الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الإِعادة.
قال الفقهاء: إن طرح على كتفه حبلاً أو نحوه، فهل يجزئه؟
وظاهر كلام الخرقي: ((إذا كان على عاتقه شيء من اللباس)) لايجزئه، لقوله:((شيء من اللباس)) ، وهذا لا يسمى لباساً، وهو قول القاضي، وصححه ابن قدامة.
قال: ((والصحيح: أنه لايجزئه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدكم في ثوب واحد، فليخالف بين طرفيه على عاتقيه)) ، من الصحاح ورواه أبو داود.
ولأن الأمر بوضعه على العاتقين للستر، ولا يحصل ذلك بوضع خيطٍ، ولا يسمّى
سترة)) (1) .
ومن هذا: تعلم خطأ بعض المصلّين، عندما يصلّون خصوصاً في فصل الصّيف ـ بـ ((الفنيلة)) ذات الحبل اليسير الذي يكون على الكتف. فصلاتهم على هذه الحالة باطلة عند الحنابلة وبعض السّلف، مكروهة عند الجمهور. هذا إذا لم يقع هؤلاء وهم على هذه الحالة في خطأ ((الصّلاة في الثّياب الحازقة التي تصفّ العورة)) أو ((الصّلاة في الثياب الرقيقة الشفّافة)) المبحوثْين سابقاً، والله المستعان لا ربّ غيره.
[8] * الصَّلاة في الثّوب الذي عليه صورة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قام رسول الله يصلّي في خميصةٍ، ذات أعلام، فلما قضى صلاته قال:
(1) المرجع السابق: (1/620) .
اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة، وأتوني بأنْبِجَانيّة، فإنها ألهتني آنفاً في صلاتي (1) .
والأنبجانيّة التي طلبها الرسول صلى الله عليه وسلم، هي كساء غليظ، لاعلم فيه، بخلاف الخميصة التي
ردّها فهي ذات أعلام، ولعل كلمة أعلام أبلغ من الصّور.
قال الطيبي: ((في حديث الأنبجانيّة: إيذان بأن للصّور والأشياء الظاهرة تأثيراً في القلوب الطّاهرة، والنّفوس الزّكيّة، فضلاً عمّا دونها)) (2) .
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان قِرام لعائشة، سترت به جانبَ بيتها، فقال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ((أميطي عنّي، فإنه لا تزال تصاويرُه تَعْرِضُ لي في صلاتي)) (3) .
واستشكل هذا بحديث عائشة الذي فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت
(1) أخرجه: البخاري: كتاب الصّلاة: باب إذا صلّى في ثوب له أعلام: (1/482-483) رقم (373) . ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصّلاة: باب كراهة الصّلاة في ثوبٍ له أعلام: (1/391) رقم (556) .. والنسائي: كتاب الصّلاة: باب الرّخصة في الصّلاة في خميصةٍ لها أعلام: (2/72) وابن ماجة: كتاب اللباس: باب لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم: (2/1176) رقم (3550) .
وأبو عوانة: المسند: (2/24)، ومالك: الموطأ: (1/91 ـ مع تنوير الحوالك)، والبيهقي: السنن الكبرى: (2/423) .
(2)
انظر: ((عمدة القاري)) : (4/94) و ((فتح الباري)) : (1/483) .
(3)
أخرجه: البخاري: كتاب الصّلاة: باب إنْ صلّى في ثوب مصلَّب أوتصاوير هل تفسد صلاته؟ (1/484) رقم (374) وكتاب اللباس: باب كراهية الصّلاة في التصاوير: (10/391) رقم (5959) .
الذي فيه السّتر المصوّر (1) ، وأُجب باحتمال أن تكون التصاوير في حديث عائشة ذات أرواح، وهذا الحديث من غيرها (2) ، وحديث أنس يدلّ بدلالة الأولى على كراهة الصّلاة في الثوب الذي عليه صورة.
ووجه الدلالة: ما قاله القسطلاني: ((وإذا كانت الصّور تلهي المصلّي، وهي مقابلة، فأولى إذا كان لابسها)) (3)، وعلّق العيني على تبويب البخاري:((كراهية الصّلاة في التصاوير)) فقال: ((أي: هذا باب في بيان كراهية الصّلاة في البيت الذي فيه الثياب، التي فيها التصاوير، فإذا كرهت في مثل هذا، فكراهتها وهو لابسها أقوى وأشدّ)) (4) .
وبوّب البخاري على حديث أنس السابق: ((باب إنْ صلَّى في ثوبٍ مُصَلَّبٍ أو تصاويرَ هل تَفْسُدُ صلاتُه؟ وما ينهى عن ذلك)) (5) .
