الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن إيطان المكان، كإيطان البعير. ولا بأس باتخاذ مكان لا يصلي إلا فيه النفل، للجمع بين الأخبار (1) .
قلت: ويدخل في النهى الإمام أيضاً لعموم النهى، ومنه يعلم خطأ كثير من الأئمة في تخطي رقاب الناس ليصلّوا صلاة السنة في المحراب، ولاسيما القبلية منها. والله اعلم
وحكمه النهى عن ذلك:
أولاً: انه قد يؤدّي إلى الشّهرة والرّياء والسمعة.
ثانياً: فيه الحرمان من تكثير مواضع العبادة، التي تشهد له يوم القيامة.
ثالثاً: لأن العبادة فيه تصير له طبعاً، وتثقل في غيره. والعبادات إذا صارت طبعاً، فسبيلها إلى الترك (2) .
[15] * أخطاء المصلّين في السترة:
عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصلّ إلا إلى سترة، ولا تدع أحداً يمرّ بين يديك، فإن أبى فلتقاتله، فإن معه القرين)) (3)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلّى أحدكم فليصلّ إلي سترة، وليدن منها، ولا يدع أحداً يمر بينه وبينها، فإن جاء أحد يمر فليقاتله، فإنه شيطان)) (4) .
(1) 3 (كشاف القناع: (1/319) .
(2)
4 (فتح القدير: (1/300) والدين الخالص: (3/203)
(3)
1 (أخرجه مسلم في ((الصحيح)) : رقم (260) وابن خزيمة في ((الصحيح)) : رقم (800) واللفظ له والحاكم في ((المستدرك)) : (1/251) والبيهقي في ((السنن الكبري)) : (2/268) .
(4)
2 (أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (1/279) وأبو داود في ((السنن)) : رقم (697) وابن ماجة في ((السنن)) : رقم (954) وابن حبان في ((الصحيح)) : (4/48و49-الإحسان) والبيهقي في ((السنن الكبري)) : (2/267) . وإسناده حسن.
وفي رواية ((فإن الشيطان يمرّ بينه وبينها)) .
وعن سهل ابن أبي حثمة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدكم إلى سترة، فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) (1) .
وفي رواية: ((إذا صلى أحدكم فليستتر، وليقترب من السترة، فإن الشيطان يمرّ بين يديه)) (2) .
قال الشوكاني معلّقاً على حديث أبي سعيد السابق: ((فيه أن اتخاذ السترة واجب)) (3) .
وقال: ((وأكثر الأحاديث مشتملة على الأمر بها، وظاهر الأمر الوجوب، فإن وجد ما يصرف هذه الأوامر عن الوجوب إلى النّدب فذاك، ولا يصلح للصّرف قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يضره ما مر بين يديه)) لأن تجنب المصلّى لما يضرّه في صلاته، ويُذهِبُ بعضَ أجرها، واجب عليه)) (4) .
(1) 3 (أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (1/279) واحمد في ((المسند)) : (4/2) والطيالسي في ((المسند)) رقم (379) والحميدي في المسند: (1/196) وأبو داود في ((السنن)) : رقم (695) والنسائي في ((المجتبي)) : (2/62) وابن خزيمة في ((الصحيح)) : رقم (803) وابن حبان في ((الصحيح)) : (4/49) والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) : (1/458) والطبراني في ((المعجم الكبير)) : (6/119) والحاكم في ((المستدرك)) : (1/251) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) : (2/272) والحديث الصحيح.
(2)
4 (هذا لفظ ابن خزيمة.
(3)
5 (نيل الأوطار: (3/2) .
(4)
6 (السيل الجرار: (1/176) .
ومما يؤكّد وجوبها: أنها سبب شرعي لعدم بطلان الصلاة بمرور المرأة البالغة، والحمار، والكلب الأسود، كما صحّ ذلك في الحديث، ولمنع المارّ من المرور بين يديه. وغير ذلك من الأحكام المرتبطة بالسّترة (1) .
