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَهُوَ ظَاهِرُ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ.
وَاخْتَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي " الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ": أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةً إلَّا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَالَهُ عُمَرُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا
الْمُتْعَةَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ لَهَا أَيْضًا مَعَ نَفَقَةِ الْعَقْدِ حَيْثُ أَوْجَبْنَاهَا وَتَكُونُ نَفَقَةُ الرَّجْعِيَّةِ مُتَعَيِّنَةً عَنْ مَتَاعٍ آخَرَ بِحَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا كُسْوَتَانِ.
وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَصْرِ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّ الزَّمَانَ إنْ كَانَ زَمَانَ رُخْصٍ رُخِّصَ وَإِنْ زَادَتْ الْمُهُورُ، وَإِنْ كَانَ زَمَنَ غَلَاءٍ وَخَوْفِ نَقْصٍ وَقَدْ تُعْتَبَرُ عَادَةُ الْبَلَدِ وَالْقَبِيلَةِ فِي زِيَادَةِ الْمَهْرِ وَنَقْصِهِ وَيَنْبَغِي أَيْضًا اعْتِبَارُ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ فَإِذَا كَانَ أَبُوهَا مُوسِرًا ثُمَّ افْتَقَرَ أَوْ ذَا صَنْعَةٍ جَيِّدَةٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى دُونِهَا أَوْ كَانَتْ لَهُ رِئَاسَةٌ أَوْ مِلْكٌ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ تِلْكَ الرِّئَاسَةُ وَالْمِلْكُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ مِثْلِ هَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَهْلُهُمَا لَهُمْ عِزٌّ فِي أَوْطَانِهِمْ وَرِئَاسَةٌ فَانْقَلَبُوا إلَى بَلَدٍ لَيْسَ لَهُمْ عِزٌّ فِيهِ وَلَا رِئَاسَةٌ فَإِنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ يُسَمُّونَ مَهْرًا وَلَكِنْ لَا يَسْتَوْفُونَهُ قَطُّ مِثْلُ عَادَةِ أَهْلِ الْجَفَاءِ مِثْلُ الْأَكْرَادِ وَغَيْرِهِمْ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَالشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ كَالْمُقَارِنِ وَالْإِطْرَادُ الْعُرْفِيُّ كَالْمَقْضِيِّ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَقَدْ سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ هَذَا وَقِيلَ لِي مَا مَهْرُ مِثْلِ هَذِهِ فَقُلْت مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الزَّوْجِ فَقَالُوا إنَّمَا يُؤْخَذُ الْمُنْحَلُّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقُلْت هُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا.
وَالْأَبُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ عَفْوَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ بَلْ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَ وَتَعْلِيلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْعَفْوِ بَعْدَ الدُّخُولِ عَنْ الصَّدَاقِ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الدُّيُونِ وَالْأَشْبَهُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ وَلِيُّهَا الْمُطَالَبَةَ لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَا يُطَالِبُ بِهِ إلَّا إذَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّ النِّصْفَ مُسْتَحَقٌّ بِإِزَاءِ الْحَبْسِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْعَقْدِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِإِزَاءِ الدُّخُولِ فَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِبَذْلِهِ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَهْرِ فَالْمُتَوَجَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ جَارِيَةً بِحُصُولِ الْقَبْضِ فِي هَذِهِ الدُّيُونِ أَوْ الْأَعْيَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُوَافِقُ الْعَادَةَ وَهُوَ جَارٍ عَلَى أُصُولِنَا وَأُصُولِ مَالِكٍ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْعَادَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَجَّحُ وَفُرِّقَ بَيْنَ دَلَالَةِ الْحَالِ الْمُطْلَقَةِ الْعَامَّةِ وَبَيْنَ دَلَالَةِ الْحَالِ الْمُقَيَّدَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ فَقِيرَةً ثُمَّ وُجِدَ مَعَهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ هَذَا هُوَ الصَّدَاقُ وَقَالَتْ أَخَذْته مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ تُعَيِّنْ وَلَمْ يَحْدُثْ لَهَا قَبْضُ مِثْلِهِ فَهُوَ نَظِيرُ تَعْلِيمِ السُّورَةِ الْمَشْرُوطَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ، وَنَظِيرُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا وَالْكُسْوَةُ وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا إذَا أَبْدَتْ جِهَةَ