وأفاد ابن حجر والعيني أن معنى قول البخاري ((هل تَفْسُدُ صلاتُه؟)) بأنه استفهام على سبيل الاستفسار، جرى البخاريّ في ذلك على عادته، في ترك القطع في الشيء الذي فيه اختلاف، لأن العلماء اختلفوا في النّهي الوارد في الشيء، فإن كان لمعنى في نفسه، فهو يقتضي الفساد فيه، وإن كان لمعنى في
(1) انظره في: ((صحيح مسلم)) : (3/1669) رقم (96) .
(2)
انظر: ((إرشاد السّاري)) : (8/484) و ((عمدة القاري)) : (22/74) و ((فتح الباري)) : (10/391) .
(3)
إرشاد الساري: (8/484) .
(4)
عمدة القاري: (4/74) .
(5)
صحيح البخاري: (1/484 ـ مع الفتح) .
غيره، فهو يقتضي الكراهة أو الفساد، فيه
خلاف (1) .
ويستفاد مما سبق: أن خلافاً وقع في صلاة مَنْ على ثوبه صورٌ. لم يجزم البخاري ببطلانها، واستفسر بـ ((هل)) عليه، وهذا يدلّ على أنّ قولاً أو وجهاً فبه يقتضي بذلك، ومذهب جمهور الفقهاء الكراهة (2)
، ويدل عليه ما روته السيّدة عائشة قالت: كان لي ثوب، فيه صورة، فكنت أبسطه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي إليه، فقال لي: أخّريه عني، فجعلت منه وسادتين (3) .
(1) انظر: ((عمدة القاري)) : (4/95) و ((فتح الباري)) : (1/484) .
(2)
انظر: ((المغني)) : (1/628) و ((المجموع)) : (3/179ـ 180) و ((روضة الطالبين)) : (1/289) و ((نهاية المحتاج)) : (2/55) و ((الفتاوى الهنديّة)) : (1/107) و ((الفتاوى الخانيّة)) : (1/109) و ((الفقه على المذاهب الأربعة)) : (1/281) .
ونقل ابن حجر في ((الفتح)) : (10/391) أنه لا تكره الصلاة إلى جهة فيها صورة إذا كانت صغيرة!! أو مقطوعة الرّأس.
قلت: صحّ الدّليل على الاستثناء الأخير.
أخرج الإسماعيلي في معجمه عن ابن عباس رفعه: ((الصّورة الرأس، فإذا قُطِع الرّأسُ، فلا صورة)) .
والحديث صحيح. انظر: ((السلسلة الصحيحة)) : رقم (1921) و ((صحيح الجامع الصغير)) : رقم (3864) .
ولكن الصّوْرة التي على ثوب المصلّي، لا يتصوّر قطع رأسها، إلَاّ برسم خط على العنق، لتظهر كأنها مقطوعة الرأس!! وهذا لا يجزىء، بل لابد من إطاحة الرأس في التمثال، ومن مسحه في الصورة المطبوعة على الورق، أو المطرّزة على الثياب.
(3)
أخرجه: مسلم: كتاب اللباس والزّينة: باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم ما اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه: (3/1668) . والنساء: كتاب الزينة: باب التصاوير: (8/213) . والدارمي: السنن: (2/384) .
قال النووي بعد ذكر الحديث: ((وأما الثّوب الذي فيه صور أو صليب أوما يلهي، فتكره الصّلاة فيه وإليه وعليه الحديث)) (1) .
واستكمالاً للفائدة، وإتماماً لهذا المبحث، نتكلم ـ بإيجازٍ ـ عن:
* حكم صلاة حامل الصّور:
سئل الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ عن الخاتم يكون فيه التماثيل، أيلبس ويصلّى به؟ قال: لا يلبس ولا يصلّى به (2) .
وقال البيهوتي: ((ويكره للمصّلي حمله فصّاً فيه صورة أو حمله ثوباً ونحوه كدينار أو درهم فيه صورة)) (3) ، ورخص علماء الحنفيّة في صلاة الرّجل، ومعه دراهم يحملها، وعليها صور.
قال السّمرقندي: ((إذا صلّى الرّجل، ومعه دراهم فيها تماثيل الملك!! فلا بأس به، لأن هذا يقلّ، ويصغر عن البصر)) (4) .
وأحاديث النّهي السّابقة متقاربة المعنى، ووقع التصريح فيها أن النهي عن الصلاة في الصّورة أو إليها، من أجل ((اشتغال القلب بها عن كمال الحضور في الصّلاة، وتدبّر أذكارها وتلاوتها ومقاصدها من الانقياد والخضوع)) (5) وفيها: ((منع
(1) المجموع: (3/180) .
(2)
المدونه الكبرى: (1/91) .
(3)
كشاف القناع: (1/432) .
(4)
عيون المسائل: (2/427) .
(5)
شرح النووي على صحيح مسلم: (5/43 ـ 44) .