ولهذا حرص السّلف الصالح - رضوان الله عليهم - على السترة في صلاتهم، فجاءت أقوالهم وأفعالهم تترى في الحثّ عليها، والأمر بها، والإنكار على مَنْ لم يصل إليها.
عن قرّة بن إياس قال: رآني عمر، وأنا أُصلي بين اسطوانتين، فأخذ بقفائي فأدناني إلى سترة، فقال: صل إليها (2) .
قال الحافظ ابن حجر: أراد عمر بذلك أن تكون صلاته إلى سترة (3) .
وعن ابن عمر قال: إذا صلى أحدكم، فليصلّ إلى سترة، وليدن منها، كيلا يمر الشيطان أمامه (4) .
وقال ابن مسعود: أربع من الخلفاء: أن يصلي الرّجل إلى غير سترة
…
أو يسمع المنادي ثم
(1) 1 (تمام المنة: (ص 300) .
(2)
2 (أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : (1/577 – مع الفتح) تعليقاً بصيغة الجزم ووصله ابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (2/370) .
(3)
3 (فتح الباري: (1/577) .
(4)
4 (أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (1/279) بسند صحيح.
لا يجيبه (1) .
((فانظر - يا أخي القارىء، هداني الله وإياك - كيف أتت الأوامر من النبي صلى الله عليه وسلم، الذى طاعته طاعة الله عز وجل، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وكيف أمر أصحابُه بما أمر به، حتى إن عمر- رضي الله عنه الخليفة الراشد، الذى هو مَنْ هو، يأتي لصحابي جليل، وهو يصلّي، فيأخذ بقفائه، ليدنيه إلى سترة، يصلي إليها، وانظر إلى ابن مسعود، كيف قرن صلاة الرجل إلى غير سترة مع سماع المؤذّن، ثم لا يجيبه السامع)) (2) .
وعن انس قال: لقد رأيتُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السّواري عند المغرب، حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم (3) .
وفي رواية: وهم كذلك يصلّون الرّكعتين قبل المغرب (4) .
فهذا أنس يحكي عن الصّحابة في الوقت الضّيق، كيف يبتدرون السواري لصلاة الركعتين قبل المغرب.
وعن نافع قال: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلاً إلي سارية من سواري المسجد، قال لي: ولّني ظهرك (5) .
وعنه أيضاً قال:
(1) 5 (أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (2/16) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) : (2/285) وهو صحيح.
(2)
6 (أحكام السترة في مكة وغيرها: (ص 13-14) .. نشر دار ابن القيم بالدمام.
(3)
7 (أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : رقم (503)
(4)
8 (أخرجه البخاري في ((صحيحه)) : رقم (625)
(5)
1 (أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (1/279) بسند صحيح.
كان ابن عمر لا يصلّي إلا إلى سترة (1) .
وكان سلمة بن الأكوع ينصب أحجاراً في البرية، فإذا أراد أن يصلِّي، ثم صلَّى إليها (2) .
في هذا الأثر: لافرق بين الصحاري والعمران، وظاهر الأحاديث السابقة، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، يؤيّد ذلك، كما نص عليه الشوكاني (3) .
قال العلامة السفاريني -رحمه الله تعالى-: ((اعلم أنه يستحب صلاة المصلّى إلى سترة اتّفاقا، ولو لم يخش مارّاً، خلافاً لمالك، وأطلق في ((الواضح)) : يجب من جدار أو شيء شاخص، وعرض السترة أعجب إلى الإمام أحمد)) (4) .
والإطلاق اصح، لأن ((التعليل المذكور مجرد رأي، لا دليل عليه، وفيه إهدار بمجرد الرأي للنصوص الموجبة لاتخاذ السترة وقد سبق ذكر بعضها، وهذا لايجوز، وبخاصة أنه يمكن أن يكون المار من الجنس الذي لايراه الإنسي، وهو الشيطان، وقد جاء ذلك صريحاً من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله)) (5) .
قال ابن خزيمة بعد ذكره لبعض الأحاديث التي فيها الأمر باتّخاذ السّترة: ((فهذه الأخبار كلها صحاح، قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المصلّي أن يستتر في صلاته.
وزعم عبد الكريم عن مجاهد عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى إلى غير سترة، وهو في فضاء (6)
، لأن عرفات، لم يكن
(1) 2 (أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) : (2/9) وفي إسناده ضعف، ويشهد له ما قبله
(2)
3 (أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) : (1/278) .
(3)
4 (نيل الأوطار: (3/6) .
(4)
5 (شرح ثلاثيات المسند: (2/786) .
(5)
6 (تمام المنة: (ص 304) .
(6)
* (الحديث ضعيف، كما نبه عليه الالباني في ((تمام النة)) : (ص 305)) وقال: ((وهو مخرّج عندي في ((الأحاديث الضعيفة)) : رقم (5814) مع أحاديث أخرى بمعناه)) ..
بها بناء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستتر به النبي صلى الله عليه وسلم!! وقد زجر صلى الله عليه وسلم أن يصلّي المصلي إلا إلى سترة، فكيف يفعل ما يزجر عنه صلى الله عليه وسلم؟!)) (1) .
قلت: وعدم وجود البناء لا يمنع من اتخاذ السترة، وقد وقع التصريح بذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
فعن ابن عباس قال: ((يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار)) (2) .
وورد عنه من طريق آخر صحيح أنه قال:
((ركزت العنزة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، وصلّى إليها، والحمار من وراء العنزة)) (3) .
قال ابن التركماني:
((قلت: لا يلزم من عدم الجدار، عدم السترة، ولا أدري ما وجه الدليل في رواية مالك على أنه صلى إلى غير سترة)) (4) .
نقول بعد ما تقدم:
[1/15] تبيّن لنا بوضوحٍ: خطأ مَنْ يصلّي ولم يستتر بسترةٍ بين يديه، حتى لو أمن مرور الناس، أو كان في فضاء، ولا فرق بين مكة وغيرها في أحكام السّترة على الإطلاق (5)
(1) 1 (صحيح ابن خزيمة: (2/27-28) .
(2)
2 (أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : رقم (76) و (493) و (861) و (1857) و (4412) وأحمد في ((المسند)) : (1/342) ومالك في ((الموطأ)) : (1/131) وغيرهم.
(3)
3 (أخرجه أحمد في ((المسند)) : (1/243) وابن خزيمة في ((الصحيح)) : (840) والطبراني في ((المعجم الكبير)) : (11/243) وإسناد أحمد حسن.
(4)
4 (الجوهر النقي: (2/273) . وانظر ردوداً أخرى في ((أحكام السترة)) : (ص 88 وما بعدها) .
(5)
5 (انظر معتمد القائلين بأنه لا سترة بمكة، وأنه يجوز - هنالك- المرور بين يدي المصلين والرد عليه في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) : رقم (928) وكتاب ((أحكام السترة في مكة وغيرها)) : (ص 46-48) و (ص 120-126) ، وتقييد المرور بالضرورة أمر لا مندوجة عنه، وخصوصاً في حالة الازدحام الشديد، وقد قال به الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) :(1/576) والزرقاني في ((شرحه على مختصر خليل)) : (1/209) ، والله اعلم.
[2/15] واستحب بعض أهل العلم أن يجعل المصلّى السترة إلى يمينه قليلاً أو إلى شماله، ولا يستقبلها استقبالاً (1) ، ولا دليل يصح في ذلك (2) ، وعليه فكلّ جائز (3) .
ومن الجدير بالذّكر:
[3/15] أن مقدار السترة المجزئة، التي تستر المصلّي، وتدفع عنه ضرر المارّ، طول مؤخّرة الرّحل، ولا يجوز أن يكتفي المصلّي في وقت السَّعة بما دون ذلك، ودليله:
عن طلحة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخّرة الرحل، فليصل، ولا يبالي مَنْ مرّ وراء ذلك (4) .
وعن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلّي، فقال: كمؤخرة الرحل (5) .
وعن أبي ذر قال:
(1) 6 (انظر - مثلاً - ((زاد المعاد)) : (1/305) .
(2)
انظر تفصيل ذلك في ((نصب الراية)) : (2/84) و ((أحكام السترة)) : (ص 113 -115)
(3)
8 (أحكام السترة: (ص 45) .
(4)
1 (أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : رقم (499) .
(5)
2 (أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : رقم (500) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود (1) .
وأهل العلم يرون أن تأخير البيان، عن وقت الحاجة، لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما سئل عما يجزىء، فلو كان يجزىء أقل من ذلك، لما جاز أن يؤخّره عن وقت السؤال (2) .
والرّحل مقداره ذراع، كما صرح به عطاء وقتادة والثوري ونافع (3) ، والذراع ما بين طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى (4) ، ويقدر بـ (2و46) سم (5) .
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى العنزة والرمح ونحوهما، والمعلوم أنهما من الدّقة بمكان، وهذا يؤكّد أن المقصود ببلوغ السترة ذراعاً في الطول لا في العرض.
قال ابن خزيمة: ((والدليل من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد مثل آخرة الرّحل، في الطول لا في العرض، قائم ثابت، منه أخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان تركز له الحربة، يصلي إليها، وعرض الحربة لا يكون كعرض آخرة الرحل)) (6) .
وقال أيضاً:
(1) 3 (أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : رقم (510) .
(2)
4 (أحكام السترة: (ص 29) .
(3)
5 (انظر: ((مصنف عبد الرزاق)) : (2/9، 14، 15) و ((صحيح ابن خزيمة)) : رقم (807) و ((سنن أبي داود)) : رقم (68) .
(4)
6 (لسان العرب: (3/1495) .
(5)
7 (معجم لغة الفقهاء: (ص 450، 451) .
(6)
8 (صحيح ابن خزيمة: (2/12) .
((وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستتار بالسهم في الصلاة، ما بان وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أراد بالأمر بالاستتار، بمثل آخرة الرحل في طولها، لا في طولها وعرضها جميعاً)) (1) (.
وعليه: فلا يجوز اتخاذ الخط سترة، مع القدرة على اتخاذ غيره، ولو كان عصا أو متاعاً أو خشبة أو تراباً، حتى لو جمع حجارةً فوق بعضها بعضاً، كما فعل سلمةُ بن الأكوع رضي الله عنه.
ومن الجدير بالذّكر: أنّ حديث اتّخاذ الخطّ سترة ضعيف، أشار إلى ضعفه سفيان بن عيينة والشافعي والبغوي وغيرهم.
وقال الدارقطني: لا يصح ولا يثبت. وقال الشافعي في ((سنن حرملة)) : ولا يخط المصلي بين يديه خطاً، إلا أن يكون ذلك في حديث ثابت، فيتّبع.
وقال مالك في ((المدونة)) : ((الخط باطل)) .
وضعّفه من المتأخرين ابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهم (2) .
بقي بعد هذا أن يقال:
[4/15] إن المأموم لا تجب عليه سترة، والسترة في صلاة الجماعة من مسؤولية الإمام، ولا يتوهم متوهم أن كلّ مصلّ سترته المصلّي الذي أمامه، فإن ذلك لا يكون في الصّف الأوّل، ثم إنه يقتضي منع المار بين الصفوف، والدّليل على خلافه:
عن ابن عباس قال: جئت أنا والفضل على أتان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فمررنا على بعض الصّفّ، فنزلنا، فتركناها ترتع، ودخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصّلاة، فلم يقل لنا
(1) 6 (المرجع السابق.
(2)
7 (انظر: ((تمام المنة)) : (ص 300-302) و ((أحكام السترة)) : (ص 98-102) و ((شرح النووي على صحيح مسلم)) : (4/216) و ((تهذيب النهذيب)) : (12/199) ترجمة (أبي عمرو بن محمد بن حريث) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً (1) .
وفي رواية: أن الأتان مرت بين يدي بعض الصف الأوّل (2) .
فهذا ابن عباس والفضل يمرّان على حمار أنثى، بين يدي الصف الأول، فلم يردهما أحد من الصحابة، ولم ترد الأتان أيضاً، ثم لم ينكر أحد عليهم ذلك، ولا النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: من الممكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك!! فيقال له: إن لم رآهما النبي
صلى الله عليه وسلم بجانبه، فقد رآهما من خلفه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:((هل ترون قبلتي ها هنا، فوالله لا يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري)) (3) .
قال ابن عبد البر: ((حديث ابن عباس هذا، يخص حديث أبي سعيد: ((إذا كان أحدكم يصلّي فلا يدع أحداً يمر بين يديه)) فإن ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد. فأما المأموم فلا يضرّه مَنْ مرّ بين يديه، لحديث ابن عباس هذا، قال: وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء)) (4) .
ومنه تعلم: أنّ صلاة الجماعة صلاة واحدة بالعدد، لا أنها صلوات بعدد مَنْ
(1) 1 (أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : رقم (504) .
(2)
2 (أخرجه البخاري في ((الصحيحه)) : رقم (1857) .
(3)
1 (أخرجه البخاري في ((الصحيحه)) : رقم (418) و (471) . والكلام السابق من ((أحكام السترة)) : (ص 22) .
(4)
2 (فتح الباري: (1/572) .
فيها، ولذا اكتفي بها بسترة واحدة، ولو كانت صلوات لا حتاج كل مَنْ فيها إلى سترة (1) .
[5/15] فإن لم يتخذ الإمام سترة. فقد أساء، وكان التقصير منه، ولا يجب على كل مأموم أن يتخذ سترة لنفسه، وأن يمنع المار (2) .
[6/15] مسألة: إذا قام المسبوق يقضي ما فاته مع الإمام، خرج عن كونه مأموماً، فماذا يفعل؟
قال الإمام مالك: ((ولا بأس أن ينحاز الذي يقضي بعد سلام الإمام إلى ما قرب منه من الأساطين بين يديه وعن يمينه وعن يساره، وإلى خلفه، يقهقر قليلاً، يستتر بها إذا كان ذلك قريباً، وإن بَعُد أقام، ودرأ المارَّ جهده)) (3) .
وقال ابن رشد: ((إذا قام لقضاء ما فاته من صلاته: فإن كانت بقربه سارية، سار إليها، وكانت سترةً له في بقيّة صلاته، وإن لم تكن بقربه سارية، صلى كما هو، ودرأ من يمر بين يديه ما استطاع، ومن مر بين يديه فهو آثم. أما من مر بين الصفوف، إذا كان القوم في الصلاة مع إمامهم، فلا حرج عليه في ذلك، لأن الإمام سترة لهم. وبالله التوفيق)) (4) .
وهذا الذي قاله الإمام مالك وتبعه عليه ابن رشد، الذي لا ينبغي خلافه، وذلك لأن المسبوق
دخل في صلاته كما أُمر، وليس عليه في ذلك سترة، وحالته مشابهة لمن اتخذ دابة سترة فانفلتت، فليس مقصّراً في تلك الحالة.
ولكن إن تيسّر له اتخاذ سترة، لئلا يوقع المارّين في الإثم، فعليه أن يفعل
(1) 3 (فيض الباري: (2/77) .
(2)
4 (انظر: ((أحكام السترة)) : (ص 21-22) .
(3)
5 (شرح الزرقاني على مختصر خليل: (1/208) .
(4)
6 (فتاوى ابن رشد: (2/904) .